لا زال خطاب التجديد والأفكار الجديدة والصراع بين الثوابت والجوامد ودعاوى التطوير والتحديث قائمًا، كلاهما فريقان متصارعان على خشبة مسرح المنطقة العربية التي تزخر بالخيرات وتعد أرضًا للنزال بين القوى العالمية والفرق المختلفة، فالمؤسسات الدينية التي يفترض لها أن تكون عاملًا روحيًا صرفًا تكرس جهودها لأجل البناء والتحديث انصرفت إلى معترك السياسة ولم تستطع أن تنفض عن ثيابها غبار المعركة الفكرية التي دخلت أتونها دون استئذان أو استعداد حقيقي. وفي حواره لـ”مواطن“، يرى الناشط الحقوقي المصري رامي كامل مؤسس اتحاد شباب ماسبيرو، أن حقوق الأقليات تبقى عصية إلا على اللبنانيين، منتقدًا خطابي التجديد والتطوير الفكري، وموجهًا سهام النقد اللاذع إلى المؤسسات الدينية التي افتقرت إلى الحكمة في تناول الأمور السياسية شأنها شأن من مارسوا العمل السياسي وأخفقوا وتسببوا في سقطات كبيرة مثل جمال عبد الناصر الذي وصف قراراته بأنها افتقرت إلى الحكمة وورطت مصر في حروب طاحنة لا ناقة لها فيها ولا جمل، ومتطرقًا إلى الأسباب التي تفرخ الإرهاب وتفشي الفاشية الدينية في المنطقة وبين الشعوب. كل هذا وأكثر في السطور التالية.
حوار: عبد الرحمن سعد
- انتشار الإنكار والإلحاد أمر طبيعي بعد ثورتي الاتصالات والمعلومات.. ووضع الدين بمكانه الروحي يحتاج وقتًا طويلًا
- «عبدالناصر» أفضل من خدم إسرائيل وقراراته زعامية شخصية متسرعة افتقرت إلى الحكمة
- الإخوان والناصريون وجهان لعملة واحدة كلاهما يحمل خطاب أحادي إقصائي يرفض الآخر
- البابا شنودة ومتى المسكين مختلفان لكنهما متكاملان وعملاقان في الفكر الديني واللاهوت
- المنطقة العربية تحتاج إلى توسيع روافدها واستقبال المستجدات لدفع عجلة التنوير إلى الأمام
- إجراءات “بن سلمان” في السعودية بتغيير الثوابت الدينية والجوامد الفكرية جريئة ولكنها “قشرية”
- الفساد والطائفية أمراض اجتماعية تهدد العالم والتنوع والتعددية مفاهيم هامة تحتاجها المنطقة بشدة
- البعض يفرض الهيمنة بالتراث العربي كتراث متفرد لا وجود لروافد تراثية أخرى غيره
- هناك من اشترى الفتوى الإسلامية وصنع منها مسخًا متشددًا يسوق به نفسه كراعٍ للاعتداء
فإلى نص الحوار:
خطاب التجديد
1- بداية ما دور الموروثات العربية البالية في وأد أمل الأجيال الجديدة في غد أفضل؟
يظل التراث العربي جزء لا يتجزأ من تراث الأمة المصرية وهو خط أصيل فيها ولكن تكمن مشكلة التراث العربي في محاولة البعض فرضه والهيمنة به كتراث متفرد لا وجود لروافد تراثية أخرى غيره، فاللغة العربية وفقط والمنتج الأدبي العربي وفقط وهكذا مما يخلق صدام مع أجيال جديدة مؤمنة بالتنوع والتعددية ولا تريد الاستئساد على التراث العربي بل تحترمه لأنه جزء من تكوينها لكن ترى لنفسها أبعادا أخرى لابد من الاستفادة منها على المستوى الشخصي أو العام، فلك أن تتخيل أن الشخص النوبي يشعر بتراثه وحضارته على المستوى الشخصي ويتقبل التراث العربي والدولة تستغل التنوع ووجود التراث النوبي كمدخل لكل القارة الأفريقية. إن عزل هذا الشخص النوبي ورفضه هو خسارة لتكوينه الشخصي وخسارة للدولة لأبعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية وبالتالي تتراكم سلسلة الخسائر التي لا تصنع الغد بل تصنع أزمات تقتل أي طموح.
