البربر أو الأمازيغ كما يحبون أن يُطلق عليهم، هم أوائل الشعوب التي توطنت في شمال إفريقيا، ويعود تاريخهم إلى ما قبل الإسلام، وينتشرون من المغرب غربًا إلى مصر شرقًا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالًا حتى نهر النيجر جنوبًا، حيث يتواجدون بكثرة في دول (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا)، واستطاعوا أن يكونوا جزءًا رئيسيًا من نسيج الأوطان التي يقطنون بها، ولكنهم عانوا كثيرا من التهميش والاضطهاد.
يحظى الأمازيغ بهوية ثقافة ممتدة في شمال إفريقيا على مر العصور، ولكن تهميش الأنظمة الحاكمة في بلاد المغرب العربي وبعض الدول الأخرى، وما صاحب ذلك من أوضاع سياسية واقتصادية حال دون انتشار هذه الثقافة وكانت سببًا في تهميش هذه القومية وانحدارها في مناطق عدة.
يتميز الأمازيغ أنهم من أكبر الجماعات غير العربية في الوطن العربي التي لا يتحدث أهلها لغة الضاد، وتسمى لهجتهم باللغة البربرية، أو الأمازيغية، ففي المغرب هناك لهجتان رئيسيتان هما: “تمازيغت”، وتنتشر في الشمال الشرقي و”تشلحيت” وتنطق في مراكش والجنوب الشرقي، إلى جانب “تريفيت” في مناطق أخرى، أما الجزائر فتعتبر أمازيغية المدن الوسطى وأمازيغية الشاوية وأمازيغية الطوارق من أهم اللهجات البربرية هناك.
الجذور التاريخية للأمازيغ
اجتماعيًا يتألف البربر من قبائل أو تجمعات تجول الصحراء الكبرى، كغيرهم من قبائل العرب، ولعل أكبرها الطوارق التي تتواجد في ليبيا وجنوب الجزائر والنيجر ومالي.
وحول الجذور التاريخية للبربر أو الأمازيغ، هناك عدة آراء في هذا الصدد، فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن بعض قبائل البربر ينتسبون إلى العرب من أصل كنعاني مثل قبائل صهناجة وقتامة، وهي من أصول يمنية.
إلا أن بعض المؤرخين كان لهم رأي آخر وهو أن البربر ينحدرون إلى مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح حاميون، وقال المؤرخ الفرنسي دوبرا إن البربر جنس آري هاجر من نواحي الكنج بالهند.
أما علماء الأنثربولوجيا أشاروا إلى أن البربر وخاصة الطوارق منهم تنحدر أصولهم إلى أوروبا لا سيما جنوب إيطاليا، واتجهوا إلى هذه المنطقة عبر البحر المتوسط حتى استقروا في شمال أفريقيا.
وتعني كلمة أمازيغ الإنسان الحر النبيل، أما البربر أو البرابرة فهو اسم لاتيني، يعني المتوحشين أو الهمجيين البدائيين، وأطلق الرومان هذا الاسم على كل الأجانب وبينهم الأمازيغ، لذلك يرفض بعض الأمازيغ هذه التسمية.
تطورت رحلة الأمازيغ العقائدية ما بين عبادة الشمس والقمر، مرورا بالإله آمون متأثرين في ذلك بالمصريين القدماء، ثم المسيحية، وأخيرا اعتناق الدين الإسلامي منذ وصول الفتح العربي إلى شمال إفريقيا حتى يومنا هذا، حيث اختلط البربر بالمسلمين، ورأوا في الإسلام تحريرا لهم من الرومان، وانضموا للجيش الإسلامي ودافعوا عن راية الإسلام، حيث قاد الفاتح الإسلامي طارق بن زياد -وهو بربري الأصل- جيش المسلمين لفتح إسبانيا عبر المضيق الذي سمي باسمه فيما بعد.
حضارة الأمازيغ
وتحدث الكاتب والناشط الأمازيغي أحمد عصيد في حواره لبرنامج “صندوق الإسلام”، عن حضارة الأمازيغ التاريخية التي عاصرت الفراعنة وغيرها من الحضارات القديمة، حيث قال إن “المغرب يوجد به مواقع صخرية تحمل النقوش الأمازيغية العريقة، ارتبطت بحضارة شمال إفريقيا فنجدها في المعابد القديمة والقبور، وكذلك في النصوص القديمة المنقوشة”، موضحًا أن “هناك نصًا أمازيغيًا قديمًا يتواجد بجانب نفس النص ولكن باللغة البونيقية التي كانت لغة قرطاجة، وهو ما يدل على التمازج بين الأمازيغ وغيرهم”.
