خرج الآلاف من العمانيين في عام 2011 للمطالبة بالعديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في بلادهم، كان أبرزها منح مجلس الشورى العماني صلاحيات أوسع نسبيًا مقارنة بالوضع السابق. لكن رغم مرور حوالي 7 سنوات، وزيادة الصلاحيات إلا أن المجلس بقي في حالة “سكينة” اضطراريًا بسبب محدودية الصلاحيات الممنوحة له، وضعف ممثلي الشعب.
مجلس الشورى العماني هو المجلس الأدنى في مجلس عمان والذي يضم معه مجلس الدولة، ويبين القانون اختصاصات كل منهما ومدته وأدوار انعقاده ونظام عمله، وعدد الأعضاء والشروط الواجب توافرها في كل عضو، ويضم المجلس 85 عضوًا، يختار الأعضاء من بينهم واحدا ليرأس المجلس خلال مدة انعقاده.
ويضم مجلس الشورى ممثلي ولايات السلطنة الذين يتم انتخابهم من قبل المواطنين العمانيين في انتخابات عامة تتمتع فيها المرأة العمانية بحق الانتخاب والترشح على قدم المساواة، ورغم أن المرأة العمانية كان لها الريادة على صعيد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمشاركتها في عضوية مجلس الشورى منذ عام 1994 ميلاديًا، إلا أن الدورة الأخيرة والتي جرت الانتخابات فيها في عام 2015، شهدت حصول المرأة على مقعد واحد فقط.
متابعة: ألكسندر إبراهيم
- على الحجري: المجلس على مدى الفترتين السابعة والثامنة لم يستجوب وزراء الخدمات
- صالح المسكري: الاختصاصات الممنوحة للمجلس محل تجربة ويغلب عليها الحذر الشديد
- أحمد المخيني: على السلطان القادم توزيع الصلاحيات والسلطات وتشجيع عمل المؤسسات القضائية والتشريعية والرقابية دون تدخلات
- بن ماجد: فكرة المجالس التشريعية في عمان بعيدة كل البعد عن الممارسات الصحية والمنطقية التي يفترض أن تكون عليها مجالس الشعب.
- خلفان بدواوي: مجلس الشورى هو شكل صوري هدفه تلميع النظام في الخارج وإغناء بعض الشيوخ والأعيان.
لمحة تاريخية
يتمتع مجلس الشورى العماني والذي أنشئ في عام 1991، ليحل محل المجلس الاستشاري للدولة الذي استمر من عام 1981 حتى عام 1991، بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي، والذي كان وجوده استشاريًا قبل الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها عمان خلال عام 2011، والتي أدت إلى إعلان السلطان قابوس بن سعيد صلاحيات جديدة للمجلس بناء على المرسوم السلطاني رقم 99/2011 والصادر في شهر أكتوبر من العام نفسه.
ومنحت التعديلات الجديدة على النظام الأساسي للدولة مجلس الشورى الحق في اقتراح القوانين وتعديلها والذي نص عليه في المادة (58) مكررا (35): على أن “تحال مشروعـات القوانيـن التي تعدهــا الحكومة إلى مجلـس عمان لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها مباشرة إلى السلطان لإصدارها، وأنه فـي حال إجراء تعديلات من قبل مجلس عمان على مشروع القانون يكون للسلطان رده إلى المجلس لإعادة النظر فـي تلك التعديلات ثم رفعه ثانية إلى السلطان”.
ووذكرت المادة (58) مكررا (36) أن “لمجلس عمان اقتراح مشروعات قوانين وإحالتها إلى الحكومة لدراستها ثم إعادتها إلى المجلس، وتتبع بشأن إقرارها أو تعديلها وإصدارها ذات الإجراءات المنصوص عليها فـي المادة (58) مكررا (35)”، وهو ما يعني أن المشرع الأول في عمان هو السلطان فقط. وجاء في التعديلات التي أقرت في عام 2011 أن سلطان عمان يمكنه إصدار مراسيم سلطانية لها قوة القانون فيما بين أدوار انعقاد مجلس عمان وخـلال فترة حل مجلـس الشورى وتوقف جلسات مجلس الدولة، وفقًا المادة (58) مكررًا (39).
