تعيش المملكة العربية السعودية أياما ضبابية في ظل أزمات مستمرة تعاني منها منذ سطوع نجم الأمير الصغير محمد بن سلمان ، ولي العهد السعودي. فبخلاف الحملة التي تقودها للعودة إلى الإسلام الوسطي ومواجهة الأصوليين كما عبر عن ذلك الأمير، وتوقيف الأمراء والوزراء ورجال أعمال كبار بتهم فساد، تعاني السعودية من أزمات عدة، منها الحرب في اليمن وقطع العلاقات مع قطر والأزمة مع لبنان، فضلًا عن الحرب الدائرة منذ عقود مع إيران.
ولي العهد السعودي و”والده العجوز” خلال العامين الماضيين، اتخذا عدة إجراءات أثارت جدلًا كبيرًا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لعل أبرزها تصعيد الملك المنتظر ليكون وليًا للعهد بدلًا من ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، ليبدأ بن سلمان اتخاذ خطوات عدة لتثبيت حكمه، لكنها قادت المملكة إلى مصير ما زال مجهولًا حتى الآن.
وخلال التقرير ستحاول مجلة “مواطن” عزيزي القارئ، أن تقود القارئ في دروب الأوضاع داخل المملكة، لمعرفة الطريق التي تسعى السعودية بقيادة الملك المنتظر محمد بن سلمان للدخول إليه.
“صراعات داخلية”
تعيش السلطة الحاكمة في المملكة والمتمثلة في العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله “الحاكم الفعلي” محمد بن سلمان، العديد من الأزمات منذ سطوع نجم الأمير الصغير على الساحة الإقليمية والعالمية، منذ 2016 والتي بدأها بإعلان نيته في العودة إلى الإسلام الوسطي والتخلي عن أبرز الأمور التي عاشتها السعودية خلال حوالي نصف قرن من الزمان والمتمثلة في منح المرأة العديد من حقوقها لعل أبرزها السماح للمرأة بالقيادة بدءًا من عام 2018.
تصريحات الملك المنتظر أثارت جدلًا كبيرًا محليًا وخارجيًا، وطرحت العديد من التساؤلات بشأن ما يدور في رأس بن سلمان وما ينوي تطبيقه خصوصًا في ظل “الصبغة الدينية” المتشددة للحكام السعوديين عبر تاريخهم، مرورًا بـ”هيئة الأمر بالمعروف” والتي تعد صاحبة سلطات كبيرة داخل الأراضي السعودية وصولًا إلى ردود أفعال الأصوليين من أصحاب الخلفية “السلفية الوهابية”، لكن يبدو منذ الوهلة الأولى أن الأمير الصغير يعرف كيف يسير من خلال توطيد أواصر حكمه المنتظر، حيث قاد عددا من الحملات الترهيبية خلال الشهور القليلة الماضية لتثبيت حكمه.
خطوات بن سلمان بدت واضحة المعالم فعمل على تقوية علاقاته الخارجية مع دول الجوار، وخصوصًا “الإمارات ومصر” واللذان يلعبان دورًا محوريًا في خطة الملك القادم، علاوة على التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب، فضلًا عن التواصل سرًا مع الكيان الصهيوني.
الملك المنتظر لم يستمر طويلًا في التحضير لخطته، ومحاولة إحداث تغيير كبير، فقاد حملة واسعة ضد العديد من الوزراء في حكومة والده (ظل الحاكم) بتهم فساد، والتي تشكلت على أثرها لجنة عليا لمكافحة الفساد في الدولة برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود وأدت إلى توقيف 320 شخصًا بحسب –النائب العام السعودي- بينهم وزراء وأمراء من العائلة الحاكمة ورجال أعمال لعل أبرزهم الأمير متعب بن عبد الله ورجل الأعمال الأبرز في الشرق الأوسط، الملياردير الوليد بن طلال.
خطوة بن سلمان الأخيرة أدت إلى حالة كبيرة من التخبط والترصد داخل أروقة المملكة، لكن ولي العهد بدا وكأنه يقف على أرض صلبة، إذ إن قراراته بشأن رجال الأعمال والأمراء لم تواجه انتقادات من أي حكومة عالمية أو خليجية أو عربية، بل على العكس صرح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، قائلًا: “لدي ثقة كبيرة بالملك سلمان وبولي العهد السعودي، فهما يدركان بالضبط ما الذي يفعلانه”.
