“في كل مرة حاولت أن تصرخ أو تقول شيئًا كان يوجه إليها طعنة, قبل أن يجهز عليها نهائيًا على مرأى من الجيران, والمواطنين الذين صادف مرورهم في تلك اللحظة، كان ذلك مقتطف من رواية “شرفة العار” للأديب إبراهيم نصر الله في صدد الحديث عن الشرف ، لكن الحقيقة ليست مجرد خيال كاتب، فالواقع يحمل ما هو أقسى وأكثر بشاعة لكل من حكم عليها أن تنتمي إلى تاء التأنيث في مجتمع شرقي، وكأنها “خطيئة” تمشي على قدمين، حتى لو كنا في القرن الحادي والعشرين.
تعيش الأنثى في شتى المجتمعات مهددة على كل المناحي، لكن أبشع تلك الجرائم، هي إقدام الأهل على قتل ابنتهم بدعوى “الشرف”، وتلك الجرائم لم تقتصر على نوع من النساء فحتى لو كانت الضحية من ذوي الاحتياجات الخاصة فلن يعفيها هذا أمام الأهل من المسؤولية، فمثلًا “لال جميلة ماندوخل”، ذات الست عشرة ربيعًا، اغتصبها مسؤول في باراشينار في شمال غرب باكستان، وقتلها أهلها لغسل العار.
وفي كل عام تذهب حوالي 5 آلاف فتاة ضحية لجرائم قتل ترتكب باسم الشرف حول العالم، في دول كثيرة مثل باكستان والأردن واليمن وتركيا والعراق والمغرب ومصر، وليست هذه الجرائم حكرًا على البلدان العربية أو الإسلامية، إذ أن مصادر منظمات حقوق الإنسان تؤكد حدوث هذه الجرائم في بلدان أخرى غير إسلامية كإيطاليا واليونان.
وفقًا تقرير لصحيفة “إندبندنت” البريطانية أعده الصحفي روبرت فيسك، فإن عدد البنات ضحايا جرائم الشرف في عدد من الدول العربية وجنوب آسيا بحوالي عشرين ألف فتاة تقتل سنويًا بدافع الحفاظ على الشرف، وحمل العنوان اسم “موجة الجريمة عار العالم”.
والأرقام في هذا الصدد لا تكذب ولا تتجمل، ففي باكستان هناك 1000 جريمة شرف سنويًا، وفي تركيا وفي المناطق الكردية وقعت 480 جريمة شرف بين عامي 2000 و2006، وفي العراق، عام 2008، في أول 10 أيام من مايو، قُتلت 14 امرأة شابة من أجل الشرف، وتقتل 15 امرأة شهريًا لعدم التزامهن بالزي الإسلامي. وعادة فيما يتعلق بجرائم الشرف، يخير الأهل وأفراد القبيلة بناتهن ونساءهن بين القتل أو الانتحار.
تعريف جريمة الشرف
تعرف بأنها جريمة قتل يرتكبها شخص أو عدة أشخاص يؤمنون أن الضحية يجب أن تموت من أجل استعادة ما يسمونه الشرف، وتشكل النساء الغالبية العظمى من الضحايا، لكن الرجال يمكن أن يستهدفوا أيضًا، والقتلة في الغالب هم الوالدين أو الأخوة والأخوات أو الأزواج. وتحدث تلك الجرائم عندما ترفض الفتاة الزواج برجل عن طريق والديها أو هربت مع عشيق، أو زوج يشتبه قيام زوجته بالزنا أو كشف علاقة للابن أو الإبنة مع شخص من نفس الجنس، حتى ضحايا الاغتصاب يقتلن بسبب ما يسمى الشرف. ونسبة كبيرة من ضحايا هذه الجرائم من عائلات مسلمة، لكن هذا لا يمنع قيام مسيحيين وهندوس ويهود وسيخ وأيضًا ديانات أخرى، بارتكاب جرائم مشابهة.
باكستان
في باكستان، تذهب المئات من النساء سنويًا ضحية لجرائم الشرف، وسجلت لجنة تابعة لمنظمة حقوق الإنسان تجاوز جرائم الشرف في الدولة الأسيوية 280 جريمة منذ أكتوبر 2016 إلى يونيو 2017، وهو رقم مخيف أثار حفيظة المنظمات الحقوقية حول واقع العنف ضد النساء في باكستان، وتعد الدولة الأعلى عالميًا في هذا الصدد.