ولعل ما يميز اللغة الأمازيغية عن كل اللغات التي عاصرتها، هو أن جميع هذه اللغات قد انقرضت مثل اللاتينية والهيروغليفية والفينيقية والكنعنانية والسومارية والسبئية والحميرية، وكلها لغات عاصرت الأمازيغية وكانت لغات حضارات، بينما الأمازيغية لغة صمدت وهو أمر إعجازي، وفسر “عصيد” استمرار اللغة الأمازيغية طوال هذه العصور لأن ثقافة المقاومة عند الأمازيغ جعلتهم يتحصنون في الجبال أو الصحراء لذلك بقيت اللغة محفوظة وكذلك عاداتهم وتقاليدهم.
ويقدر عدد الأمازيغ بنحو 30 مليون نسمة بحسب إحصائيات غير رسمية، يتركز معظمهم في المغرب والجزائر، ونسبة قليلة منهم في ليبيا وتونس وموريتانيا ومصر، ويتواجدون أيضًا في إفريقيا في مالي والنيجر.
أمازيغ المغرب.. مكاسب عديدة
يضم المغرب أكبر مكون من الأمازيغ، ولعل ما يصعب حصر هذه الفئة تجانسها وتماسكها وتعايشها مع العرب، وتتنوع التركيبة السكانية في المغرب ما بين الحضر والقرى، ويتركز الأمازيغ في مناطق عدة وتختلف اللهجة وفقا لهذه المناطق كما ذكرنا سابقًا.
واستطاع أمازيغ المغرب الحصول على العديد من المزايا السياسية بعد عقود من الاضطهاد، جاء أبرزها كالآتي: الحصول على اعتراف رسمي من قبل الدولة بالمكون الأمازيغي في المجتمع المغربي، وكان ذلك خلال حكومة التناوب التوافقي، واتجاه النظام المغربي إلى إشراكهم في تدبير الشأن العام، وكان من أهم الانتصارت التي فازوا بها إدراج اللغة الأمازيغية في الدستور، وإنشاء مؤسسة مهتمة بالثقافة المغربية، ولكن بالرغم من ذلك إلا أنهم لا يزالون يطالبون بالاعتراف بهم كأغلبية رافضين الإحصاءات الرسمية التي وضعتهم كأقلية.
ويرى أحمد بوكوس مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب في تصريحات صحافية أن الأمازيغ لا يمكن اعتبراهم أقلية في المغرب، لانهم يشكلون الأغلبية السكانية في بلاد المغرب، وهم السكان الأصليون لمنطقة شمال إفريقيا.
وكانت إحصائية صدرت في 2014 وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط بالمغرب HCP بلغت نسبة المواطنين المغاربة الساكنين بالمغرب الناطقين باللغة الأمازيغية 26.7% من مجموع السكان، بإجمالي 9.345.000 مغربي ناطق بالأمازيغية مقيم بالمغرب من إجمالي سكان 35 مليون نسمة آنذاك، تلك النسبة التي أثارت حفيظة الأمازيغ الذين رفضوا تلك الإحصائية التي وضعتهم في خانة الأقلية، واعتبروها لا تعبر عن الواقع بصفتهم أغلبية.
وعليه أصدرت العصبة الأمازيغية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانًا رفضت فيه هذه نتيجة الإحصاء العام للمغرب المتعلق بنسبة الأمازيغ، وقالت إن الأرقام المعلنة جانبت المصداقية والنزاهة وتضمر دوافع عنصرية”.
