قائمة المحتجزين ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير والرأي داخل البحرين طويلة تضم مدافعين بارزين في مجال حقوق الإنسان، على رأسهم اثنان من أكثر الناشطين الحقوقيين، هما ” نبيل رجب ” و “عبدالهادي الخواجة” البحريني الدنماركي، شخصيتان تجاوزتا بنضالهما الحقوقي حدود البحرين ليصبحا مسار اهتمام على مستوى عالمي نتيجة آرائهما ومواقفها الشجاعة في الدفاع عن الديمقراطية والحرية، وكذلك دعمهما لبعضهما البعض في القضايا الحقوقية.
مجلة “مواطن” تتبعت مسيرة الناشطين “نبيل رجب” و “عبدالهادي الخواجة” وألقت الضوء على جزء من تاريخهما باعتبارهما شخصيات بارزة ما زالت محتجزة داخل سجون البحرين، وينشغل المجتمع الدولي بهما، وكذلك المطالب المستمرة بضرورة الإفراج عنهما.
“نبيل” و “الخواجة”.. نضال مشترك
لدى “نبيل رجب” وعبدالهادي الخواجة” تعاون ونضال مشترك بشكل وثيق للدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في البحرين، وظهر ذلك ذلك قبل الحكم على “الخواجة” بالسجن مدى الحياة في عام 2011، فكلاهما مسؤولان عن تأسيس “مركز البحرين لحقوق الإنسان” رفقة زملاء آخرين عام 2002، حتى أصبحا مصدرا للإلهام داخل الوطن وخارجه.
تقول الحقوقية مريم الخواجة، ابنة الناشط عبدالهادي الخواجة في مقابلة لها مع “ifex ” وهي شبكة حقوقية عالمية تدافع عن حرية التعبير، في عام 2001 كان لدى “عبدالهادي الخواجة” فكرة تأسيس مركز حقوقي بالبحرين لمراقبة الانتهاكات؛ فقام هو و “نبيل رجب” بتأسيس “مركز البحرين لحقوق الإنسان”، وكانت انطلاقة المركز بمثابة مظلة للجان تعمل على الأرض داخل البحرين، بهدف خلق جيل جديد من الحقوقيين ومساحة للتعليم الحقوقي داخل البحرين، إلى أن أصبح المركز يُنظر إليه من داخل المجتمع البحريني على أنه من المراكز القوية التي تقوم بواجباتها في العمل الحقوقي ومتابعة الانتهاكات وتوثيقها والتواصل مع المؤسسات الدولية الحقوقية .
في الأول من سبتمبر لعام 1964 شهدت البحرين ميلاد “نبيل رجب” رئيس “مركز البحرين لحقوق الإنسان”، والمدير المؤسس لمنظمة “مركز الخليج لحقوق الإنسان”، ونائب الأمين العام لـ “الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، وعضو اللجنة الاستشارية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” وكلها أدوار تشير إلى أنه مدافع كبير عن قضايا حقوق الإنسان.
وهذه الأيام يمر على نبيل رجب عامه الرابع والخمسين وهو معتقل داخل السجون البحرينية منذ عام 2016 للمرة الثالثة على التوالي بسبب تعبيره عن رأيه ومواقفه التي اعتبرها الكثيرون هزيمة للحكومة البحرينية وكذلك إيمانه بأن السجون لا تمنعه من مواصلة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.
تاريخ حافل
مسيرة كبيرة وتاريخ حافل بالنضال الحقوقي ففي يوليو 2002 أسس نبيل رجب “مركز البحرين لحقوق الإنسان” مع زميله عبدالهادي الخواجة الذي يقضي الآن عقوبة السجن مدى الحياة بسبب نشاطاته الحقوقية والسياسية.
وبحسب “بي بي سي عربي”، يعتبر نبيل رجب من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي، فكان صوتا واضحا خلال ثورات الربيع العربي في البحرين، وواجه الاعتقال والاحتجاز والمنع من السفر، وحُكم عليه بالسجن في عدة قضايا حقوقية، ويواجه العديد من التهم المتعلة بالدفاع عن حقوق الإنسان وأصحاب الرأي.
