نشر الصحافي الحر والطالب في مركز بوليتزر لتغطية الأزمات أمان مادان تقريرا في صحيفة العربي الجديد في نسختها الناطقة باللغة الإنجليزية نهاية شهر ديسمبر الماضي يتحدث حول علاقة عمان بالسلطة السورية، لكن فيما يبدو تم حذف التقرير فيما بعد. من المتوقع بكل تأكيد أن تستفيد روسيا وإيران، الداعمان الرئيسان لنظام الأسد، من عمليات إعادة الإعمار في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب السورية ، لكن يبدو أن عمان أيضاً ستخرج باستثمارات مربحة في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا نتيجة وقوفها على الحياد وعدم تدخلها في النزاع السوري. فالسلطان قابوس جعل بلاده في موضع يمكّنها من الاستفادة من بقاء الأسد في السلطة. تنشر مواطن التقرير مترجما إلى اللغة العربية.
ترجمة: الزهراء عزازي
تقترب الحرب الأهلية السورية من نهايتها ببطء بعد ست سنوات من القتال. لم تعد سوريا كما كانت عليه من قبل، مع بدء استعادة نظام الأسد – المدعوم من الحلفاء الأقوى والأبرع روسيا وإيران- سيطرته على الجزء الأكبر من سوريا. تشكيل إطار إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب السورية ومعرفة من سيقوم به له أهمية كبرى رغم عدم وجود فائز واضح في هذا الصراع بكل تأكيد.
سيترجم، بالطبع، تدخل الجيشين الإيراني والروسي في الحرب السورية بجانب الأسد إلى عقود مكلفة للشركات الإيرانية والروسية في مرحلة إعادة الإعمار، إذ وقّع الجانبان السوري والإيراني في مطلع سبتمبر/ أيلول اتفاقاً يضمن حق إيران في إعادة بناء شبكة الكهرباء السورية. وتضمنت مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين “بناء محطة كهرباء في محافظة اللاذقية الساحلية بسعة 540 ميجا وات”.
يُرجح -بالتأكيد- أن تجني روسيا وإيران أكبر المنافع الاقتصادية، إلا أنه من المتوقع أيضاً استفادة ممثل آخر غير مستبعد من عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب السورية – وهي المرحلة التي ستستغرق على الأقل عقدا من الزمان بحسب غالبية الخبراء-. ورغم سعي دولة خليجية ودولة أخرى مجاورة للسعودية إلى فرض موقف عربي بشأن سوريا، إلا أن عمان تبنت وبشكل قاطع موقفاً متبايناً من الصراع السوري، مما مكّنها من الإفادة من إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب بسوريا.
سعت قوى الخليج في مطلع عام 2011 إلى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وفرض عقوبات شديدة على دمشق لشل اقتصادها وبالتالي عزل دمشق دولياً. وكان تفكير تلك القوى يصب في اتجاهين، زيادة الضغط الدولي على نظام الأسد وتنصيب نظام صديق للخليج. كما سعت قوى الخليج، بفعلها ذلك، إلى قطع صلة إيران بالشرق والتي كانت ميسرة لمدة طويلة بفضل نظام الأسد، ولهذا الهدف أهمية كبرى بحسب رأي غالبية قوى الخليج.
ترددت الكثير من الأنظمة العربية في اتباع خطط الخليج المبكرة لعزل سوريا، إذ أدى غزو العراق في 2003 وتدخل الناتو في ليبيا في وقت لاحق إلى مقاومة بعض الدول مثل العراق ولبنان والجزائر إلى رؤية الخليج بالنسبة لسوريا، وكانت عمان أيضاً واحدة من هذه الدول. توقعت سوريا من عمان أن تعارض التصويت الخاص بتعليق عضوية الأولى في جامعة الدول العربية، ورغم أن عمان لم تعارض الاقتراح إلا أن المملكة الخليجية رفضت قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مما مثّل ضربة قوية لقوى الخليج التي تسعى للوحدة الاقليمية.