2- أين المنطقة العربية من خطابات التجديد والتنوير؟
للأسف المنطقة العربية “كتقسيم جغرافي” تحتاج إلى إعادة قراءة لواقعها وإيمان أكبر بأبعاد أوسع من كونها منطقة عربية فشمال أفريقيا جزء من أفريقيا وجزء من جنوب حوض المتوسط وكذا الأمر في آسيا فالمنطقة العربية الآسيوية جزء من الشرق الأقصى وأيضًا جزء من ثقافة آسيا الصغرى وبالتالي هي توسع روافدها لاستقبال كل المستجدات وهو ما يدفع بعجلة التنوير إلى الأمام ويقود مسيرة التجديد الشامل في المنطقة كلها.
3- ما أبرز انتقاداتك لتفشي ظاهرة “التوك شو السياسي” المسيء والهابط فكريًا وثقافيًا؟
إن مسألة السيطرة على العقول والتلاعب بها وإيجاد مسار واحد لها هو العبث بعينه في ظل السموات المفتوحة فالأخطاء اللغوية تنتقد في الكتابة فما بالك ما يحدث من إعلاميين لا يقدمون مادة تسمن أو تغني إنما أصبح الطعام المقدم للجمهور مسموما والمواطن البسيط أصبح لديه القدرة على فرز هؤلاء فهو يعلم علم اليقين أن أي توجيه من هؤلاء مسبب ومدفوع الأجر ولا يثق بهم إطلاقًا.
الفاشية الدينية
4- حدثنا عن أهم العوامل السياسية والأسباب الاجتماعية التي فرخت الإرهاب الديني في المنطقة؟
الإرهاب ينبع من كل فكر أحادي وتربية أحادية والتنوع والتعددية هم الأصل في تفكيك الإرهاب فأي مجتمع يفتقد للتعددية هو بيئة خصبة لرفض الآخر ومع كل رفض للآخر يتراجع التركيب الشخصي للفرد ويميل أكثر نحو اعتبار كل آخر عدوًّا متربصًا وبالتالي يجب التعامل معه بعنف والتفكير الأحادي ينبغي أن نحاربه في مهده أي في الخطاب الأحادي الرافض للآخر.
5- مخاوفك من الفاشية الدينية والفكرية على مستقبل البلدان العربية؟
إن الفاشية الدينية الموجودة حاليًا هي بنت صعود اليمين الديني في العالم كله فظهور حركات دينية ما بعد سقوط الخلافة العثمانية كان البذرة التي نمت وترعرعت على أحلام الخلافة وهو ما قابلها طوال الوقت انحياز ديني على كافة الأطراف “سنى- شيعي” “مسيحي- إسلامي” “يهودي- إسلامي” “أرثوذكسي – بروتستانتي” وهكذا.
كما أن استمرار هذا الخطاب دون توجيه وإرادة من الدول لبناء مجتمعات التعددية وإدراك التعددية سيؤدي حتمًا إلى حرب اليمين الديني. عالميًا بدأ بتكتل إسلامي مسيحي ومن ثم تكتل ديني آخر شرق آسيوي وهكذا تتكتل كل مجموعة دينية وتندلع الحروب.
