يلجأ مواطنو الشعوب في الدول التي تعاني أوضاعا اقتصادية غير مستقرة إلى السفر لبلدان تتمتع بمستوى اقتصادي أفضل، إما لتحسين مستوى معيشتهم وإما للهروب من مستنقع الحرمان، وقد يضطر كثير منهم إلى القبول بممارسات وانتهاكات تتنافى مع مبادئ الإنسانية، وضد مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بـ حقوق الإنسان ، في العيش بحياة كريمة.
سلطنة عُمان إحدى تلك الدول المستهدفة من قبل العمالة الوافدة من مختلف الجنسيات لما يتمتع به البلد الخليجي من استقرار أمني وسياسي واقتصادي لحد كبير، يساعد الباحثين عن لقمة العيش في تلبية متطلباتهم في حياة ميسورة أفضل حالًا من تلك التي هربوا منها في موطنهم الأصلي.
وتعتبر عُمان من الدول القليلة التي يقترب عدد العمالة الوافدة فيها من نصف عدد سكانها، حيث يبلغ عدد العمالة الوافدة فيها 2.1 مليون وافد بنسبة 45 % من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 4.6 ملايين نسمة، وذلك وفقًا لما ذكرته النشرة الإحصائية للمركز الوطني للإحصاء الصادرة في نهاية نوفمبر 2017.
وتتميز عُمان بأنها من أكثر الدول التي يتميز شعبها بحسن استقبال وضيافة الغرباء، ففي استطلاع أجرته شبكة “إنترنيشنز” العالمية، حول أكثر خمسة دول ترحيبًا بالمغتربين، جاءت عُمان في المرتبة الرابعة، حيث يتميز أهلها بالود والترحاب، ولا يترددون في مساعدة جيرانهم أو من يحتاج للمساعدة، وقد يكون ذلك أحد أسباب زيادة العمالة الوافدة في هذا البلد بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية سالفة الذكر.
قوانين ضعيفة تشرعن الانتهاكات
ولكن بالرغم من ذلك إلا أن سلطنة عُمان لم تدرج حتى الآن الحقوق العمالية في قوانينها، لذلك فتسمح هذه القوانين بحدوث انتهاكات ضد العمالة الوافدة، حيث لا تنص على أي عقوبات ضد أصحاب العمل المخالفين بأحكامه، هذا بالإضافة إلى أن السلطنة لم توقع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقًا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة التي تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وأيضًا قانونها الضعيف الخاص بعمال وعاملات المنازل لعام 2004 ، والذي لا ينص على أيّ عقوبات ضد أصحاب العمل المخالفين لأحكامه.
ولعل ذلك فتح الباب أمام ممارسة بعض الانتهاكات المتعلقة بالعمالة الوافدة لتشمل أشكالًا عدة، منها على سبيل المثال العمل القسري، والانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية، والانتهاكات المتعلقة بالأجور والعمل المفرط وغياب الراحة، وكذلك هناك حالات مصادرة لجوازات السفر والحبس وتقييد الاتصالات، وأيضًا الحرمان من الغذاء والظروف المعيشية غير الملائمة.
من جانبه قال الكاتب الصحفي ورجل الأعمال العُماني، طالب المقبالي، إن “قانون العمل العُماني أعطى العمالة الوافدة حقها الكامل وكفل لها الحماية التامة، مضيفًا أنه “حتى المسيئين من العمالة الوافدة يعاملون باحترام حتى يغادروا البلاد وهم معززين مكرمين”.
وأشار إلى أنه “لديه شركات تجارية وعمال كثيرين يعملون لديه منذ عام 1983، وهم يعيشون حياة كريمة ولم يشتك أحد من سوء المعاملة، ولم ترد إليه أي انتهاكات لحقوق العامل”. وأوضح أن “العامل الهارب من كفيله تصرف له تذكرة سفر كي يعود إلى بلاده معززًا مكرمًا”.
