يقول الروائي والكاتب السعودي الشهير عبدالرحمن منيف “إن أغرب شيء في هذه الحياة يا صاحبي، أن الناس السيئون لا يموتون، يعيشون أكثر مما يجب لكي يفسدوا حياة الآخرين!”
بالفعل «الأشرار لا يموتون» وليس العظماء .. هكذا الحال في كل الأنظمة وعبر كل العصور الشمولية، فقلما تجد نظاما من الأنظمة الديكتاتورية ينتهي للأبد، لكن تتعدد الأدوار والشخصيات واحدة، هكذا تدور الدائرة فمسؤول الأمس الذي كان جبارا أو ظالما هو اليوم مسؤول لكن في صورة حمل وديع، ليتماشى مع النظام الجديد الذي يعمل به، مثله مثل الحية التي تغير جلدها كل زمن، أو الممثل الذي تتعدد أدواره بحسب السيناريو، والأمثلة على هذا ربما لا يسعنا المجال لذكرها جميعا.
كل الأنظمة العربية خاصة التي قامت بها ثورات ما يسمى بـ‘‘الربيع العربي‘‘ حدثت فيها هذه الحالة ‘‘كوبي بست‘‘ في كل الدول، كأنها قصة فيلم تبدأ بمشهد يظهر فيه حاكم ظالم يعيث في الأرض فسادا وينتهي به الحال بثورة تطيح به، ثم يكون المشهد الثاني، بمحاكمة هذا الحاكم وأتباعه، وأخيرا يأتي المشهد الثالث السعيد لهؤلاء جميعا بالبراءة وربما الاعتذار لهم عما اقترفه الشعب المسكين بحقهم، ويمكن أن يعود بعضهم للعمل كمسؤول معززا مكرما.
تسلط مجلة ‘‘مواطن‘‘ الضوء على بعض الرموز التي كانت محسوبة على أنظمة رفضها الشعب لكنها عادت بقوة وأصبح لها رونق وأصبحت محسوبة على الأنظمة الجديدة بصناديق الانتخابات أو عبر وسائل الإعلام.
تونس قائدة الشعلة
ثورة تونس كانت بمثابة الشعلة التي منحت الضوء الأخضر للعديد من البلدان العربية لتتحرك من ثباتها وتزيح الهم الجاثم على صدرها منذ سنين عدة، وتحديدا مصر وليبيا واليمن وسوريا رغم استثنائية الحالة السورية، فالثورة التونسية التي بدأت بإشعال محتج لنفسه كانت سببا في الإطاحة بزين العابدين بن علي وكل المقربين من حوله، وبعد برهة من الزمن ظهر على الساحة الباجي قائد السبسي رئيسا لتونس رغم كونه كان أحد العاملين مع بن علي والذين أتت عليهم الثورة.
السبسي الذي عمل مع زين العابدين بن علي في العديد من المناصب يوصف بكونه أحد رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم البلاد بين 1956 و1987، وتولى في عهده العديد من المناصب بينها وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، كما تولى في بداية عهد زين العابدين بن علي، منصب رئيس مجلس النواب، وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم “التجمع الدستوري الديمقراطي” حتى 2003.
لكن لم يستح السبسي من عمله مع الأنظمة الديكتاتورية الشمولية السابقة، لكن قال علانية ‘‘إن العمل مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي سابقا ليس جريمة وإلا فحاكموا كل الشعب التونسي لأنهم كانوا يعملون معه في خدمة بلادهم‘‘ وعن الذين اختلسوا أموال الشعب التونسي أكد السبسي، أن هدف قانون المصالحة هو الاستفادة من خبرات كبار الموظفين الذين ظلوا بعد الثورة مكتوفي الأيدي خوفا من العقاب.. ‘‘دائما كانت هذه الإجابة حاضرة في كل الأنظمة التي سنتحدث عنها‘‘ كما دعا السبسي في وقت سابق لعودة كل من خرج عليهم الشعب التونسي من اتباع بن علي والحبيب بو رقيبة الحاكم الأسبق لتونس.
وليس السبسي وحده من تقمص هذا الدور بل هناك، منذر الزنايدي الوزير السابق في نظام الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان يعد أكثر الوزراء الذين استمروا في نظام بن علي حيث قضى مدة 17 عاما، تولى خلالها حقائب النقل والتجارة والسياحة والصحة، وترأس سابقا جمعية الترجي الرياضي التونسي (1986-1988)، فقد انتوى الترشح للرئاسة في فترة من الفترات، بعد أن جمع له أنصاره في تونس تزكية 50 ألف ناخب، كما أنه رشح ليكون وزيرا في حكومة الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي.
في مصر.. تمخض الجبل فولد فأرا
وعلى المنوال نفسه كانت مصر، التي انتفضت في 25 يناير وأطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي جثم على الصدور لـ30 عاما في قبضة عسكرية كانت استمرارا لعهود عسكرية سابقة عقب الإطاحة بالحكم الملكي، وكما هو الحال بعد الإطاحة بمبارك ورجاله تم محاكمتهم ومن ثم تبرئتهم، وأصبح عدد من رجالات مبارك أعضاء بالبرلمان وسياسيين وإعلاميين وبعضهم في سدة الحكم أو قريبا منها.
