يُعرفُ أمن الطاقة على أنّه وفرة مصادر الطاقة المتنوعة دون انقطاع بسعر معقول وتكاليف ميسّرة. ويعتبر أمن الطاقة عنصرا مهما للأمن اللاتقليدي الذي يرتبط كغيره من الأفرع بالأمن القومي، إذ أن الدول التي تعاني من شح في موارد الطاقة تلجأ إلى رفع أسعار الطاقة مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية اجتماعياً واقتصاديا [1].
غالباً ما يتم استخدام مصطلح أمن الطاقة للإشارة إلى إمدادات الغاز الطبيعي والنفط بما يحملانه من أهمية وقيمة عالمية. وتعتبر الدول التي تمتلك وفرة في موارد النفط والغاز ذات قيمة عالمية ودولية. من أجل التعرف على دور أمن الطاقة والموارد في السياسة الدولية، سنطّلع على بحر قزوين وما يحمله من ثروات، والأحداث السياسية الموازية لهذا الأمر.
منطقة قزوين، هي المنطقة المحيطة ببحر قزوين وتضم خمسة دول أساسية: أذربيجان، وروسيا، وإيران، وكازخستان، وتركمنستان من الشرق. كما أن هنالك نقاشات حول اضافة أوزباكيستان كدولة من دول بحر قزوين بسبب الاعتماد الكبير لمدنها على الطاقة المنتجة من المنطقة الساحلية لقزوين[2].
أهمية منطقة بحر قزوين
تمتلك منطقة بحر قزوين أو الكازبيان على موقع استراتجي مهم تعطي الدول الساحلية أهمية جيوسياسية واقتصادية معاً بسبب ثراء منطقة الكازبيان بالموارد الطبيعية وموارد الطاقة كالنفط والغاز الطبيعي. يحتوي بحر قزوين -وحده- ما يقدّر ب 8.7 ترليون متر مكعب من الغاز وقدرة إنتاجية من النفط تقدر بـ 48 مليار برميل نفط[3]؛ فمنطقة قزوين تحتوي على نفط وغاز أكثر من أي دولة في العالم.
تبلغ أهمية هذه المنطقة أيضاً في كونها واحدة من أقدم المناطق في العالم في إنتاج النفط، وفي مصادر أخرى، أقدم منطقة في العالم. كما أنّها تستخرج النفط من اليابسة والبحر في آن معاً. وهنالك الكثير من النفط والغاز في هذه المنطقة لم يصل له بعد. بيد أن الكمية المكتشفة من النفط والغاز وحدها تجعل هذه الدول الساحلية دولا منتجة للطاقة بشكل ضخم جداً، ناهيك عن الكميات غير المكتشفة بعد. هذه الأهمية التي تمتلكها هذه الدول تؤهلها لحيازة مكانة خاصة عند الدول المجاورة لها، خصوصاً فيما يتعلّق بتصدير الغاز الطبيعي.
بسبب أهمية هذه المنطقة؛ تعيش الدول الساحلية في صراع لتقسيم قزوين بينها بما يمتلكه من موارد. هذا الخلاف الذي يدور بين الدول الخمسة، استعصى حلّه لأن الدول الخمسة رفضت الوصول إلى توافق في تقسيم الحدود البحرية فيما بينها لأكثر من عقدين[4]! وكانت هنالك بعض الجهود مؤخراً من أجل الوصول إلى اتفاق لتقسيم الحدود المائية لقزوين، ولكن في كل مرة يفشل الأمر برفض إحدى الدول الخمسة اقتراحات الدول الأخرى. والنتيجة استمرار المشكلة دون الوصول إلى حل[5]!
خلفية تاريخية
من أجل فهم المعضلة التي تمر بها دول قزوين، لابد من الرجوع إلى أساس المشكلة وأسبابها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. سقوط الاتحاد السوفيتي أدى إلى خلق دول وحكومات جديدة مستقلة ناتجة عن تفكك الاتحاد. هذه الحكومات الحديثة، وجدت نفسها تسبح في مناطق مليئة بموارد الطاقة.
دائرة الطاقة في الولايات المتحدة، نشرت مقالاً (2013) يقول إن هذه الدول بعد انقسامها واستقلالها قد استخدمت طرقا مختلفة في إدارة موارد الطاقة لديها. فهنالك فئة فضّلت أن تكون موارد الطاقة مملوكة من قبل شركات خاصة أو مستثمرين أجانب، وفئة أخرى من الدول اختارت أن تتحكم الحكومة بأمن الطاقة بشكل كلي[6].