وفي عام 2016 تعرض نبيل رجب للحجز الانفرادي. وظهر متحدثا في رسالة صحفية نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” أواخر 2016 عن أوضاع السجناء في البحرين، وهو الأمر الذي جعل السلطات توجه له تهمة نشر مقال في صحيفة أجنبية.
وعُرف عن “نبيل رجب” مواقفه المعارضة للسلطات البحرينية التي تستعين بالقوات السعودية لمواجهة المعارضة البحرينية، كما ينتقد مشاركة بلاده في حرب اليمن باعتبار أن “الحروب تجلب الكراهية والدمار والأهوال” وهو التصريح الذي نشره رجب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”. ورغم قرار المحكمة بإطلاق سراحه في ديسمبر 2016 ظل رجب رهن الاعتقال حتى الآن وأصبح يعاني من مشاكل صحية ونفسية.
نبيل رجب وجائزة فاتسلاف هافيل
وعلى الرغم من الانتهاكات التي يتعرض لها داخل السجن من تضييق ومعاملات مهينة وحرمان من العلاج وحبس انفرادي إلا انه ما زال مستمرا في نضاله الحقوقي وهو داخل السجن من خلال مقالات ورسائل، عددٌ كبيرٌ منها نُشرت في الصحف الأجنبية، ونتيجة هذا النضال الكبير رشحته لجنة جائزة “فاتسلاف هافيل” لحقوق الانسان لنيل الجائزة ومعه ناشطان آخران.
وتؤكد اللجنة التنظيمية التابعة لجائزة فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان، والتي تضم شخصيات مستقلة متخصصة برئاسة رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ليليان موري باسكوير، أن نبيل رجب محتجز منذ عام 2016، ولا يزال مدافعا بارزا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ،وأظهر التزامًا مدى الحياة بالدفاع عن حقوق الإنسان رغم الخطر الذي يهدد حياته، مضيفة في تصريحاتها التي أوردتها ” الجزيرة ” أن نبيل رجب يأتي ضمن شخصيات حقوقية تستحق شجاعتهم العظيمة وإصرارهم الثابت، الاحترام العميق من قبل اللجنة التنظيمية للجائزة .
جائزة ” أيون راتيو للديمقراطية” لعام 2011
ليس ذلك فقط، فنبيل رجب نال جوائز دولية عدة منها جائزة “أيون راتيو للديمقراطية” لعام 2011، حيث يقول “مركز البحرين لحقوق الإنسان” إن رجب تلقى جائزة أيون راتيو للديمقراطية، وهي عبارة عن جائزة تُقدم سنويا من قبل مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين.
وتشير شبكة “ifex” ، إلى أن نبيل رجب تم تكريمه من قبل مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن عام 2011 فمنحته جائزة أيون راتيو للديمقراطية، لتقديم اعتراف دولي بشجاعته خلال معركة الديمقراطية في البحرين، كما أنه واحد من الشخصيات التي عملت دون كلل في مواجهة الخطر المحدق على شخصه بهدف إحراز تقدم في قضية الحريات الديموقراطية والحقوق المدنية .
نبيل رجب.. مواطن شرف بلدية باريس
ومن ضمن السجل التكريمي لنبيل رجب قيام بلدية باريس بمنحه لقب “مواطن شرف” حيث اعتبرت رئيسة بلدية مدينة باريس الاشتراكية آن هيدالغو، أن منح نبيل رجب هذا اللقب يُسهم في إلقاء الضوء على وضعه وعلى وضع أي شخص محتجز أو مضطهد في العالم بسبب عدم احترام حرية التعبير”، مؤكدة في تصريحاتها التي نقلتها “فرنسا 24” أن حرية التعبير وحرية الإعلام من المبادىء الأساسية للأنظمة الديموقراطية.
