لم يكن يتخيل سلمان بن عبدالعزيز ، الذي تولى الحكم عن عمر يناهز 78 عاما، أن يكون على سدة الحكم في يوم من الأيام، بل لم يكن ذلك في حسبانه مطلقا، فقد كانت أقصى أمانيه، أن يكون مستشارا لأخ من إخوانه الملوك أو ولاة العهد أو أميرا على إحدى المناطق. فالأميران سلطان ونايف -عقبتان في الظروف الطبيعية- لا يمكن الخلاص منهما فأحدهما ولي للعهد والآخر ولي لولي العهد، وتحت أي ظرف من الظروف إن مات أحدهما فسيكون الآخر وليا للعهد ومن ثم سيحكم المملكة عاجلا أو آجلا بعد موت الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
لكن الرياح مع ‘‘سلمان‘‘ أتت بما تشتهيه السفن، حيث جاءت وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز في 2011، الذي كان ولي عهد المملكة العربية السعودية والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء بالفترة من 1 أغسطس، 2005 إلى 22 أكتوبر، 2011، ووزير الدفاع والطيران – وهو المنصب الذي شغله نصف قرن – والمفتش العام من عام 1962 حتى وفاته، ليفتح الباب للرجل العجوز في أن يكون في الزمرة المقربة جدا من الحاكم والمؤهلة لتكون في ولاية العهد.
ثم كانت الضربة القاصمة الأخرى التي أسعدت سلمان -رغم الحزن الذي عم المملكة- وهي وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي تولى ولاية العهد خلفا لأخيه سلطان، فـ‘‘رُب ضرة نافعة‘‘ حيث جاء موت الأخوين فاتحا لأبواب الأمل على مصراعيها لسلمان بن عبدالعزيز بعد أن أغلقت تماما، ليكون ولي العهد للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ، ثم ملكا من بعده في عام 2015.
الشيء بالشيء يذكر .. فما حدث مع الملك الأب حدث مع الملك الابن المنتظر أو بلغة أدق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فأيضا لم يكن يتخيل بن سلمان ذلك الشاب الذي لم يبلغ الـ35 من عمره أن يكون داخل هذه المنظومة الحاكمة والمتحكمة في مقاليد الأمور، فقد كان الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا للعهد والأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وما أغلق الأبواب في وجه بن سلمان أن ابن نايف يعد في عُرف الحكام صغيرا في السن، فقد تولى ولاية العهد في الـ57 من عمره، وإن تولى الحكم فسيعمر طويلا.
لكن وبدون سابق إنذار، وفي صباح يوم لم يكن يستعد له أو يتوقعه الشعب السعودي، تم إعفاء الأمير مقرن من منصب ولاية العهد في إبريل 2015، وذلك عبر أمر ملكي تلاه الملك سلمان مؤكدا أنه جاء بناء على رغبته، وجاء فيه أيضا تولي بن نايف ولاية العهد، ويكون محمد بن سلمان وليا لولي العهد.
ولم يمر عامان حتى انقلبت الدنيا رأسا على عقب بعد صدور الأمر الملكي بإعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه في ولاية العهد ومن منصب وزير الداخلية وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد.
وهنا التساؤل هل كانت هذه التغييرات ووصول الملك سلمان بن عبدالعزيز، لسدة الحكم في المملكة، وتعيين نجله محمد بن سلمان وليا للعهد أمرا مدبرا، مبيتا له بليل؟ أم أن الظروف والأقدار ساقتهم لهذه المكانة والمرموقة بناء على خبرات وقدرات خولتهم ليكونوا هكذا؟.
نايف ورحلة الموت الأخيرة
نقلت وكالة أنباء عراقية، عن مصادر مطلعة قريبة، من الأسرة الحاكمة في السعودية أن صراع السلطة قد ترتفع وتيرته بعد وفاة ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز، وأن هناك شكوكا حول سبب وفاته حيث كان بصحة جيدة عند ذهابه الى خارج السعودية في رحلة نقاهة، وإجراء فحوصات طبية اعتيادية، وتم التقاط صورة له، قبل وفاته بيوم واحد وهو جالس في أحد المطاعم يتناول وجبة الغداء بشكل طبيعي، ثم فجأة أُعلن خبر وفاته بظروف غامضة ولم يعرف إلى الآن السبب الحقيقي وراء موته.
وقد ذكرت مصادر أخرى، أن الأمير نايف تعرض إلى عملية اغتيال من قبل المخابرات الأمريكية بسبب خوف الولايات المتحدة من توليه لمقاليد المملكة بعد وفاة الملك الحالي “عبد الله بن عبد العزيز” في حين أن هناك معلومات أخرى أكدت وجود خلاف داخل الأسرة الملكية، أدى إلى قتل نايف من قبل المخابرات السعودية نفسها، وهو يتلقى العلاج في الخارج وذلك لإتاحة الفرصة أمام سلمان بن عبد العزيز ليكون بديلاً للملك عبد الله بن عبد العزيز في حال وفاة الأخير.