شجبت عمان في 2012 كلاً من النظام والمعارضة الممثلة في المجلس الوطني السوري بسبب استمرار القتال الذي كان يقسم الدولة ويدمر مؤسساتها. ولعل أهم ما جاء في تصريح وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي هو قوله إن دور عمان في الصراع سينحصر بدقة في تقديم المساعدات الإنسانية ومعارضة تسليح الجماعات المتمردة، مما يكشف عن نهج عمان النفعي بشأن الصراعات الإقليمية طوال تاريخها، إذ لم تكن مستعدة لفقد علاقاتها مع دمشق في حال بقاء النظام.
كما مثلت رغبة عمان في الانفصال عن توافق آراء مجلس التعاون الخليجي في ذلك الوقت استقلالاً جغرافياً سياسياً متزايداً تمكنت عمان من تحقيقه لنفسها بنجاح منذ أوائل الألفية الثالثة، ويرجع ذلك جزئياً إلى دورها المزعوم كلاعب محايد في المنطقة.
التقى، في وقت لاحق، وزير الخارجية السوري وليد معلم بنظيره العماني في العاصمة العمانية مسقط في أغسطس 2015، ورغم أن هذه كانت المرة الأولى التي يسافر فيها مسؤول سوري إلى دولة من دول مجلس التعاون الخليجي في زيارة رسمية منذ اندلاع الحرب، إلا أنه من الهام ملاحظة أن الزيارة جاءت بناء على دعوة من عمان.
وسافر، في أكتوبر من نفس العام، وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى سوريا لإجراء محادثات مشابهة مع دمشق، ولكن هذه المرة مع الأسد نفسه. ورغم أن سوريا في ذلك الوقت قالت إنها مهتمة بـ “التفاوض على إنهاء الحرب الأهلية التي استمرت لأربعة أعوام ونصف”، إلا أن عمان كانت تتطلع إلى استعراض عضلاتها الجغرافية السياسية.
الشراكة العمانية السورية؟
تشير جميع الدلائل إلى أن المناورة العمانية فيما يخص الشأن السوري قد تُرجمت إلى مكاسب اقتصادية، ففي شهر أغسطس قال رئيس الوزراء السوري عماد خميس لوفد عماني زائر إن “أولوية الاستثمارات في سوريا ستذهب إلى رجال الأعمال من الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت بجانب سوريا في حربها ضد الإرهاب”.
ووقّعت عمان وسوريا، في نوفمبر، مذكرة تفاهم لـ “التعاون في مجال الطاقة”، مما جعل من الشركة العمانية السورية “نقطة انطلاق نحو إقامة مشاريع استثمارية أخرى بين البلدين”. ووفقاً لوكالة الأنباء السورية سانا، فالتعاون بين البلدين يطمح للمساعدة في “إصلاح وإعادة بناء المنشآت النفطية المتضررة”.
ونشرت صحيفة القانون السوري، وهي صحيفة إلكترونية تهتم بالاقتصاد والقوانين السورية، في الثلاثين من نوفمبر، أن رئيس الوزراء السوري عماد خميس رحّب ثانية بـ “المستثمرين العمانيين في دمشق ومشاركتهم المزمعة في قطاعات النفط، والموارد المعدنية، والقطاعات السياحية”، مما يدل على رغبة دمشق في جعل عمان شريكا رئيسيا في تنميتها المستقبلية.
ووفقاً للمحلل الأمني جون أرتيربوري الموجود في العاصمة الأمريكية، فإن شراكة عمان مع سوريا ليست مترسخة بسبب الثقة المتبادلة، أو الرؤى الأيديولوجية المشتركة، بل بالأحرى بسبب احتمالية تحقيق مكاسب اقتصادية.
كان لدى سوريا، بحسب أرتيربوري، إمكانيات نفطية وغازية محدودة، إذ كان النفط يمثل في سوريا ما قبل الحرب جزءا صغيرا من “اقتصادها، والحرب نفسها كانت مدمرة جداً إذ سيستغرق الأمر سنوات لاستعادة ما يشكل جزءا صغيرا من ذلك الاقتصاد “. ويقول أرتيربوري إن مساعدة سوريا بالغاز والنفط سيكون “مقامرة منخفضة التكلفة، ومتوسطة الربح لدولة مثل عمان”.