127 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عنه
ولما كانت قضية نبيل رجب محل اهتمام عالمية أصبحت دعوات الإفراج عنه مستمرة لا تنتهي وكذلك التضامن معه مستمرا من كل أنحاء العالم من قبل منظمات حقوقية ودولية آخرها 127 منظمة حقوقية دعت للإفراج الفوري عنه، فتقول “هيومن رايتس ووتش” إن “فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي” أصدر رأيا بشأن قانونية احتجاز نبيل رجب، طبقا لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد أعرب الفريق العامل عن قناعته بأن اعتقاله لم يكن تعسفيا وحسب، وإنما اتسم أيضا بالتمييز، كما ترحِّب منظمات حقوق الإنسان الـ 127 الموقعة على هذا البيان بهذا الرأي، الذي أُعلن في 13 أغسطس 2018، ليعترف بالدور الذي يؤديه المدافعون عن حقوق الإنسان في المجتمع، وبضرورة حماية هؤلاء المدافعين، وعليه طالبت ” هيومن رايتس” الحكومة البحرينية بأن تفرج فورا عن نبيل رجب.
بدوره تحدث البرلمان الأوروبي عن نبيل رجب وخصه في القرار المتعلق بالحالة الحقوقية في البحرين بخمس فقرات أتت ضمن القرار الذي صوت عليه البرلمان بأغلبية ساحقة، فوفقا لما أوردته قناة ” العالم” الفضائية دعا البرلمان الأوروبي إلى ضررة الإفراج الفوري وغير المشروط عن نبيل رجب، وعن آخرين من النشطاء في مجال حقوق الإنسان ممن سجنوا على خلفية ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع.
أما لجنة حقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي “توم لانتوس” فشددت هي الأخرى على أن العالم باستثناء حكومة البحرين يدرك أن نبيل رجب سجين رأي يجب الإفراج عنه وبشكل فوري، وفي تصريحات نشرتها منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين” – وهي منظمة تهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان في دول الخليج والشرق الأوسط – أكد أعضاء من لجنة توم لانتوس دعمهم المستمر للمدافعين عن حقوق الإنسان بالبحرين، داعين الحكومة البحرينية للإفراج عن سجناء الرأي مثل نبيل رجب.
عبدالهادي الخواجة.. مدافع قوي عن حقوق المواطنين
وفي الوقت الذي طالبت فيه 127 منظمة حقوقية بضرورة الإفراج عن الناشط نبيل رجب، كانت النداءات نفسها موجهة من المنظمات نفسها بضرورة الإفراج عن المعتقل داخل السجون البحرينية الناشط عبدالهادي الخواجة، فبيان فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي – سابق الذكر – تحدث عن قائمة الأشخاص المحتجزين بالبحرين لممارستهم حقهم في حرية التعبير والرأي كذلك تحدث عن مدافعين حقوقيين بارزين، من بينهم عبد الهادي الخواجة، وضرورة أن يتم الإفراج عنهم وكفالة العناية بصحتهم الجسدية والنفسية في جميع الظروف .
ويعتبر عبد الهادي الخواجة المحتجز في سجن “جو” منذ صدور حكم بسجنه مدى الحياة في عام 2011 منسق حماية سابقًا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفرونت لاين ديفندرز، ورئيسًا سابقًا لمركز البحرين لحقوق الإنسان ومؤسس مركز الخليج لحقوق الإنسان وعضوًا في الشبكة الدولية الاستشارية للأعمال التجارية ومركز موارد حقوق الإنسان، برئاسة الرئيسة الأيرلندية السابقة ماري روبنسون، كما عمل سابقا مع منظمة العفو الدولية، وهو واحد من أحد رموز النشطاء الحقوقيين في البحرين ومدافع قوي عن حقوق المواطنين ومحاربة الفقر، وشارك الكثير من الحقوققين نضالهم في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير على رأسهم نبيل رجب.