وأوضحت المادة (58) مكررًا (40) أنه “تحال مشروعات خطط التنمية والميزانية السنوية للدولة من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها خلال شهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه ثم إحالتها إلى مجلس الدولة لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه، وعلى رئيس مجلس الدولة إعادتها إلى مجلس الوزراء مشفوعة بتوصيات المجلسين، وعلى مجلس الوزراء إخطار المجلسين بما لم يتم الأخذ به من توصياتهما فـي هذا الشأن مع ذكر الأسباب”، ما يشير إلى أن مقترحات وتعديلات مجلسي عمان “الشورى والدولة” غير ملزمة للسلطان قابوس، ومجلس الوزراء.
وبشأن السلطة الرقابية الممنوحة للدولة في التشريعات، فنصت المادة (58) مكررا (43): على أنه “يجـوز بنـاء على طلب موقـع من خمسـة عشــر عضـوا على الأقـل من أعضـاء مجلس الشورى استجواب أي من وزراء الخدمات فـي الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهـم بالمخالفـة للقانـون، ومناقشـة ذلك من قبل المجلـس ورفـع نتيجـة ما يتوصل إليه فـي هذا الشأن إلى جلالة السلطان”، بدون تحديد ماهية الوزارات الخدمية.
أداء المجلس
يواجه مجلس الشورى العماني انتقادات منذ منحه التعديلات التي أقرها السلطان قابوس، في عام 2011، حيث لم يسعَ المجلس على مدار العامين الأوليين في أعقاب التعديل من تقديم أي مقترحات جديدة بقوانين، إضافة إلى أن المجلس لم يقم باستخدام حقه التشريعي في استجواب أي من المسؤولين في الوزارات الخدمية.
من جانبه، قال ناشط الإنترنت العماني “بن ماجد”، في تصريحات خاصة لـ”مواطن”، إن فكرة المجالس التشريعية في دول المنطقة وبالذات في عمان بعيدة كل البعد عن الممارسات الصحية والمنطقية التي يفترض أن تكون عليها مجالس الشعب. وأضاف الناشط المعارض: “المجلس في عمان يعد تجربة مبتورة وناقصة لأن صناع القرار لا يريدون لها إلا أن تكون مجالس شرفية للإشارة لوجودها في المحافل الدولية فقط، لكي لا يقال عن الحكومة دكتاتورية ومستبدة وغيرها من الأقوال التي تصح في هذا الجانب رغم وجود المجلس”. وأردف: ” في فترة من الفترات بعد 2011 تفاءلت بمجلس شورى أكثر قوة ليس لنظامه وآليات عمله بل لوجود وجوه جديرة بالثقة لكن ماذا حدث بعدها أودع البعض السجن وتم تكييف قوانين لإيداعهم السجن وآخرين منعوا من الترشح للفترات القادمة”.
واستطرد: “ما تفعله السلطة و تمارسه من تضليل وسلك للطرقات المبهمة والكيد للأعضاء الفاعلين وغياب التوعية الحقيقية لصميم عمل المجالس النيابية وتكبيل أدواتها يعكس الصورة التي تريدها السلطة مجلس مدجن وإن انتخبه الشعب”. وتابع بن ماجد: “لا أستطيع في عمان تسميته مجلس يمثل الشعب، فآلية عمله أقرب لمجلس علاقات ومصالح بين أعضاء الحكومة و الأعضاء الذين يفترض بهم أن يمثلوا الشعب وهم لا يمثلون إلا جيوبهم وأرصدتهم البنكية”. وشدد، على أنه لا يوجد تأثير فعلي للمجلس، وأنه لا يوجد أثر رقابي أو تغيير جذري أحدثه المجلس، مردفا: “بالعكس المجلس أصبح يتوازى مع السلطة ولا يتقاطع، وأصبح المجلس لا يخدم المواطن، بل يزيد من بؤسه و انكساره ويوصل رسالة أن كل شيء في يد السلطة حتى وإن منح الأعضاء رفاهية قراءة القوانين قبل الجميع، فلا يستطيع العاقل تسميتها صلاحيات رقابية مثلما تدعي السلطة التنفيذية”.
