في السنوات الأخيرة لاقت العملات الرقمية رواجًا كبيرًا وترحيبًا متزايدًا، ما يؤكد أن التعاملات المالية عبر الإنترنت في طريقها للحصول على نسبة كبيرة من التعاملات المالية الدولية، في عصرٍ قلّت فيه التعاملات النقدية المعتادة، مقابل الاهتمام بمفهوم المجتمع الـ”لا نقدي”.
وعلى غرار ما أحدثته شركات الإنترنت من تغيير في الأنماط الاقتصادية، ستحدث تكنولوجيا “بلوك تشين” الرقمية أيضا إعادة هيكلة للاقتصادات والأعمال وسط تفاؤل على المدى الطويل بشأن هذه التكنولوجيا وعالم جديد يلوح في الأفق بسببها. وبحسب تقرير نشره موقع “ماركت ووتش” المعني بالشأن الاقتصادي العالمي، فإن تكنولوجيا “بلوك تشين” ستكون ثورية وبدأت بالفعل تغير من طريقة تعامل العالم مع الأموال وعدم الحاجة لأي وسطاء، فضلا عن تميزها بصعوبة الاحتيال أو التزوير في المعاملات عن طريقها.
فيما توقع بنك “يو بي إس” زيادة الاستثمارات في “بلوك تشين” مشيرا إلى أنها ربما تضيف ما بين 300 مليار و400 مليار دولار للقيمة الاقتصادية عالميا بحلول 2027 كما أنها ستحدث تأثيرا في قطاعات الرعاية الصحية والمرافق وأسواق الأسهم. كما ستستفيد الشركات من “بلوك تشين” في طرق تسجيل وتتبع الممتلكات وبيانات العملاء ومشاركتها والتعامل مع الأسواق وإدارة الأصول بكفاءة ودقة.
‘‘مواطن‘‘ تسلط الضوء على العملات الرقمية وأشهرها وأهم أسباب انتشارها في الآونة الأخيرة بصورة فاقت الخيال خلال السطور التالية.
القيمة السوقية للعملات الرقمية
بالرغم من أن البتكوين هي العملة الرقمية الأولى سواء في النشأة أو في حجم السوق أو حتى الأكثر شهرة، لكن يوجد في العالم الآن 1326 عملة رقمية والرقم في ازدياد مستمر.
القيمة السوقية لسوق العملات الرقمية ككل وصل إلى أكثر من 325 مليار دولار، وهي تزداد مع ارتفاع الأسعار. وتستحوذ بتكوين على نصيب الأسد في الحصة السوقية عالميا بحوالي 55%، يليها الإيثريوم بـ 15%، ثم البتكوين كاش بما يقارب 8%، والريبل بنسبة 4%، بينما العملات الأخرى أقل من 1% وجميعها تمثل 18% من السوق، كما جاء في تحليل عرضه موقع “سكاي نيوز”.
قفزات جامحة لـ”بتكوين” في 2017
شهدت العملة الافتراضية “بتكوين” تحركات عنيفة على مدار عام 2017، وبلغت ذروتها إلى 16.666 ألف دولار أمريكي خلال تعاملات يوم الأحد الموافق 17 ديسمبر، كما صعدت بأكثر من 47% خلال أسبوعين فقط في شهر نوفمبر.
وارتفعت قيمة “بتكوين” 20 ضعفًا منذ مطلع العام حين كانت تساوي 1000 دولار، وهو ما يثير قلق السلطات المالية وذهول المحللين الماليين الذين لم يعتادوا على ارتفاع صاروخي بهذا القدر في سوق العملات والبورصة، وفقا لوكالة “بلومبيرج” الاقتصادية الأمريكية.
ربما كان الخبر الأبرز خلال العام، هو إعلان بورصة شيكاغو أنها ستقوم بطرح عقود آجلة لتداول البتكوين في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر، الأمر الذي سيسمح بالمزيد من الشراء المؤسساتي وسيعطيها المزيد من الزخم؛ وفقا لفضائية “سي إن بي سي الأمريكية”.
