رسمت مؤسسة “فريدوم هاوس” الأمريكية المعنية بالديمقراطية والحريات “صورة قاتمة” لأوضاع الحريات في جميع دول العالم في تقريرها لعام 2018، مؤكدة تراجع الآمال بالديمقراطية خلال العام الماضي سواء بالنسبة لدول العالم الثالث أو حتى دول العالم الأول، مسجلة انخفاضًا مستمرًا خلال الـ 12 عامًا الماضية.
المؤسسة المهتمة بالحريات والحقوق السياسية وحقوق الإنسان منذ عام 1941، أكدت في تقريرها الصادر مؤخرًا بشأن أوضاع الحريات وسيادة القانون في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2017، أن الحقوق السياسية والحريات المدنية في العالم تدهورت إلى أدنى مستوى لها خلال أكثر من عقد من الزمان في العام الماضي، مبرزة تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن دورها المعهود من خلال “لعب دور المدافع والقدوة” في مجال الديمقراطية، إضافة إلى التراجع السريع لأوضاع الحريات والحقوق المدنية في أمريكا ذاتها.
وقال رئيس المؤسسة مايكل ابراموفيتس في كلمته بالتقرير، إن الديمقراطية في أزمة وأنها تتعراض للاعتداء والتراجع على الصعيد العالمي، بشأن “اختيار القادة في انتخابات حرة ونزيهة وحرية الصحافة وسيادة القانون”، لافتًا إلى أنه “قبل ربع قرن من الزمان، وتحديدًا مع نهاية الحرب الباردة، بدا أن (الشمولية) هزمت، وأن الديمقراطية الليبرالية فازت بالمعركة الأيديولوجية العظيمة في القرن العشرين، إلا أن الديمقراطية نفسها تتعرض للاعتداء حاليًا”.
وأوضح مايكل أن الديمقراطيات الأقوى في العالم غارقة في مشاكلها -التي تبدو مستعصية على الحل-، منوهة إلى أن المشاكل تتخلص في “التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، والتجزؤ الحزبي، والهجمات الإرهابية، وتدفق اللاجئين الذي أدى إلى توتر التحالفات وزيادة المخاوف.
تلخصت أوضاع الحريات على مستوى العالم في الإحصائية التالية: “تراجع الحقوق السياسية والمدنية في 71 دولة، وتحسن الأوضاع في 35 بلدًا وتسجيل 113 دولة انخفاضًا في مستويات الحريات خلال العام الماضي”، مشيرة إلى تحسن الأوضاع في 62 دولة فقط خلال الـ 12 عامًا الماضية”.
ولفت تقرير المنظمة الموجودة بأمريكا إلى أن الدول التي بدت قبل عقد من الزمان وكأنها تحقق قصص نجاح واعدة، مثل “اليونان وتركيا” انزلقت إلى حكم استبدادي، كما تحدث عن أن الجيش في ميانمار والذي بدأ في انفتاح ديمقراطي محدود عام 2010، نفذ حملة تطهير عرقي في عام 2017 ورفض الانتقادات الدولية لأعماله.
الدول العربية
التقرير أبرز الأوضاع السيئة في البلدان العربية، والتي جاءت أغلبها في مراتب متدنية واحتلت مساحة كبيرة في ظل الاضطرابات والانتهاكات الموجودة في الشرق عمومًا، مشيرًا إلى أن الحكم الاستبدادي وعدم الاستقرار يعزز كل منهما الآخر في المنطقة.
ووصف التقرير الحكام في كل من “السعودية والإمارات ومصر” بـ”الاستبداديون”، مشيرًا إلى أنهم حاولوا تأمين مصالحهم بطرق متهورة، أدت إلى استمرار الصراعات في “اليمن وليبيا”، وأنهم سعوا إلى حصار قطر –مركز التجارة الدولية ووسائل النقل-، منوهًا في الوقت ذاته أن إيران لعبت دورًا كبيرًا في تأجيج الصراعات في المنطقة من خلال إشرافها على شبكة المليشيات التي امتدت من لبنان إلى أفغانستان.