6- كيف تقرأ عودة ضباط الشرطة الملتحين للخدمة بأمر قضائي في مصر؟
وظيفة ضابط الشرطة، وظيفة عامة “تخدم الجميع مجردة ولا تميز أحد عن آخر ويبقى الحياد أهم محور عمل ضابط الشرطة كما أن علاقة الضابط بمنظومة الشرطة ومنظومة المجتمع هي علاقة مدنية بحتة ليست علاقة دينية ولا يجب أن تكون علاقة يحكمها المادة الثانية من الدستور لكن لابد أن تخضع للمادة الأولى التي تنص على مبدأ المواطنة كمبدأ مدني حاكم للعلاقات في المجتمع. وإذا اعتبرنا أن المادة الثانية هي الحاكمة لعلاقة الضابط بالمجتمع فنقدر أن نقول لأنفسنا وللمجتمع وللعالم إن مصر دولة تمييز ديني واضطهاد للأقلية المسيحية لأنها تسمح للضابط المسلم أن يظهر بمظهر ديني غير محايد انحيازي ولا تسمح للضابط المسيحي على أساس ديني بحت. إضافة إلى أن بناء دولة المواطنة ومناهضة الدولة الدينية “مشروع الإخوان” كان من أهم أسباب مشاركة المسيحيين في ثورة 30 يونيو وبمرور الذكرى الخامسة للثورة في مصر تعود الدولة الدينية بصورة كاملة ويتم إجهاض مشروع المواطنة بصورة كاملة بمثل هذه القرارات.
الإخوان والمسيحيون
7- وكيف ترى تحركات جماعة الإخوان داخل المشهد السياسي المصري وتعاونهم مع رموز المسيحيين للعودة للحكم؟
بيان جماعة الإخوان المسلمين في الذكرى الخامسة لفض اعتصامي رابعة والنهضة يشير بصورة واضحة للموافقة على مبادرة السفير معصوم مرزوق الأخيرة، ويغازل كافة القوى السياسية بل ويطرح تشكيل حكومة ائتلافية تحت رئاسة محمد مرسي تقوم بانتخابات رئاسية. المبادرة والرد على المبادرة يدلان على حركة تحت الماء ووراء الستار، لكن أن يغازل الإخوان المسيحيين في بيانهم ويلعبون على مبادئ المواطنة وكما هي مغازلة للمسيحيين هي بنفس القدر مغازلة للغرب.
الإخوان يعلمون تمام العلم أنه لا شرعية لنظام من دون المسيحيين وأنا أعرف من مصادر مؤكدة أن هناك قبطييْن فتحا الحوار المباشر معهم بل ويكادان أن يكونا هما من طرحا صيغة المواطنة.
8- وقراءتك لتعاون بعض الرموز المسيحية مع الجماعات الأصولية والإخوان؟
يبقى المسيحيون هم أكبر أقلية في منطقة الشرق الأوسط كله وهم أقوى وجود مسيحي في المنطقة وهم حائط الصد العالي ضد مشروع القوى الرجعية والأصولية المتطرفة بل لا أخجل أن أقول إنهم الراديكالية القومية المصرية ضد أي قوى رجعية تسعى للتفكيك. إن نفر شرذمة منهم بالتأكيد لا يعبر عنهم ولا شعبية له وأي اتفاق معهم هو ملزم لهم فقط دون غيرهم ولا يمتد إلا لمن تبعهم أما عموم المسيحيين فلن يقبلوا بأي قوى رجعية تفكك مصر وتفرز بين أبناء الدولة وتسلم مقدراتها لخليفة أو مرشد، لسنا للبيع.
صراعات الكنيسة المصرية
9- ماذا عن الصراع داخل الكنيسة بين متى المسكين والبابا شنودة الثالث وتأثير هذا الصراع على أحوال الكنيسة في الحادث الأخير ومقتل الأنبا أبيفانيوس؟
إلى متى التراشق بين الجهلة بوجود صراع خفي بين الرجلين حتى بعد رحيلهما! وأن هذا الصراع هو السبب في مقتل الأنبا أبيفانيوس داخل دير أبو مقار، فالرجلان كانا عملاقين في الفكر واللاهوت والمؤسسية، مختلفان لكن متكاملان، ولو كان الأب متى هرطوقيا يستحق القطع ما تأخر البابا شنودة الثالث ثانية واحدة عن طرح القرار في المجمع المقدس وكلنا نعلم أن الرجل لم يكن يخشى بشرا ولا حجرا في الإيمان الأرثوذكسي، والأساقفة الموجودون الآن هم المجمع المقدس نفسه في عهد البابا شنودة الثالث والمجمع نفسه قطع كل من “تشكك” في إيمانه وثبت صحة “الشكوك”.
