واقع حرية الصحافة في عمان لا يمكن فصله عن واقع حرية التعبير بشكل عام في دول الخليج العربي. وهذا يعود إلى ثلاثة أسباب تتشارك فيها كل الدول الخليجية: أولا: أشكال النظم الحاكمة في الخليج القائمة على الوراثة واستبداد السلطة. ثانيا: استبداد المجتمع باسم العادات والتقاليد. ثالثا: استبداد التأويلات الدينية باسم الحرام والحلال.
جميع تلك الأسباب هي نسق تفكير وإطارات تعايش ألفت عليها السلطات والناس بشكل عام في هذه الدول؛ والخروج عنها يعد خروجا عن تلك الأنساق، وتلك الأطر المتعارف عليها. إذن بشكل عام هناك ثقافة سائدة قد نستطيع أن نطلق عليها ثقافة القطيع تربت عليها المجتمعات الخليجة، وأصبحت تخاف وتتوجس الخروج عن رغبات القطيع، وتنكر وتحارب كل من يحاول الخروج عن هذه الثقافة السائدة. فمن يخرج عن سياسة السلطة يعد خائنا وعميلا وناكرا لفضل السلطة عليه، ومن يخرج عن سائد الدين يعد زنديقا ومهرطقا وقد يكفر كذلك، ومن يخرج عن سائد الموروث الاجتماعي يعد شاذا وتسقط عنه صفة المروءة وقد تنكره القبيلة.
لكن في هذه القراءة القصيرة سنركز على الجانب السياسي ودوره الرئيس والمباشر في واقع حرية الصحافة في عمان فقط. هنالك محددان رئيسان يرسمان إطار واقع حرية الصحافة في عمان:
١- الفلسفة الإعلامية للسلطة
السلطة في عمان تتبع فلسفة الإعلام التنموي، ولتقريب الصورة لمعنى هذا المفهوم، سأستخدم المحاجة السائدة والمتكررة التي تستخدمها السلطات الأمنية في التحقيقات عند كل معتقل رأي، “لماذا لا تنظر للجزء المملوء من الكأس؟”. السلطة في عمان تفهم أن الصحافة هي مجرد نقل الصورة الجيدة فقط عن طريق إظهار جوانب التنمية في الدولة وشكر السلطة على ذلك. بيد أن الأمر لا يتوقف على ذلك، حيث يتم تشويه المعلومة أحيانا وإخراجها عن حيزها الطبيعي عن طريق تفخيم بعض الأخبار وإظهارها كأنها إنجازات كبيرة جدا وجب الوقوف عندها والاحتفاء بها.
لكن الأنكى من ذلك، أن السلطة لا تتقبل الصحفي أو المؤسسة الصحفية التي تسأل لماذا الجزء الفارغ من الكأس فارغ حتى لو نظر للجزء المملوء من الكأس كما ترغب السلطة. فكل أنواع النقد في كل أشكالها الصحفية سواء كانت التحقيقات الاستقصائية أو مقالات الرأي أو حتى الأخبار والتقارير السطحية تعد مرفوضة من قبل السلطة حتى لو لم تكن تخالف القوانين. ولهذا تكتفي كل الصحف في عمان -في الغالب- بالأخبار التي يتلقونها من أقسام العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية والخاصة. وهذا النوع من الصحافة أصبح يطلق عليها صحافة العلاقات العامة أو صحافة الإيميلات.
٢- التشريعات والقوانين
حرية الصحافة إحدى الركائز الأساسية لحرية التعبير. وحق التعبير عن الرأي من الحقوق التي ضمنها النظام الأساسي العماني في المادة 29 من الباب الثالث، حيث نصت هذه المادة على أن حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون.
لكن ما هي حدود القانون؟
أولا: قانون الجزاء العماني
هناك انتقادات عديدة من قبل محامين وناشطين سياسيين وحقوقين على بعض مواد قانون الجزاء بشكل عام أهمها:
– تعارضها مع مبدأ حرية التعبير والصحافة وحقوق المواطنة.
– معظم المواد التي لها علاقة بالحريات كانت فضفاضة ويمكن إساءة استخدامها.
لكن في 11 من يناير 2018، أصدر السلطان قابوس مرسوما نص على إلغاء قانون الجزاء السابق واستبداله بقانون جزاء جديد. إلا أن قانون الجزاء الجديد كما يراه مراقبون أتى مكرسا ومعززا بشكل أكبر لسلبيات قانون الجزاء السابق. وعدوه انحداراً حاداً على مستوى مختلف الحريات بما تضمنه من تهم فضفاضة وأحكام قاسية تصل لدرجة الإعدام والسجن المؤبد في بعض التهم.
يحتوي القانون الجديد عدة مواد غامضة التعريف ويمكن أن تستخدم بسهولة من قبل جهاز الأمن الداخلي المعروف بتاريخه الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان في استهداف:
– الباحثين في المجال السياسي والديني
– مدافعي حقوق الإنسان
– ناشطي الإنترنت
– الصحفيين
أمثلة من قانون الجزاء الجديد:
المادة 97: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (7) سبع سنوات كل من ارتكب علانية أو بالنشر طعنا في حقوق السلطان، وسلطته، أو عابه في ذاته.
المادة 118: يعاقــب بالسجـــن مــدة لا تقــل عـن (6) ستـــة أشهــر، ولا تزيــد على (3) ثــلاث سنــوات كل من حاز أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن تحبيذاً أو ترويجا لشيء مما نص عليه فـي المادة (116) من هذا القانون إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكذلك من حاز أو أحرز أي وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة مؤقتـة…….