وتسجل باكستان، مقتل نحو 1000 امرأة سنويًا، في جرائم متعلقة بمسائل الحب والزواج والسلوك العام، وكشفت منظمة حقوقية باكستانية عن مقتل 1100 امرأة العام الماضي في جرائم شرف.
وشهد عام 2013 مقتل 869 امرأة في الجرائم نفسها، وغالبًا ما ترتكب تلك الجرائم في الخفاء ودون علم السلطات، وترتكب بسبب النزاعات العائلية، والشائعات حول العلاقات غير الشرعية، وممارسة الحق في اختيار الزوج، وعادة ما تقتل الضحايا بإطلاق الرصاص، ومؤخرًا أصبح الاعتداء بالحمض شائعًا أيضًا.
وفي فبراير 2016، أصدر إقليم البنجاب أكبر أقاليم باكستان قانونًا يجرم جميع أشكال العنف ضد المرأة، لكن لم يلق القانون ترحيبًا من قبل الجماعات الدينية والأحزاب الإسلامية التي رأت فيه نشرًا للفاحشة، وسيرفع نسبة الطلاق ويهدم نظام الأسرة التقليدي.
الهند
وتسير الهند على خطى باكستان، حيث ارتفعت نسبة جرائم الشرف بها إلى 800% من 28 جريمة عام 2014 إلى 251 جريمة عام 2015، وسجلت بيانات الشرطة الهندية مقتل 400 شخص غالبيتهم من النساء في “جرائم شرف” منذ عام 2014، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم هذه الجرائم ترتكب دون علم السلطات الرسمية، ولا يمكن إحصاؤها بدقة.
وخصصت الشرطة في جنوب الهند، في نهاية العام الماضي، خطًا ساخنًا لمكافحة “جرائم الشرف” وهي المبادرة الأولى من نوعها في البلاد، وتهدف إلى حماية المتزوجين من طوائف وأديان مختلفة ويخشون من القصاص العائلي.
الأردن
وفي المنطقة العربية، تعد جرائم الشرف مستشرية في كل الربوع، وتحتل الأردن وفقًا للإحصائيات النسبة الأعلى، وغالبًا ما يحكم على القاتل بأشهر معدودة، وكأن المحاكم بهذه العقوبة غير الرادعة تشجعهم على المزيد من القتل.
وتعتبر الأردن من أكثر الدول العربية التي تعاني من ارتفاع نسبة جرائم الشرف، في كل عام، ووفقًا لـ”هيومان رايتس ووتش”، تُحرق من 15 إلى 20 امرأة وفتاة أو تتعرض للضرب أو الطعن حتى الموت من قبل أفراد الأسرة لتجاوزهن، من وجهة نظر الأسرة، حواجز “الشرف” الاجتماعية.
وكثيرًا ما تعتبر المحكمة “ثورة الغضب” سببًا لتخفيف العقوبة وفقًا للمادة 98 من قانون العقوبات، وقد تصل العقوبة إلى سنة واحدة في حالات القتل العمد مع سبق الإصرار بحسب المادة 97 إذا ما تمت الجريمة في حالة غضب الجاني.
وفي أحيان كثيرة يتم تخفيض العقوبة بسبب مطالب أهل الضحية بالتساهل، فعادة ما تكون عائلة الضحية متواطئة مع الجاني في تنفيذ الجريمة، وتخفض عقوبة القاتل إلى النصف في هذه الحالات بموجب المادة 99.
وتسمح المادة 340 من قانون العقوبات بتخفيف العقوبة إذا قتل الرجل أو هاجم زوجته أو أيًا من أقاربه الإناث بسبب مزاعم الزنا أو إذا وجدهن في “فراش غير مشروع”، والمشكلة أن العديد من الحالات لا تستوفي هذه الشروط.