وكانت ليبيا حاضرة بقوة في تقرير المنظمة، ولخصت الأوضاع فيها بالآتي: “النزاعات بين السلطات المتنافسة في ليبيا بالشرق والغرب أدت إلى (شلل سياسي)، إضافة إلى وجود أسواق للرقيق، وممارسة انتهاكات ضد اللاجئين والمهاجرين الذي تقطعت بهم السبل في معسكرات الاعتقال التي تديرها المليشات”، منوهًا إلى أن مشاكل ليبيا مثلت تهديدات على مصر وتونس.
وأشار تقرير “بيت الحرية” الصادر مؤخرًا أن الأوضاع في اليمن منذ اندلاع الحرب الأهلية، مرورًا باندلاع صراعات بين تحالف المتمرين (قوات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحوثيين) في أواخر العام الماضي أدت إلى جعل ثلاثة أرباع سكان اليمن في حاجة إلى مساعدات عسكرية، مشيرًا إلى أن قوات التحالف العربي الذي تقود السعودية بدعم من الحكومة اليمنية المخلوعة برئاسة عبد ربه منصور هادي قادت حملات قصف عشوائي في أرجائها.
وفي الشأن المصري، ذكر التقرير أن الحكومة الاستبدادية في القاهرة بقيادة عبد الفتاح السيسي دعمت الحملة المناهضة للإسلاميين في شرق ليبيا من أجل دعم جهودها “المتخلفة” لمكافحة العنف المتطرف الذي امتد من سيناء ليلمس جميع أركان مصر، متابعًا: “بدلًا من إصلاح خدماتها الأمنية المسيئة وحشد الدعم من جميع شرائح المجتمع المصري، واصل النظام قمعه للمعارضة في عام 2017 واعتمد قانونًا جديدًا مقيدًا يهدف إلى اختراق التمويل الدولي للمنظمات غير الحكومية وتوفير غطاء قانوني للتعسف بإغلاق تلك المنظمات”.
وبخصوص الأوضاع في المملكة العربية السعودية، أوضح التقرير أن برنامج الإصلاح “المثير للجدل” للأمير محمد بن سلمان زاد من الاضطرابات في الحكومة والمجتمع السعودي، لافتًا إلى أن المكاسب الصغيرة في الحريات الاجتماعية والجهود المبذولة لجذب المستثمرين الأجانب تسير جنبًا إلى جنب مع محاولات لقمع المعارضة.
وأردف التقرير، أن محمد بن سلمان عمل على توطيد السلطة في المملكة العربية السعودية بعد أن حل محل ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف في يونيو الماضي باتخاذ قرارات سريعة وغير واضحة من بينها احتجاز عدد من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال تعسفًا تحت مظلة حملة لمكافحة الفساد.
وعن العراق، قال التقرير إن تحسن الأوضاع الأمنية خلق مساحة للتنافس بين الأحزاب والمرشحين المسجلين حديثًا قبل انتخابات عام 2018، والتي ستكون بمثابة اختبار لقدرة النظام السياسي في البلاد.
وتعد تونس هي العلامة الواحدة المضيئة في الدول العربية في رأي المنظمة العالمية رغم انخفاض معدل نقاطها من 78 إلى 70 نقطة مقارنة بتقرير العام الماضي، مشيرة إلى أن الانخفاض يأتي بسبب “تأجيل الانتخابات البلدية وتمديد فترة الطوارئ، بالإضافة إلى تعرض النظام السياسي الحالي للمزيد من الضغوط من عناصر نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي”، وفقًا للتقرير.
وجاء ترتيب الدول العربية في التقرير كالتالي: “لبنان ثانيًا بـ43 نقطة، وثالثًا المغرب بـ39 نقطة، ثم الأردن بـ37 نقطة، والكويت بـ36 نقطة”، وصنفت ضمن البلدان “شبه الحر”.
واحتلت 9 دول مراكز ضمن قائمة الدول “غير الحرة”، حيث حصلت “الجزائر على 35 نقطة، والعراق 31 ومصر 26، وقطر 24، وعمان 23، والإمارات 17، واليمن 13، وليبيا 9 والسعودية 7”.
وأشار التقرير إلى أن السعودية وسوريا والسودان احتفظوا بأماكنهم ضمن قائمة الأسوأ عالميًا طبقًا لمجموع نقاطهم، وانضمت إليهم ليبيا بعد تفاقم أوضاعها الأمنية والسياسية خلال العام الماضي.
