على غرار القواعد الأمريكية ، تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من المناطق ذات العرقية الأكثر خطورة والتي تقع رهينة للصراعات الدينية والهجمات الإرهابية والنزاعات الإقليمية والعديد من الأزمات العابرة للحدود، وذلك لما تحظى به من مميزات فريدة من نوعها من حيث الموقع الجغرافي فهي ممر لثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، وما تتمتع به من ثروات طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي، وهو ما يفسر منافسة القوى الكبرى للسيطرة على مقدرات تلك المنطقة عبر وسائل وأدوات مختلفة،
ولعل منطقة الخليج العربي هي الجوهرة المشعة لهذه المنطقة، كونها تتحكم في العديد من المضايق الهامة، بالإضافة إلى احتضانها نصف الاحتياطي العالمي من النفط.
ويظل الشرق الأوسط محورًا رئيسًا للمخططين العسكريين الأمريكيين، وأصبحت المنطقة التي كانت تعتبر في الماضي مستقرة نسبيًا -ويرجع ذلك إلى الحكم المشكوك فيه في الأنظمة الاستبدادية- غير مستقرة إلى حد كبير، وأرضًا خصبة للإرهاب، وقد تدهور الأمن العام في المنطقة في السنوات الأخيرة، وتفاقمت الصراعات في العراق وليبيا وسوريا واليمن، مع قيام تنظيمي (داعش) والقاعدة.
كما أدت التدخلات الروسية والإيرانية في سوريا إلى تعقيد القتال هناك، كما تواجه مصر تمردًا متزايدًا في سيناء المصرية ينتشر تدريجيًا، وبالرغم من تمكن العراق من وقف التقدم ودفع تنظيم داعش ولكنه يحتاج إلى مساعدة كبيرة لهزيمته.
استراتيجية “الشيطان” في المنطقة
من المرجح أن تظل منطقة الخليج غير مستقرة لعدة عقود قادمة، ويمكن أن تكون إيران مصدرًا لعدم الاستقرار، حيث إنها تعد نفسها القوة المهيمنة التي يحق لها أن تؤدي دورًا متناسبًا في المنطقة، وتقاسم حقول النفط والغاز البحرية الكبرى مع دول الخليج يعني أن إيران ودول الخليج لديهما نقاط احتكاك محتملة، لذلك فإن الوجود العسكري الأمريكي، وخاصة قدرات القوات البحرية والقوات الجوية، في العديد من دول الخليج يعتبر ردعًا حاسمًا للطموحات الإيرانية الممكنة.
بعد زوال خطر الاتحاد السوفيتي كان لزامًا على الولايات المتحدة أن تجد لها مبررًا للتواجد العسكري في المنطقة، فوضعت استراتيجية واضحة لتبرير هذا التواجد من أجل الاستحواذ على أرصدة وثروات دول الخليج، ونجحت في ذلك عبر عقود من خلال التواجد العسكري في هذه الدول، واستخدمت في سبيل ذلك أدوات عدة من بينها إثارة الهواجس الأمنية كالحروب الإقليمية المحتملة أو إثارة النعرات الطائفية أو ما يمكن أن يهدد عروش ملوك وأمراء الخليج، واستطاعت اختراق الأمن القومي الخليجي لضمان السيطرة على مقدراتهم.
وترجمت الولايات المتحدة هذه الأدوات على أرض الواقع فورطت المنطقة في حروب مفتوحة بداية من حرب الخليج الثانية بعد احتلال صدام حسين للكويت، والحروب التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان والغزو العراقي، والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي المشكوك في كونه صناعة للمخابرات المركزية الأمريكية لتبرير التوغل الأمريكي في المنطقة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقامت الولايات المتحدة بتأسيس قواعد عسكرية لها في دول المنطقة، في محاولة لتفتيت هذه الدول وتكريس تبعيتها لها، واستنزفت أموالًا طائلة من دول الخليج العربي عبر صفقات السلاح الأمريكية لمواجهة الخطر الإيراني، وهو ما يعد عملية ابتزاز واضحة لحكام الخليج لنهب ثرواتهم مقابل الحماية من هذه المخاطر كافة.
وتعد الولايات المتحدة الخليج العربي منطقة مصالح أمريكية بالدرجة الأولى، لذلك فإن أمن هذه المنطقة خاضع للرؤية الأمريكية، وعليه استضافت دول مجلس التعاون عددًا من القواعد الأمريكية العسكرية على أراضيها.