صراع العروش
وبعد تولي ابن سلمان بدأ تطغى على السطح وفي الإعلام لغة الشاب القوي، الذي عكف على تعزيز نفوذه، عبر إجراء سلسلة من اللقاءات مع وسائل إعلامية عالمية مرموقة، والقيام بزيارات منتظمة للولايات المتحدة. والحديث عن لغة اقتصادية جديدة بدلا من النفط، لكن هذه الأمور لم تكن لتعطيه سببا للإطاحة بان عمه بن نايف،
إلا أن محمد بن نايف كان يمتلك نفوذا قويا في الدولة العميقة، حيث إنه كان يتحكم في وزارة الداخلية ذائعة الصيت، والأمن الداخلي، وجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات، علاوة عن ولاء عدد من رجال الدين والقضاة في المجالين القانوني والشرعي في المملكة، لذا كان لابد من إيجاد وسيلة للإطاحة بهذا الرجل الذي يعد العقبة الكؤود أمام سطوة الأمير الشاب.
قال بعض المحللين، إن السبب المباشر لقرار الملك سلمان بعزل ابن نايف، هو الخلاف بشأن التعامل مع الحصار التي فرضته المملكة على دولة قطر، حيث رأى بن نايف أن قطر تعتبر الأقرب لتكون الحليف للملكة وليست الإمارات، على عكس ما يراه ابن عمه الأمير محمد بن سلمان حيث تتقاطع مصالحه مع ابن زايد في الإمارات بينما هناك علاقة وثيقة بين ابن نايف مع تميم في قطر.
وهذا ما كتبه الحساب الشهير “مجتهد‘‘ على “تويتر” قائلا ‘‘بعد قرار الملك عزل بن نايف أن اختبار أزمة قطر شجعت بن سلمان على إقالة بن نايف، وتابع “مجتهد” أن الخطوات التالية قرارات تجميلية تحسن صورة ولد سلمان وحملة اعتقالات ضخمة تشمل أشخاصا في الأسرة الحاكمة“.
وبالفعل سرعان ما أنشئت لجنة مكافحة الفساد برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، وسرعان على غير العادة ما تحققت من رموز الفساد والأسرع أنها أصدرت الأحكام وأظهرت الأسماء واعتقلت الأمراء وكبار مسؤولي الدولة الذين كان من بينهم الأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني، والذي أكدت بعض وسائل الإعلام أنه لم يكن راضيا عن أفعال ابن سلمان، وخاف ولي العهد من انقلابه عليه، وشملت الأسماء الأمير الوليد بن طلال رغم أنه كان متوافقا مع سياسة ابن سلمان.
يقول أيهم كامل، رئيس قسم استشارات المخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا، قال “إن التطهير يزيد من خطر مواجهة محمد بن سلمان للتحديات على المدى القصير“، وأضاف “مع ذلك، فإن حملة التطهير ستمنحه المزيد من السلطة، وتسمح له بمزيد من النفوذ في تنفيذ رؤية 2030، التي أعلن عنها لتغيير هيكل المملكة بشكل عام“.
وكانت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية قد ذكرت أن السلطات السعودية تعرض تسويات مالية على الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين في فندق “ريتز كارلتون” بالعاصمة الرياض، في مقابل الإفراج عنهم.
وقالت الصحيفة ‘‘إن السلطات عرضت الحصول على ما يصل إلى 70% من ثروة في محاولة لتعزيز الإمكانيات المالية للدولة، التي تعرضت لضغوط بسبب انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة‘‘.
بن سلمان ونهاية اللعبة
رغم أنه لم يكن هناك قاعدة أو قانون محدد لنقل السلطة من الجيل الأول الذي مثله ملوك السعودية للجيل الثاني الذي كان أبرزهم محمد بن نايف ومتعب بن عبدالله الرجل القوي، وخالد بن سلطان وهو ابن ولي عهد سابق، لكن من الواضح للعيان أن الأمر آل برمته في النهاية لابن سلمان بفضل والده وبسبب العوامل الأخرى التي تم الحديث عنها.
يعلق أحد المراقبين قائلا “اللعبة انتهت لأن محمد بن نايف هو من كان يمكن أن يقاوم، لكن ما دام قبل فلا معنى لاعتراض خالد بن سلطان أو متعب بن عبد الله“.