وهناك أسباب لصعود “بتكوين” بحسب موقع “أرقام”، من بينها:
– إغراءات الربح؛ حيث إن الكثير من المستثمرين والمدخرين يرغبون في وضع حصة صغيرة من أموالهم في أوجه استثمار تجعلهم يحلمون.
– الطفرة التي تشهدها بتكوين؛ وهو النجاح الذي حققته عملية الإصدار الأولى للعملات الرقمية خلال هذا العام، حيث تم بيع عملات مثل “بتكوين” في شكل عملات مشفرة.
– الطلب القوي في مقابل معروض ضعيف من قطع بتكوين لا تتجاوز قيمتها الإجمالية 200 مليار دولار، وهو ما يمثل أقل من ربع قيمة شركة آبل أو يوازي الكتلة النقدية في بلد صغير.
– ظهور نظام نقدي جديد يختلف جذريا عن النظام الذي تأسس قبل آلاف السنين، فقد ظل صك العملات دليلا على السلطة، وعلى مدار القرون الثلاثة الماضية كانت هذه السلطة متمركزة بيد الدول التي تفوضها بدورها للبنوك المركزية، لكن المجتمع الرقمي تشكل بطريقة مختلفة، فالبتكوين وفرت عن طريق تقنية “بلوك تشين” إيجاد بديل أكثر سرعة أقل تكلفة في عملية تحويل الأموال.
ثورة العملات الرقمية تصل وول ستريت
العملات الرقمية، طرقت ثورتها وسرعة انتشارها جدران بورصة وول ستريت الأمريكية، فكلمة “بلوك تشين” إلى جانب اسم أي شركة مدرجة تثير شهية المستثمرين، وتدفع أسهمها لارتفاعات قياسية.
بمجرد إضافة بعض الشركات لكلمة بلوك تشين إلى علاماتها التجارية دون استخدام هذه التقنية ارتفعت أسعار أسهم هذه الشركات غير المعروفة بأكثر من 10 أضعاف خلال دقائق معدودة، مثل شركة “أون لاين بي إل سي” التي ارتفع سهمها في جلسة واحدة بأكثر من 400%. وبحسب “رويترز”، غيرت شركة “Long Island Iced Tea Corp” اسمها مؤخراً إلى “Long Blockchain Corp”، وأشار القائمون عليها إلى رغبتهم بالاستثمار بالتكنولوجيا، لترتفع أسهم الشركة بنسبة 200%.
وفي ديسمبر عام 2017، غيّرت شركة “Vaptek”، المسؤولة عن إنتاج السجائر الإلكترونية، اسمها إلى “Nodechain” وقالت إنها ستبدأ التنجيم للحصول على العملات الرقمية المشفّرة، كما غيرت الشركة المتخصصة بالتكنولوجيا الحيوية “Bioptix” اسمها إلى “Riot Blockchain” في أكتوبر الماضي، لتبدأ الاستثمار في العملات الرقمية.
أعلنت شركة كوداك الأمريكية استخدام تقنية بلوك تشين وإطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها تحت اسم كوداك كوين، الأمر الذي أسهم ارتفاع سعر سهمها في السوق الأمريكية بأكبر وتيرة يومية في تاريخه، حيث قفز سعر السهم يوم الثلاثاء الموافق 9 يناير 2018 من 3.10 دولار إلى 7.65 دولار للسهم الواحد مرتفعا بأكثر من 120% خلال جلسة واحدة، لتستمر الارتفاعات في جلسة الأربعاء ويصل إلى عتبة 13.5 دولار ويرتفع بذلك بأكثر من 330% في جلستين فقط.
كما ارتفع سهم شركة “باريتيوم كورب” بأكثر من الضعف بنهاية ديسمبر 2017، بعدما أعلنت منصة خدمات الجوال السحابية أنها استعانت بتكنولوجيا “بلوك شين” لتطوير عمليات التسوية ودفع الفواتير.
