شهدت مصر خلال السنوات التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013، ظهور العديد من الجماعات والحركات المسلحة، التي اتخذت العنف منهجًا في مقاومة النظام الحالي برئاسة الجنرال عبدالفتاح السيسي، بدءًا من “لواء الثورة”، و”أجناد مصر”، مرورًا بـ”كتائب حلوان”، ووصولا لـ ” حركة حسم ” التي تصدرت المشهد خلال السنوات القليلة الماضية عقب توالي هجماتها في أنحاء البلاد.
“بسواعدنا نحمي ثورتنا” هكذا تتخذ حركة سواعد مصر “حسم” شعارها، والتي تهدف إلى الدفاع عن ثورة 25 يناير عام 2011، في مواجهة ما تسميه الاحتلال العسكري وميليشياته، وهو ما جاء في البلاغ العسكري الأول للحركة في يوليو 2016 الذي أذن بانطلاق عملياتها الانتقامية ضد ما وصفته بالاتقلاب العسكري على الرئيس السابق محمد مرسي.
قدمت حركة حسم نفسها بأنها حركة ثورية مقاومة مسلحة قررت استرداد ثورة 25 يناير وأهدافها والقصاص لدماء الشهداء، وترى وفقا لبياناتها أن معركتها مع الثورة المضادة التي يتزعمها بحسب رؤيتهم قادة العسكر وفلول النظم البائد، ولم تخف “حسم” في منشوراتها أنها حركة مسلحة مقاومة بالأساس وليست سلمية، ضد من وصفتهم الظالمين والمجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء آلاف الشهداء.
تتهم السلطات المصرية حسم أنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين -والتي يُتهم أعضاؤها بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة والقضاء، ويقضون عقوبات مختلفة في السجون من بينها الإعدام والمؤبد- وهو ما تروج له أيضا وسائل الإعلام التابعة للدولة، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين، نفت في بيان لها، وجود أي ارتباط لها بـ”حسم”، وشددت على أن الجماعة “ليس لها علاقة بأي تنظيم، أو أفراد، تسفك الدماء، وليس لديها جناح مسلح”، حيث تنتهج الحركة أسلوبًا مغايرًا لما حرصت جماعة الإخوان على تأكيده مرارًا بالتمسك بالنهج السلمي في استرداد ما تراه الشرعية.
وقد أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكمًا يقضي بحظر حركة حسم ومصادرة أموالها ومقراتها وذلك في 11 من شهر فبراير عام 2016، وذلك على خلفية تبنيها أعمالا وصفت بالإرهابية، وذلك بعد إدانتها بالقتل العمد، والشروع في القتل العمد تنفيذًا لأغراض إرهابية، وحيازة أسلحة نارية وذخائر ومفرقعات.
التوجه الأيديولوجي
تكتنف حركة حسم بعض الغموض حول مرجعيتها الأيديولوجية والفكرية، وربما يعود ذلك لحالة السرية التي تسود أنشطتها وأعضائها، وحداثة نشأتها، حيث لم تعلن الحركة في أي بيان لها عن انتمائها التنظيمي أو توجهها الأيديولوجي، ولكنها تؤكد في بياناتها دوما على “عسكرة” الدولة (سيطرة الجيش على مقدرات الدولة)، وأصدرت الحركة حتى الآن 10 بيانات خلال الفترة بين 16 يوليو 2017 حتى فبراير 2018.
وتستهدف “حسم” في هجماتها رجال الشرطة والقضاء المحسوبين على النظام الحالي، وأدت بعض عملياتها إلى مقتل وإصابة العديد منهم، فيما فشلت في محاولات اغتيال شخصيات مرموقة في المجتمع أشهرهم المفتي السابق علي جمعة ، والنائب لعام المساعد زكريا عبدالعزيز، ورئيس محكمة جنايات القاهرة، أحمد أبو الفتوح.
واختلف مراقبون حول القوة التي يتمتع بها حركة حسم ومدى تأثيرها في المستقبل، فالبعض يرى أنها جماعة جهادية مسلحة فكريًا أو تنظيميًا تتبع جماعة الإخوان المسلمين، أو فرع من فروع تنظيم داعش الإرهابي، والبعض الآخر يرى أنها إحدى تداعيات أحداث 30 يونيو والإطاحة بمرسي وما تبعها من عمليات قتل واعتقال طالت معارضي النظام الحالي.
