التوتر الذي يحيط بالعلاقات بين دولة قطر وجيرانها “السعودية والإمارات والبحرين” ليس وليد الفترة الأخيرة، ولكنه يعود إلى عقود عدة حتى قبل استقلال الإمارة الخليجية الصغيرة عن الاحتلال البريطاني عام 1971، حيث تشهد العلاقات الثنائية مع الآخرين وخاصة جيرانها مناوشات مستمرة أدت في بعض الأحيان إلى نشوب المعارك.
الأزمة الأخيرة بين قطر ودول المقاطعة “مصر والسعودية والإمارات والبحرين” تعد واقعة غير مسبوقة، ولكن لم تكن الأولى في تاريخ العلاقات مع الدوحة، لكن الشد والجذب بين الجيران مستمر منذ عشرات السنين، فالإمارة الصغيرة الواقعة شرق السعودية والتي تربطها حدود جغرافية مع السعودية والإمارات والبحرين، حاولت على مدار عشرات السنين أن يكون لها صوت في المنطقة، وآلة إعلامية تستخدمها أنى شاءت. “مواطن” حاولت في هذا التقرير “النبش” في دفاتر الماضي من أجل البحث معرفة النزاعات التاريخية بين البلدان الخليجية.
”قطر والسعودية“
مرت العلاقات القطرية السعودية بأزمات متعددة منذ حصول الدوحة على الاستقلال من الاحتلال البريطاني، ولعل أبرزها أزمة ترسيم الحدود عام 1992، والتي تعود جذورها إلى بداية القرن التاسع عشر حين طالبت المملكة بضم قطر إليها باعتباها جزءا من أقليم الأحساء، حتى تم توقيع اتفاقية ترسيم حدود بين الجارتين عام 1965، إلا أن الأمور تفاقمت في عام 1992 عقب حادثة “الخفوس” والتي أدت إلى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين.
وزعمت الحكومة القطرية حينها أن قبيلة آل مرة ساندت القوات السعودية في تلك الحادثة وقامت بمواجهة القوة القطرية، وحاولت السلطات السعودية احتواء الأزمة، عن طريق استرضاء بعض رجال قبيلة آل مرة واستمالة بعض الموجودين منهم في قطر، لتتهم الدوحة الرياض بأنها عمدت إلى استغلال بعض أفراد القبيلة في عملية الانقلاب عام 1995 ضد الحكومة القطرية، بالتعاون مع الأمير الأسبق خليفة آل ثاني.
ومع بداية عام 1996، سعى البلدان إلى محاولة تجنب الصدام برعاية مصرية، وشكلا لجنة لترسيم الحدود، وأعلن الجانبان عن اتفاقهما على إنهاء ترسيم الحدود واستئناف أعمال اللجنة الفنية المشتركة لإنهاء اختيار إحدى شركات المسح العالمية ووضع المواصفات الفنية للقيام بمسح وتحديد لنقاط الحدود بين البلدين على الطبيعة.
لكن الود بين البلدين لم يدم طويلاً، ليشهد شهر ديسمبر في العام ذاته أزمة دبلوماسية بعد اختيار القمة الخليجية التي عقدت في مسقط واختيار جميل بن إبراهيم الحجيلان أمينًا عامًا لمجلس التعاون الخليجي، مقابل مرشح قطر، عبد الرحمن بن حمد العطية، ليتهم أمير قطر حينها السعودية بالوقوف ضد مرشح بلاده، ويقاطع الجلسة الختامية للقمة الخليجية.
وساءت الأمور أكثر بين البلدين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي رتبها الأمر خليفة ضد ابنه الذي انقلب عليه في السابق من أجل العودة إلى الحكم، رغم أنه كان مقيمًا آنذاك في أبوظبي، لتوجه الدوحة أصابع الاتهام إلى حكام آل سعود مستعينة بوسائل الإعلام المناوئة للملكة، ودعمتها ماديًا.
ولعبت قناة الجزيرة القطرية دورًا كبيرًا في إشعال الأزمة حين تطرق أحد برامجها لمؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود في عام 2002، ما أدى إلى سحب المملكة سفيرها صالح الطعيمي من الدوحة دون إعلان، أعقبتها زيارة من رئيس وزراء الدوحة ووزير خارجيتها حينها حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إلى السعودية، داعيًا حكام المملكة إلى فتح “صفحة جديدة”، وهو ما وافقت عليه الرياض بشرط أن تكف وسائل الإعلام القطرية عن التطرق لشؤونها.