ولادة هذه الدول الحديثة المليئة بالطاقة كان بديلاً مهماً للغرب، ذلك أن الدول الأوروبية وأمريكا قد وجدت دول القوقاز -أو دول قزوين الساحلية – بديلاً لروسيا يمكن الاعتماد عليه لإستيراد النفط و الغاز. حيثُ إن اكتشاف هذه الكمية الضخمة من الموارد في هذه الدول قد يعني تكوّن ضغطا على روسيا التي هي الأخرى تنتج وتصدر الغاز الطبيعي. ومن المعروف أن روسيا لديها أطماع تودّ أن تحققها كبقائها قوّة كبرى في المنطقة، ومن أجل أن تبقى كذلك لابد من أن تسيطر على خطوط الغاز وتصديره وأن تمنع وجود أو صعود أي منافس لها في المنطقة.
في الوقت ذاته، بدأت الدول حديثة الصنع التي نتجت من تفكك الاتحاد السوفيتي بلعب دور مهم بسبب أمن الطاقة والموارد الهيدروكربونية التي تمتلكها، ما يؤهلها لأن تصدّر هذه الموارد إلى دول أوروبا الغربية على سبيل المثال[7].
منذ نهاية القرن العشرين تقلص دور روسيا المهم في تصدير الطاقة، أي منذ ظهور الدول الحديثة. كذلك بسبب الدور الذي تلعبه روسيا في السياسة الدولية الذي قد لا تتفق معه العديد من الدول الغربية مما دفعها للبحث عن بديل لروسيا لاستيراد الغاز.
بدأت حكومات دول قزوين الساحلية بالحصول على اهتمام الدول الكبرى والشركات العالمية الرائدة في مجالات الطاقة كشركة البترول البريطانية المعروفة بـBP[8]. قامت شركة البترول البريطانية بإنشاء مشروع ضخم في أذربيجان يسعى لتحقيق هدفين أساسيين: تطوير مواقع احتياطات النفط البحري، وتطوير حقل نفط “أذري شيراج جناشيل” Azeri-Chirag-Gunahil ( (AGG [9].
دول القوقاز الساحلية، وخصوصاُ أذربيجان بموقعها الجيوسياسي القريب من روسيا وتركيا وإيران وبأهمية موارد الطاقة التي تمتلكها تستطيع أن تمارس دوراً سياسياً فعّالاً. وبسبب العلاقة غير الحميدة بين أمريكا، في كفّة، و روسيا وإيران في كفّةٍ أخرى؛ فمن صالح أمريكا والدول الغربية أن تتحد مع أذبيجان وجورجيا، أوتتحالف معهما، أوتقوّي علاقتهما التجارية من خلال موارد الطاقة من أجل الضغط على جارتهما روسيا وإيران.
فأمن الموارد أو أمن الطاقة لا يمكن أن يُعدّ أمراً خاصاً بالاقتصاد فقط، وإنما شأنا سياسيا أيضاً. السياسة هنا لعبت دوراً في تغيير الشريك التجاري الذي ينتج الغاز ويصدره من روسيا إلى الدول الحديثة التي قد لا تتعارض سياساتها مع الغرب من أجل تشكيل ضغط اقتصادي وسياسي على روسيا.
الفقرات التالية تعرض بعض الدول وعلاقتها بأمن الطاقة المرتبط بدول قزوين للتأكيد بشكل أكبر وأوضح على أهمية أمن الموارد الذي لا يقل أهميةً عن الأمن التقليدي.
المنافسة بين روسيا و باقي دول المنطقة
من أجل أن تتغلب الدول الساحلية على الإنتاج الروسي للطاقة، على دول المنطقة -على وجه الخصوص تركمنستان وأذربيجان- أن تدير إنتاجية الطاقة بدقة عالية من خلال خطف أنظار المستثمرين الأجانب والوصول إلى السوق الدولية لتصدير منتجات الطاقة لديهم ومنافسة منتجات الطاقة الروسية. وهنالك عدد من الدول الأوروبية قد بدأت تهتم باستيراد موارد الطاقة من تركمنستان وأذربيجان على وجه الخصوص، رغم العديد من العقبات من أجل أن تصل مواردها للسوق الدولية. [10] وجود بديل لروسيا في منطقة الأوراسيا (بين أوروبا وأسيا) يعني أن تتحول الأنظار إلى تلك الدول الحديثة وابتعادهم عن روسيا، الأمر الذي يزعج روسيا كثيراً.