يقول الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي مصطفى زهران في تصريحات صحفية إن “حركة حسم تفتقد إلى الهوية والأيديولوجية الحاضنة التي تأثر بها أتباع سيد قطب، والتي أدت إلى ظهور حركات جهادية مثل تنظيم القاعدة والثورة الإسلامية في إيران وكان آخرها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أما راديكالية النظام الخاص الجديد فهو يفتقد إلى الهوية والأيديولوجية سواء داخل التنظيم أو خارجه من الكيانات التي تتقاطع مع جماعة الإخوان إما تنظيميًا وإما فكريًا وإما عقديًا”، مشيرا إلى أن “أداء حسم يدل على صبيانية في الأداء على العكس من التنظيمات المسلحة الأخرى، التي مرت بمراحل النشأة والتكوين كالقاعدة وداعش”.
ورأى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ممدوح الشيخ في تصريحات صحفية أنه “بمتابعة الإصدارات المرئية لحركة حسم يتضح أنه تنظيم غير واضح المعالم”، وقلل من خطورته على المجتمع المصري نظرا لصغر سن أعضائه، وقلة خبرتهم سواء في العوامل الحركية أو الجهادية، وهم فقط يحاولون محاكاة تنظيم داعش”.
وأوضح الجهادي السابق والخبير في شؤون الحركات الجهادية المسلحة كمال حبيب، أن “المنطقة تشهد منذ بضعة عقود أجيالا متوالية تتبنى العنف، ونشطت في مصر نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والحلول الأمنية الباطشة” على حد تعبيره.
وأضاف في تصريحات لوكالة الأناضول أن “هذا الجيل الجديد من شباب مصر شعر بالظلم بعد الإطاحة بمحمد مرسي وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر الحديث، لذلك فقد رفض فكرة السلمية وهو ما أدى إلى ظهور حركات مسلحة منها أجناد مصر ولواء الثورة وحسم”.
وأشار حبيب إلى أن “العمليات التي تنفذها حسم تدل على احترافية واضحة وتخطيط مسبق، إذ أنها تنفذ في الإجازات والعطلات الأسبوعية حيث الأداء الأمني المتراخي”، ولم يستبعد حبيب أن تكون حسم إفرازًا لحركات سابقة تبنت العنف بدءًا من ولاية سيناء وحركات ظهرت بعد الإطاحة بمرسي كالمقاومة الشعبية وكتائب حلوان.
وحذر حبيب “من تزايد خطورة حركة حسم في المستقبل”، مرجعا ذلك إلى “وجود بيئة مؤيدة وحاضنة ومشجعة للعنف، مثل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وسن قوانين تؤمم الحياة المدنية، فضلا عن عقلية أمنية تتصور أن الحل في اليد الباطشة فقط وليس في المصالحة”.
وأشار الرئيس السابق لقسم التحليل والتنبؤ في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، حسين حمودة مصطفى، إلى أن “حركة حسم بدأت بكفاءة متواضعة تطورت قدراتها مع الوقت مثل بقية التنظيمات التي ظهرت عقب الإطاحة بمرسي مثل ضنك، إعدام، بلطجية ضد الانقلاب، مجهولون، المقاومة الشعبية، أحرار، والعقاب الثوري”.
وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “عناصر حسم إما عناصر سلفية جهادية وإما إخوانية خارج السجون، أو كانوا موقوفين على ذمة قضايا عنف وبرأهم القضاء، ثم أُفرج عنهم، أو ثبت ضلوعهم في عمليات إرهابية مؤخرًا”.
الذئاب المنفردة
وذكر الكاتب الصحفي مصطفى حمزة مدير مركز دراسات الإسلام السياسي أن “حركة حسم وليدة لمجموعة من الحركات الإخوانية التي ظهرت بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وأنها امتداد للتنظيم السري لجماعة الإخوان الذي تم حله في عهد المرشد السابق حسن الهضيبي، والذي عاد في ثوب جديد بعد سقوط حكم الجماعة”، مضيفا أن “الحركة خدعت الشباب بشعار زائف هو السلمية المبدعة، وهو ما يتعارض مع ممارساتها على أرض الواقع، حيث حرضت على استهداف رجال الشرطة من خلال حملة (هوصلك) وذلك بنشر أسماء الضباط وعناوينهم وأرقام هواتفهم ومعلومات عن نسائهم، وأهدرت دماء جنود الجيش في بيانها السابع، مما يؤكد أنَّ السلمية المبدعة تعني العنف المقنع”.
