على غير عادة التصريحات العمانية الدبلوماسية الإنشائية العامة، أوضح مسؤول عماني لم يتم الكشف عن اسمه بصراحة غير معتادة في حوار مع “عين الشرق الأوسط” نشر في تاريخ 19 ديسمبر 2017م أن سلطنة عمان ستسعى لإيجاد تحالفات بديلة لعلها ستكون مع إيران حتى في حال استمرار انحدار الوضع الخليجي للمزيد من الفرقة والخلاف. وقد قدم بشكل مقتضب تحليلا سريعا عن العلاقة بين عمان وحلفائها، وأبدى لومه الشديد لسياسة بريطانيا قصيرة النظر مع الشرق الأوسط، وتحدث عن استعداد عمان المنطقي للذهاب في تحالفات جديدة تتجاوز اختلافها الواضح مع الحلف السعودي الإماراتي ، ومع حرب اليمن التي وقفت عمان بحياد تام مع كل الأطراف رغم العداء بينها. ترجمت مجلة مواطن الخبر والتصريحات التي أدلى بها هذا المسؤول للصحفي جو جيل الذي أقام في عمان في فترة من الزمن وعمل فيها صحفيا.
ترجمة: معاوية الرواحي
أعرب مسؤول عُماني طالب بالتحفظ على هويته أن سلطنة عمان تخشى من السياسات المتهورة التي تمارس ضد قطر واليمن وباقي المنطقة، ولا سيما تلك المدفوعة من قبل ترامب مما قد يرغمها وعددا من الدول لإيجاد تحالفات بديلة.
وقال المسؤول في حديثه ل”عين الشرق الأوسط” أن عمان وغيرها من دول الخليج قد تبحث عن تحالفات بديلة إذا واصلت كل من السعودية والإمارات بمعية الرئيس الأمريكي السعي لتمرير المزيد من السياسات التي من شأنها نزع استقرار المنطقة.
وأضاف: إن حكومة مسقط قد تكون مرغمة لعقد تحالفات دفاعية بديلة إذا واصل المحور السعودي ـ الإماراتي خططه للخروج من مجلس التعاون الخليجي. وعبر عن قلقه بسبب استمرار الحصار ضد قطر الأمر الذي هوى بمجلس التعاون الخليجي في قعر أزمة كبيرة.
يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه كل من الرياض وأبو ظبي بداية الشهر الجاري عن خططهما للانفصال عن التحالف السياسي والعسكري مع مجلس التعاون وسحب موفديهما الرسميين خلال قمة مجلس التعاون في دولة الكويت، والتي شهدت أيضا قيام دولة البحرين بمساندة هذه الخطوة دعما للموقف السعودي ـ الإماراتي.
“ماذا تعتقد أنه سيحدث إذا قامت السعودية والإمارات بخطوات فردية في هذا الشأن؟. ألن يؤدي ذلك بالدول الأخرى إلى البحث عن تحالفات دفاعية بديلة؟” هكذا عبر المسؤول العماني مشيرا إلى عمان وقطر والكويت الدول الخليجية التي لا تعتبر متآلفة مع الكتلة السعودية وقراراتها.
سألناه توضيحا عن الدول التي يقصدها فأجاب: الخيارات قد تشمل إيران خصم السعودية الإقليمي. وهي دولة تحافظ سلطنة عمان على علاقات دبلوماسية معها. وأيضا الهند التي تمتلك في الأصل علاقات تجارية متبادلة قوية مع منطقة الخليج.
بريطانيا تخسر تأثيرها!
قال المسؤول العماني: تعهدت المملكة المتحدة ــ التي لديها خطط لبناء قاعدة بحرية دائمة في منطقة الدقم ــ بحماية حليفها من أي نزاع في المنطقة. لكنه مع ذلك أشارَ محذرا إلى أن نجم النفوذ البريطاني في المنطقة يتعرض إلى الأفول بسبب تعاظم النفوذ الصيني ودول آسيوية أخرى بسبب الرؤية غير الدقيقة التي تتبناها بريطانيا مع المنطقة بتركيزها على بيع الأسلحة وصفقات الطاقة.
تُعرف عمان عموما بسياستها الهادئة المحايدة التي تتجنب الاصطفاف مع طرف دون آخر حتى مع الأطراف المتعادية. ولكن وراء الأبواب المغلقة السلطنة فإن سلطنة عمان ليست راضية عن سياسات ولي العهد السعودي التي تقحم مجلس التعاون في عدة معارك على عدة جبهات في وقت واحد.
