إذا كنت من المخادعين الذين يتلذذون بالكذب وقلب الحقائق، تهانينا لك، فلديك فرصة ذهبية لا تتكرر سوى مرة واحدة في السنة، ذلك اليوم الذي يوافق الأول من إبريل من كل عام ويطلق عليه “كذبة إبريل”، وفيه يطلق البعض إكذوبة ما، من أجل خداع الأصدقاء والأقارب بداعي المزاح والمرح والفكاهة.
وعلى الرغم من أن يوم كذبة إبريل ليس يوم عطلة رسمية في أي بلد، إلا أنه يتم الاحتفال به عالميًا منذ قرون، فهو يوم مليء بالنكات والدعابة والسخرية العامة، لذلك عليك عزيزي القارئ أن تكون أكثر حذرًا وتشككًا في يوم 1 إبريل سنوياً، حيث قد يحاول أفراد العائلة أو الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل وحتى المدرسين دغدغة عظامك المضحكة بمزحة أو كذبة من نوع ما.
جذور هذه الذكرى قد تكون غامضة بعض الشيء، فقد اختلفت الآراء حول مرجعية الاحتفال بهذا اليوم، وكُتبت في ذلك وجهات نظر متعددة، ويقول جوزيف بوسكين، أستاذ التاريخ في جامعة بوسطن ومؤلف كتاب “الفكاهة والتغير الاجتماعي”، إن “أصل يوم كذبة نيسان” غامض جدًا، فهناك مجموعة متنوعة من التفسيرات المختلفة، لذلك لا يمكنني تقديم إجابة محددة”.
مجلة ‘‘مواطن‘‘ تجولت في خبايا وتاريخ ذلك اليوم، لتتعرف على أهم حكاياته والظروف التي من أجلها سمي بذلك في هذه السطور القادمة.
البعض يرى أن كذبة إبريل بدأت كوسيلة للاحتفال بتغيير الموسم، ويقول آخرون ‘‘إنها مرتبطة بتحول التقويم في فرنسا خلال القرن السادس عشر، حيث تحول يوم رأس السنة من نهاية مارس إلى أول يناير، والغرض هنا الخداع بالطبع‘‘.
ويطلق الأوروبيون على ضحايا ذلك اليوم، أغبياء كذبة إبريل، وتُشارك في يوم كذبة إبريل الصحف والمجلات أيضًا، حيث تنشر أخبارًا كاذبة أو تقارير ليس لها أساس من الصحة مطلقًا، ورغم شعبية هذه المناسبة، إلّا أنّها لم تأخذ شكل الاحتفال الرسمي في أي بلد في العالم، إذ إنها بقيت مرتبطة بالدعابات فقط، وتوجد العديد من الروايات التي تبين سبب نشوء “كذبة إبريل” وهذه أبرزها.
قصيدة تشوسر في القرن الرابع عشر
ترى أندريا ليفيسي، وهي مؤرخة من جامعة بريستول أن أصل الحكاية يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، مع الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، والذي ألف مجموعة قصصية وشعرية سمّاها حكايات “كانتربري”، وتضمن قصص تجمع بين الأول من إبريل والأكاذيب، وهو ما يدل على قدم هذه المناسبة، وفي شعر تشوسر يخدع الثعلب الديك الذي كاد يؤكل، وهنا لم يشر الشاعر مباشرة إلى أول إبريل ولكن القصيدة تقول: “بعد 32 يومًا من بداية مارس” والتي ترجمها الناس إلى الأول من إبريل، وهناك من رفض هذه الأطروحة بحجة أن تشوسر استخدم كلمات مربكة ليمازح الناس بقصيدته.
تغيير التقويم الميلادي
وهناك اعتقاد كبير بأن هذه المناسبة بدأت عندما تم تغيير بداية العام في التقويم الميلادي، حيث كان الناس في القرون الوسطى يحتفلون برأس السنة في الخامس والعشرين من آذار/ مارس، وتستمر الاحتفالات في بعض البلاد مثل فرنسا حتى الأول من إبريل، ثم تغير رأس السنة على يد شارل التاسع في نهاية القرن السادس عشر، حيث تم إصدار مرسوم في فرنسا سنة 1564م لاعتماد الأول من كانون الثاني/ يناير، بداية للسنة ليُصبح عرفًا سائدًا حتّى اليوم، وبدأت مجموعة من الناس التي تحتفل في بداية العام بالأول من كانون الثاني بالسخرية من أولئك الذين استمروا في التصديق بأن السنة لا زالت تبدأ في الأول من نيسان/ إبريل، وأصروا على الاحتفال بها.
مزحة القيصر
نظرية أخرى تعود بالواقعة إلى المعسكر الشرقي، إذ عرفت روسيا كذبة نيسان في عام 1719م، وفيها أشعل قيصر روسيا بطرس الأكبر النار في قبة مرتفعة بعد أن طلاها بالزفت والشمع، فظن النّاس أنّ مدينتهم تحترق وهربوا خائفين، وكان جنود القيصر حينها يوقفونهم قائلين: اليوم هو الأول من إبريل.
أشهر أكاذيب إبريل:
أشجار السباغيتي
1 إبريل 1957، أقنع برنامج إخباري مذاع على قناة “بي بي سي” البريطانية الناس بأن المزارعين في سويسرا كانوا يزرعون محاصيل السباغيتي، وأظهر شريط فيديو صورًا للمزارعين السويسريين الذين يسحبون خيوطًا من السباغيتي من الأشجار، وخُدع العديد من المشاهدين، وطرح سؤال وقتها: كيف يمكن أن تزرع شجرة السباغيتي؟، وأجابت BBC: “ضع غصن من السباغيتي في علبة من صلصة الطماطم والأمل في الأفضل”.
