مُراجع فكري لمعارف متنوعة، وناشط ثقافي يهتم بتفكيك البنى الصلبة للوعي الجمعي العربي والإسلامي من خلال الصالونات الثقافية. منذ قرابة ست سنوات أسس قناة خاصة عبر اليوتيوب ينشر فيها محاضراته وأفكاره التي تجاوز عددها 700 فيديو، وحظيت بمتابعة كبيرة بسبب طريقته السلسة والمشوقة في طرح أفكاره رغم طول الفيديوات وقتا وعمقها معرفيا التي في العادة يقل متابعيها في عالمنا العربي. أحمد سعد زايد مر بتحولات فكرية جذرية أهمها التحول من الإسلام السياسي الإخواني إلى معارض وناقد لفكرة الإسلام السياسي والدولة الثيوقراطية.
“مواطن” التقت المثقف المصري أحمد سعد زايد، للوقوف على مطالعته للشأن العماني بعد احتكاك مباشر، وللتعرف منه على أهمية التعليم والثقافة كمحركين لأي نهضة عربية في كافة المجالات فضلًا عن التطرق إلى مشروع الأمير محمد بن سلمان في التغيير بالسعودية وعلمنة الدولة، والأزمة العربية مع قطر وأبعادها إضافة إلى التطرق لمشروعه التنويري والفكري الثقافي.
حوار: محمد الفزاري
- التعليم والثقافة أبرز ما يعترضان طريق النهضة العربية المنشودة
- التنوع الديني والرصيد التاريخي يعطي للشخصية العمانية اعتزازًا وأفضلية حضارية
- تغليب لغة العقل والحوار تساعد في حل الأزمة العربية مع قطر
- مناهج الدراسة بالمنطقة العربية شديدة التخلف وتكرس للتلقين
- الاهتمام بحقوق الإنسان والتعامل بحكمة مع الأفكار الرجعية تنجح مشروع بن سلمان
- الفكر لا يواجه إلا بالفكر والنصيحة والنقد وليس بالشرطة أو السلطة
- ملاحقة الإنسان لأجل فكرة الإلحاد أو اتجاهاته الدينية أو غير الدينية “عيب”
- من يؤمن بقتل المخالف له في الرأي لا يستحق إلا السجن أو دخول مصحات نفسية
فإلى نص الحوار:
عمان والخليج
1- بداية.. زرت سلطنة عمان مؤخرًا.. ما انطباعاتك بكل مصداقية عما طالعته؟
المجتمع العماني طيب، ورأيته أفضل مما سمعت عنه، ومتسامح وبه مزايا كثيرة وتنوع ثقافي كبير وتنوع ديني ويحضرني القول ‘‘إن المجتمعات التي تحتوي تنويعات ساحقة بائسة جدًا‘‘ إلا أن السلطنة من المجتمعات التي بها سماحة أخلاقية ودينية كبيرة وتعايش جيد بين أفراده وذلك رغم أي إشكالات اجتماعية قد تبدو للعيان شأنه ككل الدول العربية الأخرى.
2- وما أهم الفروق بين المجتمعين العماني والخليجي؟
وجود المذهب الشيعي الإباضي والطوائف الشيعية إلى جانب الطوائف السنية أيضًا كل هذا يعطي المجتمع العماني صبغة مختلفة عن باقي دول الخليج العربي، فضلًا عن أن العمانيين هم الوحيدون في دول الخليج الذين يتمتعون بتاريخ كبير في العالم القديم وإمبراطورية مجان الموجودة منذ آلاف السنين قبل الميلاد ولا ينافسها حضاريًا في جزيرة العرب إلا اليمنيون لكن هؤلاء فيهم من النكبات الكثير، وبالتالي فكما قلنا إن التنوع الديني والرصيد التاريخي لعمان يعطي للشخصية العمانية اعتزازًا، لذلك أحيانًا يرون أنفسهم ذوي أفضلية حضارية وهذا ليس تكبرًا وإنما من واقع المسؤولية التاريخية والحضارية، وبالتالي فهم لهم دور في المنطقة ينطلق ويعبر عن هذا الرصيد والإرث الحضاري.
