دائما وأبداً حين يكون هنالك أزمة أو خلاف في عالم السياسة يكون لعامل المال دور كبير، فهو من يتحكم ويدير الأزمة ويوجهها لصالح طرف معين دون غيره وذلك خدمة لمصالح سياسية واقتصادية في الأساس، والأزمة الأخيرة بين السعودية وكندا والتي تصاعدت بوتيرة غير مسبوقة تؤكد ذلك.
الأزمات التي تعانيها السعودية في علاقاتها الخارجية تعرف تزايدا كبيرا، ويُرجع البعض ضعف الدبلوماسية السعودية إلى “السياسة المتهورة” لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يميل نحو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويعتمد على تقديم إغراءات لاستمالة حلفائه والعمل على إسكات المتحدثين عن الملفات الشائكة بالبلد.
في مطلع أغسطس 2018، وعلى إثر تصريحات كندية دعت الى “الإفراج فورا” عن ناشطين في حقوق الإنسان بمن فيهم سمر بدوي شقيقة المدون المسجون رائف بدوي، الذي تعيش زوجته إنصاف حيدر في كندا وحصلت على الجنسية الكندية في الآونة الأخيرة، اندلعت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين المملكة العربية السعودية وكندا.، كما أوردت صحيفة “دويتشه فيلله” الألمانية.
وسجنت سمر بدوي مع الناشطة نسيمة السادة في آواخر يوليو، وهو ما وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش بآخر ظاهرة “للقمع الحكومي غير المسبوق” ضد الناشطين. وفي مايو ويونيو تم اعتقال حوالى 10 ناشطات واتهمن بالمساس بالآمن القومي والتعاون مع “أعداء” السعودية. وكرر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في هذا الخصوص موقف الحكومة ومفاده أن هؤلاء الأشخاص كانوا على اتصال بكيانات أجنبية. وأضاف “الأمر لا يتعلق بحقوق الإنسان أو بأمور حقوقيين وإنما يتعلق بأمن الدولة”. وسرعان ما اتخذت السعودية خطوات انتقامية بتجميد المبادلات التجارية مع كندا وكذلك وقف الابتعاث الخارجي وإنهاء رحلات العلاج وإلغاء جميع الرحلات الجوية إلى تورنتو، حسبما ذكرت “وكالة الأنباء السعودية، واس”.
أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين السعودية وكندا
ذاك حال العلاقات السياسية التي تفرضها “السعودية” على الدول التي تستفيد منها ماليًا؛ وبفعل الإغداق اللامحدود تتحكم “الرياض” في الكثيرين حول العالم، لكن دولة كـ”كندا” هذه المرة يبدو أنها أغضبت الملك، “سلمان بن عبدالعزيز”، وولده الأمير الطامح للسلطة، “محمد بن سلمان”، عندما أخطأت وتجرأت على الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في المملكة وذكر المحتجزين؛ ومن بينهم شقيقة المعارض السعودي، “رائف بدوي”، المسجون لـ 10 سنوات، “سمر بدوي”، والتي حصلت على جائزة “نساء شجاعات” في العام 2012 من “الولايات المتحدة”!، حسبما أوردت صحيفة “كتابات” الإلكترونية.
وتتجه العلاقات السعودية الكندية نحو تصعيد غير مسبق، لكن الأزمة بين البلدين تستلزم الوقوف عند رد الفعل السعودي على انتقاد ملف لطالما دُعيت الرياض لإصلاحه، وهو حقوق الإنسان.
وبدأت الأزمة حين نشرت السفارة الكندية بالرياض تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تعبر فيها عن قلقها البالغ إزاء اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي، كما طالبت بالإفراج الفوري عن جميع النشطاء السلميين في مجال حقوق الإنسان.
وردت الخارجية السعودية ببيان بعد أقل من ست ساعات، تؤكد فيه أن “الموقف السلبي والمستغرب من كندا يعد ادعاء غير صحيح جملة وتفصيلًا، ومجافيًا للحقيقة، ولم يبنَ على أية معلومات أو وقائع صحيحة، وأن إيقاف المذكورين تم من قِبل الجهة المختصة، وهي النيابة العامة، لاتهامهم بارتكاب جرائم توجب الإيقاف، وفقا للإجراءات النظامية المتبعة”.