القادة الشعبويون
وحدد التقرير عدة أسباب بشأن تراجع أوضاع الحريات والحقوق السياسية في العالم كان بينها بروز “القادة الشعبويين” في العديد من البلدان، موضحًا أن التحديات التي تواجهها الديمقراطيات في البلدان مثل “هولندا وألمانيا والنمسا” أسهمت في بروز قادة شعبويين، من خلال استغلال مشاعر العداء للمهاجرين، مشيرًا إلى حصول اليمينين على أصوات ومقاعد برلمانية في فرنسا وهولندا وألمانيا والنمسا خلال عام 2017.
وتحدثت “فريدوم هاوس” عن أن الأسوأ يتمثل في أن الشباب الحاليين ليس لديهم معرفة بشأن النضال ضد “الفاشية والشيوعية”، لافتة إلى أنهم قد يفقدون الإيمان والاهتمام بالمشروع الديمقراطي، وأن فكرة الديمقراطية وتعزيزها قد شوهت بين الكثيرين منهم، مما أسهم في عدم اللامبالاة الخطيرة.
وتابعت: “الدول الاستبدادية الرائدة في العالم، مثل (الصين وروسيا)، اغتنمت الفرصة ليس فقط لتعزيز القمع الداخلي ولكن صدرته إلى بلدان أخرى، مكملة: “الرئيس الصينى شي جين بينغ تحدث أن الصين (تحطم طريقًا جديدًا) للدول النامية، عن طريق المحاكم المسيسة، والتعصب على المعارضة، والانتخابات المحددة سلفًا”.
الخطر الأمريكي
وأكد التقرير أن أوضاع الحريات سجلت انخفاضًا كبيرًا الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي سواءً بالداخل في ظل وجود الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، أو بالنسبة للدور الأمريكي لدعم الديمقراطية في الخارج.
وأرجع التقرير انخفاض دور أمريكا خارجيًا، إلى حربي العراق وأفغانستان والركود الاقتصادي العالمي، مشيرًا إلى أن تلك الأحداث “جعلت الشعب الأمريكي أقل استعدادًا لتحمل تبعات الدور الريادي لبلادهم في هذا المجال وبات يربط ما بين تعزيز الديمقراطية حول العالم والتدخل العسكري الأمريكي وتحمل التكاليف الباهظة لذلك”.
وأشار التقرير إلى أن “إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استمرت في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان حول العالم لكن بأفعال محدودة لا يمكنها التأثير في سير الأحداث في العالم وخفوت حماس الرأي العام الأمريكي في دعم الحكومة الأمريكية في هذا الشأن، موضحة أن “إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب كانت واضحة في كل الكلمات والإجراءات وأنها تخلت خلال العام الماضي بالقول والفعل عن كل المبادىء والقيم التي مثلت جوهر سياسة الولايات المتحدة خلال العقود السبعة الماضية”.
“فريدوم هاوس” رأت أن الذين رفعوا شعار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أمريكا أولًا”، صاغه معتنقو مذهب العزلة الذين يسعون إلى منع تورط الولايات المتحدة في الحرب ضد الفاشية، ويستهدفون مفاهيم تقليدية للأمن العالمي الجماعي والتجارة المفيدة للطرفين، لافتة إلى أن ذلك يعكس عدم قدره الولايات المتحدة -أو عدم رغبتها- في قيادة الديمقراطيات في ظل التهديد المتزايد من روسيا والصين بشكل فعال، ومن الدول الأخرى التي أصبحت تحاكي نهجهما الاستبدادي.
وشددت المنظمة على تراجع قدرة أمريكا في إجراء الانتخابات وتحقيق العدالة الجنائية على مدى العقد الماضي، لافتة إلى أنه في عام 2017 تعرضت مؤسساتها الأساسية للهجوم من قبل إدارة ترامب الرافضة لقواعد السلوك الأخلاقي الراسخة في العديد من المجالات، ملمحة إلى تعيين ترامب أفراد أسرته في مناصب رفيعة أخرى، برفقة ممثلي المصالح الخاصة، إضافة إلى رفضه الالتزام بممارسات الإفصاح والشفافية التي اتبعها أسلافه.