ترتبط رؤية السلطنة في علاقتها مع دمشق ارتباطاً وثيقاً بملفها الدبلوماسي الأوسع، فشراكة عمان مع سوريا لها أهمية أكبر من كونها حول فقط تدور حول سوريا. إذ أيدت عمان طوال تاريخها الحياد في المنطقة، متجنبةً الدعم الخطابي لجانب معين ودوماً ما كانت تتنحى جانباً عن الدعم الدبلوماسي الفعال لأي الأطراف المتورطة في الصراعات الإقليمية. ووفقاً لأرتيربوري فإن ذلك “يجعل العلاقات الودية مع عمان جذابةً للدول الأخرى”.
يسمح حياد عمان ورؤيتها في المنطقة كدولة غير متحيزة للدول المتناحرة بالوصول إلى قناة حوار سرية، كما هو الحال في 2013 عندما سهلت عمان المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني. وتتجلى أهمية الشراكة العمانية السورية في أنها تسمح أيضاً للدول التي كانت تعارض نظام الأسد بشدة سابقاً بالقدرة على استكشاف فرص الاستثمار في سوريا بصورة متكتمة من خلال عمان كطرف ثالث.
وقد أدت العلاقات الدافئة لعمان مع كل من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران إلى فوائد اقتصادية كبيرة، ففي الوقت الذي برزت فيه عمان كقوة دبلوماسية، عقدت كلاً من الولايات المتحدة وإيران اتفاقيات دفاعية واقتصادية مع الدولة الخليجية في محاولة منهما لجذب عمان بعيداً عن الدول الأخرى.
إذ ناقش وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، في إحدى زياراته إلى مسقط، “بيع نظام صواريخ (THAAD) الذي تقدر قيمته ب 2.1 مليار دولار والذي يهدف إلى ربط أنظمة دفاع دول مجلس التعاون الخليجي في محاولة لاحتواء إيران”. وبالمثل سعت طهران ، عبر الخليج، إلى عقد العديد من اتفاقيات الغاز الطبيعي مع مسقط. وهو ما يشبه سياسة عدم الانحياز الحذرة التي تلعبها عمان مع سوريا. وبحسب أتيربوري فإن “التزام الحياد يمكن أن يكون موقفاً يصعب الالتزام به لأجل غير مسمى، خاصة في منطقة متقلبة وسريعة التغير مثل شبه الجزيرة العربية الحديثة، لذا يجب على عمان توخي الحذر في كيفية موازنة علاقاتها”.
يبدو أن قوى الخليج قد اعترفت أن نظام الأسد قد جاء ليبقى، إلا أن عدم الاستقرار الشديد الذي لا يزال يهيمن عن سوريا يمكن أن يتسبب بنتائج عكسية لعمان. لكن إمكانية حدوث ذلك لا تزال منخفضة، وعمان تفهم هذا. ورغم أن تغيير النظام السوري غير مرجح لأجل غير مسمى، وكذلك من غير المتوقع فرض عقوبات غربية إضافية في أي وقت قريب، إلا أن الانتقادات المحلية في عمان رداً على التحالف القوي مع دمشق تسببت في القليل من القلق للسلطان قابوس.
يمكن أيضاً أن تتحول مواجهات الإمارات العربية المتحدة مع عمان إلى نزاع دبلوماسي أكبر بين دول الخليج وعمان، إلا أن الانقسامات الأخيرة في وحدة الخليج بسبب الحصار غير المسؤول الذي تقوده السعودية على قطر يجعل من ذلك النزاع احتمالاً غير متوقع حدوثه.
يبدو أن عمان، على المدى القصير على الأقل، عازمة على تحقيق رغبتها في أخذ حصة من المستقبل السوري، رغم أنه من المسلم به اليوم أن اقتصاد سوريا في فترة ما بعد الحرب سيكون غير مستقر بشكل كبير وسيزداد تعقيداً.