قرارات السعودية لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى إعلان عدم رغبتها في السفير الكندي داخل أراضيها وطالبته بمغادرة البلد مع إمهاله 24 ساعة لذلك، فضلا عن استدعاء سفيرها في كندا وتجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية، وإيقاف كل برامج التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا.
من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند إن حكومة بلادها ستظل دائما تدافع عن حماية حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة وحرية التعبير، وأنها تسعى لاستيضاح تصريحات سعودية عن تجميد التعاملات التجارية الجديدة. وقالت المتحدثة باسمها: إن كندا “قلقة بشدة” من الإجراءات التي اتخذتها السعودية.
الخارجية السعودية اعتبرت رأي كندا تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة، ورأت أنه يعدّ تجاوزًا كبيرًا على أنظمة الدولة والسلطة القضائية، وإخلالًا بمبدأ السيادة، و”هجومًا” يستوجب اتخاذ موقف حازم يردع كل من يحاول المساس بسيادتها، وفق بيانها الذي نقته وكالة الأنباء الرسمية “واس”.
المصالح والعلاقات الاقتصادية.. ورقة ضغط وتهديد سعودية دائمة
وجاء رد فعل السعودية على موقف الوزيرة الكندية عبر التصعيد ضد كندا واتخاذ مجموعة من الإجراءات الجديدة ذات الطابع الاقتصادي ضد بلادها وشملت وفقا لشبكة “بي بي سي” الآتي، تجميد جميع رحلات الطيران السعودي إلى مدينة تورنتو الكندية، نقل جميع المرضى السعوديين الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الكندية الى دول أخرى، تجميد جميع التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين السعودية وكندا مع “احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى”. ولا يتوقع أن تترك الخطوة السعودية أثرًا يذكر في الاقتصاد الكندي الذي يصنف باعتباره عاشر اقتصاد على المستوى العالمي. وحجم التبادل التجاري بين البلدين متواضع نوعا ما وبالكاد تجاوز 3 مليارات دولار عام 2017 حسب إحصاءات الحكومة الكندية.
وبحسب موقع مجلس الأعمال الكندي السعودي، يبلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 14 مليار ريـال (3.73 مليار دولار) سنويا، ويتألف بالأساس من الاستثمارات الكندية في المملكة والصادرات السعودية من البتروكيماويات والبلاستيك ومنتجات أخرى، وإيقاف التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا، ونقل المبتعثين إلى دول أخرى. وقال وكيل وزارة التعليم لشؤون الابتعاث جاسر الحربش إن هناك 12 ألف سعودي بينهم 7 آلاف طالب وطالبة والبقية مرافقون أو أفراد أسر المبتعثين. وأضاف أن الوزارة بدأت بنقل الطلاب السعوديين الذين يدرسون في كندا إلى دول أخرى وأن الجامعات الأمريكية والبريطانية ستكون لها الأولوية إضافة إلى الدول التي يتم فيها التدريس باللغة الانجليزية.
وبالتزامن، نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن مصادر قولها ‘‘إن السعودية أصدرت توجيهات لمديري محافظها الاستثمارية في الخارج لبدء بيع ما بحوزتهم من الأصول الكندية. وتبلغ الاستثمارات السعودية في الشركات الكندية منذ 2006، نحو 6 مليارات دولار، وفق ما ذكرته وكالة “بلومبيرج” الاقتصادية الأمريكية، وأوضحت المصادر أن التوجيهات تشمل الأسهم والسندات والنقد، بغض النظر عما سيكلفه قرار بيعها، وأشارت إلى أن البيع بدأ فعلا.
وتقول المصادر إن الأصول الكندية تمثل نسبة بسيطة من إجمالي الاستثمارات السعودية في الأسواق العالمية، والبالغة 100 مليار دولار، لكن بيعها وجه رسالة قوية. وبلغت قيمة الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي 506 مليارات دولار بنهاية يوليو الماضي.