واستمر ولي العهد في خطواته، حيث بدأ في مفاوضات مع الوزراء والأمراء ورجال الأعمال من أجل الحصول على أموال أو تسويات لقضاياهم كما يتردد في وسائل الإعلام، الأمر الذي دعا بعض المحللين إلى التأكيد على أن ما يحدث في السعودية من حملات توقيف تأتي لتثبيت وضع بن سلمان قبل توليه الحكم رسميًا، ووصف البعض التسويات بأنها عبارة عن “ابتزاز” من أجل إطلاق سراح المعتقلين في أحد الفنادق الكبرى، ومحاولة إنهاء مستقبلهم السياسي.
ووصفت صحيفة “ذي إيكونوميست” حملة الاعتقالات بأنها أدت إلى عزل ذرية الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود من الساحة السياسية، مشيرة إلى أنه بإتمام الحملة تمكن ولي العهد السعودي من السيطرة تمام على الأذرع الأمنية الثلاثة في المملكة الخليجية.
أزمات السعودية الداخلية أدت إلى اضطراب شديد داخل أروقة المملكة في الآونة الأخيرة وينبأ عن أحد الاحتمالين، أولهما نجاح بن سلمان في استراتيجيته الداخلية للوصول إلى كرسي أبيه، والآخر في حدوث اضطرابات من قبل الأمراء الموقوفين خلال السنوات القادمة لتدخل السعودية في “صراع جديد” قد يطيح بالأسرة الحاكمة بالكامل.
“العلاقات الخارجية”
الاضطراب لم يقتصر على الوضع السعودي داخليًا لكنه امتد إلى خارج محيط الدولة، لتعيش المملكة في أزمات أخرى خارجية تستنزف “أموالًا، وجنودًا، والوضع الأمني الداخلي”، والبداية من جارتها اليمن التي تعيش فترة “كالحة” من تاريخها العريق في ظل الحرب الدائرة بين أطراف ثلاثة فمن ناحية “الجيش اليمني وقوات التحالف العربي بقيادة (السعودية)، وأنصار عبد الملك الحوثي من ناحية وأتباع الرئيس اليمني المقتول مؤخرًا على يد الحوثيين علي عبد الله صالح في الطرف الثالث”.
ورغم مشاركة عدة دول خليجية وعربية في الحرب في اليمن إلا أن المملكة تعد صاحبة “الفاتورة” الأكبر بها، فعلى مستوى قوات التحالف، تشارك المملكة العربية السعودية وحدها بأكثر 100 طائرة حربية وحوالي 150 ألف جندي منذ 25 مارس 2015–بحسب قناة العربية-، وحتى الآن، لتكون المملكة الخاسر الأكبر بها، فبخلاف التهديدات التي طالت العاصمة الرياض من خلال الصواريخ البالستية، بلغت خسائر المملكة ماديًا منذ بداية الحرب، أكثر من 150 مليار دولار تشمل المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن، بحسب ما رصدته تقارير دولية، وبحسب دراسة جديدة لجامعة هارفرد، قد تكون كلفة الحرب في اليمن 200 مليون دولار في اليوم على السعودية.
“الأزمة القطرية”
دخلت السعودية إلى خط الأزمة مع قطر بعد أن كان الموقف مقتصرًا على مصر في ظل دعم النظام القطري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر واستضافتها قياديين ورموزا في الجماعة الهاربين خارج القاهرة، لتبدأ أزمة كبرى بين قطر ودول الرباعي العربي “مصر والسعودية والإمارات والبحرين”، أسفرت عن قطع العلاقات تماما مع الإمارة الصغيرة ورفض كل محاولات الصلح والتوصل لحل دبلوماسي بقيادة دولة الكويت.
السعودية والبلدان الثلاثة لم تتأثر كثيرًا بشأن قطع العلاقات مع قطر، لكنها بدت أكثر توترًا عن الدوحة خصوصًا في ظل الدعم الإيراني للأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، والتقارب التركي بين البلدين: الدوحة وأنقرة، ليأخذ التوتر في العلاقات منحنى جديدا بعد تجاوزه أكثر من نصف عام.
“الأزمة اللبنانية”
يبدو أن المملكة أصبحت لا تألوا جهدا إلا وتدخل في صراعات مع شقيقاتها العربية، لتبدأ في الدخول في صدامات جديدة مع دولة لبنان، بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، استقالته من داخل أراضيها في إطار زيارة له للمملكة، ملقيًا باللوم على إيران وحزب الله، لتواجه السعودية اتهامات من الرئيس اللبناني ميشال عون بالتحفظ على الحريري في تصريحات على حسابه على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”.
المشهد برمته كان يشير إلى شيء آخر، فالأزمة في الأصل كانت بين “السعودية وحزب الله”، أو بتعبير أدق بين القطبين الإسلاميين في المنطقة وهما “السعودية وإيران”، وازدادت الأوضاع توترًا ودخلت لبنان في معترك الصراع السعودي الإيراني المستمر من عقود، ورفعت التصريحات بين الجانبين من حدة الأزمة خصوصًا بعد إطلاق صاروخ على السعودية من اليمن.
