حرب النجوم تعود من جديد، ليس على شاشات السينما أو على مستوى أدب ودراما الخيال العلمي، بل على مسرح السياسة الدولية، وهنا يبرز نجم الولايات المتحدة، بعد إعلان رئيسها دونالد ترامب قرارًا يدعو فيه بإحياء برامج لـ عسكرة الفضاء. فبعد أن فتحت أمريكا لنفسها جهات عدة على الأرض، رفع ترامب عينيه للفضاء ليعلن نيته فتح جبهة جديدة فضائية اقتضت أن يكون هناك “جيش سادس” مهمته عسكرة الفضاء والتحسب لمواجهة تكون فيها واشنطن ضد من يهاجمون الأقمار الفضائية الأمريكية.
تسلط “مواطن” الضوء على الخطط الأمريكية لغزو الفضاء وماذا تعني هذه القوة الفضائية؟ وكيف تسعى واشنطن للسيطرة على الفضاء عبر إنشاء برامج عسكرية فضائية والعمل على مواجهة النفوذ الفضائي الروسي والصيني؟.
منذ القدم وعند الحديث عن حرب عسكرية في الفضاء، بشكل تلقائي تذهب مخيلتنا إلى أدب ودراما الخيال العلمي على شاشات التلفاز والسينما أو ما يعرف بـ”أفلام حرب النجوم”، لأن مثل هذه الأحداث لم نرَها على أرض الواقع لكن ربما تحدث قريبًا في فضائنا الواسع بعد الاكتشافات العلمية التي تطورت على مدار نصف قرن تقريبًا وسعي كل دولة لبسط نفوذها في الفضاء، ففي نهاية الخمسينيات كان الفضاء لا يقتصر على مجالات الاكتشاف العلمي، بل تحول لساحة تنافس عسكري، من خلال استخدام الأقمار الصناعية في التجسس، وتوفير المعلومات للحكومات والقوات العسكرية.
بدأ الاهتمام بـ عسكرة الفضاء في عام 1957، عندما أطلق الاتحاد السوفييتي قمر “سبوتنيك 1″، ليكون مخصصًا للأغراض العسكرية، وذلك في إطار الحرب الباردة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بعد شهرين احترق القمر، الأمر الذي خلق معه سباقًا محمومًا بين القوى الدولية. فالصين بدا اهتمامها بهذا المجال وبشكل ملحوظ إلى أن أرسلت قمر “جاوفن 4” للفضاء عام 2015، وهو قمر أكثر تطورا ودقة في نقل الصور الملونة بدقة عالية ومراقبة التحركات في الدول المحيطة وكذلك رصد مساحة تبلغ نحو 7 آلاف كيلو متر مربع، بل تعدى الأمر وفقًا لما أعلنته مجلة “بوبيلر ساينس” العلمية وهي مجلة أمريكية، إلى مراقبة المواقع الاستراتيجية لعدد من الدول المحيطة، مثل مرافق أسلحة الدمار الشامل والقواعد البحرية والعسكرية، كونها تقع داخل نطاق رصد القمر وبالتالي تصبح المهام التي يقوم بها القمر عسكرية.
هيمنة أمريكية
ونتيجة اهتمام قوى دولية كبيرة مثل موسكو وبكين بالعسكرة الفضائية والتجسس الفضائي جاء الاهتمام الأمريكي بهذا المجال وضرورة العمل بشكل أكبر على أبحاث الفضاء، وبالفعل كان الاهتمام بالأقمار الصناعية ودراسات الفضاء والاكتشفافات العلمية، فوفقًا لإحصاء حديث لاتحاد أمريكي مهتم بالفضاء يطلق عليه (UCS)، بلغ إجمالي الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء حتى عام 2017، 1419 قمرًا، منها 146 قمرًا يمارس مهامًا وأغراضًا عسكرية، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة الدول التي تمتلك أقمارًا صناعية بإجمالي 576 قمرًا، أما الصين فتأتي في المرتبة الثانية، بـ181 قمرًا، في حين تمتلك روسيا 140 قمرًا، وهو ما يشير لسيطرة أمريكية على مجال الفضاء، إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام القليلة الماضية عن خطط لـ عسكرة الفضاء.