ومن هؤلاء عبدالفتاح السيسي رئيس مصر الحالي الذي كان أحد أعضاء المجلس العسكري الذي تولى قيادة البلاد عقب الإطاحة بمبارك، واتهم وقتها المجلس العسكري بالعديد من التهم منها مذبحة ‘‘ماسبيرو‘‘ مبنى التلفزيون الرسمي التي طالت الأقباط، وما يسمى بحالات كشف العذرية، وأخيرا السطو على السلطة، إلا أن هذا المجلس العسكري أصبح الآن يشار لإنجازاته بالبنان وتحول لأيقونة كانت تحمي الثورة والثوار، وإنقاذ مصر من مصير سوريا والعراق، بل إن السيسي نفسه تخرج له حملات دعائية من أجل إعادة انتخابه رئيسا ليستمر في بناء مصر بحسب زعم مؤيديه.
وعلى خطى السيسي، هناك رجال مميزون من عهد مبارك كان لهم الدور الكبير في إنتاج السياسيات التي جوعت الشعب ودمرت اقتصاده، وكان أعضاء بارزين منهم في لجنة السياسات الخاصة بالحزب الوطني، ففضلا عن براءة كل أعضاء الحزب الوطني من تهم إهدار المال العام كصفوت الشريف وزكريا عزمي وغيرهما، أصبح بعضهم مساعدا في السلطة ورئيسا لبعض الحكومات في عهد السيسي مثل إبراهيم محلب، كما ترأس أحدهم أعلى سلطة دينية في مصر وهو الدكتور أحمد الطيب.
اليمن .. «صالح» عدو الأمس صديق اليوم
بعد أن تحالف علي عبدالله صالح مع الميليشيات الحوثية التي تسببت في خراب البلاد -بيدها وبيد ‘‘عمرو‘‘ التحالف الذي تقوده المملكة بحسب تقارير دولية وحقوقية تحدثت عن الغارات التي تسبب فيها التحالف في قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية- وكانت سببا في إفساد الحياة السياسية، وخروج الشعب اليمني بكل أطيافه رافضا له ولسياساته، أصبح علي عبدالله صالح بطلا شعبيا بين طرفة عين وانتباهتها، عقب إعلانه التخلي عن جماعة الحوثي ووصفها بأنها السبب وراء ما وصلت اليه حالة التردي في البلاد، وعقب مقتله وصف المخلوع صالح في كل وسائل الإعلام من قبل الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه هادي منصور بأنه الرئيس السابق وأمرت المساجد بالصلاة عليه.
ليبيا.. سيف الإسلام وحفتر على خطى القذافي
لم يختلف الوضع في ليبيا كثيرا عن سابقيها -غير أن الأوضاع بها بسبب الاقتتال بين كافة الأطياف المعارضة فضلا عن دخول داعش على هامش الصراع لا يجعلها في مستوى دول كمصر وتونس- فبدون مقدمات ظهر على الساحة اللواء خليفة حفتر، الذي حارب في البداية من أجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ثم انقلب عليه، كذلك حارب مع جماعات المعارضة الإسلامية خلال الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي عام 2011 قبل أن يصبح عدوا لهم هذا العام.
وكان حفتر ممن عضد ملك القذافي حيث كان جزءا من الكوادر الشابة لضباط الجيش الذين استولوا على السلطة من الملك إدريس، ملك ليبيا، عام 1969، وظل حليفا وثيقا للقذافي طوال هذه السنوات، حتى تم ترقيته ليصبح بعدها قائدا لأركان القوات المسلحة الليبية.
وعينه بعد ذلك قائدا عاما للقوات التي تخوض معارك مع تشاد تقديرا لولائه، فكانت هذه بداية السقوط، إذ منيت ليبيا بهزيمة على يد القوات التشادية الهشة والصامدة في ذات الوقت في حرب تعرف باسم “حرب تويوتا”، إلى أن استطاع التشاديون أسر حفتر و300 من جنوده عام 1987. بعد ذلك انقلب حفتر على القذافي لأسباب غير معلومة، لكنه عاد بقوة وأصبح المنقذ لليبيا بدعم من قامعي الثورات العربية نظامي: مصر والإمارات.
الأسوأ من ذلك أن حفتر أطلق سراح سيف الإسلام نجل معمر القذافي، والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية منذ 2011، على خلفية تهم تتعلق بإصدار أوامر لقتل المتظاهرين والتحريض على الإبادة الجماعية وإذكاء الحرب الأهلية، وإساءة التصرف في المال العام، وغيرها من التهم.
في تلك الآونة خرجت تسريبات تؤكد أن هناك ترتيبات تجري في الخفاء بينه وبين مؤيديه من جهة، وبين معسكر حفتر من جهة أخرى، ضمن صفقة سياسية جديدة لدعم تيار اللواء المتقاعد المتهاوي سياسيا مع قرب انتهاء ولاية البرلمان، الذي يوفر له الواجهة السياسية، بحكم انتهاء مدة الاتفاق السياسي نهاية هذا العام.
وما يؤكد أن النظام الليبي الذي كان يقوده القذافي يعود من جديد هو إعلان أحمد سيد قذاف الدم، أبرز رموز النظام السابق الفاعلة حتى الآن خارج البلاد، عن تأييد أسرة القذافي لحفتر، وذلك خلال لقاء صحفي أجرته معه صحيفة “ذا تايمز” نهاية مايو الماضي، مؤكدا رغبة الأسرة في العودة إلى ليبيا حال نجاح اللواء المتقاعد في الوصول إلى الحكم.
فضلا عن أن العجمي العتيري، آمر “كتيبة أبوبكر الصديق” التابعة لحفتر، أكد في تصريحات لقناة “فرانس 24″، عن رغبة معسكر حفتر في التحالف مع مؤيدي النظام السابق، إذ قال: “أغلب الليبيين يحنّون إلى النظام السابق، حتى من خرجوا ضده”، معتبراً أن سيف الإسلام القذافي سيكون له دور كبير في توحيد الصف الليبي.