كما يدير صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية السعودي، أصولا بقيمة 250 مليار دولار. وكان محللون كنديون صرحوا بأن كندا لن تسعى للتصعيد، وتحاول حصر الخلاف في قضايا حقوق الإنسان، كما أوردت شبكة “الجزيرة”.
من جانبه، وردا على سؤال لمعرفة ما إذا ينوي الاعتذار أجاب رئيس وزراء كندا جاستن ترودو بطريقة غير مباشرة بالنفي. وصرح خلال مؤتمر صحافي في مونتريال في أول رد فعل علني على هذه الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين البلدين “يتوقع الكنديون من حكومتنا أن تتكلم بوضوح وصرامة وتهذيب عن ضرورة احترام حقوق الإنسان في كندا وفي العالم وهذا ما سنواصل القيام به”.
وعبر ترودو عن موقف حازم حتى وإن عرض بذلك للخطر الاتفاقات الثنائية بما في ذلك عقد بقيمة 15 مليار دولار كندي (9.9 مليار يورو) لبيع عربات مصفحة خفيفة للرياض. ويعني إلغاء العقد خسارة آلاف الوظائف في كندا بحسب خبراء.
ملف حقوق الإنسان السعودي.. أساس الأزمات
ورغم أن معظم الدول الغربية تتفادى إثارة ملف حقوق الإنسان مع السعودية حفاظا على مصالحها الاقتصادية الكبيرة معها، وضمان استمرار تدفقات المال السعودي، إلا أن كندا ليست الوحيدة التي انتقدت علنًا أوضاع حقوق الإنسان واعتقال الناشطات السعوديات وكان آخرهن سمر بدوي ونسيمة السادة اللتين تسببتا بانفجار هذه الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وفقا لشبكة “بي بي سي”.
ففي مايو الماضي، قالت مجلة “دير شبيغل” الألمانية إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أمر بوقف منح عقود حكومية جديدة لشركات ألمانية بعد شهور من توتر العلاقات بين البلدين.
وفي نوفمبر 2017، استدعت السعودية سفيرها في برلين، عندما انتقد وزير الخارجية -آنذاك- زيغمار غابريل السياسة الخارجية السعودية تجاه كل من لبنان واليمن. وبعدها قامت الرياض بسحب سفيرها من ألمانيا، ولم يتم إرجاعه لحد الآن، بالرغم من إبداء الحكومة الألمانية حينها رغبتها في عودة السفير السعودي إلى برلين، كما عبّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية عن أملها في العمل على تحسين علاقات الجانبين.
كما استدعت سفيرها من العاصمة السويدية “ستوكهولم”، وأوقفت إصدار تأشيرات عمل للسويديين عام 2015 في أعقاب انتقادات وجهتها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وخصت بالذكر منها القيود المفروضة على النساء ووصف حكم القضاء السعودي بجلد المدون السعودي المعارض رائف بدوي بأنه من “أساليب القرون الوسطى”، مما أدى إلى وضع نهاية لاتفاق طويل الأمد للتعاون الدفاعي بين الجانبين.
وكان البرلمان الأوروبي قد دعا أواخر العام الماضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية بسبب تدخلها في اليمن والذي تسبب بسقوط آلاف المدنيين في العمليات العسكرية التي تشنها في اليمن منذ عام 2015.
وفي ضوء الأزمة الأخيرة بين السعودية وكندا، أوردت صحيفة “واشنطن بوست” في مقال لها، أن فهم وزيرة الخارجية فريلاند وكندا لمسألة حقوق الانسان والحريات الاساسية هو الشيء الصحيح، فهي مفاهيم كونية متفق عليها، وليست “ملكية” للملوك والطغاة، يمنحونها ويحجبونها متى ما شاءوا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن التصرف السعودي المعتاد بحرمان مواطنيها من حقوقهم الأساسية، خاصة النساء وتعاملهم القاسي مع بعض المعارضين ، مثل الجلد الذي تعرض له رائف بدوي، هي مسائل يجب أن تكون ضمن الاهتمامات المشروعة لكل الديمقراطيات والمجتمعات الحرة. لقد حظي ولي العهد بالإعجاب في تحديث المملكة اقتصاديا، وتنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط، وأخذ يلبي رغبات مواطنيه وغالبهم من الشباب المتشوقين للحياة الغربية وترفيهها، فلماذا لا يرى كيف أن مشروعه المستقبلي هذا يتأثر سلبا عندما يلقي بالناقدين في الزنازين ويتصرف كطاغية ببلد بوليسي؟
وانتقدت انسحاب الإدارة الأمريكية إلى حد كبير من ممارسة دور مناصرة وتشجيع الحرية وحقوق الإنسان حول العالم، لقد كان رد فعل الخارجية الامريكية محبطا ببيان فاتر، يدعو كندا والسعودية لحل خلافاتهم وختموه بالقول “نحن لا نستطيع فعل ذلك لهما”.