لجأت دول قزوين إلى تصدير الموارد الهيدروكربونية عن طريق خط نقل جنوبي؛ لكي لا تصل إليه روسيا وتعيق عملية التصدير. روسيا طامعة -كباقي الدول- في السيطرة على الموارد الموجودة في بحر قزوين، حيث إنها تقف في وجه أي مشروع يعيق مصالحها كمشروع “Trans-Caspian” .[11]
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تحوّلت علاقة روسيا بالدول المحيطة من علاقة وديّة تعاونية إلى علاقة منافسة. ووجود عدد من المشاريع المهمة في أمن الطاقة أو أمن الموارد تمتلكها دول أخرى غير روسيا في المنطة أدى إلى اشتعال المنافسة وبالتالي أصبح الوضع الجيوسياسي مشحوناً بين الدول الحديثة وروسيا. ومما زاد الأمر تعقيداً هو تدخل الدول الغربية التي أكدت دعمها لأذربيجان وتركمنستان ضد قرارات روسيا.
إيران:
بعد انتهاء العقوبات التي خضعت لها ايران أصبحت الآن قادرة على إيجاد فرص اقتصادية في المنطقة خصوصاً في منطقة قزوين، مما يتيح لإيران أن تنتهز الفرصة لكونها واحدة من الدول المطلة على بحيرة قزوين المليئة بالثروات[12].
إيران ككثير من الدول “واقعية” عندما يتعلق الأمر بالموارد والثروات؛ فقد عارضت قرارات دول قزوين ككزاخستان وأذربيجان في سياسات تقسيم المسطح المائي، رغبةً منها للحصول على أكبر قدر من الموارد مقارنةً بالدول المطلة عليه. وعلى الرغم من أن إيران مستفيدة من قزوين، إلا أنها تطمع بالمزيد. قد يكون لإيران دور هام مستقبلاً غير ذاك المتعلق بنفوذها ودورها في دول القوقاز، وإنما المقصود هنا دورها في استخراج وتصدير موارد الطاقة إلى باقي دول آسيا كونها تتشارك الحدود مع عدة دول مفتوحة على البحر، مما يسهل عملية نقل و تصدير الموارد[13].
تركيا:
غيرت روسيا سياساتها نحو تركيا، وتحوّلت من تنافس جيوسياسي إلى شريك استراتيجي، إلا أنّ هذه العلاقة لا تزال مبهمة؛ فبالرغم من أن تركيا قد عارضت قرار روسيا لضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، إلا أن أردوغان قد صافح بوتين في صفقة تأمين خطوط أنابيب الغاز. هذا المشروع الضخم الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي عبر أنابيب تمر تحت البحر الأسود وصولاً إلى أوروبا[14].
تركيا تمر بمرحلة عدم يقين في علاقتها مع روسيا وجاراتها من دول بحر قزوين بسبب التغيرات الدراماتيكية التي مرت بها تركيا في سياساتها الخارجية. تركيا وجدت نفسها جغرافياً قريبة من منطقة غير مستقرة تحتوي على دول حديثة، وقد انتهزت الفرصة لإبراز دورها في المنطقة. كما أنها وجدت بيئة خصبة لتنمية وتطوير الاقتصاد عبر الاستفادة من جارتها أذربيجان المطلة على بحر قزوين الغني بالموارد[15]. كل هذه الظروف أعطت تركيا الفرصة لبناء علاقات تجارية واستثمارية مع روسيا ودول قزوين الناجحة خصوصا في مجال الطاقة، في آن واحد.
الأمر الذي جعل تركيا لاعباً أساسياً هو بحث دول القوقاز عن بديل آخر لحمايتهم غير روسيا التي تهددهم وتشكل خطراً على أمن مواردهم. حصلت تركيا مردودا كبيرا جرّاء هذا الأمر؛ فهي تبحث عن مصالحها الاقتصادية فقط، لذا حاولت أن تمتلك علاقات طيبة مع كلا الطرفين لتخرج بنتيجة أكبر. بالفعل نجحت في ذلك والنتيجة إنعاش القطاع الخاص خصوصاً ذاك المتعلق بموارد الطاقة كشركة البترول التركية المملوكة من قبل الدولة[16].
هنالك محادثات حول اتفاقيات بين تركيا ودول قزوين، إن نجحت فهذا يعني حصول دول قزوين على دولة قادرة على تصدير منتجاتهم من الطاقة إلى أسواق عالمية بسبب موقع تركيا الجغرافي وبسبب امتلاكها موانئ كثيرة تؤهلها لذلك. وفي الجهة المقابلة، ستستفيد تركيا من كونها ناقلا ومصدرا رئيسا لثروات بحر قزوين، الوصول إلى ثروات قزوين عن طريق أذربيجان[17].