وأكمل: “تستطيع في عمان تتبع أكثر من حالة بدأت كعضو في مجلس الشورى وانتهى به الأمر مالكاً لشركة مقاولات أو خدمات ترتبط بمشاريع الحكومة وإن تنحى عن العمل في المجلس تجده قام بتوريث الكرسي لابنه أو ابن أخيه وهناك عائلة في إحدى الولايات تناوب على الكرسي أخوان وقبل أن يتفرغوا لشركتهم التي أصبحت تستفيد من المناقصات الحكومية وتركوا الكرسي لابن أحدهم ليمثل الشعب مدفوعا بأصوات القبيلة وشراء أصوات المساكين”. وأوضح: “أعضاء المجلس ضربت لهم العبرة في أشجعهم حين أودع السجن، وأجرأهم حين أصبح صوته مسموعاً منع من الترشح لأسباب لم يعلمها أحد حينها، وتمت مخالفة لوائح المجلس و قوانينه حين منع العضو من الترشح لتجد مشهداً من أصوات الصراصير فقط يعلو ردة فعل القانونيين في البلد”.
من جانبه، قال الناشط العماني خلفان البدواوي، مقيم في لندن، إن الحديث عن مجلس الشورى العماني يتطلب التطرق إلى نقطتين، الأولى أن تجربة مجلس الشورى في النظام السلطاني مستمدة من تجربة تاريخية إسلامية لنظام الإمامة الإباضي في عمان والذي كان يعمل به تحت اسم مختلف وهو مجلس أهل الحل والعقد (المختار من أرستقراطيين وتكنوقراط في المجتمع ليختاروا من بينهم حسب آلية متفق عليها بينهم الإمام ويكونوا أيضا ممثلين للموافقة على تعيينات الإمام للولاة والقضاة والقوانين)، والثقافة الإسلامية للخلفاء المسلمين بعد رسول الإسلام محمد بن عبدالله وهي الشورى ولكن ليست ديمقراطية حقيقية”.
وأكمل في تصريحات خاصة لـ”مواطن”: “الشورى في اللغة العربية تعني أخذ أراء الآخرين في موضوع ما لتحقيق مصلحة معينة وبالتالي نفهم من المعنى أنه لا يوجد فعل أو صيغة تشير إلى وجوب السمع وإنما يعتمد على (مزاج) مدى ودرجة تقبله للمشورة والأخذ بها من عدمه”. وأضاف: “الآن عندما نربط النقطتين بمجلس الشورى العُماني فكما نعلم حسب الوثائق المسربة في ويكيليكس والوثائق البريطانية أن سبب إنشاء المجلس الاستشاري عام ١٩٨١ أتى بعد ضغط أمريكي وبريطاني على قابوس ليعطي مزيدا من الحريات السياسية لشعبه وتغييره في ١٩٩١ كان لنفس سبب إنشائه”.
وأردف: “لأن شكل وفكر النظام السلطاني الحالي يقوم على فكر مستبد خالص، ويقوم على شخصية فرد واحد فكان من المناسب إيجاد فكرة خالية المضمون (تجمل صورة النظام الخارجية وتتلاعب مع المفردات والمفاهيم) تتناسب مع الفكر التقليدي للشعب الذي أساسا يتحكم بأدوات فكره”. وشدد على أن مجلس الشورى هو مجلس صوري فقط هدفه تلميع صورة النظام في الخارج وإغناء بعض الشيوخ والأعيان (ذوو الدور الصغير في النظام) مقابل تعزيز فكرة الولاء والطاعة العمياء للنظام السلطاني وتدوير بعض الأصوات المعارضة المجتمعية لتدجينها وإذا لم ينجح يتم طردهم من المجلس، مؤكدا أنه يجب حل المجلس لأنه يعتبر خسارة للجهد البشري والمال العام.