وتخشى السعودية أن يشجع موقف كندا دولاً أخرى حول العالم على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وتسليط الضوء أكثر على موضوع حقوق الإنسان وما يحصل داخل السعودية، وهو ما تعتبره الرياض ضرباً لجهودها في التغيير المتواصل منذ تولي الملك سلمان سلطات الحكم، والذي يتجاهل- بحسب منتقديها- موضوع حقوق الإنسان وحرية التعبير، كما جاء في موقع “الخليج أونلاين”.
ترامب ومسلسل الابتزاز لأموال السعودية
الرياض استخدمت مخالبها بقوة هذه المرة ضد ما اعتبرته تدخلًا “مستهجنًا وغير مقبول” من كندا في شؤونها الداخلية يخل بـ”سيادة” المملكة، لكنها لم تصدر تعليقات حتى اللحظة عن مطالبة واشنطن، للسلطات السعودية بتوفير مزيد من المعلومات عن النشطاء الحقوقيين المعتقلين، واحترام الإجراءات القانونية.
السعودية ابتلعت مواقف أمريكية أكثر حدة مما ورد في “التغريدة الكندية”، بسبب ملف حقوق الإنسان في المملكة وما وصفته بانتهاكات ترتكبها الرياض في اليمن، وذلك خلال قيادتها “التحالف العربي” الذي يقاتل الحوثيين منذ سنوات، وفي أبريل الماضي، اتهم تقرير سنوي للخارجية الأمريكية المملكة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، مثل القتل غير الشرعي والتعذيب والاعتقالات التعسفية لمعارضين والتسبب بمقتل المدنيين في اليمن.
ورغم أن العلاقات الأمريكية السعودية شهدت توترات وأزمات في حقبة الرئيس الامريكي باراك أوباما، بعد عقود من التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن، بسبب ضلوع السعودية بشكل رئيسي في أحداث 11 سبتمبر 2001، وتهديد الحكومة السعودية -آنذاك- بسحب استثمارات في الولايات المتحدة، تبلغ قيمتها ما بين 750 مليارا إلى تريليون دولار حال تمرير قانون جاستا، إلا أن الرئيس الحالي دونالد ترامب وطد وعزز العلاقات مع الرياض.
وإبان حملته الرئاسية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “السعودية بقرة حلوب تدر ذهبًا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، متى جف ضرعها ولم تعد تعطي الدولارات والذهب، إذ ذاك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحه”، وقبل ذلك، قال في سبتمبر 2014: “السعودية لا تملك سوى الألسنة والتخويف، إنهم جبناء يملكون المال ، ولا يملكون الشجاعة”.
واعتاد ترامب “ابتزاز” الرياض بحديثه عن ضرورة جعلها تدفع “ثمنًا باهظًا” مقابل حماية واشنطن لها سياسيًا وأمنيًا، وأنها بدون أمريكا لا شيء؛ وفقا لوكالة أنباء “سبوتنيك”، وزير الخارجية السعودية عادل الجبير قال: “على الأقل هو يحبنا، أعتقد أنه عندما تنتهي الحملات الانتخابية وتصل للناس الحقائق ستنعكس وجهة نظرهم. هو يقدم منتجات يحبها الناس ويستمتعون بها”.
تثير مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية بأن تدفع تكاليف بقاء قوات بلاده في سوريا بعد قرار سحبها؛ أسئلة عن نظرة أهم حليف دولي لها، حيث سبق له أن وصف بعض صفقاتها بأنها مجرد “فستق” مقارنة بحجم ثروتها، وقبله كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وصف أموالها بأنها مثل “الرز”.