إعلان الرئيس الأمريكي عن إنشاء قوة فضائية أمرٌ يذكّر بـ”خطة حرب النجوم” التي طرحها الرئيس الأمريكى الأسبق “رونالد ريجان” عام 1983، حيث أشارت تقارير حينها إلى أن الولايات المتحدة كانت تنوي استثمار ـ800 مليار دولار لتطوير قواتها الفضائية بهدف مواجهة هجمات وتهديدات صاروخية فضائية وكان من المخطط نشرها بحلول عام 1994 فى الفضاء، لكنها أعلنت إلغاء الخطة فى بداية التسعينيات من القرن الماضي. وخطة “حرب النجوم” تلك عادت مرة أخرى للواجهة، لكن هذه المرة في ظل آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبح الفضاء يلعب دورًا فعالًا في كل مجال من مجالات الحرب الحديثة بعدما أصبحت العديد من التقنيات العسكرية تعتمد على الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار الفضائي للكرة الأرضية.
ساحة قتال
وبعد تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة، خرج كل من جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي ومايك بنس نائب الرئيس، ليوافقا ويدعما خطط ترامب لعسكرة الفضاء، وأكدا أن الوقت قد حان لكتابة فصل جديد في تاريخ القوات المسلحة الأمريكية والاستعداد القوي للمعركة المقبلة وإنشاء قوة الولايات المتحدة للفضاء، وتكريس ريادتها الفضائية ومواجهة جيل جديد من المخاطر التي تهدد الشعب الأمريكي ليكون عام 2020 هو الوقت المحدد لتدشين هذه القوة. وبالتالي تحقيق رغبة ترامب في عسكرة الفضاء واستعادة هيبة بلاده وتقوية مؤسساتها العسكرية والاقتصادية وإحداث التفوق العسكري الأمريكي بشكل مستمر.
انقسام الكونجرس
ومن داخل الكونجرس الأمريكي سيطرت حالة من الانقسام ما بين مؤيد للفكرة يراها خطوة نحو بسط النفوذ والهيمنة، وما بين معارض يرى أن مثل تلك القرارات سوف تستهلك ميزانيات مادية كبيرة وأن إنشاء قوة فضاء لا داعي لها ومكلفة وعديمة الجدوى، إذا ما قورنت بتأسيس سلاح الجو عام 1947، أما المؤيدون فيستندون لتخصيص مزيد من الموارد لقوة فضاء أو قيادة فضاء لمواجهة منافسي الولايات المتحدة مثل روسيا والصين اللذين يستعدان على نحو متزايد فيما يبدو لضرب القدرات الأمريكية في الفضاء في حال نشوب صراع.
موسكو تهدد وواشنطن تحذر
يبدو مما سبق أن هناك مخاوف فعلية من نفوذ روسي صيني في الفضاء، وهو الأمر الذي جعل ترامب يفكر جديا في إنشاء قوة فضائية بحلول العام 2020، حيث أبدت واشنطن قلقًا شديدًا من السعي الروسي للحصول على أسلحة منها نظام ليزر محمول لتدمير الأقمار الصناعية في الفضاء، فضلًا عن وضعها لجهاز مراقبة فضائي جديد في مدار حول الأرض، ففي تصريحات لها قالت إليم دي.إس. بوبليت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الحد من التسلح كلمة في مؤتمر للأمم المتحدة عن نزع السلاح في جنيف، إن تصرفات موسكو لا تتطابق مع أقوالهها. مشيرة في التصريحات التي نقلتها “الشرق الأوسط” إلى أن سعي روسيا للحصول على قدرات فضائية هو أمر مزعج نظرا لنمط السلوك الغريب الذي تتبعه موسكو خلال الفترة الأخيرة.
وتهديدات روسيا بإنشاء أنظمة ليزر لتدمير الأقمار الصناعية، جعلت واشنطن تفكر جديًا في مواجهة هذا التهديد فجاءت تصريحات دونالد ترامب وخططه لإنشاء قوته الفضائية وكذلك جاءت الخطط الأمريكية لمعالجة نقاط الضعف في الفضاء، وتكون القوة الجديدة مسؤولة عن مجموعة من القدرات العسكرية الأمريكية الحيوية في الفضاء، وكذلك تطوير قدرات تشمل كل شيء من الأقمار الاصطناعية التي يعمل بها نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي أس” إلى أجهزة الاستشعار التي تساعد في رصد إطلاق الصواريخ.
