“عيش..حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية”، هتاف ردده ملايين المصريين في بداية عام 2011، خلال أحداث ثورة 25 يناير ، زلزل الأرض من تحت أقدام نظام الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك (العتيق)، لينتهي به الحال بإعلان التنحي عن رئاسة مصر وتفويض القوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، ولكن بعد حوالي 7 أعوام من انطلاق هذا الهتاف، أصبحت كل المطالب التي نُودي بها “هباءً منثورًا”.
النظام المصري الحالي بقيادة وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي، يواجه انتقادات حادة من جميع الدول والمنظمات المعنية بـ حقوق الإنسان في العالم، حتى وصلت إلى حد “الإحراج” من قبل الدول الصديقة للقاهرة والتي كان آخرها إعلان واشنطن، حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى، لعدم إحرازها تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.
وخلال العامين الأخيرين، سُجلِ في مصر العديد من الممارسات من قبل أصحاب النفوذ الثلاث “الجيش والشرطة والقضاء” ضد المواطنين، فأقسام الشرطة شهدت المئات من حالات التعذيب التي سجلتها المراكز الحقوقية، إضافة إلى العشرات من “جرائم القتل” وحالات الاختفاء القسري، علاوة على رصد العديد من الانتهاكات من قبل رجال الشرطة والجيش والقضاء ضد المواطنين العزل.
“أقسام الشرطة والسجون”
مشهد رائع تحاول أن تصدره الدولة التي أنشأت 20 سجنًا منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في يونيو 2014، حيث تنشر وزارة الداخلية المصرية صورًا للمساجين يقومون بالقراءة وينتجون ويعملون، ويتناولون أفضل الوجبات، إضافة إلى ممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة، خلال الزيارات الرسمية لأعضاء البرلمان والمجلس القومي المصري لـ حقوق الإنسان ، لكن الحقيقة غير ذلك.
فسجون مصر التي تبلغ 42 تقريبًا، تحوي آلاف القصص المروعة والحكايات السيئة والأرقام المرعبة عن الانتهاكات التي تمارس داخل أروقة “أقسام الشرطة والسجون”، فبمجرد أن تكتب في محرك البحث العالمي “جوجل”، مقتل مواطن بقسم شرطة ستظهر لك العشرات من الأخبار التي تسجل وقائع القتل في المحاضر الرسمية، والتي عادة ما تنتهي جميعها ببراءة الضباط وأمناء الشرطة، أو إدانة على استحياء.
وبحسب الإحصائية التي أعلنتها “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، شهد العام 2016، 159 واقعة تعذيب في مراكز وأقسام الشرطة ومديريات الشرطة بنسبة 19.9%، و101 واقعة تعذيب في مقار أمن الدولة بالمحافظات المختلفة بنسبة 12.64%، و35 واقعة تم رصدها بمعسكرات قوات الشرطة بنسبة 4.4%، و6 وقائع في المؤسسات العقابية بنسبة 0.75%.
كما رصدت المنظمة العربية لـ حقوق الإنسان الانتهاكات التي وقعت ضد المصريين من قبل الأجهزة الشرطية في الربع الثالث من العام الحالي والتي بلغت 56، في مختلف المحافظات المصرية عدا سيناء، حيث توفي 34 محتجزًا داخل مقار الاحتجاز المصرية المختلفة، بينهم 3 محتجزين قتلوا جراء التعذيب على أيدي بعض أفراد الأمن داخل مقار الاحتجاز، و27 محتجزًا توفوا نتيجة للإهمال الطبي، بالإضافة إلى 4 محتجزين توفوا بسبب الفساد المتفشي في إدارات مقار الاحتجاز.
ووثقت المنظمة مقتل21 مواطنًا بالتصفية الجسدية المباشرة عن طريق الأجهزة الأمنية أثناء عمليات القبض عليهم خلال نفس الفترة، وخلال الربع الثالث من العام 2017، بلغ عدد من تعرضوا للقبض التعسفي على خلفية اتهامهم بقضايا معارضة السلطات 801 شخصا، بينهم 19 قاصرًا، معظمهم تعرض للاختفاء القسري لمدة تزيد عن 24 ساعة، مشيرةً إلى أنها تلقت شكاوى حول اختفاء 309 شخصًا قسريًا خلال ذات الفترة.
وفي تقرير لمنظمة “هيومنرايتسووتش”، في سبتمبر الماضي، اتهمت ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في مصر، بـ”تعذيب المعتقلين السياسيين” بشكل روتيني، بأساليب متنوعة بينها وضعية “الشواية”، و”الصعق بالكهرباء” وأحيانًا “الاغتصاب”.
وقالت منظمة العفو الدولية ‘‘إن السلطات المصرية تقاعست عن إجراء تحقيقات كافية في الغالبية العظمى من الحالات التي زُعم أنها انتهاكات لـ حقوق الإنسان ، بما في ذلك حالات التعذيب، والاختفاء القسري، والوفيات في الحجز، واستخدام القوة المفرطة على نطاق واسع من جانب قوات الأمن منذ عام 2011، كما تقاعست عن تقديم مرتكبي هذه الأفعال إلى ساحة العدالة‘‘.
وذكرت أن مسؤولي النيابة عادة ما كانوا يرفضون التحقيق في شكاوى المقبوض عليهم من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وكذلك التحقيق في الأدلة التي تثبت أن قوات الأمن قد لفَّقت تواريخ القبض في حالات الاختفاء القسري.