10- حدثنا عن مدرستي متى المسكين والبابا شنودة وهل البابا الراحل كان ديكتاتورًا؟
لو كان البابا شنودة الثالث ديكتاتورًا لما كان صعب عليه قطع الأب متى المسكين ولكن البابا شنودة أسس كيانا عملاقا للكنيسة مبنيا على مبادئ آبائية، أهمها أن الكنيسة مجمعية فالرجل صاحب الكاريزما الطاغية لم يستغل ذلك يومًا لظلم الأب متى ولم يتحدث إلا عن الخلافات في الفكر، إن الأب متى والبابا شنودة اختلفا فكريًا في بعض الأمور التي كانت تستوجب السجال الفكري ولم يكن الأمر يستحق خطوة واحدة نحو التصعيد أكثر وإلا ما تراجعا في هذا، فكلاهما صاحب قلم وصاحب حجة لا تلين ولا تخشى ولا تتراجع في الحق.
11- ماذا عن أكبر المدارس الفكرية التي تقود الفكر السياسي والديني داخل الكنيسة الأكبر بالشرق؟
هناك مدرستان كبيرتان في إدارة المشهد المسيحي المصري، الأول هو البابا شنودة الذي كان يتعامل مع المسيحيين ككتلة واحدة ويسعى للإحياء المسيحي وهو امتداد لمدرسة حبيب جرجس الإحيائية وفي عهده عرف المسيحيون معنى كلمة نظام وقيادة، وأهم عيوب هذه المدرسة كان تركيز السلطات في يد الكهنوت مما تسبب في مشكلات جمة.
المدرسة الثانية، وهي مدرسة الأب متى المسكين التي تؤمن بعزل الكنيسة عن السياسة وعن مشاكل المسيحيين وعن الدور الروحي والاجتماعي وتهتم فقط بالدور الروحي وهي مدرسة استطاعت تقديم رؤيتها في صورة تمرد على المدرسة النظامية، وأهم عيوب هذه المدرسة تفكيك القدرات القبطية الإحيائية وإيمانها بعملة الدمج المجتمعي الشامل المهدر للهوية المستقلة للمسيحيين.
الحريات والثقافة
12- مستقبل الحريات والممارسات السياسية عربيًا؟
الحريات منتج السوق المفتوح والانفتاح على الآخرين ولا مجال للكلام عن الحريات والممارسات السياسية في ظل اقتصادات تسيطر عليها الدولة ومؤسسات بعينها داخل الدولة تجهض السوق وتجهض كل منتجاته في التعددية والتنوع وحين أتحدث عن السوق فأنا لا أقصد اقتصادات السوق المجحفة بل أقصد أننا يجب أن نواجه أنفسنا بواقع التنوع والتعددية وفهم أنه حتى الليبرالية الحديثة أصبحت تتبنى خطابًا اجتماعيًّا يراعى الطبقات الكادحة أكثر تشددًا في خطابها في هذه الأمور من بعض مدارس اليسار.
13-البعض يرى الثقافة المسيحية لا تقبل بالحوار المدني وتقصي الآخر؟
الثقافة المسيحية العامة بطبيعتها ليست ثقافة فرز وإقصاء ولا تفرز من داخلها إلا من يصطدم بثوابتها التاريخية. أما من يسعى داخلها للبناء والتطوير فتقبله وتطبع معه وتسبقه وتمده بكل الأدوات فهي غنية وعلينا أن نهضم داخلها أي اختلاف ونتجاوز بأدواتها الخلاف. إن التعافي الحقيقي للوعي القبطي يبدأ من إدراك أن الجميع بشر تحت الضعف وأن من اختار منهم الجهاد الروحي فهو في حرب قد ينتصر أو يهزم أو ينسحب. نحن في مرحلة المجناكارتا المسيحية فإما أن ندرك اللحظة الفارقة ونبنى أمة عفية قوية تراجع نفسها وتتقبل الخطاء وتتجاوزه أو سننتكس ونرتد. فهل من حوار مدني مدني، ثم مدني كنسي، ثم كنسي كنسي نؤسس فيها لعهد جديد يكون الفيصل فيه لحظة عنف أرادوا بها التفريق فنحولها نحن للبناء.