وبعد الإطاحة بمجموعة الأمراء، فإنه ظاهريا اللعبة انتهت فوفقاً لما تسرّب من معلومات دولية وإقليمية فإن صراع السلطة والثروة بين محمّد بن سلمان وأغلب أجنحة الأسرة السعودية ومناصريها من رجال المال، كان قد وصل إلى حد الغليان خاصة بعد الإطاحة بوليّ العهد السابق الأمير محمّد بن نايف وتزايدت الرغبة في الانقلاب على الملك وابنه، وكانت ساعة الصفر للتنفيذ هي يوم 5/11 وفقاً لما نشرته بعض المصادر، لذلك سبقهم الأمير الطموح وضرب ضربته.
قال موقع “سبوتنيك” (موقع روسي) إن وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان تمكّن من إحباط محاولة انقلابية كبيرة على حكمه ووالده بقيادة الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وأمراء آخرين وضباط ورجال أعمال.
المستقبل الغامض للمملكة
أصبح المستقبل في ظل قيادة سلمان ونجله غامضا لكثير من المحللين، فبينما يرى فريق أن ما يحدث داخل المملكة هو مستقبل مشرق لها والقرارات التي تتخذ تزيد من فرص بن سلمان في النهضة بالسعودية، بينما يرى آخرون أن السياسات المتسرعة ستعمل على إنهاء حكم آل سعود، والإطاحة بتاريخ ملكي درامي بدأ بالمؤسس الملك عبدالعزيز وسينتهي بحفيده الشاب محمد بن سلمان.
يقول الكاتب عمار عبدالحكيم المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجالات السلام والحداثة والديموقراطية. ‘‘ما لم يتمكن ابن سلمان من إيجاد طرق أكثر مرونة وحنكة في التعامل مع المتغيرات في المنطقة عند دفاعه عن المصالح الجيوسياسية السعودية، فستؤدي سياساته مع الوقت إلى إضعاف الموقف الاستراتيجي للمملكة وإلى فرض نوع من العزلة الدبلوماسية عليها، وهو أمر سيكون له انعكاساته الخطيرة على مستقبل بن سلمان السياسي وعلى الوضع الداخلي ككل‘‘.
وفي السياق ذاته ذكر موقع ‘‘Oil Price ‘‘ البريطاني في تقرير له ‘‘إن ولي العهد الجديد يواجه بعض الضغوط الشخصية كذلك، إذ أسفر عدم إحراز تقدم في حرب اليمن، والاستراتيجية السعودية الوليدة لتحقيق استقرار في سوق النفط، وأزمة قطر عن تراجع كبير في توقعات وكالات التصنيف الدولية الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي. ويظل التأثير السلبي لهذه القضايا تحت السيطرة في ظل الاحتياطات المالية الهائلة في السعودية، ولكن مع تزايد قائمة مبادرات محمد بن سلمان الفاشلة، يتعرض منصبه في المملكة لضغوط متزايدة‘‘.
وعلى النقيض من النظرة غير الراضية عن محمد بن سلمان هناك محللون سياسيون يرون أن التغيير الذي طرأ في المملكة هو تغيير إيجابي ويصب في صالح نهضة السعودية.
وهذا ما أكده الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي قال ‘‘إن تعديل نظام الحكم في المملكة العربية السعودية لم يكن مفاجئاً، لافتًا إلى أنه كان يرتب له منذ أشهر عديدة، مضيفا أن هناك رؤية وسياسة جديدة ستطبقها المملكة في الفترة المقبلة، وذلك من خلال تمكين الشباب من الحكم، لأن تفكيرهم مختلف تمامًا عن جيل الآباء، فالتعديلات الملكية التي أقرها الملك، تعتبر نقلة نوعية وطفرة في نمط الحكم بالسعودية.
وأيضا قال الدكتور سامح عباس، الخبير بالشؤون السياسية الإقليمية، أن الأمير محمد بن سلمان يحظى بتأييد واسع في الأسرة الحاكمة، فضلا عن التأييد الشعبي، إضافة إلى الترحيب على المستويين الإقليمي والدولي، وغير خاف على أحد أن ولي العهد الجديد لديه بصمات واضحة على السياسة السعودية في الفترة الأخيرة، فقد استطاع في وقت قصير الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، والتصدي للحوثيين أذرعها العسكرية في اليمن، كما أن له دورًا واضحًا تصدى لإيران بحسم عندما استطاعت استغلال قطر في ضرب مصالح دول الخليج ومصر والإضرار بأمنها القومي.
وتابع، أن ولي العهد الجديد أيضًا هو مهندس التحول في السياسة الأمريكية تجاه إيران، باعتبارها مصدر الإرهاب في المنطقة، وهو مهندس زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، وهي السابقة التاريخية، واستطاع ترتيب عقد قمة أمريكية إسلامية، بين ترامب والعديد من الزعماء العرب والمسلمين.