وفي أعقاب تزايد جرائم الشرف بصورة كبيرة وخاصة في عام 2016، أصدرت دائرة الإفتاء فتوى في ديسمبر 2016 تعلن فيها لأول مرة أن القتل باسم “الشرف” يتنافى مع أحكام الشريعة. وبعد هذه الفتوى تمت مضاعفة الحكم على شقيقين قتلا شقيقتهما بالسم، بعد معرفتهما بأنها على علاقة غرامية، وهربت على إثرها من المنزل، من السجن 7 سنوات ونصف إلى 15 عامًا لأحدهما ومن 10 سنوات إلى 20 سنة للآخر.
وشهدت الـ 10 أشهر من عام 2017 انخفاضًا كبيرًا على جرائم القتل الأسرية بحق النساء والفتيات وبنسبة 61.5% مقارنة مع ذات الفترة من عام 2016. وعلق محمد الطراونة، القاضي في محكمة التمييز الأردنية على هذه الحكم قائلًا: “نريد توجيه رسالة قوية إلى الشعب بأن قتل النساء باسم شرف العائلة لن تقبله المحكمة بعد الآن”.
مصر
ومن الأردن إلى جارتها مصر، التي تعاني أيضًا من آفة جرائم الشرف، خصوصًا في محافظات صعيد مصر، وسيناء، التي لا تزال تحتفظ بالموروثات والعادات القديمة بأفكارها السطحية حول مفهوم شرف الفتاة، الذي يختصر في جسدها، ورغم ذلك لا توجد إحصائية رسمية بأعداد الضحايا، حيث يعتمد الأغلبية على تزوير شهادات الوفاة للإفلات من العقوبات المخففة أصلًا.
وبحسب القانون المصري إذا ضبط الزوج زوجته مع عشيقها يستطيع الاستفادة من التخفيف فى العقوبة، حيث قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وفقًا للمادة 237.
وتقع نحو 70% من تلك الجرائم في حالات عدم تلبس ولمجرد الشك في سلوك الضحية، أو اعتمادًا على الشائعات دون دليل ملموس، بحسب دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أجريت عام 2015، وأوضحت الدراسة أن تحرِيات المباحث في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية.
واتفقت مع هذه الدراسة دراسة قديمة أجريت عام 2006 بعنوان “منظور إحصائي لجرائم الشرف” لمركز قضايا المرأة، حيث ذكرت أن نسبة 79% من جرائم الشرف حدثت بسبب الشك في السلوك، و9% بسبب اكتشاف الخيانة، و6% لمنع الاعتراف بعلاقة غير جنسية.
بلاد الرافدين
وفي بلاد الرافدين تلقى جثث عشرات الفتيات في شوارع العاصمة، وتصنف وفاتهن باعتبارها “وفاة عادية” أو قتل يقيد ضد مجهول، وتتساهل الشرطة مع هذه الجرائم لأنها تخشى فتح تحقيقات رسمية حقيقية خوفًا من ملاحقات العشائر، حيث قوة العشائر تتحدى قوة مؤسسات الدولة النظامية.
وحتى الآن ترفض المؤسسات الرسمية، سواءً وزارة الداخلية أو الصحة، بالإضافة إلى المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة، تقديم أية أرقام بضحايا العنف من النساء والفتيات، بذريعة الأوضاع الأمنية والسياسية.
وفي تحقيق صحافي بجريدة “الحياة” اللندنية، شهدت العراق خلال الفترة من 6/10/2015 وحتى 21/9/2016 العثور على 52 جثة لنساء مجهولة الهوية تتراوح أعمارهن ما بين 20 و35 عامًا، غالبيتهن كن ملقيات في مناطق جنوب شرقي بغداد، ومن بينها منطقة الزعفرانية، وكانت تحمل في معظمها آثار إطلاق نار في منطقة الرأس والصدر أو آثار طعن بالسكين، وفقًا لمصادر أمنية.
ووفقًا لقانون العقوبات العراقي، وبالتحديد المادة رقم 111 الصادر سنة 1969 في المادة 409 (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل إحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة ولا يجوز استعمال حــق الدفاع الشرعـي ضـــد مــن يـستفيـد مـــن هـــذا العذر ولا تـطبـق ضـده أحكام الظــروف المشددة.