عقيدة “كارتر” هل ترسخ الاحتلال؟
اعتمدت الولايات المتحدة في استراتيجتها العسكرية في الشرق الأوسط قبل عام 1980 -التي أعلنها الرئيس الأمريكية السابق جيمي كارتر خلال خطاب حالة الاتحاد السنوي أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي في 23 يناير 1980- على ركيزتين، الأولى: إيران قبل ثورة الخميني والمملكة العربية السعودية، لتأخذ زمام المبادرة للدفاع عن منطقة الخليج العربي، من الاتحاد السوفيتي وأنظمة عملائه في العراق وسوريا وجنوب اليمن، إلا أن الثورة الإيرانية عام 1979، هدمت أحد الركائز، وزاد الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر 1979 من التهديد السوفيتي للخليج.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، في يناير 1980 أن الولايات المتحدة سوف تتخذ إجراءات عسكرية للدفاع عن دول الخليج العربي الغني بالنفط من العدوان الخارجي، وهو التزام عرف باسم “عقيدة كارتر” في عام 1980، حيث أمر بإنشاء فرقة العمل المشتركة الانتشار السريع، تمهيدًا للقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، التي أنشئت في يناير 1983.
حتى أواخر الثمانينيات، كان الغزو السوفيتي المحتمل لإيران يعتبر التهديد الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح النظام العراقي الذي كان يقوده- آنذاك- صدام حسين هو التهديد الرئيسي للاستقرار الإقليمي، وكان العراق قد غزا الكويت في أغسطس 1990، وقد ردت الولايات المتحدة في يناير 1991 بزعامة ائتلاف دولي يضم أكثر من 30 دولة لطرد القوات العراقية من الكويت، وأمرت اللجنة الأمريكية بمساهمة الولايات المتحدة لأكثر من 50 ألفًا من الأفراد العسكريين في القوات المسلحة للتحالف، التي بلغ مجموعها أكثر من 90 ألفًا، وهذا يمثل ذروة انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأدت حرب الخليج الثانية إلى تحول كبير في منظومة التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج العربي، حيث قُدمت لها تسهيلات واسعة النطاق في قواعدها ومحطات وموانئ ومطارات ومعسكرات من معظم دول المنطقة التي تربطها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وأدى ذلك إلى تزايد عدد القواعد الأمريكية العسكرية بصورة غير مسبوقة.
ومنذ الانسحاب من العراق، واصلت الولايات المتحدة الحفاظ على عدد محدود من القوات في الشرق الأوسط، ويقع معظم هؤلاء الموظفين في بلدان مجلس التعاون الخليجي، واعتبارًا من أكتوبر 2015، كان حوالي 35 ألف من الأفراد العسكريين الأمريكيين يعملون في الشرق الأوسط، ولم يتم الإعلان عن تصرفهم الدقيق بسبب الحساسيات السياسية في المنطقة.
القواعد الأمريكية في الخليج العربي
وفي تقرير عن القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط نشرته مؤسسة “هيرتاج” الأمريكية للأبحاث والدراسات كانت نتائجه على النحو التالي:
الكويت: يبلغ عدد أفراد القوات الأمريكية في الكويت حوالي 000 15 فردًا، وتنتشر هذه القوات بين معسكر عريفجان وقاعدة أحمد الجابر الجوية وقاعدة علي السالم الجوية، ويجري عادة نشر سرب من المقاتلين ونظم صواريخ باتريوت إلى الكويت.
الإمارات العربية المتحدة: وفقًا للمسؤولين الإماراتيين والأمريكيين، فإن حوالي 5000 من أفراد الولايات المتحدة، معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، تتمركز في قاعدة الظفرة الجوية، وتتمثل مهمتها الرئيسية في الإمارات في تشغيل المقاتلين والطائرات بدون طيار وطائرات إعادة التزود بالوقود وطائرات المراقبة، كما نشرت الولايات المتحدة بانتظام طائرات مقاتلة من طراز F-22 رابتور إلى الظفرة، وتنتشر أنظمة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي والصاروخي.
سلطنة عمان: منذ عام 2004، لم تستخدم المنشآت العمانية لعمليات الدعم الجوي في أفغانستان أو العراق، وانخفض عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين فى عمان إلى حوالى 200 فرد معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، ويمكن للولايات المتحدة أن تستخدم- مع إشعار مسبق ولأغراض محددة- المطارات العسكرية في عمان في مسقط (العاصمة)، ثمريت، وجزيرة مصيرة.