14- هناك حملات ترويجية لدول بلا تاريخ تمتلك المال تتغنى فيها بثقافاتها وماضيها العريض؟
للأسف هذا واقع أصبحنا نعيشه وترعرع بعد عصر البترول في الخليج، حتى أن فكرة التراث العربي المسيحي “التدليسية” تضع المسيحية الشرقية التاريخية تحت أقدام البترودولار وتتسول منه الدراهم في مقابل دياثة تمارس على التراث السرياني والكلداني والأشوري والقبطي. فإنْ قَبِلَ غيرنا بهذا العار فهنا في مصر ركب لم تركع لبعل البترودولار بعد. كما أن من اشترى الفتوى الإسلامية وصنع منها مسخًا متشددًا متطرفًا يسوق به نفسه للغرب كراعٍ للاعتدال الذى لا بديل عنه لن نبيع له تراثنا ليسوق لنفسه كمتسامح نقيّ مظلوم ونغسل يديه من الدماء والفساد وقهر الشعوب. العلم مقدس لكنه يتنجس بنجاسة سياسة وسمسرة مدعين العلم.
15- ماذا عن رؤيتك للقوانين التي تبيح للدول التعقب والحبس لحريات الرأي والاعتقاد والكتابة؟
المبدأ الرئيسي هو أن الحريات تحترم ما لم تتسبب في إساءة للآخر أو تحض على خطاب كراهية. والقوانين التي صدرت في مصر بخصوص حقوق وحريات التجمع والاعتقاد والرأي تقييد بناءً على هذا المبدأ لكن المشكلة لا تكمن في القانون ونصه لكن تكمن في التنفيذ وعقلية الجهة المخول لها التطبيق وهو ما يتم استغلاله في كثير من الأحيان بصورة سياسية لا تتناسب مع روح القانون.
الربيع العربي
16- ما محصلة ما يعرف بثورات الربيع العربي بعد أكثر من 7 سنوات على اندلاعها؟
المحصلة من ثورات الربيع العربي لا يمكن الحكم عليها من تأثيراتها المباشرة وإلا فعلينا الحكم على الثورة الفرنسية بالفشل لكن الأمور تشبه إلقاء حجر في الماء الراكد فسرعان ما يكون موجة عنيفة تتصادم مع الواقع ولكن النتائج تأتي بعد الهدوء.
من الممكن النظر لنتائج سلبية للثورات كما في سوريا وليبيا الآن أو إيجابية سريعة كما في تونس أو ملتبسة كما في مصر لكن الحقيقة أن الأمور تحتاج لوقت أطول لتمتد الثورة الشعبية إلى الجذور وتصنع ثورة ثقافية ترفض المسببات في الثورة الشعبية.
17- أسرار تحذيرك من مخططات لدعم الفوضى والدم الجديدة في بلدان عربية؟
لم أحذر من مخططات لدعم الفوضى لكن ما أحذر منه دومًا هو سياسات الدولة المصرية التي قد تقفز بنا جميعًا إلى المجهول حيث لا يوجد أي دور للدولة وتقف عاجزة فاشلة عن التدخل وهو أمر سيدفع ثمنه الأقليات في الشرق الأوسط.
الأزهر والكنيسة
18- ما أبرز أوجه الفساد الذي تمارسه الكنيسة المصرية والأزهر باعتبارهما الممثلين لكنائس ومساجد الشرق الأوسط وإفريقيا؟
إن أبرز الأوجه المشتركة للفساد الديني هو التوغل السياسي وتجاوز الدور المؤسسي الديني الروحي إلى دور سياسي شعبي وهو أمر تشترك فيه الكنيسة مع الأزهر.