تركمنستان:
تركمنستان أيضاً لاعب مهم في أمن الطاقة في منطقة قزوين. بيد أن وضع تركمنستان مختلف قليلاً عن باقي دول المنطقة؛ فتركمنستان كانت تعتمد اعتماداً كليّاً على روسيا من أجل تصدير الغاز الذي تنتجه، إلا أن الوضع قد اختلف بعد حادثة انفجار مركز أسيا الوسطى للغاز في عام 2009. حيثُ كانت كلتا الدولتين -روسيا وتركمنستان- تلومان بعضهمها البعض وتتهمان الآخر بإحداث الضرر على مركز الغاز مما أدى إلى تقليص علاقتهما المرتبطة بتصدير الغاز[18]. بعد حادثة الانفجار وجدت تركمنستان عميلاً آخر لها لتصدّر الغاز إليه، أو عن طريقه، وكان هذا العميل الصين.
يقول الخبير في الدراسات الأوراسية أليكساندر: أن في عام 2016 أصبحت الصين أكبر مستورد لموارد الطاقة التي تنتجها تركمنستان، وبلغت صادرات تركمنستان في ذاك العام 25,6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وهنالك احتمال أن تزيد صادرات تركمنستان من الغاز إلى الصين، حيث إن الصين تدرس استخدام الغاز الطبيعي بكثرة في المستقبل بدلاً من النفط لتقليل التلوث وانبعاثات الغازات السامة[19].
بالرغم أن تركمنستان قد استطاعت أن تصل إلى سوق الصين كبديل لروسيا، إلا أنّها لا تصدّر إلى دول أخر غيرها -تقريباً- مما قد يعرّض اقتصادها للخطر. بمعنى آخر، إن وجدت الصين بديلاً آخر تستورد منه الغاز فقد تتخلى عن تركمنستان التي قد تخسر كثيراً لأنها لم تصل إلى أسواق أخرى بعد. وإن حدث هذا الأمر في المستقبل؛ فسيتضرر اقتصاد تركمنستان. ومن الخطر أن تعتمد الدول على سوق واحدة لتصدير منتجات الطاقة التي تمتلكها؛ فحالة تركمنستان مختلفة عن روسيا، إذ لا تستطيع أن تهدد الصين بقطع إمدادات الغاز لأي سبب كان لأنها تعتمد على إيرادات الغاز الصادرة إلى الصين بشكل رئيسي، ولأنها لا تمتلك القدرة السياسية على ذلك أيضاً. وربما هذا أحد الأسباب الذي جعل من تركمنستان تصدر الغاز إلى الصين بسعر زهيد جداً دون رفعه.
الصين و كزخستان:
نحن ندرك الآن أن صعود الصين اقتصادياً ونمو قطاع الصناعة فيها يؤديان إلى زيادة نسبة استهلاك الصين لموارد الطاقة. في عام 2003، كانت الصين الثانية عالمياً من بعد الولايات المتحدة في استهلاك الطاقة. فالصين قد وضعت خططاً لزيادة الناتج المحلي الإجمالي، لذا وجب عليها أولاً أن تركز على أمن الموارد وتأمينها؛ فمندونها يصعب على الصين النمو. ومن أجل تأمين هذا القدر من موارد الطاقة، تضطر الصين إلى البحث عن مصدّرين لموارد الطاقة من الخارج، كمنطقة بحر قزوين، كازخستان على وجه الخصوص. كزاخستان والصين جارتان تجمعهما حدود برّية، وبعد توطيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أصبح تبادل المنفعة الظاهر في تصدير الغاز واستيراده أكثر قوّةً و أكثر تأثيراً من ذي قبل، الأمر الذي أدى إلى نشأة علاقات قوية متوطدة في جانب التعاون في أمن الموارد وأمن الطاقة وتطويرها[20].
كزخستان تعتبر من أهم دول بحر قزوين أن لم تكن أهمها على الإطلاق من ناحية الثروات التي تمتلكها. وربما مساحتها الكبيرة المطلة على البحر هي التي أهلتها لهذا الأمر. إلا أن هي الأخرى تعتمد على الصين في تصدير مواردها اعتماداً كبيراً، ووجدت من الصين شريكاً استراتيجياً قريباً يمكن من خلاله تحقيق منفعة للطرفين[21].
