شكلت التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، بشأن حق إسرائيل في أن يكون لهم وطن، تحولًا كبيرًا في الموقف السعودي وعبرت عن توجهات مغايرة حيال القضية الفلسطينية قد تتبعها الرياض خلال المرحلة المقبلة.
وخرجت تحليلات ترمي إلى أن الرياض ربما تشارك في ما يبدو ضمن استراتيجية أمريكية أوسع نطاقًا لوضع خطة سلام إسرائيلية- فلسطينية، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات، هل يتبدل التاريخ ويتغير الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية؟ أم أن هناك ضغوطًا أمريكية على “الرياض” من أجل تمرير خطة جديدة حيال الوضع الفلسطيني؟.
فيما تذهب بعض الآراء إلى أن محمد بن سلمان يسعى لكسب رضا الولايات المتحدة كخطوة تمهيدية تساعد في وصوله لمنصب “خادم الحرمين الشريفين” وقد ساعدت نتائج القمة العربية التي انتهت مؤخرا في منطقة الظهران في المملكة العربية السعودية على تفاوت ردود الافعال حول دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية.
مجلة ‘‘مواطن‘‘ استعرضت كافة الآراء والتوجهات، لتتعرف على الهدف من التوجه الأخير لولي العهد السعودي لحل قضية الدولتين بما يضمن لإسرائيل وطن حقيقي في فلسطين عبر اعتراف أهم دولة إسلامية في الشرق الأوسط.
التاريخ يقول
على الرغم من أن عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، شهد دعما سعوديا كان واضحا في جميع القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها مساندة القضية الفلسطينية، بداية من مؤتمر لندن عام 1935م، إلا أن التاريخ يسجل في الجانب الآخر مواقف سلبية تُحسب على الرياض.
الملك عبد العزيز
في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن سُجلت مواقف قوية، أبرزها ما قاله بشأن مشروع التقسيم عام 1937م، كما أصبحت وزارة الخارجية السعودية بمثابة الهيئة الدبلوماسية لفلسطين تتابع المحاولات السياسية لحل القضية الفلسطينية، لكن في الوجه الأخر كان هناك جانب مُعتم في عهد الملك عبدالعزيز، تحديدا في عام 1936 حيث إخماد الثورة الفلسطينية والتي مهدت لاحتلال فلسطين ونكبتها عام 1948 عندما كانت فلسطين مستعمرة من قبل الانجليز وكان الشعب آنذاك في حالة ثورة وتمرد وعصيان استمر فوق الـ ” 150″ يوما، ولما فشلت الحكومة البريطانية في إخماد هذه الثورة قررت أن تستخدم نفوذها فلجأت للملك عبد العزيز، الذي بعث برسالة إلى الفلسطينيين كتبها تحت اسم ” النداء” قال فيها: ” إلى أبنائنا الأعزاء عرب فلسطين… لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم للإخلاد إلى السكينة وإيقاف الإضراب حقناً للدماء. معتمدين على الله وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم”. هذه الوثيقة كانت بحسب الكثيرين بمثابة ضربة قاصمة للشعب الفلسطيني.
ومن ضمن ما يتم تداوله وثيقة تاريخية تظهر مواقف الملك عبدالعزيز، تجاه القضية الفلسطينية قال في تلك الوثيقة: “إنه بناء لإرادة بريطانيا لا مانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود”. وذلك بهدف أن ترضى بريطانيا عن السعودية، وفي هذا التصريح تخلٍّ واضح عن القضية الفلسطينية.