100 شخصية مؤثرة لعام 2012
اختارت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في نوفمبر 2012 كلاًّ من نبيل رجب وعبدالهادي الخواجة، وابنتيه مريم وزينب في قائمة 100 شخصية مؤثرة للعام 2012، لتحتل الأسماء الأربعة بصورة متضامنة المرتبة 48 في هذه القائمة التي احتوت على شخصيات من مختلف أنحاء العالم.
وتقول “فورين بوليسي” إنها اختارت الشخصيات الأربعة في المرتبة 48 ضمن قائمة الـ 100 شخصية؛ لأن نبيل والخواجة وابنتيه أصروا على تفعيل مبدأ أن “حرية التعبير حق للجميع، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه الإنسان”، وأنهم أداروا مركز البحرين لحقوق الانسان في أوقات صعبة جدّاً.
جوائز حصل عليها “الخواجة”
وتلقى عبد الهادي الخواجة جائزة “عالَمٌ بلا تعذيب” لعام 2013، وذلك تقديرا لنضاله من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في البحرين، كما حصل على جائزة بوليتكن للحرية لعام 2012 وفي العام نفسه حصل على جائزة فريدم هاوس للحرية، وهي الجائزة التي تُقدم للنشطاء من أصحاب الإسهامات الكبيرة في مجال حقوق الإنسان.
مطالبات مستمرة بإطلاق سراح “الخواجة”
ومن أجله ينظم متضامنون وقفات احتجاجية عدة كان آخرها الاعتصام الذي انطلق في شهر سبتمبر الجاري أمام السفارة البحرينية في لندن، تضامنا مع عبدالهادي الخواجة، الذي يقضي حكم السجن المؤبد في البحرين بتهمة المشاركة في قيادة ثورة 14 فبراير. وتذكر منظمة “فرونت لاين ديفندرز” أن هذه الاعتصامات تأتي لتسليط الضوء على معاناة المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين ومن بينهم عبدالهادي الخواجة.
أوضاع صحية متدهورة
وفي تغريدات سابقة لزوجة “الخواجة” نشرتها في حسابها على “تويتر” تقول خديجة الموسوي، إن زوجها يتعرض لسوء المعاملة في سجن “جو”، فتم نقله إلى المستشفى مصفداً في الأغلال، بل تعدى الأمر إلى اعتقال ابنته مريم الخواجة عندما كانت تنوي زيارته، الأمر الذي دفع منظمات حقوقية لدراسة أوضاع السجناء بالبحرين والمطالبة بالإفراج عنهم وتحسين أوضاعهم، من بين تلك المنظمات “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” و”مركز البحرين لحقوق الإنسان” و”معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و”مركز الخليج لحقوق الإنسان”.
الحكومة الدنماركية لا تتحرك
وتذكر الناشطة الحقوقية مريم الخواجة، في سلسلة من المواقف عبر حسابها على ” تويتر” أن الحكومة الدنماركية والدول الأوروبية مسؤولون عن حماية حقوق الإنسان، كما كشفت عن تخلي سلطات الدنمارك عن والدها المعقتل في البجرين منذ سبع سنوات بتهمة المشاركة في أحداث فبراير2011، وأوضحت أن الحكومة الدنماركية تستطيع أن تفعل الكثير إلا أن الإرادة السياسية غير موجودة رغم المبادئ التوجيهية بشأن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان فوالدها هو الذي ما زال داخل السجون ويتعرض للتعذيب البدني والنفسي.
نداءات الكثير بالإفراج عن نبيل رجب وعبدالهادي الخواجة تظل مستمرة ومطالبات إطلاق سراحهما قائمة لا تتوقف، أما السلطات البحرينية فأصبحت أمام مطالب كثيرة بضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عنهما مع حصولهما على الرعاية الصحية الكاملة وضمان أن يكون للإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان دور في القيام بأنشطتهم، ليبقى إطلاق سراح مثل هؤلاء الناشطين بمثابة الاختبار الحقيقي لالتزام البحرين المعلن بحقوق الإنسان وحرية التعبير.