المواطنة
19- كيف ترى حقوق المواطنة والأقليات الدينية في دول عربية كثيرة منها مصر والبحرين وسلطنة عمان ولبنان؟
إن حقوق المواطنة وحقوق الأقليات عامة والأقليات الدينية بصورة خاصة بدأت تشهد انفتاح على النقاش في المنطقة منذ قرابة العقدين ولكن للأسف حتى الآن لم يتجاوز كونه نقاشًا رسميًّا يتم في نطاق ضيق عدا لبنان التي شهدت حربًا أهلية رسخت لفكرة تقاسم السلطة على أسس اتفاق الطائف ولكن هل يجب أن تمر باقي البلدان بنفس التجربة ليحدث إنصاف وتقر المواطنة؟ إن الأمر برمته معقد، فبين واقع محفوف بالمخاطر ونظم سياسية ضعيفة وهشة لا تملك رؤية ومبادئ يتشدق بها المثقفون، يقف المنتمي لأي أقلية دينية أو غير دينية حائرا بين الانتهاكات وضياع الحقوق وعدم القدرة على بناء قدرات الأقليات التي تبني الوطن بالضرورة.
20- وكيف ترى نموذج الوحدة الوطنية المصرية في ثورة 1919 وحرب أكتوبر وما اختلفت إليه الأمور في مصر الآن؟
إن نموذج الوحدة الوطنية و حرب أكتوبر هما أكبر معبر عن المشروعات الكبرى الضامة لكل المصريين فمشروع الاستقلال أو مشروع تحرير الأرض يأخذ الصدارة لكن هذا لا يعني انعدام وجود المشاكل، فمثلًا نجد المؤتمر القبطي الأول 1911 معبرًا عن المشاكل وشهادة الأستاذ ميلاد حنا في كتابه الانصهار الوطني عن مرحلة حرب الاستنزاف وأن هناك مشاكل طائفية كانت تقع لكن الصدارة كانت لصالح المشروع الأكبر الذى يلتف حوله الجميع أما ما بعد تراجع المشروعات الكبرى فوجب علينا أن نتناقش في أمور تتعلق بالمواطنة وتأسيس عقد اجتماعي جديد.
الإصلاح الاقتصادي
21- ما رؤيتك لما تطبقه مصر وتونس والأردن من إجراءات الإصلاح الاقتصادي وتأثيره على المواطنين؟
ان الاصلاح الاقتصادي أمر حتمي وله اهميته القصوى الآن، لكن كافة إجراءات الإصلاح الاقتصادي في العالم لها إجراءات حمائية للطبقة الأكثر تضررا وتفتح المساحة أمام المجتمع المدني للعمل بحرية أكبر وأن يكون لها دور أكبر في امتصاص الضغوط الشعبية وإلا أصبحت العواقب وخيمة فمن الممكن أن تتسبب الضغوط الاقتصادية في انفجار ثورة جياع لا تُبقي ولا تذر.
22- وتفسيرك لتراجع الأردن عن إجراءاتها التقشفية تحت ضغط شعبي؟
ما وقع في الأردن هو أكبر دليل على ما أقوله من أن الدور المدني إن تراجع أو انعدم فإن البديل هو ثورة جياع ترفض النظام وتسقطه وتقفز بالوطن للمجهول وهو ما تداركه ملك الأردن بسرعة قبل فوات الأوان ولكن يبقى الإصلاح أمرًا حتميًا وتبقى الحريات ضرورة، والمجتمع المدني صمام أمان.
زعامات ومصالح
23- ماذا عن الدور الذي لعبه جمال عبد الناصر في توريط المصريين بهزائم عسكرية كبيرة لصالح إسرائيل؟
للرئيس جمال عبد الناصر إنجازات لا تحصى يتغنى بها مؤيدوه ولكن يبقى عليه الكثير، فهو من ورط مصر في حرب اليمن بلا مبرر، وضيّع الاحتياطي النقدي والغطاء الذهبي المصري وأغلب قرارته كانت زعامية شخصية تفتقد للحكمة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارن وضع مصر وقته بوضعها أيام الملك فاروق الأول فمن مرحلة الكفاءة والانتخابات الحرة إلى مرحلة أهل الثقة والتعيينات والخطاب الأحادي القومي العربي وقتل لكل تنوع وتعددية داخل المجتمع، بل أذهب لما هو أبعد وأقول إن عبد الناصر أفضل من خدم إسرائيل بقراراته المتسرعة.