الملك فيصل
في عهد فيصل بن العزيز، يروى التاريخ أن “فيصل” الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية شارك في مؤتمر لندن عام 1939، والذي يحث العرب على إنهاء القضية الفلسطينية، وكادت الثورة الفلسطينية أن تقضي على الاستعمار البريطاني آنذاك لولا تدخل فيصل، وفي عام 1948 قام بتسليم جزء من أرض فلسطين للإسرائليين بمساعدة الولايات المتحدة. أما عام 1966 فالتقى فيه “فيصل” مع رئيس إسرائيل شلمن شازار، وبعد هذا اللقاء بعام أي عام 1967 زار لندن لعلمه بالهجوم الإسرائيلي، وبعد رجوعه كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف المطارات السورية والمصرية، في ذلك التوقيت ووفقا لما هو متداول كتب الملك حسين في كتابه “حربنا مع إسرائيل” عن الملك فيصل وقال: “إن الإمدادات السعودية دخلت الأردن بعد الحرب وحين انتهى كل شيء فإن فيصل لم يسارع إلى وقف الزحف الإسرائيلي في عام 1967 بل سارع في عام 1970 نحو القضاء على المقاومة الفلسطينية التي كانت مشتبكة مع الإسرائيليين في أغوار الأردن”، هذا ويذكر التاريخ أيضا أن الملك فيصل قام بطرح مشروع إقامة دولة فلسطينية في مقابل مسالمة إسرائيل والاعتراف بها والتنازل عما احتلته واغتصبته من عام 1948 ـ 1967.
الملك خالد بن عبدالعزيز
أوردت صحيفة “واشنطن بوست” تصريحات على لسان الملك خالد بن عبدالعزيز حول القضية الفلسطينية قال فيها : “السعوديون على أتم الاستعداد للاعتراف بإسرائيل. ولكن على إسرائيل أن تحل مشاكلها مع جيرانها”. وفي هذا الصدد جاءت تحليلات ذلك الخطاب على أنه اعتراف واضح بإسرائيل وسياسة أكثر تناغما مع اليهود.
الملك فهد بن عبدالعزيز
في عهد الملك فهد تُرجمت مواقفه تجاه القضية الفلسطينية على أنها مواقف كلامية فقط، وأن خطاباته لا تتعدى زوايا قاعة المؤتمرات عندما يتحدث عن القضية الفلسطينية، بل إن طبيعة العلاقات السعودية الإسرائيلية كانت متوطدة لدرجة تنظيم لقاءات يهودية بالرياض تناقش مسار المباحثات المتعلقة بالقضية وكيف تظهر هذه المباحثات الاهتمام السعودي بتفهم وجهات النظر الإسرائيلية.
سلمان وقرار ترامب الأخير
منذ أن كان الملك سلمان أميرًا للرياض، وحتى الوقت الراهن وفي عدة مناسبات دولية، أكد خادم الحرمين سلمان بن عبدالعزيز على أهمية القضية الفلسطينية للسعوديين خاصة والعالم العربي والاسلامي بشكل عام، إلى أن جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هنا بدأ يُثار جدل واسع داخل الأوساط العربية والدولية بشأن الموقف السعودي الذي وصف بالغامض، فبعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، اكتفت السعودية بأسفها، مؤكدة أنها سبق وأن حذرت من العواقب التي وصفتها بـ«الخطيرة» لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة. ودعت لمراجعة القرار.
موقف “غير كاف”
“غير كاف” هكذا كان تقييم الأوساط السياسية للبيان السعودي خاصة بعد غياب قادة السعودية ومسؤوليها عن القمة التي عقدت في اسطنبول لبحث خطوات الرد على قرار ترامب، فكان التمثيل السعودي ضعيفًا، إذ لم يحضر الملك أو ولي العهد أو حتى وزير الخارجية، واكتفت المملكة بإرسال وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد صالح آل الشيخ، في الوقت الذي حضر فيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو باعتباره من زعماء الدول الرافضين للسياسة الأمريكية والإسرائيلية.
ملامح جديدة للسياسة السعودية
ومع حرص السعودية على حشد زعماء الدول الإسلامية لحضور القمة الإسلامية الأمريكية في أثناء زيارة ترامب للمملكة، مايو الماضي، ومظاهر الحفاوة الأسطورية التي قوبل بها، وما رافقها من إنفاق ضخم، كان واضحًا أن الرياض ربما لديها رؤية جديدة للقضية الفلسطينية أو ربما تشارك ضمن استراتيجية أمريكية أوسع نطاقًا لوضع خطة سلام إسرائيلية – فلسطينية.