البحرين: يذكر أن أقدم وجود عسكري أمريكي في الشرق الاوسط موجود في البحرين، وحاليًا يوجد حوالى 7 آلاف جندي أمريكي هناك، ويذكر أن البحرين هي موطن لنشاط الدعم البحري والأسطول الخامس الأمريكي، لذا فإن معظم العسكريين الأمريكيين هناك ينتمون إلى البحرية الأمريكية. ووقعت الولايات المتحدة مؤخرًا على برنامج بناء عسكري بقيمة 580 مليون دولار لتحسين رصيف سلمان، وهناك عدد كبير من أفراد القوات الجوية الأمريكية يعملون من قاعدة الشيخ عيسى الجوية، حيث F-16s وF / A-18s ، وتمركز طائرات المراقبة من طراز ف -3، كما يتم نشر أنظمة صواريخ باتريوت أمريكية في البحرين، ويعتبر ميناء خليفة بن سلمان للمياه العميقة أحد المرافق القليلة في الخليج التي يمكن أن تستوعب حاملات الطائرات الأمريكية.
المملكة العربية السعودية: سحبت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من قواتها من المملكة العربية السعودية في عام 2003، ولا تتوفر سوى معلومات قليلة عن عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين الموجودين هناك حاليًا، ومع ذلك، تتواجد عناصر من الجناح الجوي الأمريكي 379، جنبًا إلى جنب مع بعثة التدريب العسكري الأمريكية منذ ستة عقود إلى المملكة العربية السعودية، ومكتب مدير برنامج تحديث الحرس الوطني السعودي منذ أربعة عقود، ومكتب مدير البرنامج – قوة أمن المرافق.
بالإضافة إلی ذلك، ذكرت تقاریر إعلامیة بأن الحکومة الأمریکیة تشغل قاعدة سریة للطائرات بدون طیار في المملکة العربیة السعودیة، وهي تطلق منها طائرات بدون طیار ضد مسلحین في الیمن، وهناك أیضًا تقاریر عن وجود قاعدة أمریکیة علی جزیرة سقطرى الیمنیة، ساحل الصومال، وتستخدم لعمليات مكافحة الإرهاب قبالة القرن الأفريقي واليمن.
قطر: ينتشر آلاف الجنود الأمريكيين في قطر، معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، وتقوم الولايات المتحدة بتشغيل مركز عملياتها الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية، التي تعد واحدة من أهم القواعد الجوية الأمريكية في العالم، وتحتوي القاعدة على مدرج للطائرات يصنف من اطول الممرات في العالم كونه يستقبل أكثر من 100 طائرة على الأرض، كما يمكن استخدام هذه القاعدة في عمليات جوية وإمدادات وتستطيع إيواء 130 طائرة وعشرة آلاف رجل.
كذلك هناك قاعدة السيلية التي تتميز بوجود مخازن للأسلحة الأميركية هي الأكبر من نوعها، ويتواجد بها 3000 جندي أمريكي، واستخدمتها الولايات المتحدة إبان حربها ضد أفغانستان والعراق.
ماذا تهدف الولايات المتحدة من هذه القواعد؟
تؤكد تقارير صحفية في هذا الشأن أن الولايات المتحدة تضمن عبر هذه القواعد الأمريكية للحصول على أهداف عدة يمكن رصدها على النحو التالي:
– الحفاظ على أمن واستقرار الاحتلال الإسرائيلي من أي محاولة اعتداء خارجية.
– دعم الحكومات الموالية للولايات المتحدة والدفاع عنها عسكريًا ضد أي تهديد من قبل أي دولة تعارض التواجد الأمريكي في المنطقة.
– تأمين طرق عبور مصادر الطاقة من المنطقة لمختلف دول العالم وهو ما يتطلب الحفاظ على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج، وبالتالي ضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحًا لتدفق البترول وهي مسألة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
– مراقبة أنشطة إيران العسكرية والنووية ومحاولة ردع أي تهديد إيراني لدول الخليج سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الحركات الموالية لطهران في المنطقة، والحديث هنا عن تواجد نحو 125 ألف جندي أمريكي على مقربة من إيران، بينهم نحو 20 ألفًا موزعين على السفن البحرية الأمريكية في المنطقة.
– دعم الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وحمايتها من أي محاولة للإطاحة بها.
أخيرا هل تأتي استضافة دول الخليج العربي للقواعد الأمريكية على أراضيها نتيجة إيمانها بمبدأ عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها، وحماية لها من أطماع جيرانها، -لا سيما وأن التهديدات الخارجية تتزايد يوما بعد يوم، في ضوء التهديدات الإيرانية لدول المنطقة، وفي ضوء الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية وتشارك فيه الإمارات ودول أخرى في وجه تهديدات ميليشيات الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، التي وصلت لحد إطلاق صواريخ تصل مداها العاصمة الرياض في سابقة هي الأولى من نوعها- أم أنه يمكن اعتباره “احتلال أمريكي مقنن” لنهب ثروات الشرق، وضمان للسيادة الأمريكية على دول المنطقة؟.