صراع كبير يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، يبدو ظاهره بين إيران ودول الخليج فقط، لكنه في الحقيقة صراع طائفي عمره أكثر من 1350 عامًا بين المعسكرين “السني والشيعي”، شهد العديد من الحروب والثورات التي أدت إلى مقتل الآلاف وربما الملايين من أبناء المذهب الواحد، لكن الحقيقة الموجودة الآن أن الصراع الحالي ليس بسبب الخلاف العقائدي فقط لكن بعض المحلليين والمتابعين للموقف، أرجعوه إلى أمور أخرى تتعلق ببعض الدول المستفيدة.
وخلال هذا التقرير، ستحاول “مواطن” إلقاء الضوء على أجزاء من التاريخ الإسلامي لمعرفة السر في الصراع الدائر، وأيضًا للبحث في إن كان الخلاف بين الطائفة السنية والشيعية أكثر من الاتفاق، فضلاً عن أسباب تأجج الخلاف ووصوله إلى مرحلة خطرة في التاريخ الحديث.
“بداية الخلاف”
اختلفت الروايات التاريخية عن بداية الخلافات بين الطائفتين وظهور الشيعة، فبعض الروايات ذكرت أنها ترجع إلى وفاة نبي الإسلام، محمد بن عبد الله، وتحديدًا مع اختيار خليفة المسلمين والبعض أرجعه إلى حادثة كربلاء بعد مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب على أيدي الأمويين، مشيرين إلى أن تلك الفترة كانت إعلانًا عن ظهور مذهب “التشيع”.
وكما اختلفت الروايات حول نشأة الشيعة وبداية الخلاف المستمر حتى الآن، بين الطائفتين اختلفت أيضًا حول ماهيته (سياسي أم ديني؟)، وتذكر الرواية الأولى أن الخلاف كان على الحكم وأن الشيعة يستندون لأحاديث عن رسول الإسلام بأن عليا ابن عمه وزوج ابنته خليفته، على عكس ما يؤمن به أبناء الطائفة السنية بأن النبي محمد بن عبدالله لم يختر خليفة له، وأن صحابة الرسول كانوا على حق بعقد اجتماع واختيار أبي بكر الصديق، خليفةً للمسلمين.
وذكرت رواية أخرى، أن الخلاف بدأ مع أول فتنة في التاريخ الإسلامي، والتي كانت بموت خليفة المسلمين عثمان بن عفان، والتي تسببت في نزاع بين علي بن أبي طالب والذي تم مبايعته كخليفة رابع للمسلمين، ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام حينها، حيث كان يميل الأخير إلى القصاص من قتلة عثمان، في حين أن الأول كان يرى أنه لا بد من وأد الفتنة والنظر في القصاص لاحقًا.
ورغم اختلاف الروايات حول نشأة الخلاف وظهور مذهب “التشيع” فإن الروايات التاريخية تدل على أن الخلاف كان سياسيًا قائمًا عن الأجدر بالحكم، والأحق به من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“الفروقات العقائدية”
العديد من المسلمين يعتقدون أن هناك “فروقات عقائدية” جمة بين الطائفتين الأكبر بالنسبة للمسلمين، لكن في الواقع فإن الأمور المتفق عليها بين الشيعة والسنة أكثر بكثير من الخلافات العقائدية والتي تتبلور في عدة نقاط قليلة.
يعد أبرز الخلافات بين الطائفتين ترتكز حول “العصمة”، حيث يعتقد الشيعة، أن الله منح العصمة من الخطأ للأنبياء ثم للأئمة الاثني عشر حتى يكونوا مرجعًا ودليلاً، ويرى أهل السنة أن العصمة للأنبياء فقط، وتوجد أيضًا نقطة خلافية أخرى حول صحابة النبي محمد فتؤمن الطائفتان أن صحابة رسول الله بشر يخطئون ويصيبون، لكن أهل السنة يرون الصحابة كلهم عدولا والترضي عنهم واجب، ويعتقدون أن أفضل الناس بعد الأنبياء هم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب، ثم باقي الصحابة حسب الأفضلية.
