كانت مجرد “لافتة” رُفعت في مدرجات الجماهير التي تشجع وتشاهد مباراة كرة قدم جمعت بين فريقي “عين مليلة” و”معسكر غالي” في دوري للدرجة الثانية لكرة القدم الجزائرية، عكست موقفًا سياسيًا واضحًا تجاه القضية الفلسطينية، تبعه حالة توتر على الساحة السعودية الجزائرية.
هذه اللافتة الضخمة أو كما يسمونها “التيفو” جمعت صورتي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، العاهل السعودي، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبجانبهما علم فلسطين، وعبارة مكتوبة كلماتها: “وجهان لعملة واحدة” إشارة تشابه الدورين الأمريكي والسعودي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية.
تلك الصورة التي آمن بمضمونها كثير من جماهير الكرة، تسببت في تصريحات على لسان السفير السعودي بالجزائر، سامي عبدالله عثمان الصالح، تفيد بالتواصل مع الجانب الجزائري الذي قدم اعتذارًا عن طريق الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، عن اللافتة، تبع ذلك نشاط مكثف وسجال واسع لمرتادي منصات التواصل الاجتماعي،والذين اعتبروا هذه اللافتة إساءة للمملكة العربية السعودية وللملك سلمان بن عبدالعزيز أيضًا.
مجلة ‘‘مواطن‘‘ تلقي الضوء على أبعاد الخلافات السعودية الجزائرية، التي جعلتها تطفو على الساحة لافتة لجماهير كرة القدم ساوت بين موقفي المملكة وأمريكا تجاه قضية القدس.
رد جزائري متواضع
في تفاصيل الموقف الجزائري من الواقعة جاءت أيضًا تصريحات وزير العدل الجزائري الطيب لوح، الذي أعلن عن فتح تحقيق في “حادثة” ملعب عين مليلة وأُعتبر أنه مسيء للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد أن تمّ وضع نصف وجهه، مع نصف وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في صورة واحدة كتب عليها “وجهان لعملة واحدة”، وخلفهما صورة للقدس.
وأكّد الوزير الجزائري، أن النتائج الأولية أثبتت أن ما حدث يعد فعلًا “معزولًا وانفراديًا، مشيرًا إلى أن وكيل الجمهورية المختص، أمر بفتح تحقيق في واقعة رفع اللافتة المسيئة للعاهل السعودي بملعب “عين مليلة”في ولاية أم البواقي، والذي يأخذ مجراه القانوني، مشيرًا إلى أن النتائج الأولية لهذا التحقيق أثبتت أن “الواقعة معزولة وجاءت بشكل انفرادي”.
وأضاف أنّ الجزائر والمملكة العربية السعودية، بلدان شقيقان تربطهما علاقات تاريخية، توطدت على مر السنين وتتميز بأواصر الأخوة والقربى والتعاون والتضامن”، كما أن الشعب الجزائري المتشبع بقيم الوفاء والإخلاص ليس من شيمه وخصاله الإساءة إلى أشقائه خاصة من ساندوه ودعموه أثناء ثورته التحريرية لاستعادة سيادته الوطنية”.
خلاف غير مُعلن ودبلوماسية هادئة
هذه الأزمة التي وقعت بين الرياض والجزائر مؤخرًا أعادت إلى الأذهان جملة من الخلافات السياسية ترجع لفترة التسعينيات من القرن الماضي، وذلك على خلفية تباين مواقف البلدين تجاه عدد من القضايا العربية والإقليمية، نذكر منها مثلًا ليبيا واليمن وسوريا،حيث مرت العلاقات الجزائرية السعودية في السنوات الثلاثة الأخيرة بما يوصف بالخلاف غير المعلن وغير الصريح، أما دبلوماسيًا فكانت الصورة الظاهرة هي مجرد صورة محافظة عن اللياقة الدبلوماسية، وهو ما بدى في تصريحات وزير العدل الجزائري.
الإخوان وحزب الله
من بين نقاط الخلاف بين البلدين، رفض الجزائر تصنيف جماعة الإخوان جماعة “إرهابية” ومن بعدها “حزب الله“، حيث رأت أن حزب الله مكون من مكونات المعادلة السياسية في لبنان، واللبنانيون وحدهم من يحق لهم البت في هذا الأمر، وهو ما ردت عليه السعودية بإعلانها الصريح دعم “مجلس التعاون الخليجي” لوحدة التراب المغربي، وذلك في قمة خليجية مغربية.
أيضًا عدم موافقة الجزائر على المشاركة في التحالف العسكري العربي الذي يقود عملية “عاصفة الحزم”، خاصة أن الرياض ترى أن الجزائر لديها قوات مسلحة، وعلى خبرة عسكرية وأمنية عالية في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، فلم تقبل الجزائر المشاركة في “عاصفة الحزم”، ووقتها قال وزير الخارجيةرمطان لعمامرة،‘‘إن بلاده ترفض المشاركة في هذه العملية‘‘ ما خلق توترًا غير معلن مع السعودية، لكن وسائل إعلام جزائرية، انتقدت المملكة، فنشرت ما يفيد صعوبة تمكن المواطنين الجزائريين الموجودين في اليمن من العودة إلى ديارهم.
مواجهة التمدد الشيعي الإيراني
وقبل عامين من الآن وتحديد أواخر عام 2015، كادت العلاقات بين الرياض والجزائر تدخل مرحلة متوترة للغاية تصل لقطع العلاقات، والسبب هو رفض الجزائر التعاون مع السعودية في مشاريعها الهادفة لحصار ومواجهة التمدد الشيعي الإيراني في المنطقة العربية، وهو بحسب الرؤية السعودية- أي التمدد الشيعي- خطر كبير يجب مواجهته بقوة وحزم.