3- ما انتقاداتك للمثقف العماني والشارع الثقافي؟
الإشكال الثقافي في العالم العربي كله وليس عمان فقط، هو الحاجة إلى مزيد من الحرية، وفتح النوافذ والأبواب أمام كافة التيارات الثقافية والفكرية ضرورة في كل الدول العربية وهو أمر نسبي بالطبع يزيد ويقل هامش الحرية من دولة إلى أخرى، ولا أنكر أن هناك هامش حرية كبيرا في عمان بدليل أنهم استضافوني في اتحاد الكتاب والأدباء وأهيب بكل السلطات العربية فتح الباب أمام حرية العمل الثقافي إن كانت جادة في محاربة الإرهاب والتطرف، كما تزعم وفتح المنصات الثقافية والفكرية والاجتماعية أمام الشباب للتفكير الحر وهو ما يجعل الشباب يدخلون ويندمجون في عباءة قاتمة وأفكار تمثل “غيابة الجب”.
4- لكن في رأيك ماذا ينقص العقل الجمعي في عمان ليكون أكثر إلمامًا ووعيًا بالقضايا المحيطة؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الدور؟
الدور ثنائي، سواء كان في المجتمع العماني أو خارجه وأنوي عمل محاضرة عن مشاهداتي ومعايشتي هناك، والإلمام بالقضايا المحيطة لن يكون متاحًا في مجال منغلق وإنما فيما يتاح أمام المثقفين من حريات للعمل والخروج بمنتجات ثقافية معبرة وناطقة بالتجارب من خلال منصات الدولة وقصور الثقافة ودور الكتب ووسائل الإعلام وغيرها، وفضلًا عن دور المثقفين هناك دور الدولة في التعليم والثقافة في عمان والدول الخليج ومصر وشمال إفريقيا والهلال الخصيب (الشام والعراق)، وفي كل هذه الدول لابد لها من العمل على تكوين العقل الجمعي للشباب والفتيات ليكونوا قادرين على العمل والنقد والقراءة الثقافية الإنسانية.
هذا الدور غائب في كل الدول العربية بما فيها عمان لأن مناهج الدراسة فيها شديدة التخلف والتكريس للتلقين والاعتماد على تاريخ في أصله ليس كما يذكرون، وهذه إشكالات كبرى وليس عيبًا أن نتعلم من نظم التعليم في الدول الآسيوية أو الأوروبية وخاصة الدول الإسكندنافية لنستطيع إيجاد عقل نقدي وليس تلقينيا، عقل لا يعتمد على الحفظ ثم تقيؤ ما تلقنه في الحياة دون خبرات أو تجارب، يتحول فيما بعد لشخص غبي ومسطح وساذج.
لكن في رأيي يقع العبء الأكبر في مجال التعليم على عاتق الدولة، فواجب الأنظمة السياسية العربية هام للغاية إلى جانب الدور الثقافي والتنويري للمثقفين ولا مانع من الاستعانة بخبراء أجانب متميزين وذوي عقليات ناجحة ومتفتحة للنهوض بالتعليم العربي.
العلمانية ومشروع بن سلمان
5- هناك علمانية ينادى بها في الإمارات وتحاول تطبيقها السعودية بواسطة محمد بن سلمان.. ما رأيك في المناداة بالعلمانية داخل بعض الأقطار العربية؟
أنا أكثر ميلا لاستبدال شعار العلمانية بالعقلانية ووجود عقلانية حقيقية تستند إلى قدمين ثابتتين ممثلة في التعليم والثقافة، على أن يكون الدور الثقافي مسنودًا للمثقفين، أما التعليم فيكون الدور الأكبر فيه للدولة والمثقفين في الداخل والخارج وإذا وجدت نوايا صادقة من أجل تنمية المجتمع والتغيير بشكل ما بواسطة الأمير محمد بن سلمان كمثال فيجب أن تكون مشمولة بتغيرات وتشريعات تكفل حريات الرأي والتعبير والكتابة والتفكير والاعتقاد ولابد أن تتم هذه الأشياء بشكل متتابع.