وقال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير عن الحادثة في تصريحات صحفية: “إنّ الصاروخ الذي أطلق على الرياض، كان صاروخًا إيرانيًا، وصنّع في إيران، وفكّك وتم تهريبه إلى اليمن”، مشيرًا إلى أن الصاروخ، تم تركيبه من قبل عناصر حزب الله في اليمن، كما اعتبر أنّ عمليّة إطلاق الصاروخ، بمثابة “عمل حربي” على السعودية.
واتهمت السعودية لبنان بإعلان الحرب عليها بسبب عدوان جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران على المملكة، بعد تصريحات لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في تصريحات متلفزة، في تصعيد حاد لأزمة تهدد استقرار البلد الصغير، في تصريحات متلفزة لوزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان للتلفزيون العربي.
“التوتر الإيراني”
ورغم كل الأزمات السابقة إلا أن المملكة دخلت في العديد من الصراعات خوفًا من توغل النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث تتهم الرياض طهران بدعم الحوثيين في اليمن، وتخشى من التقارب الإيراني القطري، وتتخوف من زيادة طهران نفوذها في لبنان بسبب وجود حزب الله، إضافة إلى تراجعها عن أزمة دبلوماسية كبيرة مع مصر بسبب قرار بشأن سوريا في مجلس الأمن بعد محاولات التقارب التي حدث بين القاهرة وطهران، على خلفية رفض شركة “أوبك” للبترول إرسال شحنات النفط المتعاقد عليها بين البلدين، بعد اعتذار الشركة رسميا عن إرسال الشحنة لمدة شهرين.
“دعائم بن سلمان”
خلال الفترة الماضية بدا أن الملك سلمان ونجله يدركان فعليًا خطورة الخطوات والإجراءات التي يقومان بها، وما تهديدها لطموحاتهما البعيدة في الصعود بالأمير الصغير إلى الحكم، وسعيها إلى محاولة فرض سيطرتهما على الأوضاع داخليًا من خلال زيادة القبضة الأمنية في البلاد، ومحاولة إقصاء غير الموثوق بهم من المشهد، فضلًا عن الحصول على دعم قوي من قبل عدد من الدول.
ونجح بن سلمان في الوصول إلى صيغة كبيرة من التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة قبل عام تقريبًا، فخلال زيارة الأخير للمملكة حصل على تعاقدات واستثمارات تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار–وفق تصريحات ترامب خلال افتتاح القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض العام الماضي-، ليلقى بن سلمان دعمًا كبيرًا من الجانب الأمريكي، ومباركة في العديد من القرارات.
التقارب مع أمريكا لم يكن الوحيد لـ”بن سلمان” فقد سعى الأمير الصغير إلى التقارب مع الكيان الصهيوني خلال الفترات الماضية، إلا أن الاتصالات السعودية الأمريكية تكثّفت منذ عام 2016، بشكل أكثر تقاربًا، وذلك قبل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود السعودية المصرية والتي تقضي بتنازل مصر عن جزيرتي “تيران وصنافير” لصالح المملكة، لتخرج تصريحات من قلب إسرائيل، تؤكد أن القاهرة والرياض أطلعاها على الاتفاقية، وأن المملكة ستلتزم بدورها في المنطقة، وفقا لـ”الصحيفة الإسرائيلية هآرتس”.
وتتفق السعودية مع إسرائيل في إحدى القضايا التي تشغل حيزًا كبيرًا من سياسة البلدين، وهي “عدائية إيران”، وكانت قضية إيران ملتقى كبيرا للتقارب بين البلدين لبدء مرحلة التطبيع العلني. حساب “مجتهد” القريب من السلطة السعودية قال على صفحته بموقع التدوينات المصغرة “تويتر” في يناير الماضي: “بن سلمان يوجه بتنفيذ حملة إعلامية وتويترية لتهيئة الرأي العام لعلاقات معلنة مع إسرائيل.. ومكافأة للإعلامي والمغرد الذي يبدع في هذه الحملة”.
العداء مع إيران لن يكون السبيل الوحيد للتقارب مع إسرائيل في ظل وجود علاقات اقتصادية وسياسية واستخباراتية كبيرة بين البلدين أسهمت في نموها وزيادتها زيارة ترامب للسعودية في وقت سابق، لتؤكد كل المعطيات والحسابات السابقة أن السعودية بدأت طريقها في التوجه إلى التبعية “الصهيو أمريكية” لحماية “ملك بن سلمان” من الزوال.