يمثل الأمن الغذائي تحديًا كبيرًا لدى العديد من الدول في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم، وأصبح توفير الغذاء أحد المشاكل المزمنة عالميًا، إذ لا يواجه مشكلة نقص الغذاء فقط، فهناك مشكلات أخرى تتمثل في التلوث والتغيرات البيئية والمناخية والتلوث وتقلص مساحات الغابات وزحف التصحر على الأراضي الزراعية وقلة المياه الصالحة للزراعة وغيرها، ولم تكن سلطنة عمان بمنأى عن التغيرات التي تحدث في العالم خاصة وأنها تقع ضمن المناطق الجافة.
في السطور التالية تحاول مجلة “مواطن” تسليط الضوء على منظومة الأمن الغذائي داخل سلطنة عمان كذلك إبراز التحديات التي تواجهها، وإجراءات الحكومة التي تتخذها بهدف الوصول لمنظومة متكاملة وكافية من الأمن الغذائي العماني، عبر مشاريع استثمارية عدة، بما يحقق للمواطن أعلى مستويات الاكتفاء بفضل ناتج محلي قوي.
على الرغم من تنفيذ مشاريع استثمارية عدة كان آخرها مثلًا في ولاية هيماء بمحافظة الوسطى، وتوقيع اتفاقية استثمار لمدة أربعة عقود انتفاع على مساحة 47 مليون متر مربع لإقامة مزارع دواجن ضمن مشروع الأمن الغذائي، إلا أن الوضع يتطلب نظرة ثاقبة ورؤية مستقبلية واضحة المعالم، فالخطة المشمولة للأمن الغذائي وفق آراء المحللين بحاجة لقرارات أكثر فعالية، خاصة وأن جملة ما تحقق من منظومة الاكتفاء الذاتي، وصل في السلطنة ما نسبته 35% خلال الوقت الراهن، لننتظر على الأقل قرابة ربع قرن حتى تصل إلى النسبة المرجوة منها.
وهنا الأمر يشير لحالة من القلق، يتبعها طرح لمجموعة من الأسئلة، حول خطط السلطنة التي تواجه بها الأوضاع المستقبلية حال تعرضها لنقص في سلتها الغذائية بسبب الأوضاع المحيطة بالمنطقة، النقطة الأخرى التي ربُما يعول عليها الكثير في الخروج من هذا المأزق ويعتبرونها رهان الوصول الآمن لمنظومة أمن غذائي متكاملة، هي تفعيل مشاريع استثمارية تهدف لزيادة الإنتاج المحلي للسلطنة، خاصة وأن عمان بها مساحات صحار شاسعة قابلة للاستصلاح الزراعي.
أرقام متواضعة
مع نهاية عام 2016 سجل الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة انخفاضًا ملحوظًا بلغت نسبته 5.1% بواقع 25 مليارًا و489 مليونًا و800 ألف ريال عماني، مقارنة بعام 2015. وذلك وفقًا لـ “المركز الوطني للإحصاء والمعلومات “.
أما الإنتاج المحلي في المجال الزراعي المساهم الأكبر في سلة الغذاء، فسجل بنهاية 2016، ما قيمته 506 ملايين ريال عماني مقارنة بنهاية 2015 الذي شهد تسجيل 435 مليونًا و200 ألف ريال.
هذه الأرقام تظهر أن الجهات المعنية عليها إعادة النظر في القرارات الصادرة عنها بشأن منظومة الأمن الغذائي، لأن الوضع الراهن ينذر بكارثة مستقبلية في حال تأثرت السلطنة بما يحيط من حولها من ظروف وأوضاع غير مستقرة، وهنا يجب التنويه إلى عملية استيراد السلع الغذائية من الخارج ومن دول مثل إيران والإمارات وغيرهما، باعتبارها فكرة غير آمنة، لأنه وفي وقت قصير يمكن أن يتعطل الاستيراد وتصبح الأمور غاية في التعقيد لأسباب كثيرة.
الزراعة في الخارج
لا يمكن الاعتماد أيضًا على خطط بديلة للإنتاج المحلي داخل السلطنة، مثل الزراعة خارج حدود الدولة فهنا حدث ولا حرج عن حجم الأموال التي يمكن أن تستنزفها سلطنة عمان نتيجة استخدام أراضٍ للزراعة خارج حدودها سواءً بالتمليك أو الاستئجار، وكذا نتيجة الضرائب المفروضة وتكلفة عمليات النقل والتخزين.
خطوات حكومية
وقعت “الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة” مع الشركات التابعة لها خلال الأيام الماضية عدد من الاتفاقيات والعقود الخاصة وإعداد دراسات الجدوى لبعض المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي للسلطنة، وتضمنت الاتفاقيات حزمة أعمال إنشائية أولية لبعض الشركات بولاية عبرى بمحافظة الظاهرة ومحافظة ظفار، وتوقيع الاتفاقيات الخاصة بإعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية لمشاريع الإنتاج والتسويق الزراعي، وإنشاء مجمع الابتكار الغذائي وغيرها، واعتبر المسؤولون تلك الاتفاقيات خطوة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج المحلي، يتبعه خلق العديد من فرص العمل للكوادر الوطنية.
وجهة استثمارية
ويؤكد الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية، في تصريحاته التي نقلتها “أرقام” أن هناك أعمال ومشاريع تحققت وكذلك تم الوصول للأهداف المرسومة للأمن الغذائي في السلطنة، والتي تسهم في إحلال الواردات الغذائية وإيجاد فرص عمل للمواطنين والمساهمة في التنويع الاقتصادي، وجعل السلطنة وجهة استثمارية في مجالات الأمن الغذائي.