وكان لعضو مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان محمد خالدي، رأي آخر، إذ أكد أن “هناك العديد من الانتهاكات بحق العمالة الوافدة من بينها حالات تأخير الرواتب، وهو ما يعد انتهاكًا لقوانين العمل في السلطنة”. وطالب خالدي “العمال الذي تأخرت رواتبهم بضرورة إبلاغ السلطات بشأن أصحاب العمل المخالفين”.
وينص القانون العُماني على أنه غير مسموح تأخير أجر العامل أكثر من سبعة أيام من وقت استحقاق الدفع، وقد ذكرت تقارير صحفية، أن بعض العمال يعانون في قطاعات مختلفة من تأخير استلام روابتهم لمدد تتراوح بين 5 و10 أشهر، في حين تبرر الشركات هذه الإجراءات لأسباب اقتصادية.
نظام الكفالة.. الوافد رهينة للكفيل
وهو نظام يضطر المكفول فيه أن يقع رهينة للكفيل، وقد وُجد هذا النظام لتأمين استقدام العمالة الوافدة من الخارج، ويعتمد جميع العمال الوافدين على أصحاب العمل لدخول البلاد والعيش والعمل بشكل قانوني لأنهم الكفلاء الذين ضمنوا لهم التأشيرة، ويتعرض بعض العمال الوافدون لأعمال استغلال واعتداء، بسبب نظام الكفالة الذي يقيد العمال بأصحاب عملهم، ويحظر عليهم تغيير نشاط عملهم دون موافقة صاحب العمل.
وفي سياق متصل، ينص نظام العمل في السلطنة على أن الدخول للبلاد للعمل يتبع نظام الكفالة فالكفيل هو المسؤول عن العامل ويقوم بالتأمين عليه ويطلب له الإقامة، وللكفيل الحق في الاستغناء عن العامل في أي وقت على أن ينذره قبلها بثلاثة أشهر، ولا يستطيع العامل جلب أسرته بدون بموافقة الكفيل.
ويُسيطر أصحاب العمل بشكل كبير على هؤلاء العمال، فلا تستطيع العمالة الوافدة الحصول على عمل جديد دون الحصول على إذن مسبق من صاحب العمل الأصلي، حتى بعد انتهاء العقد المبرم بينهما، أو ترك العمل إذا كان صاحب العمل مسيئًا، علاوة على ذلك يمكن لأصحاب العمل إلغاء تأشيرة العامل في أي وقت، ويمكن أن يُعاقب العمال الذين يتركون وظائفهم دون موافقة صاحب العمل بغرامات مالية ويواجهون الترحيل وحظر العودة. وفي هذا الصدد لم تسع الحكومة العمانية بصورة جدية لإيجاد بديل عن نظام الكفالة المستبد بشكله الحالي.
“كنت أعمل كالروبورت”.. بين الواقع والزيف
وقد أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان في منتصف شهر نوفمبر من عام 2017، تقريرًا بعنوان “كنت أعمل كالروبورت”، رصد بعض الانتهاكات المتمثلة في الاعتداء والاستغلال الذي تعرضن له عاملات منازل تنزانيات في سلطنة عُمان، يصف الأوضاع المأساوية التي عاشها هؤلاء النساء. وخلصت المنظمة إلى أن قانون العمل العُماني يخلو من مواد تحمي عاملات المنازل المعرضات للاعتداء، وإذا اضطررن للهروب لا يجدن من ينصفهن.
وأبرزت “هيومن رايتس ووتش” بعض مظاهر الانتهاكات التي تعرضن لها العاملات منها مصادرة جوازات سفرهن بما يخالف القانون، وحالات لتأخير دفع الرواتب وفي أحيان أخرى عدم دفعها بالكامل، وكذلك إجبارهن على العمل لساعات طويلة دون الحصول على أوقات للراحة او أيام إجازة.