ونوه حمزة في تصريحات سابقة إلى أن “حسم تتبع نظرية الذئاب المنفردة التي تعتمد على التكفير ثمَّ التفجير، حيث تبدأ بإقناع عناصر الحركة بكفر وردة الهدف، ومن ثم إهدار دمه، تطبيقًا للقصاص المزعوم، جهلًا منهم بشروط القصاص الشرعي وأحكام الكفر والإيمان في العقيدة الإسلامية”.
وظهرت الحركة للمرة الأولى على منصات التواصل الاجتماعي في 16 يوليو 2017، وللحركة حسابان أحدهما على “فيس بوك” والآخر على “تويتر”، تحت شعار “بسواعدنا نحمي ثورتنا”، بالإضافة إلى موقع خاص بها، تنشر فيه عملياتها الإرهابية وبياناتها.
هجمات “حسم”
تنوعت عمليات “حسم” ما بين محاولات اغتيال وعمليات تفجير، وكانت العملية الأولى للحركة حسبما ذكرت في بيان لها في 16 يوليو الماضي، عندما استهدفت رئيس مباحث طامية بمحافظة الفيوم الرائد محمود عبدالحميد ومرافقيه، ثم توالت عملياتها المسلحة بمحاولة اغتيال الدكتور علي جمعة مفتي الديار السابق، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد المستشار زكريا عبدالعزيز، ورئيس محكمة جنايات القاهرة، أحمد أبو الفتوح، وزرع عبوة ناسفة بجوار قسم شرطة العطارين، وزرع عبوات متفجرة بجوار نادي شرطة محافظة دمياط، واغتيال أمين شرطة صلاح حسين بجوار بمدينة السادس من أكتوبر، واستهداف كمين العجيزي بمحافظة المنوفية، كذلك استهداف سيارة شرطة تابعة للإدارة العامة للمرور، وأيضا استهداف نقطة شرطة أرض اللواء بعبوات متفجرة، وزرع عبوتين في الجزيرة الوسطى لاستهداف أحد القوات الأمنية، بالإضافة إلى استهداف العديد من المرافق العامة للدولة والمنشآت الحيوية بعبوات متفجرة.
حسم في محافظات مصر
ينتشر أعضاء حركة حسم في العديد من المحافظات المصرية، وتأتي محافظة الفيوم في المرتبة الأولى بين المحافظات التي ينشط فيها أعضاء الحركة من أجل تنفيذ عملياتهم المسلحة، وذلك بحسب التحقيقات الأمنية المتعلقة بقضية تأسيس حركة حسم، حيث أظهرت التحقيقات أن المحافظة نشط فيها 55 عضوا بالحركة من بينهم 38 نجحت الأجهزة الأمنية في ضبطهم و17 هاربًا.
وجاءت محافظة الشرقية في المركز الثاني من حيث أعداد العناصر المنضمة لحركة حسم، بواقع 49 إرهابيا بينهم 34 محبوسًا و15 مطلوبا للأجهزة الأمنية، يليها في الترتيب محافظة الجيزة بـ31 إرهابيًا، والإسكندرية بـ23 عضوًا، وأسوان بـ22 عضوًا، والقاهرة بـ21 إرهابيًا.
6 حركات مسلحة بعد عزل مرسي
حركة حسم لم تكن الأولى التي تبنت العنف عقب الإطاحة بمرسي، إذ سبقتها 6 حركات أخرى هي “لواء الثورة”، و”أجناد مصر”، و”المقاومة الشعبية”، و”العقاب الثوري”، و”كتائب حلوان”، و”ولع”، قبل أن تتوقف تلك الحركات عن عملها بعد الحصار الأمني. غير أن التنظيم المسلح الأكثر دموية في مصر هو “أنصار بيت المقدس” الذي ينشط في سيناء منذ عام 2012، وأعلن مبايعته لأمير تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، قبل أن يغير اسمه لاحقا إلى ولاية سيناء.
وبعد خمس سنوات على الإطاحة بمحمد مرسي تمر مصر بأزمة سياسية واقتصادية عانى معها المجتمع من انقسامات حادة بين قطاعاته المختلفة ما بين مؤيد لمرسي يعتبر الإطاحة به انقلابًا عسكريًا، وبين قطاع آخر يرى ما حدث ثورة شعبية ضد مرسي استجاب لها الجيش. وتظهر بين فترة وأخرى دعوات إلى تسوية سياسية يأمل أن تؤدي في النهاية إلى مصالحة شاملة وتنهي حالة الانقسام، وتنقذ البلاد من الأوضاع المتردية الحالية وتسهم في القضاء على الحركات المسلحة.