وفي نهاية تداولات جلسة الثلاثاء الموافق 26 ديسمبر 2017 بالسوق الأمريكي، ارتفع سهم “باريتيوم” بنسبة 120.45% إلى 2.80 دولار، قبل أن يضيف 39 سنتًا لمكاسبه خلال تعاملات ما بعد الإغلاق ليصل إلى 3.19 دولار. وقالت الشركة في بيان، إن عملاءها أصبحوا قادرين على قبول ومعالجة العملات الرقمية مثل “بتكوين” و”إثريوم” وغيرهما في الخدمات التي تقدمها عبر منصتها.
العالم العربي يواكب عصر التكنولوجيا الرقمية
العملة الرقمية قادمة ولا شك إلى العالم العربي، وهي بداية انتقال نوعي في منظومة التعامل الاقتصادي، حيث ستكون المنظومة التقنية صانعاً للمنظومة المالية حول العالم وليست عنصراً مسانداً فقط كما كانت عليه في الماضي.
في الإمارات، أطلقت حكومة دبي العملة الرقمية “إم كاش”؛ وذلك ضمن مبادرات دائرة التنمية الاقتصادية في دبي في المسرعات الحكومية، وتحقيق نقلة نوعية عبر تسخير التكنولوجيا الذكية في خدمة مجتمعات الأعمال والقاطنين في إمارة دبي والدولة.
نظام جديد يسمح للمواطنين والمقيمين في الدولة بدفع رسومهم اليومية، إضافة إلى رسوم المرافق والتحويلات المالية، من خلال خاصيّة الاتصال القريب المدى (NFC) في هواتفهم، وتتميز خدمة العملة الرقمية بالأمان ومن دون المرور بوسيط أو طرف ثالث في عملية الدفع، بحسب صحيفة “الخليج” الإماراتية.
ويعطي نظام “إم كاش” هوية متطورة للمعاملات النقدية الرقمية، ويهدف إلى خلق نظام متكامل من شأنه تطوير ونشر العملة الرقمية، التي ستكون ذات عائد وقيمة مضافة للمستخدم والتاجر والاقتصاد الكلي بشكل عام، حيث تسمح تقنية سلسلة الكتل من الموازنة الحسابية، بحيث تكون قابلة للتوزيع وتحديد الأذونات والمشاركة في الدفع، فلا تقتصر على عضو واحد.
ويأتي إطلاق العملة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وقعتها اقتصادية دبي لتتعاون بموجبها “إمكريديت” المملوكة لها والمختصة بتقديم حلول مؤسساتية وائتمانية، مع شركة “أوبجيكت تيك” ومقرّها لندن، في سبتمبر الماضي، للتطوير وتنفيذ مشروع العملة الرقمية “إم كاش” ضمن منظومة الدفع الذكي “إمباي”، المرتبطة بأحدث تقنيات “بلوك تشين” (إم باي)، لتمكين المستهلكين من استخدامها في الدفع لخدمات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
وتعد “بلوك تشين” -Block chain- تقنيات من شأنها تغيير تعامل المدن العالمية في تطوير خططها وبرامجها بما يتناسب مع هذه التغيرات ويجعلها منافسة فعالة في الاقتصاد العالمي وفي استقطاب فرص الاستثمار والنمو الجديدة.
كما أنها توفر منظومة وشبكة تقنية خاصة أكثر حماية وتفاعلاً للمؤسسات والجهات التي باتت توجهًا عالميًا، لذا يعمل مكتب مدينة دبي الذكية بالشراكة مع مختصين عالميين على توفير منصة مجانية، تستطيع الجهات والمؤسسات في الإمارة تجربة استخدام هذه التقنية الجديدة من خلالها.
ولن يقتصر تطبيق تقنيات “بلوك تشين” في دبي على القطاع المالي، كما هي الحال في الدول والمدن التي بدأت في استخدامها، لكن سيشمل قطاعات أخرى عدة، أهمها الطاقة، والصحة، والتعليم، والعقارات، وقطاعات التجزئة للسلع والمنتجات الاعتيادية، والفخمة.