24- ما أوجه الشبه بين الإخوان والناصريين إزاء ممارسة العمل السياسي؟
كلاهما يحمل خطابا أحاديا إقصائيا إلى أبعد مدى فجماعة تؤمن إيمانًا كاملًا بأستاذية العالم ونفي كل آخر وكل دور لآخر وقد جربها المصريون على مدار عام كامل ولفظوهم لتناقضهم مع البيئة المصرية والثقافة المصرية الجامعة التي تقبل الآخر وتحتويه داخلها وتتأثر به وتؤثر فيه إلى رئيس انتهج الزعامة الشخصية والخطاب العروبي الأحادي وكأن المنطقة من المحيط إلى الخليج عرب وفقط ولا يوجد بها أمازيغ أو فور أو باجا أو مسيحيون أو نوبيون أو سريان أو آشور أو كلدان وكل هذه الأقليات كان عليها أن تقبل الاندماج القسري في الثقافة العربية. وأعود إلى الأستاذ ميلاد حنا وهو من المثقفين المسيحيين الذي يؤكد في كتابه عن “الانصهار الوطني” أننا يجب أن ننسى أي ميول دينية لصالح الاندماج في الوطن والأمة العربية والأستاذ ميلاد حنا من منتجات هذه الثقافة العروبية التي تنكرت لتعدديتها وألصقت نفسها في ثقافة أخرى وهذا هو المشروع الناصري بعينه مشروع ضياع الهويات الصغرى لصالح خطاب أحادي يرفض الآخر ويريد صراعًا مفتوحًا معه حتى وإن كان هو شخصيًا غير مؤهل لهذا وهو ما استغلته إسرائيل أحسن استغلال.
العلمانية والطائفية
25- كيف ترى فرص نجاح العلمنة في المنطقة العربية خاصة ما تطبقه السعودية على يد محمد بن سلمان من تغييرات جذرية في الثوابت الفكرية والدينية؟
العلمانية تجربة شخصية فهي نزعة فردية بالأساس وعلمانية المجتمع تأتي من تجربة طويلة تخص كل أمة على حدى، فالعلمانية في فرنسا تختلف عن العلمانية في إنجلترا وكلاهما يختلف عن العلمانية في السويد وعلمانية شرق آسيا تختلف عن علمانية أمريكا الشمالية واللاتينية فلكل دولة تجربتها التي تصنعها وتتراكم لديها وإن كانت إجراءات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جريئة إلى حد بعيد لكنها تظل قشورًا فهي لم تبنِ بعد تجربتها ولم تبنِ لنفسها نقاشًا اجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا ومدنيًّا، وتحتاج للكثير لتبني المشهد المدني الحديث أولًا ومن ثم تراكم التجربة.
26- ما أسرار التحول وانتشار موجات الإلحاد في الإسلام والمسيحية ونقاط الخروج من عباءة الدين في المنطقة العربية؟
انتشار أفكار الإنكار وليس الإلحاد هو أمر طبيعي بعد أي ثورة خاصة أن موجة الثورة في المنطقة كانت عاتية وصاحبتها ثورة غير مسبوقة في الاتصالات وهو ما تسبب في انطلاق الحريات الشخصية وتداول المعلومات والمعرفة إلى حد أبعد بكثير من المتوقع ولكن هذه الموجة سوف تنضج وتبني لنفسها طبقة ثقافية جديدة تتصالح مع الدين وتنتهي من مسائل الإنكار وتضع الدين في موقعه الروحي لكن الأمر يحتاج لوقت طويل وانتباه للموجة وضرباتها والتعامل معها بحكمة واعتراف بالدور الروحي فقط للدين.
27- ماذا عن خطري الفساد والطائفية على العرب، وأين سكان المنطقة من التدين؟
إن الفساد والطائفية أمراض اجتماعية موجودة في العالم كله لكن كيف تتعامل مع المرض وتحده وتدير نقاشا اجتماعيا يلفظه ولا يتبناه ولا يوفر له بيئة حاضنة ويدعم الشفافية والمواطنة ويحقق قبول الآخر والتنوع والتعددية وكل هذه المفاهيم المنطقة تحتاجها بشدة وتحتاج أن تدير حوارا حولها بسرعة قبل أن تدمرنا هذه الأمراض.