وقال نائب إدارة موقع “سبلة عمان” عبد الله الرباش، إنه يفترض أن تكون الأعمال والإنجازات والخطط والحقائق الواقعية تجاه مناقشة ومحاورة ومتابعة شؤون العامة، يتم طرحها عبر وسائل الإعلام لمعرفة الإنجازات والأعمال والاهتمامات بما فيه الخطط أيضًا، متابعًا: “لكن خابت الظنون مع الأسف الشديد”.
وتشهد جلسات المجلس غياب عدد كبير من النواب، حيث شهدت مؤخرًا جلسة مشتركة بين مجلسي الشورى والدولة لمناقشة مواد محل تباين بين المجلسين، غياب عدد كبير من أعضاء المجلس، وبحسب وسائل إعلام عُمانية نقلت عن مصادر مطلعة، فقد وصل عدد الغياب عن الجلسة المشتركة 33 عضوًا من المجلسين بينهم 22 عضوًا من مجلس الشورى و11 عضوًا من مجلس الدولة، وسط انتقادات حادة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
الإصلاح الاقتصادي
وتعاني دولة عمان من أزمة اقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط منذ النصف الثاني من عام 2014، أسفرت عن ارتفاع نسبة الدين العام إلى أكثر من 50% من الناتج المحلي، فضلًا عن ارتفاع نسبة البطالة بنسبة 17.5% -وفقًا لتقارير محلية.
وبشأن أزمة البطالة أوصى مجلس الشورى العماني في تقرير لأمانته العامة حول الدراسات التي كان قد أجراها خلال فترته السابعة والمتعلقة بالشباب وتنمية الموارد البشرية بتنفيذ برنامج وطني للتشغيل يتضمن الإعلان عن عدد المسجلين حاليًا من الذين تنطبق عليهم “شروط ومعايير الباحث عن عمل” وتقديم حزمة من الحوافز لتشجيع العمانيين على الالتحاق بشركات ومؤسسات القطاع الخاص.
وطالب المجلس بإعادة النظر في الاستراتيجية التنموية “عُمان 2020” المعمول بها حاليًا، التي كان قد تم اعتمادها في منتصف تسعينيات القرن الماضي في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية مغايرة تمامًا لما هو سائد الآن، والتركيز على التنمية الإقليمية الشاملة والمتوازنة من خلال التوزيع العادل للمشروعات التنموية، فضلًا عن تحقيق نمو اقتصادي مرتبط بالتنمية البشرية المستدامة. واقترح النائب في مجلس الشورى العُماني النابي بن العبد جداد -خلال جلسة مناقشة بيان القوى العاملة بحضور وزير القوى العاملة عبد الله البكري- منح تسهيلات وامتيازات للشركات التي تعيين الوظائف العليا من العمانيين، مؤكدًا أن “الوضع الحالي بحاجة إلى تدخل كبير، في تعيين تلك الوظائف وتغيير السياسات”.