ويرى الشيعة أن صحابة الرسول منهم العادل والفاضل والمنافق والفاسق، وأن أمهات المؤمنين منزهات عن الفواحش، لكنهم يتهمون عائشة بنت أبي بكر، بأنها خالفت شرع الله وخرجت على إمام زمانها ولم تحقن دماء المسلمين وكانت تؤذي الرسول، في الوقت الذي يقول أهل السنة، إن كل أمهات المؤمنين في مرتبة واحدة، وأن عائشة أفضلهن وأحب الناس إلى رسول الله، وزوجته في الجنة.
ويتفق السنة والشيعة أن مصدر التشريع بالنسبة للإسلام هو “القرآن والسنة” وتختلف السنة بين الطائفتين، فيرى أهل السنة أنها (ما ورد عن آل البيت والصحابة) ويرى الشيعة أنها (قول المعصوم)، ويضيف عليهما أهل السنة “إجماع المجتهدين والقياس ومن المصادر الفرعية للمذاهب الأربعة (الحنفية والحنابلة والمالكية والشافعية)، وتضم مصادر التشريع لدى الشيعة (الإجماع والدليل العقلي).
كما يؤمن الشيعة بجواز الاستغاثة والتوسل بالأنبياء والأولياء بالاتفاق مع “الطائفة الصوفية” في الوقت التي يحرم فيه بعض علماء السنة التوسل والاستغاثة، فضلاً عن بعض الفروقات الأخرى كـ”الخمس”، فالسنة يرون أنها واجبة على الكفار فقط، والشيعة يرون أنها واجبة على الكفار وعلى كل مال يغنمه المسلم زائد عن مؤونته السنوية تذهب نصفها إلى الإمام القائم مقام الرسول.
وتضم الخلافات بعض الأمور كـ”زواج المتعة والسجود على التربة الحسينية والأذان والبداء والميراث والخمس”.
“أبرز الحروب”
وحدثت العديد من الحروب والصدامات بين الطائفتين على مدار التاريخ، خصوصًا في العصر “الأموي والعباسي والعثماني”، وخلالهما حدثت العديد من الصراعات أبرزها ثورة النفس الزكية، والمقصود بالنفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب والذي كان يرى أنه الأحق بالخلافة، وقاد مع أخيه إبراهيم ثورة العلويين ضد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وأخذا يعدان العدة ويجمعان الرجال من أجل الانقضاض على المنصور، الذي اضطهد آل بيت محمد بن عبد الله، حتى اضطر إلى الظهور وإعلان الحرب، التي انتهت بمقتله.
وكانت موقعة “فخ” من أشد المعارك بين الدولتين والتي كانت أيضًا في عهد الدولة العباسية في 8 ذو الحجة 169هـ بالقرب من مكة بمكان يسمى فخ، ووقعت المعركة بين الجيش العباسي في مواجهة ثوار من العلويين بزعامة الحسين بن علي (العابد) بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب والذي قتل يوم التروية، وكان معه من بني عمومته إدريس وسليمان ويحيى أبناء عبد الله الكامل، ساندوا وشاركوا في الثورة والحرب ونجوا من المعركة إلا سليمان بن عبد الله الكامل فقد قتل، وشارك معهم إبراهيم بن إسماعيل طباطبا واستشهد.
وكان مع خسارة الشيعة في موقعة فخ، بداية جديدة لهم، فمع نجاة إدريس بن إدريس بن عبد الله مع أبيه وهاجرا إلى مصر ثم المغرب، وأعلن ثورته ضد الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي قتله بالسم، فانتظر البربر ولادة ابنه ليبايعوه.
وتعد دولة الأدارسة الأرهاصة الأولى لقيام الدولة الفاطمية (الشيعية)، والتي قامت في بداية العصر العباسي الثاني في تونس على يد عبيد الله المهدي وتمكنت من التمدد حتى ضمت إليها مصر وأجزاء من الشام والعراق ليتخذ الصراع السني الشيعي منحى جديدًا، فبعد محاولات التمكين التي كانت تسعى لها في مصر، أخذت الدولة الفاطمية وحكامها في قتل كل من يعلن انتماءه السني، حتى تمكن صلاح الدين الأيوبي من إنهاء ما تبقى من الحكم الفاطمي.
ولكن الصدام الذي تسبب في شق وحدة المسلمين “السنة والشيعة”، كما يرى حسن العلوي وعلي شريعتي هو صراع الدولة العثمانية مع نظيرتها الصفوية، فالدولة الصفوية استغلت اضطهاد العثمانيين للشيعة واستمالت بعض رجال الدين البارزين في تلك الفترة أمثال علي الكركي الذي أصبح الحاكم الفعلي في زمن الشاه طهماسب، فعمل على تأليف كتابه الشهير (نفحات اللاهوت في شتم الجبت والطاغوت) الذي اعتبره الكاتبان حسن العلوي وعلي شريعتي بداية الخلاف العقائدي.