التلفاز الملون
1 إبريل 1962، قام التليفزيون السويدي بدعوة الخبير التقني الخاص به إلى عرض إخباري لتوضيح كيف يمكن للمشاهدين تحويل تلفزيونهم الأبيض والأسود إلى أجهزة تلفاز ملونة، وكانت الإجابة: قم بسحب نايلون على شاشة التلفزيون وسيتغير، وكانت مزحة بالطبع.
طيور البطريق الطائرة
1 إبريل 2008، عرضت سلسلة “بي بي سي” للتاريخ الطبيعي “Miracles of Evolution” لقطات لبطاريق “Adélie” تحلق في الجو في مقطع فيديو مقنع، والذي كان في الواقع فيديو متحرك.
برجر يساري
1 أبريل 1998، قدم “برجر كينج” في الولايات المتحدة الأمريكية عرض اليوم “هابطة اليد اليسرى” – المصممة خصيصًا للأمريكيين ذوي اليد اليسرى البالغ عددهم 32 مليونًا- ويحتوي على نفس المكونات الموجودة في “Whopper” الأصلي ولكن تم تدويره 180 درجة “لضمان قبضة أفضل على كعكة”، طلب الآلاف من العملاء البرجر الجديد، في حين طلب العديد من الآخرين نسختهم اليمنى.
العثور على الوحش لوخ نيس
وفي عام 1972، ذكرت الصحف في جميع أنحاء العالم أنه تم العثور على جثة وحش بحيرة لوخ نيس، وقد صادف فريق من علماء الحيوان من حديقة حيوان فلامنجو بارك في يوركشاير أثناء عمله في البحيرة، عندما حاولوا أخذ نيس إلى يوركشاير، أوقفتهم الشرطة الاسكتلندية، وتم الكشف عن حقيقة أن “نيس” كان في الواقع ختم فيل كبير، وفي اليوم التالي عندما اعترف ضابط التعليم فلامنجو بارك، جون شيلدز، أنه قام بزراعة نايكي لوخ المزيف للعب كذبة إبريل على زملائه، واعترف بأن النكتة أصبحت خارج نطاق السيطرة عندما أصبحت الشرطة متورطة.
شراء جرس الحرية
في عام 2000، نشر مطعم الوجبات السريعة “تاكو بيل”، إعلانًا كبيرًا في جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تحت عنوان “سلسلة مطاعم الوجبات السريعة اشترت جرس الحرية”، وأعادت تسميته ليصبح: “تاكو بيل ليبرتي بيل”، وبيّنت الشركة أن هذه الخطوة من شأنها أن تقلل من الديون الوطنية، وعليه احتج الآلاف واعتبروه رعاية للشركات الفاسدة، وفي العالم التالي قدمت “تاكو بيل”، فكرة جديدة، حيث أعلنت أنها ستقدم للأمريكيين وجبة “تاكو” مجانًا، ولكن إذا استطاعت المحطة الفضائية “مير”، أن تصيب الهدف الذي وضعته “تاكو بيل” في منتصف جنوب المحيط الهادي.
نيكسون يترشح لرئاسة الولايات المتحدة
ونشرت شبكة شبكة NPR الإعلامية خبرًا في عام 1992، أن الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، سوف يترشح للرئاسة الأمريكية مرة أخرى، بعد استقالته عام 1974 إثر فضيحة سياسية، وكان شعار حملته: أنا لم أفعل أي شيء خطأ، ولن أفعل ذلك مجددًا.
قالوا عن كذبة إبريل
اختلفت آراء الكتاب والعلماء حول كذبة أبريل فهناك من يرى أن لها فائدة اجتماعية والآخر يرى أنها من المحرمات.
وقال أليكس بويز، مؤلف كتاب “متحف الخدع: تاريخ الفزع المزعج والخداع” إن السماح للناس بأن يسيؤوا التصرف وكسر القواعد الاجتماعية ليوم واحد يعزز النظام الاجتماعي، وأضاف أن “لمحة عن الفوضى التي تبدو وكأنها تذكّر الجميع لماذا يحتاجون إلى التصرف لبقية العام”.
وقال جوزيف بوسكين، أستاذ التاريخ في جامعة بوسطن، إن “يوم كذبة نيسان يعد أمرًا حاسمًا في المجتمع لأن الناس يحتاجون مرة واحدة على الأقل من 365 يومًا للتعبير عن مهرجهم الداخلي في بيئة مؤيدة للكفاءة، حيث لا تحظى المبتهجة بالاحترام دائمًا”.
وقال موريس شويتزر الباحث في الفكاهة والبروفيسور في وارتون إن “يوم كذبة نيسان (إبريل) هو عيد أهم بكثير مما يدركه معظم الناس، من خلال تحديد يوم للفكاهة والمزاح نوفر مساحة آمنة لنطاق أوسع من التعبير”.
على جانب آخر كانت هناك آراء مخالفة لتلك وجهات النظر من جانب عقائدي بحت، حيث انتقد مفتي الديار المصرية السابق الدكتور علي جمعة، المحتفين بيوم كذبة إبريل، قائلًا: “ينبغي علينا أن نتبرأ من الكذب، وألا يكون منهجًا لحياتنا فهو محرم في كل الديانات خاصة الإسلام، فقضية الكذب في أول إبريل، بدعة منكرة”. ورأى أنه من الأفضل أن يتم الاحتفال في الأول من إبريل بيوم اليتيم بدلًا عن الاحتفال بكذبة إبريل.