أوروبا تحاصر
أوروبا أيضًا لم تكن في منأى عن “جرائم الشرف”، فدول “الدم البارد” كما يسميها العرب شهدت تنامي تلك الظاهرة في أروقتها، مع بداية الألفية الجديدة، ففي مؤتمر عام 2005 في لندن بدأت الشرطة البريطانية حملة من أجل مكافحة ما يسمى بجرائم الشرف.
وسمحت الشرطة البريطانية للمرة الأولى بنشر إحصاءات رسمية عن ما يسمى “بجرائم الشرف”، وذلك بالتعاون مع جمعية نسائية عضواتها مسلمات من منطقة الشرق الأوسط، حيث بحث محققو شرطة لندن في ملفات جرائم قتل تعود إلى عشرة أعوام مضت، وقعت 52 منها في العاصمة البريطانية و65 منها في أجزاء أخرى من إنجلترا وويلز.
ولم تقتصر الأزمة في أوروبا على المقيمين بها، حيث كشفت الشرطة البريطانية أن 2823 “جريمة شرف” ارتُكبت في المملكة خلال عام 2010، وذلك حسب إحصائيات صادرة عن 39 من أصل 52 مركز وفرع للشرطة في عموم البلاد.
فوفقًا لبيانات صادرة عن هيئة حرية المعلومات في بريطانيا، ردَّا على طلب تقدَّمت به منظمة حقوق النساء الكرديات والإيرانيات (إيكورو)، فإن حوالي 500 من تلك الجرائم سُجِّلت في العاصمة لندن لوحدها، بنسبة زيادة قدرت بـ47%.. ألمانيا أيضًا أصيبت بزيادة معدلات “جرائم الشرف”، خصوصًا مع تدفق اللاجئين العرب إلى ضواحيها، فسجلت الشرطة الألمانية ما لا يقل عن 30 جريمة قتل باسم الشرف في الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي، وكان أبرزها إقدام لاجئ سوري بألمانيا بقتل زوجته وبث فيديو على “فيس بوك” مفتخرًا بفعلته.
تركيا وإيران
وشهدت دولة تركيا خلال عام 2016 قتل أكثر من 328 امرأة أغلبهن قتلن، لأسباب تافهة بحسب إحصاءات أجرتها منظمة “أوقفوا قتل النساء”، إضافة إلى مقتل 173 امرأة تركية في الخمسة أشهر الأولى من عام 2017.
وتعد إيران من الدول المنتشرة بها “جرائم الشرف” بشدة، فرغم عدم وجود إحصائيات رسمية بشأن معدل الجريمة، لكن نسبة 15% تقريبًا من حالات القتل في عام 2013 مثلًا، تكون ضمن جرائم الشرف، وبحسب التقارير فإن أغلب جرائم الشرف تقع في الأقاليم التي تقطنها القوميات غير الفارسية ككردستان وبلوشستان وعربستان (الأهواز).
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن العنف ضد المرأة في المناطق الكردية من إيران لا يمكن حصره، لكن العنف والتمييز ضد المرأة في هذه المناطق منتشر ومتقبَّل أيضًا، ووفقًا للأمم المتحدة فإن التمييز ضد المرأة في القانون المدني وقانون العقوبات يلعب دورًا كبيرًا في تمكين الرجال وتعريض الإناث للعنف.
سوريا
ورغم الأزمة السياسية التي تعانيها سوريا، إلا أن معدل الجرائم بها ارتفع إلى أربعة أضعاف قبل الثورة السورية، حسب تصريحات قضائية نشرت في جريدة الوطن السورية عام 2016، حيث أمنت الحرب والصراعات المسلحة بيئة خصبة لتزايد العنف ضد النساء بصفة خاصة.
وتقدر المنظمات حقوقية عدد جرائم الشرف في سوريا بنحو 200 إلى 300 جريمة سنويًا، يحدث معظمها في المناطق الريفية شمال وشرق البلاد.
ولا توجد عقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الشرف في سوريا، فمثلًا المادة 548 ومواد أخرى في القانون السوري تخفف العقوبات عن مرتكب الجريمة، ويستغل البعض هذه الثغرات القانونية في قتل زوجاتهم أو قريباتهم بدافع الشك ودون وجود أدلة ملموسة.