وقال ترامب إنه يريد سحب قوات بلاده من سوريا، وقال إن السعودية مهتمة جدا ببقاء قوات بلاده هناك، وتابع “قد قلت لهم: إذا كنتم تريدون أن نبقى فربما يتعين عليكم أن تدفعوا‘‘، كان ترامب حدد المبلغ المطلوب من السعودية لبقاء قوات بلاده في سوريا بأربعة مليارات دولار، وبعد هذا التحديد تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة صحفية عن الحاجة لبقاء القوات الأميركية في سوريا لمواجهة “النفوذ الإيراني”.
وخلال استقباله ولي العهد السعودي في البيت الأبيض نهاية مارس الماضي، طالب ترامب الأمير محمد بن سلمان بشكل واضح بأن تعطي المملكة بلاده “بعضا من ثروتها، وقال “السعودية دولة ثرية جدا، وسوف تعطي الولايات المتحدة بعضا من هذه الثروة كما نأمل، في شكل وظائف، وفي شكل شراء معدات عسكرية”.
وبشكل لم يسبق لترامب استخدامه مع أي مسؤول قابله في البيت الأبيض، عرض ترامب لوحات تحتوي على صور وأرقام تمثل قيمة صفقات السعودية مع بلاده، التي بلغت خلال رحلته الأولى للرياض العام الماضي نحو 500 مليار دولار، وعن إحدى الصفقات التي بلغت قيمتها 525 مليار دولار أميركي، قال ترامب “هي مجرد حبات فول سوداني بالنسبة لكم”؛ الأمر الذي رد عليه ابن سلمان بالضحك.
وبعد خروج الولايات المتحدة من اتفاق الدول العظمى مع إيران بشأن برنامجها النووي، وعودة العقوبات الأمريكية على طهران، اشترط ترامب على السعودية مضاعفة إنتاجها من النفط تفاديًا لزيادة الأسعار المحتمل.
وبحسب صحيفة “دويتشه فيلله”، يعرف ترامب كرجل أعمال جنى المليارات قبل أن يصبح رئيسا من أين تؤكل الكتف بشكل عام والكتف السعودية بشكل خاص على ما يبدو. وبترجمة ذلك إلى واقع المال والأعمال فإن قيمة صفقاته مع المملكة حتى الآن تزيد على قيمة ما تبقى من الاحتياطات السعودية الحالية المقدرة بأقل من 500 مليار دولار. وعليه فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن، ماذا سيحل بمشاريع “رؤية 2030” التي طرحها ولي العهد الشاب لتحديث المملكة ونقلها من دولة نفطية إلى دولة متعددة الموارد الاقتصادية؟ من أين للأمير بالأموال اللازمة لتمويل مشاريع الرؤية التي تقدر تكلفتها بحوالي 2000 مليار دولار وفي مقدمتها مشروع “نيوم” بتكلفة 500 مليار دولار والسياحة بتكلفة 10 مليارات؟ وهناك مشاريع تحديث البنية التحتية والخدمات العامة في عموم المملكة بتكلفة تزيد على 200 مليار دولار. يضاف إلى ذلك عجز الموازنة بحوالي 50 مليار دولار سنويا وتكاليف حروب اليمن وسوريا والعراق وغيرها بالمليارات شهريا. وهناك حاجة لبناء نظام ضمانات وشبكة أمان اجتماعية تشمل نصف السعوديين، أي 10 ملايين سعودي من الفقراء ومحدودي الدخل في حال أقدمت المملكة على الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. وعلى الرغم من أهمية أموال الفساد التي تمت مصادرتها من الأغنياء والمسؤولين بقيمة 100 مليار دولار وتوقع توفير 100 مليار أخرى من أسهم أرامكو، فإن الأموال اللازمة لمشاريع الرؤية أكبر بكثير من ذلك وليس من الواضح كيف يمكن توفيرها على ضوء الصفقات مع الولايات المتحدة أو العم سام.