6- ما رأيك في مشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: إيجابياته وسلبياته؟
هي تعديلات ضرورية ولا يمكن الحكم عليها الآن، من الممكن بعد خمس سنوات، ولكني أرى ضرورة أن تكون في إطار خطة حقيقية متبلورة في ذهن الإدارة الحاكمة السعودية وأن يكون هناك مخطط لإيجاد مجتمع سعودي أكثر حرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية وألا تكون مجرد تغييرات لأهداف صغيرة وأن تكون خطة كاملة لنشر الوعي والفلسفة والحريات والخروج من عباءة الانغلاق والاستبداد، وفكرة الشخص المستبد العادل الذي يطمح في التغيير ويمسك بتلابيب السلطتين التشريعية والتنفيذية بقبضته له مميزات وعيوب، لذلك لابد من وجود رؤية شاملة وخطوات مدروسة واهتمام بملف حقوق الإنسان لأن أي إصلاحات تبنى على هضم حقوق الإنسان مرذولة.
7- إذا كيف يكون الحل؟
بالموازنة فهي ضرورية في مواجهة التيارات الظلامية لأنها إن لم تمارس العنف فلابد من الحوار معها، فحتى التيارات الظلامية والمنغلقة والرجعية فلها حقوقها الإنسانية المكفولة بعكس من يكفرون أو يحرضون على القتل أو تلوثت أيديهم بالدماء فلابد من محاسبتهم على ما اقترفوه بقوة القانون، أما الفكر فلا يواجه إلا بالفكر والنصيحة والنقد الفكري وليس بالشرطة أو السلطة، وفي الإجمال هي خطوات جيدة ويعيبها بعض الإشكالات التي هضمت حقوق البعض ولن يمكن الحكم إلا بعض انقضاء التجربة.
8- وبم تنصح السلطات السعودية في تجربة التغيير الأخيرة؟
الاهتمام بملف حقوق الإنسان والعقلانية في التعامل مع الأفكار الظلامية والرجعية وأن تضع نصب أعينها فكرة إقامة مجتمع سعودي حر يعبر عن أفكاره واتجاهاتهم غير مفروضة عليهم بدون وصاية دينية أو سياسية، وبالتالي أؤيد أي مشروع نهضوي في السعودية وأتمناه في مصر وغيرها ولكن بضوابط تحدثنا عنها أكثر إيمانًا بالحرية والإنسانية والعدالة الاجتماعية وأن يكون التغيير حقيقيا موضوعيا ليس شكليًا أو صبيانيًا.
أزمة قطر والرباعي العربي
9- ماذا عن الأزمة الخليجية المستعرة بين قطر ومن يساندها ودول الرباعي العربي؟
أرى ضرورة تغليب لغة الحوار والعقلانية بعيدًا عن تأزيم العلاقات وأن يكون هناك تكامل عربي وتقريب لوجهات النظر والانصياع للصف الواحد بدلًا من الاقتتال والتفرق والتشرذم، نعم هناك علامات استفهام حول الدور القطري في المنطقة، لكن كافة الأطراف عليها انتقادات ولها ميزات ولابد من الوصول لحل سلمي وعلى أرض الواقع، لابد من محاولة إدماج قطر في المنظومة الخليجية مرة أخرى، وتنحية الصراعات وألا تنجر الشعوب للصراعات السياسية والإشكالات، المفروض أن الديمقراطيات لا تتصارع ولا تتحارب ولابد من وجود أصوات عاقلة في دول الرباعي العربي وكذلك في قطر وتركيا لإنهاء الأزمة، نحن الآن بتنا في حاجة ماسة إلى نضج سياسي في الدول العربية لتسوية خلافاتنا الداخلية والفكرية والحدودية كالتي بين المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية والعربية الأخرى.
النهضة العربية
10- ما أهم المعوقات أمام إحداث النهضة العربية وما السبل المثلى لتحقيقها؟
التعليم ثم الثقافة هما أبرز ما يعوقان إحداث النهضة العربية المنشودة، وهنا يبرز كما قلنا دور الدولة والنظام السياسي الذي يتيح الحريات والعمل السياسي والتنويري والثقافي ويسمح بتعبيد طريقها نحو الترعرع والانتعاش كذلك يعمل على توفير التعليم الذي يسمح بتحقيق النهضة والتقدم.