وقدم عدد من أعضاء مجلس الشورى لوزير القوى العاملة مقترح قانون لإحلال العمانيين محل العمالة الوافدة التي تحتل الوظائف الخمس العليا في القطاع الخاص، وسط انتقادات حادة من قبل المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني. وفي 20 يونيو 2018، أقر مجلس الشورى في سلطنة عمان، قانون الضريبة الانتقائية على مجموعة من السلع التي تسبب أضرارًا على صحة الإنسان، وقال المجلس في تغريدة له عبر موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، إنه أقر قانون الضريبة الانتقائية، وأحال المشروع إلى مجلس الدولة للمصادقة عليه، حتى يصبح نافذًا. وتبقى تدخلات مجلس الشورى العماني في الشأن الاقتصادي عبارة عن إصدار توصيات أو مقترحات إلى الجهات الحكومية في الدولة، وسط دعوات متداخلة يطالب بعضها بمنح المجلس المنتخب من الشعب العماني صلاحيات أوسع ليكون قادرًا على إحداث تغيير جذري في السياسة الاقتصادية للدولة، ومطالبات بمعرفة الحدود المقربة.
رؤية ٢٠٤٠
وبخصوص “رؤية عمان 2040” والتي أصدر سلطان عمان قرارا بتشكيل اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية “عُمان 2040” برئاسة هيثم بن طارق آل سعيد، والتقى أعضاء مجلس الشورى العماني في 23 يونيو 2018، مكتب رؤية عُمان 2040 في لقاء نقاشي، بهدف الإطلاع على سير عمل وإعداد رؤية عُمان 2040، ومناقشة التوجهات والأهداف الإستراتيجية التي خرجت بها الرؤية بعد سلسلة حلقات العمل، ومُلتقى المحافظات، والتي شاركت شرائح المجتمع المتنوّعة في صياغتها وبلورتها.
أكد أعضاء مجلس الشورى ضرورة أن تكون رؤية عمان 2040 قابلة للتطبيق على أرض الواقع بما يتناسب مع المؤشرات والمعطيات الحالية مستفسرين عن مدى توفر الإمكانات لتحقيق أهداف الرؤية، حيث أقيمت جلسة لمناقشة محاور الرؤية المستقبلية الثلاث (الإنسان والمجتمع والاقتصاد والتنمية والحوكمة والأداء المؤسسي).
وخلال اللقاء دارت نقاشات موسعة حول عدد من الموضوعات ذات العلاقة بإعداد رؤية عمان ٢٠٤٠، وتوجهاتها وأهدافها الاستراتيجية، وقد تركزت معظم المداخلات على آلية اختيار المحاور الأساسية للرؤية والمؤشرات التي بنيت عليها، وتفعيل المشاركة المجتمعية في بناء وإعداد وتصحيح مسار الرؤية. وأشار أعضاء مجلس الشورى إلى ضرورة الأخذ ببعض التحديات الحالية أثناء إعداد الرؤية المستقبلية 2040 أبرزها الإشكالات المتعلقة بالترهل الإداري، منوهين إلى ضرورة أن ينعم المواطن العماني بالرفاه وتحسين مستوى المعيشة وتطوير التعليم ومخرجاته لتكون أبرز مرتكزات التنمية خلال المرحلة القادمة. وأشاروا إلى أهمية تحقيق مبدأ العدالة في توزيع متطلبات التنمية في مختلف محافظات السلطنة.
الشأن الثقافي
وفي الشأن الثقافي، يقف مجلس الشورى مكبل اليديين، حيث إن وزارة التراث والثقافة العمانية لا تقدم تقريرها إلى المجلس مثل باقي الوزارات الخدمية، وفق التعديلات التي أقرها السلطان قابوس.
وقال الصحافي العماني على بن راشد المطاعني، في مقاله بموقع “الشبيبة”: “الاهتمام بالجوانب التاريخية والتراثية الموثقة لتاريخ بلادنا يعد همًا وطنيًا يتعين أن يشارك الجميع في تفعيله حكومةً وشعبًا وعبر مجلس الشورى باعتباره يمثل المواطنين، إلا أن وزارة التراث والثقافة لا تقدم بياناتها أمام مجلس الشورى”، متسائلًا: “هل هناك مسوغات حدت بتصنيف هذه الجهة بأنها سيادية كغيرها من الجهات التي أعفاها النظام من تقديم بياناتها أمام مجلس الشورى”؟.