وهنا يمكننا أن نطرح تساؤلا -للمستقبل- فيما يخص دور طريق الحرير الجديد. فهل يمكن لطريق الحرير الذي من المتوقع أن يمر بدول أسيا الوسطى، ككزخستان، أن يعزز من أهمية الموارد التي تمتلكها كزخستان ويساعدها على تصدير منتجاتها إلى العالم بسهولة؟ ربما سيساعد طريق الحرير كزخستان في الوصول الى أسواق جديدة والسوق الدولية والحصول على شركاء آخرين إلى جوار الصين.
ألمانيا:
هنالك عدد من الدول الأوروبية تعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز الصادر من روسيا كألمانيا[22]. ولذا من الطبيعي جداً ألّا تقف ألمانيا ضد القرارات السياسية الصادرة من روسيا، لأن روسيا تستطيع أن تهدد ألمانيا بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عنها، ولأن ألمانيا لا تريد الدخول في موجة برد شديدة؛ فهي ببساطة لا تعارض قرارات روسيا.
وهنا نرى أن أمن الموارد قد يُستخدم أيضاً كأداة سياسية لتهديد الدول الأخرى التي تعاني من شح موارد الطاقة التي تعتمد على استيرادها من أجل تأمينها. وفي المقابل، الدول التي تمتلك كميات مهولة من موارد الطاقة وخصوصاً النفط والغاز نرى أنها تحظى بمكانة دولية وإقليمية مهمة. الأمر مشابهٌ جداً لما حصل بين الشرق الأوسط وأمريكا عندما قطعت الدول العربية إمدادات النفط لأمريكا كوسيلة للضغط عليها مما أدّى إلى حصول كارثة في أمن الموارد في أمريكا.
أيضاً، سعت روسيا للضغط على أوكرانيا (سنتحدث عنها لاحقاً) من خلال تطوير خط غاز يمر بالبلطيق -بدلاً من أوكرانيا- ليصل بين روسيا وألمانيا بشكل مباشر. هذا الخط الجديد لن يجعل انتقال الغاز إلى ألمانيا سهلاً فقط، وإنما سيعطي ألمانيا أهمية كبيرة في أمن الموارد وسيكون لها دور الناقل أو محطة لنقل الغاز الروسي إلى باقي دول أوروبا[23]. إن البديل الاستراتيجي الجديد لروسيا هي ألمانيا التي تقدّر وارداتها للغاز الروسي بـ 40% من إجمالي الغاز ما يعادل 60 مليار متر مربع.
أوكرانيا:
سابقاً وقعت روسيا اتفاقية مع أوكرانيا لتعمل الأخيرة دور الوسيط لنقل الغاز الروسي إلى باقي الدول الأوروبية عن طريق إنبوب غاز يمر على أراضيها. حيث إن الدولتين كانتا تستفيدان من هذه الاتفاقية؛ فروسيا مستفيدة لأن صادراتها تصل إلى أوروبا عن طريق أنبوب الغاز وأوكرانيا مستفيدة لأنها تتلقى مليارات من الدولارات سنوياً لنقلها الغاز الروسي إلى أوروبا.
إلا أن العلاقات الروسية الأوكرانية قد بدأت بالبرود. حيث قامت روسيا -كما ذكرنا سابقاً- بالعمل على خط غاز جديد يربط بينها وبين ألمانيا دون المرور بأوكرانيا وذلك من أجل معاقبتها لتوجهها نحو الغرب وابتعادهاعن روسيا. هذا التغيير في العلاقات سينتج خسائر كبيرة لأوكرانيا تقدر بملياري دولار سنوياً مما قد ينتج عنه كارثة اقتصادية. في الوقت ذاته يتبين أن روسيا مستعدة لهذا التغيير وقد أبدت نيتها لقطع خط الغاز هذا نهائياً بحلول 2019، أي عند انتهاء الاتفاقية الموقعة.
عوائق
تواجه دول قزوين العديد من المشاكل التي تعيق تصدير الغاز إلى الخارج، ويمكن أن نقسمها إلى عوائق جغرافية، وتكنولوجية، وسياسية، وقانونية.
أولاً العوائق الجغرافية: منطقة -بحر- قزوين منطقة مغلقة، ما يعني أن تصدير موارد الطاقة إلى الخارج صعب جداً؛ فدول المنطقة تعتمد على الدول المجاورة لتصدير المواد التي تنتجها وهذا الأمر ليس سهلا وليس آمنا. كثير من الدول المجاورة تمر بأزمات سياسية وعدم استقرار الذي يصعب عملية إنشاء أنابيب نقل الغاز، مما يؤدي إلى فشل هذه الدول للوصول إلى السوق العالمية[24].