11- يقال أن بوادر نهضة عربية قامت في القرن العشرين ثم تلاشت.. ما رأيك؟
في القرنين التاسع عشر والعشرين ظهرت بوادر تنمية ثقافية مع حركات تنويرية لمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين والحركة الثقافية في تونس وغيرها، ورموز الفكر المصري والعربي كانوا طلائع للنهضة ومحاربة الخرافة والجهل ولكنها لم تكن بالحجم الكافي لإحداث التطور والتغيير ورغم وجود صالونات فكرية وثقافية لمي زيادة ولمياء نازلي- أراها كانت ضرورية- لكنها لم تحقق الشرط الكافي للتغيير وأفرزت فيما بعد انتكاسات في حقوق المرأة والممارسات والحريات وتعصبات دينية في فترات صعود الإسلام السياسي، ولا ننسى أن أغلب الحركات تأتي على قدمين الأولى للثقافة الأكثر نضجًا ووعيًا في نقد الموروث والثانية وجود سلطات سياسية تنويرية انطلاقًا من وجود التعليم الحقيقي القائم على إعمال العقل لا التلقين، والثقافة لها الأسبقية باعتبارها من يدفع المنظومة السياسية لتشكيل تكوين وإنشاء نظام ومجتمع تعليمي قوي وحقيقي.
12- لكن هل النفط الخليجي أثر في المجتمعات العربية ثقافيا؟
لا شك أن للنفط الخليجي فضلا كبيرا على المجتمعات العربية لا الخليجية فقط، والإشكال هو ضرورة أن يتحول العقل الخليجي من قائم على اقتصاد ريعي إلى عقل منتج سياسيًا وإنسانيًا وثقافيًا واقتصاديًا وفي التواجد على خريطة السياسة العالمية بما تمتلكه من قوة نفطية واقتصادية ولابد للدول القائمة على النفط والصناعات الريعية أن تضع رؤية مستقبلية لما ستكون عليه الأحوال بعد نفاد النفط بعد 200 أو 300 سنة والتفكير في وجود ثروات جديدة وأن يكون لديها فنون إدارة الثروات، وأي مجتمعات بلا ثقافة أو إنتاج أو تعليم لا أمل لها في غد أفضل حتى إن كانت غنية بشكل قائم.
حريات الفكر والاعتقاد والقوانين
13- ماذا عن آراء شريف جابر حول قانون ازدراء الأديان وتعامل الدولة مع ظاهرة الإلحاد؟
أؤمن تمام الإيمان بأحقية وجوده ورغبته في التعبير وطرحه الفكري ورفضه للدين، ولابد من التعامل مع هذه الظاهرة، والتهجم على الأديان بشكل عقلاني، بما يتماشى مع الدستور الذي يكفل حريتي التعبير والعقيدة، فملاحقة الإنسان لأجل فكرة الإلحاد أو اتجاهاته الدينية أو غير الدينية “عيب” في القرن الحادي والعشرين، بل ليس ذكاءً سياسيًا، ولابد للذي يريد أن يفعل ذلك أن ينتبه، هل سيكمم أفواه العالم كله!.
والحل في حال التجريم أن يكون هناك تغريم مالي بعيدا عن الحبس والتكفير، وذلك لمواجهة الاستهزاء الخارج، أو الذي يقلل من قدر الرموز التاريخية أو المقدسات في مجتمعنا العربي والمصري مثلًا، ولابد أن تكون الدول معبرة عن دساتيرها في مسألة حريتي العقيدة والتعبير عن الرأي والفكر والكتابة.
14- برأيك.. كيف يكون الرد على المتجاوزين في حقوق الأديان أو المقدسات؟
الرد يجب أن يكون بالتفنيد والحوار وليس الحبس والملاحقة، وقانون ازدراء الأديان أو الذات الملكية معيب، ولا ننسى أن الملاحقات لأجل حرية الرأي أو الاعتقاد تسبب نوعًا من الجفاء والعداء بين الإنسان وبلاده إذا ما طردته لأجل إلحاده أو أفكاره، وكما قال عبد المطلب جد النبي محمد: “للبيت رب يحميه”، وكذلك الدين له رب يحميه فلا ننصب أنفسنا حماة للأديان.
فلماذا ننصب أنفسنا حماة للدين أمام أفكار ألبير صابر أو شريف جابر أو غيرهما؟، وبدلًا من الحبس أو التتبع الأمني لهما علينا نقدهما ومحاورتهما فكريًا أمام الجماهير عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأحيانًا قد أتحفظ على آراء شباب يسخرون من مقدسات دينية للمجتمعات وإن كنت غير مؤمن بتلك المقدسات كالبقر المقدس عند الهندوس مثلًا، لكن يجب أن تخلو قواميسنا الأخلاقية والفكرية من السب والقذف فالخلاف فكري وليس شخصيا، وكامل مساندتي لشخص حبس أو تم تتبعه أو إهانته لأجل أفكار أو كلام كحق مكفول له.