وأضاف: “إذا كان تم تصنيف وزارة التراث والثقافة بأنها سيادية فإن هذه الخطوة ليس لها ما يبررها واقعيًا وعمليًا، فاختصاصات الوزارة ومهام عملها تتمثل في الحفاظ على التراث والعناية بالجوانب التاريخية وإدارة المتاحف ورعاية الثقافة والقلاع والحصون وغيرها من المجالات المعروفة للجميع، لكن هل هذه الجوانب فيها ما يجب حظره عن المثول أمام مجلس الشورى مثلما يسن على بقية الوزارات الخدمية.
ونوه إلى أن إدراج وزارة التراث والثقافة ضمن الجهات التي تدلي ببياناتها أمام أعضاء الشورى له مكاسب جمة، منها: “مناقشة كيف يمكن الحفاظ على التراث العماني، والجهود المبذولة وما يمكن القيام به”، وأشار إلى وجود تعاون بين الوزارة والمجلس في جوانب معينة، كاستضافة وكلاء الوزارة في تدارس بعض الأطر والقوانين والدراسات.
ما بعد قابوس
وفي ظل ضبابية المشهد بشأن “عمان ما بعد قابوس” يمنح القانون العماني دورًا لمجلس الشورى في عملية السلطان الجديد للبلاد، حيث عدل السلطان قابوس في أكتوبر العام 2011، آليات الخلافة بحيث يشارك في اختيار خليفته رئيس مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا، ووفقًا للدستور الذي أقر العام 1996، يجب على السلطان تسمية خليفته من سلالة بوسعيد في رسالة تبقى مغلقة على أن تفتح أمام مجلس العائلة.
وتنص المادة الخامسة على أن نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويُشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلمًا رشيدًا عاقلاً وابنًا شرعيًا لأبوين عمانيين مسلمين، وتعالج المادة السادسة حالة شغور الحكم عن طريق تكليف مجلس العائلة الحاكمة (عائلة السعيد) خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنقل إليه ولاية الحكم.
وأوضحت المادة أنه إذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد، يعهد بهذه المهمة لمجلس الدفاع، الذي يقوم بالتعاون مع رئيس مجلس الشورى “المنتخب” ورئيس مجلس الدولة “المعيّن”، بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة، علمًا بأن السلطان قابوس أعلن في عام 1997، أنه كتب وصيته التي رشّح فيها اسمين بترتيب تنازلي، ووضعها في مغلفين مختومين ووزعهما في منطقتين مختلفتين.
ويرى الكاتب العماني أحمد المخيني أن ما يتطلع إليه العمانيون في أي سلطان جديد هو أن يكون شابًا يتصرف كأنه أب لا يسعى لاكتساب الاحترام فحسب بل يعمل على تلبية احتياجات الشعب، مشيرًا إلى أنه على السلطان القادم توزيع الصلاحيات والسلطات المتمركزة حاليا في يد “السلطان قابوس”، وتشجيع المؤسسات القضائية والتشريعية والرقابية لتقوم بعملها دون تدخلات.
وأضاف في حوار سابق لـ”مواطن” أنه يجب توسيع المشاركة الحقيقية للشعب في صناعة القرارات الوطنية، من خلال تفويض قدر أكبر من الصلاحيات التخطيطية والتنفيذية للمجالس البلدية، وتشجيع تأسيس بيوت خبرة متخصصة، ونقل مهام الإشراف على المهن إلى نقابات متخصصة، وتمكين مجلس الشورى من محاسبة الحكومة فعليًا.