تصريحات ولي العهد!!
وعلى الرغم من أن الرياض تدعم سيادة الفلسطينيين على أراضيهم، وتطالب في نفس الوقت بالعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، إلا أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أثارت جدلًا كبيرًا وشكلت تحولًا في نفس الوقت، بعد أن أدلى بتصريحات تُفيد بأن للإسرائيليين حقا في إقامة وطن لهم.
حيث قال إن الإسرائيليين لهم “حق” في أن يكون لهم وطن، مضيفًا في تصريحات لمجلة أتلانتك الإخبارية الأمريكية “أؤمن بأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام في بلاده”.
وأردف بالقول أثناء جولة أمريكية له “أؤمن أيضًا بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة بهم”، مشددًا على أهمية الوصول لـ”اتفاق سلام لضمان استقرار الجميع والبدء في بناء علاقات طبيعية”.
من جانب آخر، قال محمد بن سلمان في تصريحات صحافية لـ”تايم” الأمريكية، “يبدو أن لدينا عدوًا مشتركًا، ويبدو أن لدينا العديد من الأوجه المحتملة للتعاون الاقتصادي. ولا يمكن أن يكون لنا علاقة مع إسرائيل قبل حل قضية السلام مع الفلسطينيين، لأن كلا منهما له الحق في العيش والتعايش. وحتى حدوث ذلك، سنراقب، وسنحاول دعم حل للسلام. وعندما يحدث ذلك، بالطبع في اليوم التالي سيكون لدينا علاقة جيدة وطبيعية مع إسرائيل، وستكون الأفضل للجميع”.
استراتيجية جديدة
تصريحات الأمير محمد بن سلمان بوضع المطالبة بالأرض من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل متساوٍ، يطرح العديد من الأسئلة حول السياسة السعودية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية وهل فعلًا تسعى الرياض لتنفيذ استراتيجية سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
انتقادات فلسطينية
وجهت الفصائل الفلسطينية المسلحة انتقادات شديدة اللهجة لولي العهد السعودي، على خلفية تصريحاته بحق الإسرائيليين في امتلاك أرضهم الخاصة، فرأى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” موسى أبو مرزوق، على حسابه بموقع التدوينات المصغرة “تويتر”، أن “كل من يخاطب الأمريكان والصهاينة الغاصبين بعبارات ملتبسة أو بتنازلات يحسبونها هينة، ابتغاء مرضاتهم وكسبهم أو تحيدهم، هم واهمون”.
من جانبه اتهم القيادي رفيع المستوى في حماس بغزة أحمد يوسف، في تصريح صحفي، الأمير محمد بن سلمان بإطلاق حملة من أجل “تسويق” إسرائيل في العالم العربي، مشددًا على أن هذا الأمر خطير وينبغي دراسته.
أما وصفي قبها القيادي في حركة “حماس” بالضفة الغربية، فبين أن تصريحات محمد بن سلمان جاءت في إطار مخطط خطير يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتعبيد الطريق لإقامة علاقات علنية وتطبيع كامل بين الدول العربية وإسرائيل.
ورأت “الجبهة الشعبية” على لسان مسؤول فرعها في قطاع غزة جميل مزهر، أن “التصريحات تكشف “الدور الخبيث” الذي تؤديه الرياض في ضرب الاستقرار الإقليمي خدمة للأهداف الأمريكية والإسرائيلية”.