بدوه تحدث المهندس صالح بن محمد الشنفري الرئيس التنفيذي للشركة العمانية للاستثمار الغذائي في تصريحات صحافية نُشرت بـ”الوطن” العمانية، عن دور الشركة المستمر في تأسيس حزمة متكاملة من المشروعات المتنوعة والمتكاملة مع خطط الحكومة والرامية في النهاية إلى تحقيق الأمن الغذائي للسلطنة.
أما المهندس سالم بن سيف العبدلي، وهو مدير تطوير الأعمال بالشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة، فرأى وفقًا لـ”المنظمة العربية للتنمية الإدارية”، أن هناك اهتمامًا بالغًا بتنفيذ خطط وبرامج الحكومة الاستثمارية وفق ما هو مخطط له دون تأخير، مشيرًا إلى أن هناك 6 مشاريع غذائية استراتيجية من المتوقع أن يبدأ بعضها الإنتاج في العام القادم 2019، وهي مشاريع تسهم في إيجاد مناخ وبيئة استثمارية مناسبة وجاذبة للقطاع الخاص العماني والخارجي.
مؤشر الأمن الغذائي .. في المرتبة 28 عالميا
وتبوأت سلطنة عمان المرتبة الثانية عربيًا بعد الكويت والـ 28 عالميًا، وحافظت للعام الثاني على التوالي على المركز الثاني عربيًا، ضمن إحصائية مؤشر الأمن الغذائي، والذي أصدرته “مجلة الإيكونوميست”.
وأعطى المؤشر السلطنة 100 درجة في مؤشر توافر برامج شبكة أمان للتغذية و100 درجة في مؤشر درجة الإنفاق العام على البحث والتطوير الزراعي و83,5 درجة في مؤشر التعريفات الجمركية على الواردات الزراعية و75 درجة في مؤشر الحصول على تمويل للمزارعين.
تحديات قائمة
ووفقًا لبعض النتائج التي خلُصت إليها أبحاث وتقارير معنية بالأمن الغذائي داخل سلطنة عمان، نوه إليها الكاتب العماني الدكتور عبد الله باحجاج، في سلسلة تقارير نشرها بموقع “أثير” الإلكتروني، وأشار إلى أن هناك مجموعة من التحديات التي تعيق الوصول إلى الإنتاج المحلي بشكل كاف، منها مثلًا قلة وجود أراضي قابلة للزراعة، فالمساحة الإجمالية للسلطنة تبلغ 309.5 كيلو متر مربع، وهناك من تلك المساحة ما يقارب الـ 3% مساحة بيضاء، أيضًا نسبة 82% عبارة عن صحراء وأودية، يضاف إلى ذلك 15% من الجبال، أما الأراضي الصالحة للزراعة فتصل نسبتها قرابة 8%.
شح المياه
وتقول بعض التقارير، إن نسبة الأمطار التي تسقط على أراضي السلطنة وأوديتها يتبخر منها قرابة 80% بينما 6% تذهب في الصحراء، و14% تبتلعها التربة، وهذه النقطة تثير الكثير من التساؤلات، لماذا لا تضع الجهات المسؤولة خطط ومشاريع يمكن من خلالها الاستفادة من مياه الأمطار وتخزينها وإنشاء ممرات وخزانات لها، لأن من شأن تلك الخطط والمشاريع مواجهة مشكلة ندرة المياه في بعض المناطق والأراضي التي تعانى شح المياه.
وتعليقًا على هذه النقطة يقول الدكتور صابر محمود الخبير والباحث في الأراضي في تصريحات لـ “مواطن”، إن السلطنة لديها اهتمام بتخزين مياه الأمطار، للمساعدة في عملية استصلاح الأراضي الزراعية، لكن الأمر يتطلب دراسات أكبر في مسألة إقامة مشاريع زراعية والبحث في طرق الاستفادة من مياه الأمطار بالشكل الأمثل.
غياب التشجيع
ويغيب عن الجهة المسؤولة، تقديم الدعم الكافي للأفراد والمؤسسات من أجل التشجيع والحث على الزراعة مع تذليل العقبات أمام المزارع بهدف دعم الإنتاج المحلي للسلطنة، فهذه النقطة غائبة ومطلوب تنفيذها، لأن السلطنة مؤهلة لأن تكون مركزًا إقليميًا أو عالميًا لإنتاج المواد الغذائية نتيجة لموقعها الجغرافي بين قارات العالم، وهو الرأي الذي طرحته الشركة العمانية للاستثمار الغذائي، حيث رأت الشركة، أن السلطنة لديها أراضي كبيرة صالحة للزراعة، ولديها إمكانيات مادية وأيدي عاملة، يمكن التركيز عليهم في صناعة منظومة أمن غذائية متكاملة.
تجارب سابقة
وهناك تجارب عدة سجلت نجاحات يضاف لها الخروج بمشاريع متميزة من حيث الاستفادة مما هو متاح وتحويل الصحاري إلى أرض خصبة صالحة للزراعة إضافة لمشاريع أخرى متنوعة، هذه التجارب تم تسجيلها في مناطق عدة داخل سلطنة عمان، نذكر منها مثلًا منطقة النجد.
ويتطلب مستقبل الأمن الغذائي في سلطنة عمان بجانب ما يتم تنفيذه من مشاريع استراتيجية الاهتمام بالانتاج المحلي، والتقليل قدر الإمكان من عمليات الاستيراد وعدم الاعتماد على الزراعة في الخارج، لأن ذلك يسبب إنفاق متزايد على الضرائب نتيجة عملية استيراد السلع، أيضًا أن يكون لدى الجهات المسؤولة خطط تشجيعية تعمل على تذليل العقبات أمام معوقات الزراعة والمتابعة المستمرة لكافة المشاريع في تلك المنظومة المهمة.