أوضح مصدر عين على الشرق الأوسط أنه وبما لا يدع مجالا للشك فإن عمان ترى أن السياسات التي ينتهجها محمد بن سلمان والمدعومة من دونالد ترامب سياساتٍ مجازفة ومتهورة وتؤذي استقرار المنطقة واستخدم لوصفها كلمة [غبية] وهي الكلمة نفسها التي استخدمها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لوصف الحرب السعودية في اليمن.
انهيار مجلس التعاون
طبقا لمصدرنا فإن السعودية والإمارات إن مضتا قدما في اتفاقيات التعاون بينهما، فإن احتمالا كبيرا أن يتكرر في دول مجلس التعاون السيناريو نفسه الذي حدث في بريطانيا بعد قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، أو كما فضل مصدرنا تسميته بحدوث الطلاق!.
لطالما كان للعمانيين وجهة نظر منفصلة عن خطط مجلس التعاون الخليجي ولا سيما في موضوع قيام اتحاد خليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، كما لم تبد عمان أية حماسة من قبل تجاه قرارات طرحت على المجلس مثل توحيد العملة، أو الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تجعلها بالضرورة ذات صلات أقوى وأقرب مع الرياض.
وأكمل: لقد علمنا دائما أن خطط التكامل بين دول مجلس التعاون ليست قابلة للتحقيق، فنحن نعلم جيدا جيراننا وكيف هم غير قابلي التوقع مطلقا. مشيرا إلى السعودية والإمارات.
تؤمن عمان إنها قادرة على الحياة بكفاءة تامة خارج مجلس التعاون إن لم يكن هناك خيار آخر. كما حافظت عمان على عدة تحالفات لها سواء مع الغرب أو مع الهند بل وحافظت حتى على علاقتها المتنامية دائما مع إيران.
أزمة قطر
وأوضح المصدر المسؤول: بقيت عمان على الحياد طوال أزمة قطر وخلافاتها مؤكدا أن حكومة عمان تواصل جهودها لتقديم النصائح للطرفين علما أن دولة الكويت هي التي تتولى الوساطة بين دول الأزمة. وترى عمان أن الأسباب التي أعلن بسببها حصار قطر وهي دعم الحركات المتطرفة والتقارب مع إيران ليست هي الأسباب الحقيقية لهذا الحصار. إن ما يسمى بدعم الحركات المتطرفة أو التقارب مع إيران لم يكن السبب لكل ما حدث وإنما السبب في ذلك هو رغبة السعودية في السيطرة على شبه الجزيرة العربية وتحويل قطر إلى دولة تابعة مثل البحرين. (يسأل): ما هو الفرق بين السعودية وقطر من حيث دعم المتطرفين في سوريا والعراق؟ يجيب: كلاهما قدم دعما!
طرح مصدرنا تساؤلات حول إن كانت الولايات المتحدة وبريطانيا سوف تضمنان حقا سلامة قطر. وسأل: (هل أعطيت هذه الضمانات لقطر؟ وأشار أن الرئيس ترامب وقف في صف محمد بن سلمان في الخلاف بين الدولتين، وفي الوقت نفسه يلاحظ أن بريطانيا نأت بنفسها عن التدخل لحل هذا الخلاف. لقد قامت بريطانيا بالموافقة على إمداد قطر بمقاتلات (يورو فايتر تايفون) في صفقة وصلت إلى ثمانية مليارات دولار. ولا يوجد أي شيء يدل على أن هذه العلاقات التجارية وعقود التسليح مع الدوحة ستتوقف.
مبيعات الأسلحة البريطانية: قصر نظر السياسة!
حذر المسؤول العماني من أن تركيز بريطانيا الضيق الذي يحصر علاقتها مع مجلس التعاون في مبيعات الأسلحة وعقود الطاقة يمثل موقفا ضعيفا جدا بل ويرى أن الصين وغيرها من دول آسيا سوف تتفوق على بريطانيا حتى في هذا المجال لاحقا. لم تعد بريطانيا أكبر دولة تتم بينها وبين عمان تبادلات تجارية. وعلى الرغم من قرنين كاملين من السيطرة الاستعمارية والتأثير على عائلة (آل سعيد) فإن أكبر المستثمرين في عمان هم الولايات المتحدة والإمارات واليابان والصين بناء على التقديرات التي تم نشرها عن طريق [Spanish bank Santander].
وقال ناصحا: يجب أن تغير بريطانيا الوضع القائم المعتمد على بيع الأسلحة أو على اعتمادها على سيطرتها المسبقة على امتيازات النفط والغاز إلى التبادل التجاري من سلع وخدمات وما إلى ذلك، هذا إن كانت تريد أن تحتفظ ببعض تأثيرها المتراجع. يؤمن العمانيون أن واشنطن ولندن لديهما أشياء أكثر لتقدمها بدلا مما قدمتاه حتى الآن في شأن الخلاف مع قطر. وهنا تتشابه وجهة نظر سلطنة عمان مع وجهة النظر التي عبر عنها بإحباط المسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف: أن المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية قد أوضحوا لنظرائهم العمانيين أنهم يتفقون مع وجهة النظر القائلة أن الخلاف الخليجي يجب أن يحل وأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على محمد بن سلمان من أجل الحوار. إلا أن البيت الأبيض الذي يدعم السعودية حاليا قام بتجاهل هذه النصيحة.