ثانيا أسباب تكنولوجية: من أجل أن تنتج الشركات نفط وغاز بجودة عالية منافسة، عليها أن تستخدم أدوات وآلات دقيقة عالية التكلفة. هذه الدول لا تستطيع تطوير وصناعة هذه الأدوات الدقيقة؛ فهي تضطر إلى استيرادها من الخارج. وعندما ترتفع تكلفة الأدوات وتكلفة نقل الأدوات إلى هذه الدول، يرتفع معها سعر النفط الذي تنتجه وبالتالي يكون من الصعب تصديره إلى باقي الدول، لأن الدول المستهلكة تبحث عن بديل أقل تكلفةً[25].
الأمر الآخر، إن استخدمت الشركات أدوات رخيصة لتنقيب واستخراج النفط، فهنالك نسبة عالية لأن تصاب حقول النفط بالضرر جراء استخدام أدوات رخيصة، وكذلك ستكون جودة النفط المنتج ضعيفة بالمقارنة بباقي الدول المنتجة للنفط، وستنخفض نسبة المنافسة [26].
ثالثاً أسباب سياسية: المشاكل السياسية كعدم الاستقرار والفساد يؤديان إلى ضعف التنظيم ما يؤثر على قطاع الطاقة. هذه الدول بالتحديد تواجه تدخلات من قبل جارتهن روسيا، الأمر الذي يؤدي إلى تشتت هذه الدول وضعف إدارتها لقطاع الطاقة التي تنافسهم فيه روسيا. لذا فإنه من الطبيعي أن تكون معدلات الإنتاج في هذه الدول ضعيفة بسبب الظروف السياسية التي تمر بها[27].
رابعاً أسباب قانونية: كما ذكر سابقاً، هنالك اختلاف بين الدول الساحلية لقزوين. ويكمن الخلاف حول ما إذا كان مُسطّح قزوين بحراً أو بحيرة. وهذا السؤال مهم جداً؛ فبناءً على إجابتة تستطيع الدول أن تطالب بحقها من الثروات الموجودة فيه عن طريق القانون الدولي المتعلق بنوع المسطّح المائي. وبالطبع كل دولة ستسعى لأن تحظى بأكبر قدر من الثروات لمصلحتها الخاصة[28].
الأمم المتحدة تؤكد بأنه تاريخياً كان يطلق على هذا المسطح المائي “بحر” كما يطلق عليه منذ اكتشافه. كما أن الخبراء الجغرافيين للأمم المتحدة يقولون بأن قزوين بحر وليس بحيرة رغم أنه مغلق من كل الجهات[29]. ففي حال اتفقت الدول على أن قزوين بحر؛ فسيتم تطبيق قانون الأمم المتحدة للبحار، مما يعني أن لا دولة يحق لها أن تطالب بحق امتلاك المسطح لها وحدها. كل الدول تستطيع الإبحار فيه، واستخراج معادنه، والطيران فوقه بحريّة، ومد الأنابيب فيه. أما إذا تم الاتفاق بينهم على أنه بحيرة؛ فسيتم تقسيم الحدود بين الدول، ولن تستطيع باقي الدول التدخل في الحدود المائية للدول المجاورة، كما أنه لن يصبح مفتوحاً للاستخدام الدولي[30]. ولهذا نجد أن الدول القوية في المنطقة، روسيا وإيران يؤكدان على أن قزوين بحر وليس بحيرة لضمان مصالحهما في المنطقة.
الشرق الأوسط و أمن الموارد
من الحقائق التي لابد من طرحها هنا فيما يتعلق بالنفط والغاز في الشرق الاوسط، أن بالرغم من وجود كثير من الدول المنتجة لمصادر الطاقة، إلا أن العالم لا زال يعتمد على النفط والغاز الصادرين من منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير مقارنةً بباقي المناطق المنتجة لموارد الطاقة. الشرق الأوسط وحده يُغذّي نصف احتياجات العالم من الطاقة، بيد أن هذا الأمر ليس مفاجئاً كون أن المنطقة تحتوي على نصف احتياطي العالم من الطاقة.
منطقة الشرق الأوسط تُصدّر مواردها لمختلف دول العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وتتباين احتياجات ورغبة العالم في استيراد الطاقة المستخرجة من أراضي الشرق الأوسط. 26% من احتياجات غرب أوروبا من الطاقة يتم استيرادها من هذه المنطقة، في حين أن 82% من احتياجات اليابان و21% من احتياجات أمريكا يتم استيرادها من الشرق الأوسط[31]. مما يعني أن منطقة الشرق الأوسط قد نوّعت من أسواقها ولم تعتمد على عائدات تصدير الطاقة من منطقة واحدة، الأمر الذي -باعتقادي- يجعلها ناجحة في مجال الطاقة. كما أننا يجب ألا ننسى دور الجغرافيا في تسهيل نقل موارد الطاقة ووصولها للعالم، هذه المنطقة تقع تقريبا في قلب العالم وتتوسط عددا من القارات، وكما أن انفتاحها على البحر قد سهّل أيضاً عملية نقل الموارد إلى دول مختلفة.