حلول جذرية
وأكّد عدد من القانونيين أنّ الصلاحيّات التي ضمنها النظام الأساسي لأعضاء مجلس الشورى يجب أن تستخدم بالصورة الصحيحة من أجل تلبية احتياجات المواطنين خاصة وأن الصلاحيات تتضمن استجواب وزراء الخدمات، وأن للمجلس اختصاصات تشريعية واضحة في المادة ٥٨ مكرر (٣٥ – ٣٨) من النظام الأساسي للدولة، وأن هذه الاختصاصات كافية للمرحلة الحالية وهي بحاجة إلى مزيد من التفعيل من قبل “مجلس عمان” وإلى تنسيق أكثر مع الحكومة.
وبرر الدكتور صالح المسكري الخبير في القانون الدستوري، عدم استخدام المجلس صلاحياته، في تصريحات صحافية، بأن الاختصاصات الممنوحة لمجلس عمان لا تزال محل تجربة ويغلب عليها الحذر الشديد، مضيفًا: “نرجو أن تتمكن من عبور هذه المرحلة والوصول إلى الهدف المنشود وإلى اختصاصات حقيقية كاملة ترسّخ لدولة المؤسسات وتشارك الحكومة في أعمالها وتحاسبها على إخفاقها وعلى الأخطاء التي قد تقع فيها”.
وأشار الناشط العماني “بن ماجد” إلى أن جهل الجماهير بالممارسات الصحيحة لعملية الانتخاب و الأدوات المبتورة التي يحوزها المجلس خلقت صف فساد لا يمت لروح مجالس الشعوب، منوها إلى أنه لا يوجد مجلس للشعب في عُمان حتى يتم الحديث عن دوره لأن التدقيق و التمحيص والذهاب لاستقراء أدواره التي يفترض بها أن تخدم الشعب.
وعن الحلول التي يمكن أن تؤدي إلى تطوير أداء مجلس الشورى، قال: “عندما تفصل السلطات وتثقف الجماهير بما لها وما عليها ويمارس المثقف دوره الأخلاقي وتحدد صلاحيات المجلس -المبهمة حالياً- أستطيع التحدث عن الصلاحيات ومدى تأثيرها حينها، ما عدا ذلك لا أستطيع الضحك على عقلي وتسمية مجلس العلاقات والمصالح بمجلس شورى شعبي يمثل المواطن”.
ويرى الناشط العماني خلفان البدواوي، إن إعطاء صلاحيات جديدة لمجلس عمان تعني نزع صلاحيات من السلطان قابوس، متابعا: “قابوس وهو مريض حاليا لم يتنازل عن منصب واحد من مناصبه العديدة، لن يرضى بذلك تماما والواقع يشير إلى أن الدولة ومؤسساتها وقوانينها تتجه إلى وضع قاتم وأكثر حلكة وظلاما وتم تعزيز الموضوع بتعديلات قانونية قمعية على المستوى البسيط للحريات الموجودة، وحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان فإن عمان دولة غير حرة”. وأردف: “الوثائق البريطانية ذكرت أن قابوس معارض جدا لأي حريات سياسية ومدنية من حق الإنسان ومؤمن بتحكم وتصرف الدولة بشكل كامل عن قرارات وفكر الإنسان العُماني، وعائلة قابوس منذ بداية حكمها تحتقر الإنسان العُماني والأدلة اتضحت في كتاب الثورة الموسمية لعبدالرزاق التكريتي”.
وأشار إلى أن الصلاحيات التشريعية والرقابية التي منحها السلطان قابوس في عام 2011، لم يرَ لها أي فاعلية لأنه تم التلاعب بالمفردات و”هذا هو الهدف من إنشاء المجلس بالأساس”، مستطردا: “فِي عمان العقل الجمعي يرى أن هناك مشاكل اجتماعية واقتصادية تتفاقم بدون حل وفِي بعض الأحيان مجلس الشورى لا يمكنه الحديث عنها ولو بالإشارة فبالتالي فقدت الثقة واتجه الناس للفضاء الاجتماعي مجددا للتعبير عن غضبهم واستيائهم من الوضع المتردي”، مشددا على ضرورة إحداث تغيير كامل في الحكم العماني، في ظل تفاقم الأوضاع.