وظلت المناوشات بين البلدين في الخفاء، حيث كانت تسعى الدوحة إلى الظهور إقليميًا محاولة استغلال آلتها الإعلامية المنتشرة في المنطقة، وهو ما ظهر واضحًا منذ أحداث ثورات الربيع العربي، حيث بدت الدوحة في خلاف دائمًا مع الرياض في شتى المواقف فدعمت الأخيرة جماعة الإخوان في مصر، وسعت إلى التنسيق مع تركيا بشأن الموقف في سوريا.
ورغم دعمها العديد من القرارات الخليجية والدولية مثل الحرب في ليبيا، إلا أنها خالفت بلدان الجوار في ملفات أخرى كالتعامل مع “حماس” و”حزب الله”، كما أنها تواجه اتهامات بدعم الحوثيين في اليمن رغم مشاركتها في التحالف العرب في صنعاء، فضلاً عن استضافتها رموز جماعة الإخوان في مصر.
”الدوحة والمنامة“
عاشت قطر أزمة أخرى مع جارتها البحرين بخصوص ترسيم الحدود، والتي استمرت منذ عام 1937 حتى عام 2001، على منطقة الزبارة التي كانت تابعة للمنامة، والواقعة ضمن شبه الجزيرة القطرية في الناحية الشمالية الغربية منها والتي هاجمتها الدوحة مؤكدة أنها تتبع حدودها، وادعت المنامة أن قطر استولت على جزر حوار وجزيرة فشت دبل وجزر أخرى صغيرة تابعة للبحرين تشكل في مجموعها ثلث مساحة البحرين، وتدخل الاستعمار البريطاني والذي كان يفرض سيطرته على أجزاء واسعة في الشاطئ الشرقي لشبه الجزيرة العربية لحل الأزمة.
وفي شهر أبريل عام 1986 أنزلت قطر قواتها على جزيرة فشت الدبل البحرينية، واحتجزت 29 من الموظفين وعمال البناء الذين كانوا يعملون في إنشاء مخفر لشرطة السواحل، وتدخلت السعودية بقيادة الملك فهد بن عبد العزيز لحل الأزمة والإفراج عن الرهائن، والذي تم بعد 17 يومًا، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة لترسيم الحدود وفي حالة عدم التوصل لحل يسمح لكلا الطرفين باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل الأزمة.
ولجأت الدولتان إلى محكمة العدل والتي أصدرت حكمها في مارس عام 2001 بأحقية قطر في الزبارة، وأعلنت الجارتان رضاهما عن الحكم الصادر، وتم إنهاء الأزمة، وبقيت الدولتان في علاقات دبلوماسية معًا.
وواجهت الدوحة اتهامات من المنامة عام 2011 بدعم الاحتجاجات التي انطلقت في البحرين، وتقدمت المنامة باحتجاج إلى حكومة قطر بسبب فيلم بثته قناة الجزيرة التابعة للحكومة القطرية، يسلط الضوء على الاحتجاجات المستمرة من قبل الشيعة في البحرين ضد الحكومة.
وشهد شهر مارس عام 2014 اندلاع أزمة عنيفة بين البلدين، حين أعلنت دول “البحرين والإمارات والسعودية” سحب سفرائهم من الدوحة للمرة الأولى في تاريخ دول التعاون الخليجي منذ تأسيسه، وجاء التصعيد ردًا على السياسة القطرية؛ التي “تتنافى مع الاتفاق الأمني الذي وقَّعه قادة الدول الست الأعضاء بالمجلس في يناير 2014، بحسب البيان المشترك الخاص بسحب السفراء.
”قطر والإمارات“
المشهد القطري مع السعودية والبحرين لم يختلف كثيرًا في العلاقات بين الإمارة الخليجية الصغيرة ودولة الإمارات، حيث كانت الدول الثلاث تحاول السيطرة على الدوحة قبيل التأسيس على الحدود الحالية، ثم دخلت هذه الدول في صراعات حدودية بعد ذلك مع قطر بعد التأسيس، وسرعان ما تحول الأمر إلى صراع خليجي مكتوم بعد إرساء عدة تحالفات خليجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتعد تصريحات مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن قطر، إبان توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، عقب مهاجمة وزير خارجية قطر حينها للقاهرة أشهد دليل على العلاقات بين البلدين، حيث قال زايد: “إنه لا يمكن مقارنة شعب يبلغ 65 مليون نسمة بسكان فندق واحد”.