وتحدث التقرير عن سياسات ترامب وتصريحاته باتجاه “الصحفيين والقضاة” اللذان يواجهان ضغوطًا، إضافة إلى قراره بشأن تقييد السفر إلى الولايات المتحدة من بعض البلدان الإسلامية وتخفيض عدد المهاجرين، لافتة إلى أن السياسات تضر بالولايات المتحدة وجعلتها تفقد مصداقيتها أمام العالم كطرف للحكم الرشيد وحقوق الإنسان.
وأوضح تقرير المؤسسة أن حربي العراق وأفغانستان والركود الاقتصادي العالمي “جعلت الشعب الأمريكي أقل استعدادًا لتحمل تبعات الدور الريادي لبلادهم في هذا المجال وبات يربط ما بين تعزيز الديمقراطية حول العالم والتدخل العسكري الأمريكي وتحمل التكاليف الباهظة لذلك”.
روسيا والصين
التقرير أشار إلى إحراز الدول الاستبدادية مثل روسيا والصين تقدمًا كبيرًا في ظل تراجع الدور الأمريكي، لافتة إلى تنظيم روسيا والصين حملات تضليل قبل إجراء انتخابات في بلدان من بينها “الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا”، علاوة على زيادة علاقاتها مع الأحزاب السياسية التي ترعى كراهية الأجانب في جميع أنحاء أوروبا.
وأوضح “بيت الحرية” أن بكين قامت ببناء جهاز للدعاية والرقابة مع انتشار عالمي واستخدام الروابط الاقتصادية وغيرها للتأثير في الديمقراطيات في بلدان استراليا ونيوزيلندا، إضافة إلى إجبراها بلدانا مختلفة على إعادة المواطنين الصينيين الذين يلتمسون اللجوء إلى الخارج، وقدمت دعمًا دبلوماسيًا وماديًا للحكومات القمعية من جنوب شرق آسيا لأفريقيا، موضحة أن النظام الصيني يطمح إلى قيادة عالمية.
القمع التركي
وخفضت المنظمة في تقريرها مركز تركيا من “الحرية الجزئية” إلى “عدم الحرية” بسبب الاستفتاء الدستوري الذي وصفته بـ”المعيب للغاية” لكونه يشكل السلطة المركزية في الرئاسة، والاستبدال الجماعي للعمد المنتخبين بالمعينيين من قبل الحكومة، علاوة على المحاكمات التعسفية للنشطاء وغيرهم من أعداء الدولة المتصورين، والتطهير المستمر لموظفي الدولة، مشيرة إلى أن تلك الإجراءات جعلت المواطنين بتركيا يترددون في التعبير عن آرائهم بشان المواضيع الحساسة.
وأبرز التقرير الإجراءات التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها نظامه، مشددة على أن أردوغان قام بتوسيع وتكثيف الحملة ضد خصومه المتصورين، إضافة إلى احتجاز مواطنين أتراك وإغلاق منافذ إعلامية والاستيلاء على أعمال تجارية.
وأشار إلى أن “التطهير الفوضوي” الذي قام به أردوغان تشابك مع هجومه ضد الأقلية الكردية، ما أدى إلى تغذية التدخلات الدبلوماسية والعسكرية لتركيا في سوريا والعراق المجاورتين لبلاده.
وذكر أن الإجراءات القمعية التركية، أسفرت عن إلقاء القبض على نحو 60 ألف شخص، وإغلاق أكثر من 160 من المنافذ الإعلامية، وسجن أكثر من 150 صحفيًا، موضحة أنه يوجد في السجون قادة ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، إضافة إلى أنه تم استبدال ما يقرب من 100 عمدة في جميع أنحاء البلاد من خلال تدابير الطوارئ أو الضغوط السياسية من الرئيس.
وفي النهاية، خلص التقرير إلى أن 45 % من دول العالم تتمتع بالحرية في حين أن 30 % منها حرة نسبيًا، في حين تفتقر 25 % منها إلى كل أنواع الحريات، مشيرًا إلى أن الأوضاع تزداد سواءً في كل عام عن العام الذي يسبقه.