الوهابية وانتشار الحركات الإسلامية
ومن بين المواقف الواضحة للجزائر تجاه المملكة العربية السعودية، انتقادها للوهابية، وتحميلها جزءًا كبيرًا من مسؤولية انتشار الحركات الإسلامية، وهنا نتذكر على سبيل المثال قرارات جزائرية صريحة مثل منع الكتب السلفية في معرض الكتاب لديها، خاصة كتب مؤلفين كبار مثل محمد ناصر الدين الألباني وابن عثيمين، وعبد العزيز بن باز وغيرهم، كما يرى مدافعون عن القرار الحكومي الجزائري في هذا الموضوع أن تأثير الفكر السلفي على الشباب الجزائريين خاصة الذين سافروا ودرسوا في المملكة العربية السعودية كان بمثابة قوة دافعة للتشدد الديني، والذي من شأنه أن يهدد المجتمع الجزائري، فيما يرى معارضون للتيار السلفي في الجزائر أن هذا الفكر يقسم المجتمع ويُدخل قيما مستوردة عليه.
يقول الشيخ شمس الدين بوروبي، وهو إمام جزائري معارض للتيار السلفي في تصريحات متلفزة، ‘‘إن المصنفات تختبئ وراء مذهب السلف، وهي كتابات سياسية هدفها تفجير المجتمعات الإسلامية من الداخل من خلال غزو عقول الشباب والسيطرة عليه بالأفكار المتشددة‘‘.
وعلى الرغم من تصريحات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان،خلال مشاركته في جلسة حوارية بمنتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” حول التحرر من الأفكار الشديدة، والتي جاء فيها تعهده بقيادة مملكة معتدلة ومتحررة من الأفكار المتشددة وهي التصريحات التي وصفها بعضهم بأنها ترميل مواجهة الفكر الوهابي، إلا أن الجزائر لا زالت على موقفها في هذا الشأن.
ولمن لا يعرف فـ”الحركة الوهابية” أو ما يطلق عليها “السلفية الوهابية”، مصطلح أطلق على حركة إسلامية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية، أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود، حيث تحالفا معًا لنشر الدعوة السلفية، وتسمية “الوهابية”جاءت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، والتسمية بحدّ ذاتها يرفضها أتباعها لاعتقادهم بأنها دعوة دينية وليست حركة سياسية، وأن محمد بن عبدالوهاب لم يبتدع مذهبًا جديدًا، لكنه كان يدعو لما كان عليه الصحابة والأئمة الأربعة من اتباع القرآن الكريم وسنة رسول الله “محمد” في الإسلام -على حد اعتقادهم- لذا فإنهم يفضلون تسميتهم بالدعوة “السلفية” نسبة للسلف الصالح.
الاستثمار في الصحراء.. استفزاز إماراتي للتهدئة
ومن ضمن الأسباب والمواقف الأخرى التي عمقت الخلاف بين البلدين، قرار الرياض الاستثمار في الأراضي الصحراوية وهي في حالة نزاع، ما اعتبر استفزازا مباشرا للنظام السياسي القائم في الجزائر، وكذلك استفزاز مباشر للقوات المسلحة الجزائرية وللشعب الجزائري، لكن الإمارات تدخلت وقدمت مبادرة إماراتية لتهدئة العلاقات وإعادة الأمور لشكلها الطبيعي بين السعودية والجزائر، وتضمّنت 3 بنود؛ هي: وقف التصعيد، ووقف أي تصريح يسيء لأي من الطرفين، وأخيرًا السعي لعقد لقاء مباشر بين مسؤولين من الجزائر ومن السعودية، بحيث يُعقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
النفط وسياسة التهميش
وترى الجزائر أن السعودية كانت مساهما أساسيا في سياسة التهميش، من خلال ضخها كميات كبيرة من النفط أدت إلى تدهور مرتفع في الأسعار، وهو مّا أثر سلبًا على الاقتصاد الجزائري، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تكبدت خسارة كبيرة بسبب انهيار أسعار البترول، حيث قُدرت النسبة بـ 48 % وهي نسبة كبيرة.
القضية الفلسطينية تعمق الخلافات
وفي الأزمة الأخيرة بين البلدين وبعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خرجت مواقف رسمية وأخرى شعبية منددة ورافضة لقرار دونالد ترامب، فعلى مستوى الجزائر عبر الشعب عن موقفه بشكل قوي من القضية الفلسطينية، منتقدًا ضعف الموقف السعودي وعدم وضوحه تجاه القرار الأمريكي الأخير، وهذا الموقف الأخير على المستوى الرياضي، لم يكن الأول من نوعه الذي يظهر فيه دعم جزائري للقضية الفلسطينية، فالمشجعون الجزائريون كان له موقفهم في مباراة ودية أقيمت في عام 2016، بين المنتخبين الأولمبي الجزائري ونظيره الفلسطيني وحمل ما يفوق 80 ألف متفرج الأعلام الفلسطينية.
وفي الموقف الأخير “التيفو” ظهر بشكل واضح موقف الشعب الجزائري داخل الملاعب الرياضية لينتقد موقف السعودية التي لم تتحرك بما يكفي، مكتفية بالتنديد لمواجهة خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فخرجت الجماهير رافعة الـ”التيفو”، في وجه ترامب والعاهل السعودي، معتبرة ذلك انفعالًا وطنيًا مشروعًا، لأن المسألة تتعلّق بالقدس ومُقدساتها، ويبقى على الطرف السعودي القيام بمراجعة قوية وعمليات إصلاح سريعة للخلل في طبيعة العلاقات السياسية مع الجزائر.