وأضاف الشيخ زايد آل نهيان، خلال حديث لرؤساء تحرير الصحف المصرية فى القاهرة، أنه يجب على قطر تحديد الشخص المسؤول الذي يمكن الحديث معه بشكل رسمى وليس وزير الخارجية؛ لأن حديثه مرفوض.
” data-type=”URL” data-id=”
https://www.youtube.com/watch?v=6d0ysp1Vi2o
” target=”_blank”>تصريحات الشيخ زايد:
وعقب انقلاب حاكم قطر السابق الأمير حمد بن خليفة على والده، حاولت أبوظبي منع ذلك، حيث هاجم الشيخ زايد الأمير الجديد خلال قمة دول التعاون الخليجي، كما استضافت أبوظبي الأمير المخلوع، واتهمتها قطر مع السعودية بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة من الأب عام 1995.
” target=”_blank”>تصريحات الشيخ زايد في قمة التعاون:
وكانت الإمارات، إلى جانب السعودية والبحرين، في قرار سحب السفراء، عام 2014، ورغم إعلان الدول الثلاث أن السبب استخدام الدوحة آلتها الإعلامية في التدخل في شؤون الدول داخليًا، إلا أن السبب الرئيسي كان بسبب دعم جماعة الإخوان، ورفضها للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، رغم أنه كان ما زال مرشحًا محتملاً لرئاسة مصر، حيث لم يتولَّ المنصب سوى في يوليو من العام ذاته.
”مواقف مشتركة“
وبرغم الخلافات التاريخية السابقة إلا أن الأزمة بين قطر وجيرانها، تحتوي على عدة أسباب رئيسية، لعل أهمها الاتهامات الموجهة للدوحة بدعم الجماعات الإسلامية، والتي يأتي في مقدمتها “جماعة الإخوان” في مصر و”حزب الله” في لبنان و”حركة حماس” في فلسطين، بسبب استضافتها لأنصار هذه الجماعات في بلادها، واستقبال أمير قطر الحالي حمد بن خليفة لهم وعقد لقاءات معهم.
وتواجه الدوحة اتهامات عدة بدعم الجماعات الإسلامية والمسلحة في المنطقة بداية من “مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن” ماديًا، وإنفاقها مليارات الدولارات من أجل التسليح، وأنها تلعب دورًا محوريًا في تأجيج الأزمات في الدول العربية، فدول الجوار بالنسبة للدوحة ترى أن جماعة الإخوان والحركات المسلحة خطر يداهم أمنها القومي، ويهدد أمن المنطقة.
وتعد العلاقات “القطرية الإيرانية” النقطة الأكثر إثارة في الأزمات المتوالية بين قطر ودول الجوار، حيث إن طهران تسعى إلى فرض نفوذها بالعديد من الدول في ظل الحرب التاريخية بينها وبين السعودية والإمارات والبحرين والعراق، ترتبط قطر وإيران بعلاقات وثيقة، في حين تمتنع الدوحة عن انتقاد الأنشطة الداخلية والخارحية لطهران، عكس كل الدول الخليجية الأخرى.
وتتمتع العلاقات الثنائية بين البلدين بالقوة، فبعد انتهاء حرب الخليج رحب أمير قطر السابق حمد بن خليفة بالمشاركة الإيرانية في الترتيبات الأمنية للخليج العربي، ولكن مقاومة دول الخليج العربي وخاصة السعودية والإمارات والبحرين لم تثمر هذه الجهود القطرية قط، وتحافظ قطر على التعاون الأمني والاستخباراتي مع إيران من خلال العلاقات الثنائية.
وبعد إعلان الدول العربية الأربعة “مصر والسعودية والبحرين والإمارات” قطع علاقاتهما مع قطر، وفرض حصار اقتصادي عليها، سارعت طهران بإعلان دعمها للدوحة ووقوفها إلى جوارها في شتى المجالات، وهو ما وافقت عليه قطر سريعًا، رغم أن الدول الأربع طالبت الإماراة الخليجية بـ”خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق ملحقياتها، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دوليًا على إيران وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع طهران”.