ضمانات المملكة المتحدة الأمنية
بينما تغامر عمان بتعرضها إلى اللوم من قبل الجار السعودي بسبب علاقتها الوثيقة مع إيران إلا أن المسؤولين في عمان يقولون أن مسقط لا تشعر بالتهديد من جارتها الشمالية نظرا لأن لديها عدة أطراف حليفة يمكن أن تلجأ إليهم من أجل أمنها. وكما قال مسؤول عماني آخر: إن عمان مطلة على المحيط الهندي، ولا يمكن أن يتم حصارها بالسهولة نفسها التي تم فيها حصار قطر.
أردف المصدر الأول قائلا: كذلك الرياض وأبوظبي لا محالة ستحتاجان حلفاء خليجين مثل عمان لتسوية النزاعات الإقليمية. سوف تحتاج لنا السعودية والإمارات إذا احتاجوا يوما لحل مشكلة اليمن أو قطر أو حتى إيران. نحن في عمان نتحاور مع الجميع.
وكما فهمت عين الشرق الأوسط فإن عمان قد تلقت ضمانات على مستوى وزاري بأن المملكة المتحدة سوف تحمي حليفتها سلطنة عمان من أي خلاف إقليمي.
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية البريطانية لم تؤكد مثل هذه الضمانات الصريحة إلا أنها قالت في تصريح لـ “عين الشرق الأوسط”: إن المملكة المتحدة لديها علاقات تاريخية قديمة وقوية مع عمان ويشمل ذلك مجالي الأمن والدفاع. نحن ملتزمون بمساعدة عمان في حماية أمنها وسيادتها وسلامتها الإقليمية وهذا يظهر بوضوح من خلال تعاوننا الدفاعي الكبير مع عمان. لدينا خدمة قروض قوية على المستويات الحربية الجوية والبحرية والبرية كما أننا نستثمر بشكل كبير في ميناء الدقم آملين أن يتم استخدامها كمنطقة لوجستية مشتركة بين عمان وبين البحرية الملكية البريطانية وفي العام القادم سنقوم في عمان بمناورات مشتركة تحت اسم: (السيف السريع) وهو أكبر تمرين عسكري مشترك بين عمان والمملكة المتحدة منذ ١٥ عاما.
ترامب وإيران
كانت عمان هي الوسيط الرئيسي في الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، الاتفاق الذي رفضه ترامب وقام بإلقاء تبعاته على الكونجرس ليتخذ القرار بشأن إلغاء الاتفاق. وقد عبر المسؤول العماني عن رأيه في ترامب حيث قال: إن ترامب يخلط بين عدة ملفات وقضايا، بين الطموحات النووية الإيرانية وبرامج الصواريخ الباليستية وتدخلاتها في دول المنطقة.
ويكمل: بفعله هذا فإن ترامب يرفع من احتمالات الحرب في المنطقة. وبهذا توضع إيران في حالة مشابهة لتصنيف كوريا الشمالية مطلقة صواريخها ولكن عبر الخليج. وفي حال حصولها على المباركة من بريطانيا ومن أمريكا فإن عمان يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في إعادة الاستقرار للمنطقة لإنهاء هذا الخلاف الذي يهدد حاليا باستفحال نزاع أكبر.
كارثة اليمن
وقال المصدر: إن أحد مصادر القلق الكبيرة في مسقط هو النزاع في اليمن الذي يصبح أسوأ كل يوم يمضي، إضافة إلى الكارثة التي تتفاقم يوما بعد يوم في الحرب التي تشن على اليمن.
كانت عمان قريبة من الاثنين. الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، وكذلك مع المتمردين الحوثيين الذين قتلوه في وقت مبكر من هذا الشهر بعد سقوط حلفهما الضعيف أمام التحالف الذي تقوده السعودية.
لقد بالغ صالح في تقدير تأثيره وقوته ونفوذه ليفشل بشكل ذريع في أن يجعله ذلك حصان طروادة للسعوديين في صنعاء. إن مسقط جاهزة لتلعب دورا في إنهاء هذا الحرب. كما أوضح المصدر انزعاجه من عدم استخدام بريطانيا نفوذها على محمد بن سلمان. وأضاف، الآن على أية حال فإن السعودية وحليفها الإمارات ليسوا مهتمين في الحوار.