الصحوة الإسلامية
15- كيف تقارن بين وضع مصر الآن وما قبل الصحوة الإسلامية على المستوى الجمعي والفكر والأدب والحريات بشكل عام، ما الفارق في رأيك؟
أميل إلى التفاؤل ليس عن ميل شخصي، وأرى أن تطورات التاريخ طبيعية في حالة العقل العربي، وبعد اصطدامنا بحملة نابليون بونابرت على مصر مثلًا أراها على خلاف الكثيرين كانت تحتوي فوائد مع احتكاكها بالعقل العربي إجمالًا ويمكن أن نوازن بين العمل العسكري الغاشم أيًا كان إلا أن لها تأثيرات محمودة على المستوى الفكري والعقلي والثقافي العربي، وعودة إلى الصحوة الإسلامية التي يرى البعض لها أدوارًا في التضييق ولكنها كانت ضرورة لنشوء عقل واع وتحديد موقف عقلاني من الموروث الديني والثقافي ورفض الجوامد الفكرية.
16- ما بعد 25 يناير 2011 تحدث البعض عن تجربة ديمقراطية ناشئة.. ما تقييمك لها؟
القارئ لتلك الأحداث وما تبعها من صعود الإخوان يرى أنها اتسمت برعونة من الإخوان وإخفاق وكنت أتمنى أن تستمر تلك التجربة أكثر، وللأسف أخفقوا وأنا ليس لدى أي مشاكل مع المشتغلين بالإسلام السياسي إلا في قضيتين: العنف والتحريض عليه، ومسألة حد الردة التي تجعل الإسلام السياسي غير مقبول، ويجعلهم لا أمان لهم كما فعلوا مع الكاتب الصحافي فرج فوده ومن يؤمن بقتل المخالف له في الرأي وإهدار دمه، والاعتقاد لا يستحق إلا التغييب خلف القضبان والمحاكمات أو يعالج في مصحات نفسية لأنه يمثل خطرًا على الإنسانية.
17- ماذا عن موقفك من التيارات الإسلامية وما يسمى الإسلام السياسي؟
ليس لي خلاف شخصي مع أحد، وإنما خلاف فكري في حالة اشتغالها كما قلت بالعنف أو التحريض عليه، بشرط الإيمان بضرورة الاختلاف وأن يتجاوزوا إشكالية قتل وهدر دم المخالف لأن من يؤمن بها منهم لا يستحق حق الوجود في المجتمع.
مشروع تنويري
18- وماذا عن مشروعك الفكري والمعرفي، وما الذي تستهدفه منه؟
استهدف الإنسان العالمي وليس العربي أو المصري فقط، ويقوم على تبني فكرة العمل الثقافي من خلال الصالونات والمنتديات الثقافية من خلال الحوارات الكثيفة والكثيرة في مصر وخارجها وتوثيق هذا على موقع “يوتيوب” وتوسيع دائرة الحوار والجدل، ومحاولة للكتابة في موضوعات جديدة ذات أفكار تحتوي على فهم حقيقي للواقعين السياسي والثقافي في العالم العربي، والعمل على إنشاء مؤسسة ثقافية كبرى ولكنها تكرس عملها لأجل قيم الحرية والإخاء والمساواة وأهداف إنسانية بحتة والخروج بكوكب لإنسان أكثر رحمة وفضلًا وجمالًا.
19- كنت يومًا من أنصار أيديولوجيا الإسلام السياسي ما السبب في تحولاتك الفكرية؟
كان لي توجه يؤمن بتجربة الإخوان ثم اكتشفت زيفه ثم لجأت إلى الإسلام الحضاري وصرت من المؤمنين بالتجربة الماضوية كلها منذ أيام سومر وطيبة في مصر وحتى العصور الوسطى وما بين ذلك كله وغيرها فعلينا الإيمان بماضي الإسلام ثم التجاوز، وأحاول أن أبين للجماهير فترات من تاريخنا بشيء من النقدية والعقلانية والموضوعية في آن واحد.