إن منطقة الشرق الأوسط غنية بالموارد ولكن اعتماد بعض الدول فيها على موارد الطاقة المتمثلة في الغاز والنفط فقط دون التنويع في مصادر دخلها أمر كارثي. دوليا، فإن هذه الدول مرتبطة ارتباطا وثيقاً بأسعار النفط والغاز غير المستقرة التي تتأثر بتوتر الأجواء السياسية والأمنية في المنطقة [32].
صندوق النقد الدولي قد نصح دول الخليج بالتنوع الاقتصادي في أسرع فرصة؛ ففي التقرير الذي أُصدره عام 2017، توقع فيه أن معدل النمو الاقتصادي في المنطقة سيتراجع ليكون الأسوأ على الاطلاق منذ بدء الأزمات الاقتصادية العالمية.
إن اقتصادات دول المنطقة تعاني بشدة منذ نزول أسعار النفط في عام 2014 بشكل دراماتيكي، كذلك الأزمة التي أصابت دول مجلس الخليج في العام الماضي زادت الأمر سوءاً[33]. فحتى وإن أرادت هذه الدول الحصول على مصدر اقتصادي آخر غير النفط، فستواجه صعوبة في جذب المستثمرين إليها بسبب الأزمة الحالية. الأمر الذي يدفع للتساؤل عن البدائل المتاحة لهذه الدول من أجل إنقاذ اقتصادها المتأثر بالأجواء المشحونة.
إضافة إلى أن دول آسيا الوسطى أيضاً تصدر الموارد ذاتها التي تصدرها دول الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نوع من المنافسة فيما بينهم. الصين تعتبر من أكبر مستوردي ومستهلكي الطاقة في العالم، فإذا حققت اكتفاءها عن طريق استيراد موارد الطاقة من تركمنستان أو كازخستان فقط، لكونه أقل تكلفة؛ فإن دول الشرق الاوسط قد تخسر الصين كسوق مستهلك.
خاتمة
سيبقى أمن الطاقة قضية مهمة تؤثر على سياسات الدول ووضعها الاجتماعي والاقتصادي. فإذا هبطت أسعار موارد الطاقة فإن هنالك كارثة محتملة يمكن أن تصيب اقتصاد الدول المعتمدة على استخراج وتصدير الطاقة بشكل أساسي. أمن الطاقة قضية مهمة جداً يجب دراستها بعمق. هنالك نوعان من الدول، دول تعتمد على تصدير الطاقة وأخرى تعتمد على استيرادها، وكلا النوعين قابل للتأثر بشكل كبير بسبب إرتفاع أو انخفاض أسعار الطاقة.
دول وسط أسيا من الدول الصاعدة في مجال أمن الموارد وأمن الطاقة وبدأت تصل إلى بعض أسواق العالم المهمة. فهل يمكن أن تكون منافساً قوياً للشرق الاوسط؟ وهل يمكن أن نشهد صراعات حول موارد الطاقة في المستقبل خصوصا بعد سقوط العقوبات عن إيران، وصعود الصين، وتصاعد دور تركيا في المنطقة، والضغوطات التي تتسبب بها روسيا؟ هذه تساؤلات يجب أن تُطرح في طاولات الحوار ويجب أن تُناقش بجدية من قبل الدول المتأثرة، لتجنب الكوارث المصاحبة لها.
…………………………….