المال السعودي وراء حصار قطر
مر عام على مقاطعة الدول الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لقطر، اتسم فيه موقف الولايات المتحدة بالتخبط، فتارة يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأييده لهذه الخطوة، وتارة أخرى يؤكد أن قطر حليف مُقرب لبلاده، ويُشدد على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية لما لها من أضرار جسيمة على المنطقة بأكملها.
في البداية الأمر، وعقب اتخاذ الدول الأربع القرار بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر متهمين إياها بدعم وتمويل الإرهاب وإيواء كيانات إرهابية، رحب ترامب بالأمر، وتمنى أن تكون بداية نهاية فظائع الإرهاب، مُشيرا إلى أن زيارته للسعودية، في مايو من العام الماضي، ولقاءه بالعاهل السعودي و50 زعيمًا عربيًا أتت ثمارها، لاسيما وأنهم أخبروه بأنهم سيتخذون موقفًا صارمًا بشأن تمويل التطرف، قائلا في تغريدة عبر تويتر:”وكل إشاراتهم كانت تصب نحو قطر”.
وأثار ترحيب الرئيس الأمريكي تساؤلات عدة، خاصة وأن قطر تستضيف واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وهي قاعدة “العديد”، كما أن الدوحة أكبر مصدر الغاز الطبيعي إلى واشنطن، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يثبت على موقف واحد، إذ حاول بعد فترة إنهاء المقاطعة ورأب الصدع، مؤكدًا أن قطر توقفت عن دعم الإرهاب وأنها أحرزت تقدمًا كبيرًا في هذا الشأن.
تحدثت الكثير من التقارير الإعلامية عن دور جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وصهره، في المساعدة على عزل قطر، وأرجعوا ذلك إلى رفض الدوحة عقد صفقات مع شركة والده وإنقاذ عائلته من مشاكل مالية كبيرة. كان أحدثها تقرير نشرته صحيفة “ذي انترسبت” الأمريكية، في مارس الماضي، ذكر أن شركة العقارات التي يملكها كوشنر تواصلت بشكل مباشر مع الحكومة القطرية من أجل صفقة تجارية قبل أسابيع قليلة من مقاطعة قطر.
ونقلت” ذي إنترسبت” عن مصدرين مُطلعين، قولهما إن شركة العقارات المملوكة لكوشنر تواصلت بشكل واضح مع وزير المالية القطري في أبريل العام الماضي لتأمين استثمارات للشركة. وأوضحا أن كوشنر حاول الحصول على تمويل مبنى في 666 فيفث أفينيو في نيويورك، منذ انتهاء الانتخابات الأمريكية، إذ أن والده اشترى هذا المبنى بسعر باهظ الثمن، إلا أن سعره تراجع ما هدد العائلة بأكملها بالخسارة إذا لم تجد تمويلًا، فبحث كوشنر عن مستثمرين في جميع أنحاء العالم، وكان على رأسهم قطر والصين.
وحسب تقارير إعلامية، لم تكن هذه المرة الأولى التي تطلب فيها عائلة كوشنر أموالًا من القطريين، إذ طلب والده من رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم الحصول على تمويل مادي يُقدّر بحوالي 500 مليون دولار، بعد فترة قصيرة من انتخابات عام 2016 والتي انتهت بفوز ترامب.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن تشارلز كوشنر، والد جاريد، التقى بوزير المالية القطري شريف العمادي لمناقشة تمويل صفقة عقارية في نيويورك، إلا أن الاجتماع واللقاءات الأخرى التي أعقبته لم تتوصل إلى أي شيء، ما أغضب المستشار الأمريكي الذي اجتمع بمسؤولين من الدول الأربع، لوضع خطة ضد قطر، وقاد الجهود لتقويض مساعي وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون لحل الأزمة. واعتبر روبرت مولر، المُحقق المُكلّف من قبل وزارة العدل الأمريكية في التحقيق في مزاعم تورط روسيا في الانتخابات الأمريكية، ما قام به كوشنر من جهود لفرض حصار على قطر، ومنع حل الأزمة، استغلالًا للسلطة، وتضارب مصالح، لاسيما وأنه استغل منصبه السياسي في تحقيق مصالح تجارية له ولعائلته، وهذا ما نفاه فريق المحاماة الخاص بالمستشار الأمريكي تمامًا.