وكذلك من بين مظاهر الانتهاكات التي رصدتها المنظمة الدولية، حرمان العاملات من الغذاء الكافي أو العيش في ظروف مناسبة، ولكن الأخطر من ذلك هو ما كشفت عنه بعض العاملات من تعرضهن لاعتداءات جسدية وجنسية، وبحسب المنظمة ذكرت إحدى العاملات الوافدات أنهن اضطررن للهرب من أصحاب العمل، وقد واجهن تهم الهروب التي قد تودي بهن إلى السجن أو الترحيل، أو بعض التهم الملفقة من أصحاب عملهن مقابل التنازل عن الشكاوى.
من جانبها رفضت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان ما جاء في تقرير “هيومان رايتس ووتش”، ورأت أن تقرير المنظمة المعنية بحقوق الإنسان غير متوازن ويفتقر للمنهجية لأنه لم يستمع لجميع أطراف القضية.
واعتمدت اللجنة في ذلك على أن فريق “هيومان رايتس ووتش”، التقى 59 عاملة فقط، وهو عدد لا يقدم صورة فعلية عن أوضاع عاملات المنازل في البلاد، وطالبت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان المنظمة الدولية بالعودة إلى عمان ونقل “معلومات متوازنة” عن القضية.
وقالت اللجنة العُمانية، إن عاملات المنازل في السلطنة يتمتعن بضمانات قانونية لحمايتهن من التعرض لأي انتهاك، إلا أنها اعترفت في الوقت ذاته بوقوع انتهاكات من جانب أصحاب الأعمال، وأشارت إلى أن بعض عاملات المنازل يخللن أحيانا بعقود عملهن. وعلى لسان أمينها العام، عبيد الشنقصي أوضحت اللجنة: ‘‘إن ما جاء في التقرير قد يكون نتيجة معلومات خاطئة تقدمها مكاتب التوظيف في الدول المُرسلة”، مؤكدًا أنّ “مكاتب جلب الأيدي العاملة في عُمان مرخصّة وتحاسب قانونيًا عند ارتكابها للمخالفات‘‘.
وأوضح أن العمالة المنزلية لا تندرج ضمن بنود قانون العمل العُماني، وإنما ينظمه بعقود شهرية بين الطرفين، ويحاسب كل من ينتهك هذه الخطوط”، مشيرًا إلى أن حالات الاغتصاب نادرة جدًا بعُمان ويجرّمها القانون على قدم المساواة.
وأّكّد المتحدث أنه “في حالة عدم تسوية الخلافات بين الطرفين فإن السلطات توفر آليات للحماية مثل التبليغ عن الانتهاكات ومن ثم رفعها للمحكمة، وخصصت في سبيل ذلك دوائر عدة للرعاية العمالية في أنحاء البلاد”.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن حكومة عمان لم تستطع بفعل مجموعة من القوانين الضعيفة حماية عاملات المنازل من الانتهاكات والاستغلال وسوء المعاملة، أو حتى تعويضهن عن الأضرار التي لحقت بهن، بالرغم من أنها ملزمة بذلك بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والمتعلقة بحقوق العمال.
من جانبها طالبت “منظمة العمل الدولية” دول الخليج، بما فيها عُمان، وضع حد لنظام الكفالة وتمكين عاملات المنازل من الحماية الكاملة المكفولة في قانون العمل.
لذلك يتوجب على السلطات في دولة عُمان البدء في إصلاح نظام الكفالة لتوفير الحماية اللازمة للعمالة الوافدة بما يتيح لهم الحفاظ على حقوقهم المادية والمعنوية، وبما يتماشى مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكذلك عليها إجراء تحقيقات عاجلة في كافة الانتهاكات التي مورست ضد العمالة الوافدة ومعاقبة المسؤولين عنها، وعليها الالتزام بالتصديق على المعاهدات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وتعديل قوانينها بما يتفق مع هذه القوانين والمعاهدات الدولية.