المصادر:
Al Jazeera , 2017 ” What will happen when the Gulf countries’ oil runs out?” https://www.aljazeera.com/programmes/insidestory/2017/11/happen-gulf-countries-oil-runs-171101190452440.html
Kalicki, J.H. 2007, “Rx for “Oil Addiction”: The Middle East And Energy Security”, Middle East Policy, vol. 14, no. 1, pp. 76-83. https://search-proquest-com.virtual.anu.edu.au/docview/203699213?pq-origsite=summon
Huirong, Z & Hongwei, W. 2012, ” China’s energy policy towards the Caspian region: the case of Kazakhstan”, Chinese and EU Energy Security, no. 62, pp. 28 https://iias.asia/sites/default/files/IIAS_NL62_28.pdf
Cîrdei, I. A. (2017). ASPECTS REGARDING THE ENERGY SECURITY IN THE MIDDLE EAST. Land Forces Academy Review, 22(2), 85-93. Retrieved from https://search-proquest-com.virtual.anu.edu.au/docview/1953807020?accountid=8330
Sokolsky, R. 1999, NATO and Caspian Security : A Mission Too Far? RAND Corporation, The, Santa Monica. https://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1074.html
Geldern, J. (2011). Is the Caspian Sea a sea; and why does it matter?. Journal of Eurasian Studies. http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1879366510000424
Zimnitskaya, Hanna & Geldern, Jamesvon (2011). Is the Caspian Sea a sea; and why does it matter?, Journal of Eurasian Studies, Vo.2, no.1 https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1879366510000424
Weir, F. (2016). Warming Russia-Turkey relations send a chill through Ukraine. The Christian science monitor. https://www.csmonitor.com/World/Europe/2016/1011/Warming-Russia-Turkey-relations-send-a-chill-through-Ukraine.
Sanderson, Hans (2014). ” Review of environmental exposure concentrations of chemical warfare agent residues and associated the fish community risk following the construction and completion of the Nord Stream gas pipeline between Russia and Germany,” Journal of hazardous materials, v.279 https://goo.gl/qLVxBJ
SHUSTOV, A. (2017). Why China will remain Turkmenistan’s main gas buyer. Russia beyond. https://www.rbth.com/business/2017/01/26/why-china-will-remain-turkmenistans-main-gas-buyer_689386
Ruseckas, L. 2000, “Turkey and Eurasia: Opportunities and Risks in the Caspian Pipeline Derby”, Journal of International Affairs, vol. 54, no. 1, pp. 217-236. http://jn8sf5hk5v.search.serialssolutions.com.virtual.anu.edu.au/?atitle=Turkey+and+Eurasia%3A+Opportunities+and+Risks+in+the+Caspian+Pipeline+Derby&title=Journal+of+International+Affairs&issue=1&genre=article&sid=jstor%3Ajstor&epage=236&date=2000-10-01&issn=0022197X&spage=217&pages=217-236&volume=54
Shaffer, Brenda. 2003, ” Iran’s Role in the South Caucasus and Caspian Region: Diverging Views of the U.S. and Europe” pp. 17-22 http://ams.hi.is/wp-content/uploads/2014/03/Shaeffer-Brenda.pdf
Strafor. 2017, “The Strategic Importance of the Caspian Sea” https://worldview.stratfor.com/video/strategic-importance-caspian-sea
Alessi, C., & Norman, L. (2016, Jan 16). Iran’s sanctions end as deal takes effect; process provides relief from years of tight international restrictions. Wall Street Journal https://search-proquest-com.virtual.anu.edu.au/docview/1757507204?accountid=8330
International Agency Energy (n.d), ” what is energy?” https://www.iea.org/topics/energysecurity/subtopics/whatisenergysecurity/
U.S. Energy Information Administration (2013), ” Overview of oil and natural gas in the Caspian Sea region” Caspian Sea Region. https://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/regions_of_interest/Caspian_Sea/caspian_sea.pdf
[1] International Agency Energy (n.d)
[2] U.S. Energy Information Administration (2013)
[3] Stratfor (2017)
[4] Stratfor (2017)
[5] Stratfor (2017)
[6] U.S. Energy Information Administration (2013)
[7] U.S. Energy Information Administration (2013)
[8] U.S. Energy Information Administration (2013)
[9] U.S. Energy Information Administration (2013)
[10] Sokolsky (1999)
[11] Stratfor (2017)
[12] Alessi, C., & Norman, L. (2016, Jan 16)
[13] Shaffer, Brenda (2003)
[14] Ruseckas (2000)
[15] Ruseckas (2000)
[16] Ruseckas (2000)
[17] Ruseckas (2000)
[18] Shustov, Alexander (2017)
[19] Shustov, Alexander (2017)
[20] Huirong, Zhao & Hongwei, Wu (2012)
[21] Huirong, Zhao & Hongwei, Wu (2012)
[22] Weir, F (2016)
[23] Sanderson, Hans (2014)
[24] Geldern (2011)
[25] Geldern (2011)
[26] Sokolsky (1999)
[27] Sokolsky (1999)
[28] Geldern (2011)
[29] Zimnitskaya, Hanna & Geldern, Jamesvon (2011)
[30] Geldern (2011)
[31] Kalicki, Jan (2007)
[32] Cîrdei, Ionuţ Alin (2017)
[33] Al Jazeera (2017)