بكين تسعى للصدارة الفضائية
أما الصين فبخلاف محاولاتها المستمرة لاجراء اختبارات صاروخية في الفضاء وإجراء تجارب لغارات صوتية وصواريخ مضادة للأقمار الصناعية ذكرت تقارير سابقة أن بكين لديها خطوات مستمرة في هذا المجال من أجل أن تثبت حضورها في ساحة الفضاء العالمي، فوفقًا لما ذكرته صحيفة ” واشنطن تايمز” فإن القوات الحربية الفضائية الصينية تعمل على تطوير برامج فضائية عسكرية وصواريخ نووية وقوات معلوماتية ووحدة جيش إلكتروني، واستخبارات متخصصة في تحليل الإشارات الإلكترونية، وهذا النوع من الاستعداد الذي تقوم به بكين يشير إلى استعدادها لخوض حرب فضائية وأن تكون حاضرة وبقوة على الساحة الفضائية لتنافس بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى هي الأخرى لكبح جماح العسكرة الفضائية الصينية والروسية وأي نفوذ آخر في الفضاء وبما يتيح في النهاية مبدأ السيادة التامة على الفضاء، وقد اعتبر تقرير حديث صادر عن البنتاجون أن الصين تعزز من قدراتها في الفضاء، ووفقًا لما نشرته وكالة “سبوتنيك” للأنباء، أكد البنتاجون أن جيش تحرير الشعب الصيني يواصل تعزيز قدراته العسكرية في الفضاء على الرغم من موقفه العلني ضد عسكرة الفضاء، كما أن الجيش الصيني زاد من مساحة منطقة العمليات فوق المياه وحصل على خبرة في المناطق البحرية الهامة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء تطوير برنامج الفضاء العسكري الصيني.
تنديد ورد
نددت مؤخرا وبشكل رسمي فيي جنيف، أمريكا بمشروع روسي صيني لإبرام معاهدة حول الوقاية من نشر السلاح في الفضاء، واستخدام القوة ضد أجسام في الفضاء أو التهديد بذلك، حيث لفت المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة روبرت وود في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء “رويترز” إلى ثغرات هائلة» في المشروع، فيما رأت يليم بوبليتي وهي مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون مراقبة التسلح، أن المشروع به شوائب كثيرة. وأضافت أن الجهود الخبيثة التي لا طائل منها، ليست الحل لتسوية هذه المشكلة، متهمةً موسكو بـمواصلة تطوير أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية ونشرها، بينها نظام ليزر محمول لتدمير الأقمار الصناعية في الفضاء، ووضعها جهاز مراقبة جديد في مدار حول الأرض وهذا دليل آخر على أن تصرّفات الروس لا تتطابق مع أقوالهم.
وردًا على الاتهامات الأمريكية لموسكو، أعلن سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، أن بلاده مستعدة لتناقش مع الولايات المتحدة أحدث أسلحتها الاستراتيجية، رغم كونها خارج إطار معاهدة القوات النووية متوسطة المدى المُبرمة في ثمانينيات القرن العشرين”.
لقد أصبح الفضاء ميدانًا للقتال فترامب يشدد على أهمية القوة الفضائية المرتقبة والتي يقول إنها ستتيح اللحاق بالمنافسين، وطالب من الكونجرس الموافقة على ميزانية قيمتها ثمانية مليارات دولار للأعوام الخمسة المقبلة لتمويل هذه القوة التي من المفترض أن تتصدى لطموحات كل من روسيا والصين وأي قوة أخرى منافسة لواشنطن في هذا المجال، لكن الصين أكدت رفضها تحويل الفضاء الخارجي لساحة حرب كما جاء على لسان سفيرها لشؤون نزع السلاح فو كونج الذي دعا لإجراء مناقشات جوهرية حول الفضاء الخارجي، ومن جهتها عبرت أمريكا عن قلقها من سعي موسكو للحصول على أسلحة فضائية، وبالتالي تتمسك واشنطن بخيار القوة الفضائية فهل ينتقل صراع زعامة العالم من الأرض إلى الفضاء هذا ما ستكشفه الفترة المقبلة إن كانت واشنطن عازمة فعلًا على بناء جيش فضائي لمواجهة منافسيها أم لا.