تهميش الأمازيغ
وفيما يتعلق بتهميش الأمازيغ أكد الكاتب الأمازيغي أحمد عصيد أن المغرب “تبنى النموذج الأحادي من حيث اللغة (العربية) والدين (الإسلامي) والمذهب (المالكي)، وهذه الأحادية خنقت المغرب، ولم تأخذ بعين الاعتبار كل عناصر ومقومات الدولة عبر التاريخ، ومن هنا وُضعت الأمازيغية على هامش المؤسسات والقوانين، وأصبحت العروبة هوية الدولة، وهي هوية مصطنعة على حد تعبيره، والنتيجة كانت أن المقررات الدراسية والبرامج التعليمية لم تدرج الأمازيغية بعد الاستقلال، بل ألح المسؤولون أن يجعلوا للمغاربة وعيًا عربيًا إسلاميًا، ومن هنا جاء مخطط التعريب، وكان ذلك على حساب الهوية الأصيلة للدولة”.
وتابع “في الستينيات جاء مدرسو لغة عربية من مختلف الدول العربية، وفُرضت مقررات تربوية من الشرق، وفي هذا التوقيت كان 85 % يتكلمون بالأمازيغية، و5 % فقط يتحدثون اللغة الدارجة والعامية، أما الذين يعرفون العربية الفصحى فهم 5 % فقط، وكانوا من أبناء الطبقة الارستقراطية وكانوا أقلية، وأصبحت العربية اللغة الرسمية وهُمشت لغة يتحدث بها 85 % من الشعب”.
الحركة الأمازيغية
وأضاف عصيد “هنا تكونت الحركة الأمازيغية التي رفضت هذه الأوضاع، وقررت أن تواجه الدولة وأن تعيد النظر في مفهوما للهوية والتاريخ والثقافة واللغة، واستمر نضال هذه النخبة عشرات السنوات، واستطاعت في 2001 أن تنتزع اعتراف الملك بأن الأمازيغية مسؤولية الدولة وينبغي الاعتراف بها، ثم جاء مكتسب آخر في الدستور عام 2011 أن اللغة الأمازيغية أصبحت لغة رسمية بجانب اللغة العربية”.
وحدد أحمد بوكوس، المشاكل التي تواجه الأمازيغ في المغرب، في الآتي: بطء تفعيل القوانين التنظيمية بالدستور المغربي، الخاصة باعتماد الطابع الرسمي للغة الأمازيغية ، كذلك التأخير في إنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سيحدد معالم السياسة اللغوية والثقافية، وإشكالات الثقافة الأمازيغية والهوية، وهي أمور يتمّ تصريفها في السياسات العمومية بالمغرب وخاصة السياسة التعليمية، والإعلام، والإدارة.
الجزائر
ويحتل الأمازيغ نسبة كبيرة من سكان الجزائر تصل إلى الربع، ويتمركزون في مناطق عدة أهمها منطقة القبائل جنوب شرق البلاد، وقد ناضل أمازيغ الجزائر كثيرا وراء تحقيق مطالبهم المتعلقة بالهوية الثقافية.
وبالفعل تمكنت الحركة الأمازيغية في الجزائر من الانتصار في عدة معارك سياسية ودستورية وأخرى متعلقة بالهوية الأمازيغية، خاضوها مع السلطات آتت في النهاية ثمارها، حيث أقر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في عام 2002 تعديلًا دستوريًا يقضي بالاعتراف باللغة الأمازيغية لغة وطنية، ثم كلغة رسمية في عام 2016.
وانتصر الحراك الأمازيغي في معركة أخرى بإقرار الحكومة رأس السنة الأمازيغية الموافق لـ12 يناير كعيد رسمي يحتفل به في الجزائر.
ليبيا
عانى الأمازيغ في ليبيا على مر عقود طويلة من الاضطهاد والتهميش، لا سيما في حقبة الرئيس الراحل معمر القذافي، وطالبوا مرارًا بالاعتراف الرسمي بلغتهم إلى جانب اللغة الأم، فضلًا عن مطالبتهم بتمثيل عادل في البرلمان.
ويمثل الأمازيغ 10% من إجمالي الليبيين، ويقصدون الجبال الواقعة غرب طرابلس أو في الصحراء جنوبًا.
وانتهز الأمازيغ فرصة سقوط نظام القذفي في 2011، وخرجت مطالبهم للعلن، وللمرة الأولى رفرف العلم الأمازيغي على المباني الحكومية بجوار العلم الليبي.