بينما أشار مسؤول المكتب الإعلامي لـ”الجهاد الإسلامي” داوود شهاب إلى أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان مرفوضة، واصفًا إياها بانحدار وتهافت خطير لإرضاء الولايات المتحدة وإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
أما السلطة الفلسطينية فلم تسجل أي تعقيب على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن أحقية الإسرائيليين في إقامة وطن لهم، وهو ما يشير إلى حالة تناغم بين كلا الإدارتين السعودية والفلسطينية وهذا ربما يقود إلى أن تنسيقًا بين الطرفين يتم تشكيله.
ووفقًا لما نشرته وكالة “رويترز” الإخبارية فإن مسؤولين فلسطينيين قالوا إن ولي العهد السعودي والرئيس الفلسطيني محمود عباس ناقشا بالتفصيل صفقة كُبرى من المقرر أن يكشف عنها ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، في النصف الأول من عام 2018، بحيث تتضمن استراتيجية أمريكية أوسع نطاقًا لوضع خطة سلام إسرائيلية فلسطينية. أيضًا طلب الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الفلسطيني إبداء دعمه لجهود السلام التي تبذلها الإدارة الأمريكية عندما التقيا في الرياض خلال نوفمبر الماضي.
صفقة الأرض
ويجري الحديث داخل الأوساط السياسية عن مقترح يتم مناقشته يأتي ضمن استراتيجية السلام الجديدة التي تقودها الرياض، بحيث تشمل الصفقة تأسيس “كيان فلسطيني” في غزة وثلاث مناطق إدارية بالضفة الغربية في المنطقتين “أ” و”ب” و10 % من المنطقة “ج”، والتي تضم مستوطنات يهودية، على أن تظل المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية كما هي، ولن يحصل الفلسطينيون على حق العودة، أما إسرائيل فسوف تظل مسؤولة عن الحدود.
“القدس “.. في القمة العربية 2018
ويبدو أن الاهتمام السعودي بالقضية الفلسطينية جاء ضمن أولويات القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في دورتها التاسعة والعشرين، برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي حرص على تسميتها قمة ” القدس”، كما أعلن عن تبرع بلاده بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، إضافة لـ 50 مليونا أخرى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تبعه تأكيد للرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن على أن “اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل خرق صريح للقانون الدولي وانتكاسة كبرى رفضتها غالبية دول العالم”. داعيا لعقد مؤتمر دولي بهدف إعلان فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة .
هذا وأكد البيان الختامي للقمة على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين.
تصريحات كلامية عابرة
تصريحات الملك سلمان بشأن تسمية القدس على القمة التي انعقدت جاء معها ردود أفعال عكسية اعتبرت ما حدث ما هو إلا موقف كلامي عابر، بل إن التصريحات تلك تتناقض مع التصريحات الأخيرة لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي أكد أن الإسرائيلين لهم حق في إقامة وطن لهم .
بدورها رأت بعض الصحف عربية، أن القمة مجرد حدث عابر، وتكريس للعجز العربي. فقالت “القدس العربي” اللندنية : “تَعتبر الدول العربية، والسعودية على رأسها، الجامعةَ العربية اجتماعا للخطب، والوعود التي لا يلزمها أحد بتطبيقها، ولذلك فهي تتشدّق بالدفاع عن فلسطين، ولكن ما أن ينفضّ السامر حتى تعود ممارسة سياساتها الحقيقية التي تتناقض مع مصالح إخوانها وأشقائها، وخصوصا الفلسطينيين”.
يشير المشهد في النهاية إلى أن الموقف السعودي تجاه القضية الفلسيطينية، يظهر فيه حالة من التناغم بهدف كسب الرضا الأمريكي، ظهر ذلك بعد التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي، وهي التصريحات التي جاءت متزامنة مع زيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية، ما يطرح أمام المتابعين عدة أسئلة عن مستقبل العلاقات السعودية الإسرائيلية وماهية العلاقة بين الرياض وواشنطن، بعد أن أعلن “بن سلمان” أحقية الإسرائيليين في إقامة وطن لهم وهي تصريحات تأتي متناغمة بعض الشيء مع قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.