وكان التغير الجذري بالنسبة للشيعة في منطقة الشرق الأوسط، مع قيام الدولة الصفوية عام 1501م في إيران ومناطق من العراق وآسيا الوسطى، وقبل هذه المرحلة كانت إيران طبقًا لبعض المؤرخين تابعة للمذهب السني الشافعي عدا أقلية بسيطة من الشيعة.
لكن مع قيام الدولة الصفوية تم اتخاذ المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبًا رسميًا في إيران وسكانها لتتحول إيران من السنة إلى الشيعة، ويرجع البعض سهولة هذا التحول إلى سلمان الفارسي الصحابي الذي ارتبط به الإيرانيون بشدة كونه منهم وكون النبي محمد قد قال في حديث له “سلمان منا آل البيت” كدلالة على رفعة شأنه عند النبي.
“تطور الصراع”
استمر الصراع بين السنة والشيعة على مدار الحكم الإسلامي، بداية من الدولة الأموية والتي شهدت مقتل إمام الشيعة الحسين بن على بن أبي طالب، مرورًا بالدولة العباسية والفاطمية والعثمانية”، بدعوى أن كل حاكم في فترته كان يسعى إلى تأمين حكمه من سطوة الطائفة الأخرى.
وأخذ الصراع مراحل جديدة في العصر الحديث، فمع نجاح الثورة الدينية في إيران عام 1979 ضد حكم الشاه تسببت في تأجيج الخلافات بين الجانبين بعد إحساس الشيعة في الدول العربية بوجود حام لهم، فضلاً عن تصدير طهران إلى الدول العربية المجاورة ما تسبب في قيام الحرب الإيرانية العراقية في ذلك الوقت، نتيجة الطموحات الإيرانية في العراق التي تحوي الكثير من الشيعة في مناطقها الجنوبية.
وعلى مدار الـثمانية والثلاثين عامًا الماضية، استمرت المناوشات بين الدول العربية وإيران، فالدول العربية الكبرى كـ”السعودية واليمن والبحرين والعراق”، ترى خطرًا كبيرًا يحدق بها من وجود إيران في ظل وجود أعداد كبيرة من الشيعة بها، فضلاً عن سعي طهران إلى تقليص الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، عبر زيادة نفوذها وبسط سيطرتها على المنطقة.
ومع ظهور عدة جماعات سنية متشددة في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا ورفضها لكل ما هو دونها من الطوائف الإسلامية الأخرى، أخذ الخلاف يتحول إلى مكان آخر فخلال الأعوام القليلة الماضية، بدأ أنصار الجماعات المتشددة في التصدي إلى الشيعة ومنعهم من إقامة شعائرهم في البلدان التي يقيمون بها، فضلاً عن مواجهتهم وتهديدهم المستمر لإيران.
“المستفيد من الخلاف”
لا شك أن الدول العربية والإسلامية جمعاء تعيش واقعًا ماساويًا، فالجميع محاط بالعديد من المخاطر والتهديدات والتدخلات الأجنية من الدول الكبرى، إضافة إلى العدو المقيم في المنطقة (إسرائيل)، والذي يسعى دومًا إلى التأكيد على أن إيران خطر يحدق بالمنطقة بأسرها، وأنها أشد وطأةً من احتلاله لأراضيها، وما يدعمه من ذلك هو التأكيد دومًا من قبل الحكومات العربية التي ما زالت تقع تحت حراسة غير معلنة من “الولايات المتحدة الأمريكية”.
التاريخ القديم بين “السنة والشيعة” أشار إلى وجود مرحلة قضى فيها على الخلاف، كان ذلك في فترة الحملات الصليبية، والتي ساعدت في توحيد الطائفتين والتصدي للهجمة الأوروبية الشرسة على بلاد الشام، والقضاء عليها. ليبقى التساؤل مطروحًا بين “السنة والشيعة” هل ينتهي الصراع بينهما لمواجهة الاحتلال ومحاولات تحويله إلى صراع طائفي في كل البلدان، كما يحدث الآن في العراق وسوريا واليمن ولبنان؟!.