ويطالب الأمازيغ بإبراز خصوصياتهم الثقافية في الدستور، على أساس التوافق، وينص مشروع الدستور الذي صادق عليه البرلمان على الاعتراف باللغات التي تتحدثها مختلف المجتمعات، ومنها الأمازيغية، كجزء من التراث الثقافي الليبي، إلا أنه وضع اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة.
ولا ينص هذا الدستور على أي تفريق بين الليبيين على أساس اللغة أو العرق أو اللون.
تونس
لا توجد إحصائية دقيقة توضح العدد الحقيقي للأمازيغ في تونس، نظرًا لعدم إجراء الإحصاءات على أساس عرقي، ويتواجد الأمازيغ في العاصمة تونس، بسبب عمليات النزوح الريفي.
ويشتكي الأمازيغ في تونس من التهميش وإنكار خصوصياتهم الثقافية من قبل الدولة، ويؤكد رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية جلول غاكي أن 50% من سكان تونس من أصل أمازيغي.
ويطالب النشطاء الأمازيغ في تونس السلطات بخطوات فعالة نحو الاعتراف بهم باعتبار الثقافة الأمازيغية جزءا من الهوية التونسية، فضلًا عن تجاهلها في المناهج الدراسية وتخصيص مساحات لها في الإعلام التونسي، وهو الأمر الذي شهد تغييرًا بعد ثورة 2011.
مطالب الأمازيغ
انطلق نضال الشعوب الأمازيغية في طريقين، الأول هو الحصول على حقوقهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، حيث يعتبر الأمازيغ أنهم تعرضوا للقمع والاضطهاد من قبل الأنظمة الحاكمة، والثاني هو السعي وراء إنشاء دول مستقلة في المغرب العربي تضم جميع الأمازيغ المشتتين في دول الجوار، ولكنهم عجزوا عن ذلك تمامًا، فكان الحل الأمثل لهم تبني طروحات أكثر واقعية من أجل الحصول على بعض المكاسب المقبولة في الدول التي يقيمون بها، وهو ما نجحوا فيه في المغرب والجزائر.
من جانبه رأى الناشط الأمازيغي منير كجي في تصريحات صحافية، أن اللغة الأمازيغية لم تمنح الفرصة للانتشار وحوربت على مر العصور، حيث عمد المحتل إلى فرض نمط ثقافته ولغته بالقوة، مضيفًا إن من يطلق عليهم القوميون العرب تحججوا بما يسمى “أيدلوجية التعريب” ليس من أجل محاربة اللغة الفرنسية كما أدعوا، وإنما في الأساس لمحو الهوية الثقافية الأمازيغية من الوجود، من أجل وطن واحد ولغة واحدة ودين واحد.
وأشار كجي إلى أن الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية في المغرب جاء بعد نضال من قبل الحركة المجتمعية الأمازيغية التي انطلقت شرارتها في الستينات، وأن الأمور تسير على ما يرام بالرغم من أن الدستور ربط رسمية اللغة الأمازيغية بقانون تنظيمي لم ير النور بعد.
واعتبر أحمد بوكوس في تصريحات سابقة أن الاعتراف باللغة الأمازيغية في الدستور حدث تاريخي حتى وإن كان الطريق لا يزال في بدايته، موضحًا أن أوضاع الأمازيغ تطورت كثيرا عما كانت عليه قبل عام 2001.
وأكد الناشط الأمازيغي عمر لوزي في تصريحات صحافية أن اللغة الأمازيغية يجب أن تحظى بجميع الحقوق في شتى المجالات كاللغة العربية، ورأى أن هناك ضرورة لإعادة كتابة التاريخ المزيف –على حد وصفه- مشيرًا إلى أن 70% من التاريخ الأمازيغي في المغرب غير مذكور.
وقال لوزي إن اللغة الأمازيغية لغة رسمية، لذا يجب أن تحظى بجميع الحقوق وفي شتى المجالات مثلها مثل اللغة العربية.
وانتقد ما سماه بمحاولات محو الهوية الأمازيغية مثل تغيير أسماء بعض المدن والمناطق من اللغة الأمازيغية إلى اللغة العربية، مثل المغرب التي كانت في السابق مراكش، أو أمور نواكوش بالأمازيغية وتعني أرض الله، وكذلك العاصمة الرباط التي كانت تسمى سابقًا تامسنا، وكذلك الصويرية التي عرفت سابقًا بموغادور.