وخلال عام 2016 فقط رصدت 22 حالة انتهاك من قبل أمناء الشرطة الأقل نفوذًا من الضباط واللواءات، تنوعت ما بين “قتل وسرقة واعتداء واغتصاب وابتزاز جنسي” في تعاملاتهم مع المواطنين في الحياة النوعية، وتعد الواقعة الأبرز والتي تحولت إلى قضية رأي عام هي واقعة قتل أربعة من أمناء الشرطة في 23 يوليو بائع حيوانات بسوق الجمعة بإمبابة في محافظة الجيزة؛ بسبب رفضه دفع مبلغ مالي كـ”إتاوة” لأحد أمناء الشرطة؛ فقاموا بتعذيبه داخل قسم شرطة إمبابة؛ حتى فارق الحياة، وقاموا بإلقاء جثته في النيل، وأكدت الروايات الرسمية أن المتهم كان يتاجر في المخدرات، وانتهت القضية بإخلاء سبيل الأمناء الأربعة.
وتعد الواقعة الأشهر لجرائم ضباط الشرطة المصرية، مقتل المواطن المسيحي مجدي مكين (سائق عربة كارو) والذي توفي بعد القبض عليه بـ24 ساعة إثر خلاف بينه وبين ضابط شرطة على أولوية المرور.
وعن التعذيب في المقار الشرطية المصرية، يحكي الناشط السياسي، محمود محمد، المعروف إعلاميًا بـ”معتقل التيشيرت” والذي استمر حبسه لمدة تزيد عن عامين على خلفية ارتدائه قميصًا مكتوب عليه “وطن بلا تعذيب”، التعذيب في السجون المصرية والمقار الشرطية أمر اعتيادي، حيال أي واقعة لا ترضي الضباط والمسؤولين.
وأضاف: قبض عليّ في 24 يناير 2014 بسبب العبارة المكتوبة على التيشيرت، حيث سألني الضابط في أحد الأكمنة عن ماذا أقصد، فرددت بتلقائية (أنا راسم اللي شايف نفسه على التيشيرت)، ولأجلها حبست 27 شهرًا”.
وتابع: “التعذيب داخل السجون أمر اعتيادي ففي أحد حفلات التعذيب لما دخلت السجن اعتدى عليّ لمجرد أن الضابط علم أني مصاب بقدمي، ما أدى إلى احتياجي لتغير مفصل الحوض، كل هذا حدث لي وأنا طفل أبلغ من العمر حينها 16 عامًا، ليضيع عمري داخل أروقة السجون”.
“الجيش يقتل”
الانتهاكات لم تقتصر على قوات الشرطة فقط، ولكنها امتدت إلى الجيش المصري وخصوصًا في محافظة شمال سيناء والتي تشهد “حرب عصابات وشوارع” بين الجيش المصري وأعضاء الجماعات الإرهابية والوصولية المتطرفة، لكن القوات المصرية رغم “تهجير” أهالي بعض المناطق، ارتكبت انتهاكات عدة ضد المدنيين في المنطقة.
فقد قتل 160 مدنيًا بينهم 154 شخصًا، ذكر الجيش أنهم قتلوا خلال مواجهات أمنية وفق بيانات رسمية غير مصحوبة بأدلة و6 آخرين قتلوا بصورة عشوائية خلال عمليات الجيش الأمنية في سيناء خلال الربع الأول من العام الجاري، بينما بلغ عدد المعتقلين في سيناء أثناء ذات الفترة، 325 شخصًا، بينهم 8 مطلوبين أمنيًا و227 بدعوى الاشتباه، وفقًا لعدة تقارير حقوقية.
ولم تقتصر الانتهاكات على المناطق الملتهبة في مصر، لكنها امتدت لتشمل التعاملات العادية مع المواطنين، وتعد الواقعة الأشهر هي اعتداء ضابط الجيش على الممثل المصري عمرو واكد (المعارض للنظام المصري) خلال عرض خاص بأحد الأفلام الجديدة، إضافة إلى عشرات الوقائع الأخرى التي عادة ما تنتهي بالتصالح فور انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي لخوف المجني عليهم من سلطة ونفوذ المتهمين.
“قضاة في مرمى الظلم”
وكحال المؤسستين الأمنيتين في مصر.. (الجيش والشرطة)، يعيش رجال السلك القضائي المصري في ذات “البرج العاجي” الذي يحميهم من الحساب بسبب نفوذهم، وشبكة علاقاتهم القوية، ففي مارس الماضي، نشر الصيدلي هيثم حلفاوي، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” واقعة مصورة بالفيديو لاعتداء قاضي على زميله الصيدلي أحمد عبدالله مرتين بالسب والأيدي، قبل اتصاله بقوة من الشرطة التي حضرت على الفور وأغلقت الصيدلية.
وتتعدد جرائم القضاة في مصر، ما بين اغتصاب وانتهاك للحرمات مرورًا بالرشاوى والمحسوبية وانتهاءً بالقتل، فسجلت للقضاة ووكلاء النيابة العشرات من حالات الاعتداء، والتي ذكر عنها المحامي المصري محمد صبحي المعني بحقوق الإنسان، أن حالات الاعتداء في مصر متعددة فهناك العشرات بل المئات من الحالات التي سجلت ضد “رجال الشرطة والقضاء والجيش”، وعادة ما تنتهي إلى لا شيء، لأسباب عدة بينها “النفوذ” الذي يملكونه.
وأوضح أن تلك الحالات لا تقارن بما يحدث من قبل وكلاء النيابة في غرف التحقيقات، وأيضًا ما يحدث في أروقة المحاكم، إضافةً إلى الانتهاكات المعلومة والمسجلة للمحتجزين في السجون والتي لا تفرق بين معتقل سياسي أو جنائي، مشيرًا إلى أن العديد من المحتجزين والمحكوم عليهم يخرجون من محبسهم حاملين للعديد من الأمراض العضوية وأيضًا النفسية التي توثر على بعضهم في بقية حياتهم إذا لم يخضعوا للتأهيل.