20- أين أحمد سعد زايد من التصنيفات التي يحار فيها متابعوك؟
لا أصنف نفسي تصنيفات تقليدية، فأنا محب لقيمة العقل والموضوعية فهو مركزية الوجود حتى في الخرافات فمقدماتها لابد أن تكون عقلانية قبل أن تكون خرافية وأسطورية، فالعقل الواعي يهذب بالعقلانية الحسية المرتبطة بالواقع، فأنا إنسان عقلاني ومؤمن بوحدة مصير الجنس البشري والإيمان بالعقلانية في الدين، الفن، الحب، السياسية وكل شيء والمقاربة للواقع لتحسينه أو تغييره أو التمتع به كما هو.
21- من هو المثقف في رأيك؟
هو الذي لديه وعي بالتجربة الثقافية التي عايشها أو مر بها، فأنا أؤمن بالتجربة التي عايشتها كمثقف مصري في الغرب، مع إطلالة على الحضارة العربية التي أراها لا شيء بالنسبة للتطورات والحضارات التي سبقتها في الجنس البشري لأنها لا تتجاوز الـ 1500 أو 2000 عام، ولابد له من معرفة الكثير عن الحضارات الغربية وتقاطعاتها مع الحضارات العربية.
الفكر والربيع العربي
22- دومًا ما يكون الصراع واسعًا بين المثقف والسياسي هل يمكن أن يكون المثقف سلطويًا؟
هذا وارد، ويحضرني هنا أمثلة واسعة؛ أمثال هيجل وفولتير ومحمد عبده وسعد زغلول وطه حسين وكانت لهم علاقات بالسلطة السياسية وهذه ليست أزمات أو شيء يعيب المثقف ولكن الفيصل المصداقية والموضوعية، لأن هناك المثقف النقدي ومن يغازل السلطة والبائع لضميره الإنساني، وأنا كمحب للثقافة أفضل التواجد بدائرة المثقف النقدي والتحليلي.
23- ما رأيك في الربيع العربي والأصوات التي تراه محصلة خرجت بلا شيء؟
كان ضرورة تاريخية والذهاب إلى أنه أجندة خارجية مهاترات ومجرد أكاذيب، فقد كنا نعيش في أوساط وأنظمة مقيتة أبعد ما تكون عن الحريات والعمل السياسي الذي يكرس لصالح الشعوب وتوابع أي ثورات أن تدفع الشعوب ثمن الحرية أو الحديث عن أحلامها بصوت مسموع، وقد يكون هناك ردة لتلك الثورات كما حدث في الثورة الفرنسية التي عادت بالملكية مرة أخرى، وقد يعود حسني مبارك، والأهمية الكبرى للربيع العربي تتمثل في ربيع العقول العربية وأن الكثير من الشباب أصبح لديهم اهتمامات ثقافية وسياسية وحضارية ويتركون الموروث الصرف الجامد ويحاولون التفكير خارج تابوهات كرست للجهل على مدار عقود وقرون، والربيع العربي سينجح رغم كل الإشكاليات الموجودة ولكن متى هذا هو الفيصل، وعلينا العمل للتبكير بذلك النجاح وأن نكون عوامل مساعدة بشكل كبير.
إصلاحات وأمنيات
24- ما أهم الإصلاحات التي تود أن تراها في البلدان العربية في الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية؟
التغييرات المثلى على المستوى العربي لابد أن تكون في مجالي الثقافة والتعليم، ويصاحب هذا إنتاج مجموعة من الحريات السياسية الاقتصادية والاجتماعية وتنظيم مجموعة من التشريعات التي تكفل حرية العقل النقدي والتفكير الحر وهو ما يكفل ضمانة لمستقبل أفضل عربيًا في الفترات المقبلة.
25- أين ترى الوطن العربي بعد 15 عامًا؟
أرجو أن نكون أفضل حالًا، وهذا مرتبط كليًا بما نخطط له على المستوى البعيد في مجالات العمل المختلفة في السياسة والاقتصاد والثقافة وقدرتنا على تنفيذ هذا المخطط سواءً كأشخاص مثقفين أو قدرتنا على الترويج لقيم الحرية والإخاء والمساواة واحترام الآخر والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتي بدونها يصبح العالم أكثر سخفًا وظلمًا ووحشية وأرجو كل الخير والسلام لمجتمعاتنا العربية والعالم بأسره.