وبدورها، سجلت دائرة الأراضي والأملاك في دبي سبقًا تقنيًا باعتمادها نظام الـ”بلوك تشين” وبذلك تكون الدائرة الحكومية الأولى التي تطبق هذه التقنية ترجمة لاستراتيجية دبي للبلوك تشين التي أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل خلال أكتوبر 2016 وتقودها مدينة دبي الذكية، والتي يهدف من خلالها إلى جعل إمارة دبي أول حكومة في العالم تطبق كافة تعاملاتها عبر شبكة البلوك تشين بحلول العام 2020.
ومن المتوقع أن تزدهر تقنية البلوك تشين، وأن ترتفع قيمة سوقها حول العالم من 210 ملايين دولار في عام 2016 إلى ما يزيد على 2.3 مليار دولار بحلول عام 2021، وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 61.5%. واعتبرت أراضي دبي أن هذه التقنية تعدّ نظامًا عالميًا جديدًا وفريدًا من نوعه، وينظر إليه على أنه واحد من أبرز التطورات الثورية التي شهدها العالم على مدى 200 سنة خلت.
وستستفيد أراضي دبي من النظام لإيجاد قاعدة بيانات ذكية وآمنة تقوم بجمع كافة العقود العقارية، بما في ذلك تسجيل عقود الإيجار وربطها مع هيئة كهرباء ومياه دبي، وصولاً إلى نظام الاتصالات، ومختلف الفواتير المتعلقة بالعقار. وستتيح التقنية للمستثمرين المقيمين في دبي وحول العالم التحقق من بيانات الملكية، لأنها تكون معززة بالتوقيع الوقتي، ما يضمن لهم الدقة في بيانات عقاراتهم، ويضمن المصداقية في التعاملات الاستثمارية، ويرسخ الشفافية والوضوح في السوق.
استقطاب شريحة كبيرة من الأفراد والمستثمرين
للعملات الرقمية تأثيرات اقتصادية إيجابية، من بينها:
– تسهيل عمليات البيع والشراء على الإنترنت، وذلك لأنها تمكن أي فرد أن يقوم بتحميل تلك العملات المشفرة عبر هاتفه الذكي مقابل أي من العملات مثل اليورو أو الدولار ومن ثم شراء كل شيء عبر شبكة الإنترنت، بحسب دراسة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
– ملاذ آمن للقيمة، حيث تعمل العملات الرقمية علي جذب المستثمرين الذين يمتلكون درجة عالية من المخاطرة وذلك لأن نمو رأس المال في عالم العملات المشفرة أحد أبرز الطرق الجاذبة للمستثمرين الذين يرغبون في مضاعفة أموالهم.
وبحسب تقرير صادر عن صحيفة “تليجراف” البريطانية، يمكن أن تحل العملات الرقمية مكان الحيازات الحقيقية للذهب كملاذ آمن للقيمة عندما تتحول الأمور في الاقتصاد العالمي إلى الأسوأ.
– الزكاة والصدقات “رقمية”، في مايو 2018 أعلن مسجد “رمضان” شرقي العاصمة البريطانية لندن، قبوله أموال الزكاة والصدقات خلال شهر رمضان بالعملات الرقمية.
وبحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، أوضح المسجد أنه من بين بضعة هيئات في العالم تقبل تبرعات خيرية بعملتي “البتكوين” و”الإيثريوم” الرقميتين.
وأطلق المسجد مناشدته خلال شهر الصوم لتوسيع قاعدة المانحين، من أجل زيادة الأموال المتوفرة له حتى يتسنى له تقديم الخدمات المجتمعية للمسلمين.
ويأمل المسجد بأن تساعد العملات الرقمية في جمع تبرعات من مسلمين في دول أخرى، إضافة إلى تسهيل الأمر على من يتعاملون بالفعل بالعملات الرقمية.
وقال لوكاز موسيال، مستشار تقنية “بلوك تشين”، إن هذه العملية تساعد المتبرعين والمسجد الذي يقول إنه في سبيله لمضاعفة التبرعات التي يتلقاها هذا العام إلى أكثر من عشرة آلاف جنيه استرليني (13305 دولار).