المادة 123: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاثة أشهر، ولا تزيد على (6) ستة أشهر كل من دعا أو حرض على التجمهر.
المادة 269: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (10) سنوات كل من ارتكب فعلا من الأفعال الآتية :
– التطاول على الذات الإلهية، أو الإساءة إليها، باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي وسيلة أخرى.
– الإساءة إلى القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه.
– الإساءة إلى الدين الإسلامي أو إحدى شعائره، أو سب أحد الأديان السماوية.
– التطاول على أحد الأنبياء أو الإساءة إليه باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي طريقة أخرى.
المادة 267: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (300) ثلاثمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو وزع أو نشر أو عرض، ولو في غير علانية، كتابا أو مطبوعا أو رسومات أو صورا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء الخادشة للحياء أو المخلة بالآداب العامة.
ثانيا: قانون النشر والمطبوعات الصادر بمرسوم سلطاني سنة 1984:
المادة 25: لا يجوز نشر ما شأنه النيل من شخص جلالة السلطان أو أفراد الأسرة المالكة تلميحا أو تصريحا بالكلمة أو بالصورة، ولا يجوز التحريض ضد نظام الحكم في السلطنة أو الإساءة إليه أو الإضرار بالنظام العام أو الدعوة إلى اعتناق أو ترويج ما يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
المادة 26: يحظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرية سواء أكان النشر من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات.
مادة 27: لا يجوز نشر ما من شأنه الإضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة أو الوضع الاقتصادي للبلاد.
مادة 28: لا يجوز نشر كل ما من شأنه المساس بالأخلاق والآداب العامة والديانات السماوية.
نماذج لمصير مؤسسات صحفية تحدت الواقع:
جريدة الزمن:
– في يولو 2016، نشرت جريدة الزمن في عددين منفصلين تحقيقا صحفيا حول فساد رئيس المحكمة العليا ورئيس الادعاء العام.
– لكن تعرض رئيس التحرير ومدير التحرير وأبرز صحفيي الجريدة للسجن لفترات وأحكام متفاوتة وصل أشدها في مرحلة التقاضي الابتدائية 3 سنوات، وفي مرحلة الاستئناف سنة واحدة.
– وفي يوم التاسع من أغسطس 2016، أصدر وزير الإعلام قرارا بإغلاق الجريدة ووقف تداولها.
– وفي يوم الخامس من أكتوبر 2017، أصدرت المحكمة العليا قرارا نهائيا بغلق جريدة الزمن.
صحيفة البلد الإلكترونية:
– في الثلاثين من أكتوبر 2016، أعلنت صحيفة البلد عبر بيان نشر في موقع الصحيفة عن توقف البلد عن النشر. ولكن البيان لم يوضح السبب الرئيسي للتوقف رغم التلميح في البيان إلى “ضغوط” تعرضت لها الصحيفة. وحسب المركز العماني لحقوق الإنسان، فإن رئيس التحرير كان قد تم استدعائه من جهاز الأمن الداخلي (المخابرات) واحتجازه للتحقيق مدة 3 أيّام، وبعد إطلاق سراحه تم نشر بيان التوقف. وحسب مصدر المركز، فإن السبب الرئيس -إضافة إلى أسباب أخرى- إلى استدعاء رئيس التحرير، كان بسبب نشر البلد تقريرا مترجما عن وكالة رويترز، أشار إلى أن عمان أحد الدول التي يتم تهريب السلاح منها إلى اليمن.
شبكة مواطن الإعلامية:
– في يوم الثالث من مايو 2017، يوم حرية الصحافة، قامت السلطات بحجب موقع مواطن، تزامنا مع إعلان مواطن عودتها إلى النشر مجددا.
– وكانت مواطن قد أعلنت سابقا في الرابع عشر من يناير 2016 توقفها عن العمل بعد تكرر تعرض عدد من العاملين فيها لمضايقات أمنية مثل الاعتقالات والتهديدات.
– كما تعرض سابقا مؤسسها ورئيس تحريرها، لمضايقات أمنية في عمان تمثل آخرها في سحب جواز سفره ووثائقه الشخصية بعد منعه من السفر، وتعرض قبلها لعدة تهديدات واعتقالات.
– في السابع عشر من يوليو 2015، قرر رئيس تحرير مواطن الخروج من عمان والاتجاه إلى المملكة المتحدة لطلب اللجوء السياسي.
– لا زال موقع مواطن محظورا حتى الآن في عمان وبعض الدول الخليجية، ولا زال يلاحق أمنيا كل من له علاقة بمواطن.
خاتمة:
العمل في المجال الصحفي في عمان والخليج العربي بشكل عام، مجال آمن وغير محفوف بالمخاطر ما دام الصحفي أو المؤسسة الصحفية لم تخرج عن الإطار العام الذي رسمته السلطة عن طريق أجهزتها الأمنية. وهذا يسري على كل المؤسسات الصحفية سواء كانت حكومية أو خاصة، وكل أشكال الإنتاج الصحفي سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا. وهذا الإطار العام يتلخص في الآتي: لا تنتقد بشكل مباشر وغير مباشر الحاكم وأسرته وأجهزته الأمنية، لا تنتقد أداءه الإداري في كل مؤسسات الدولة التي يديرها مهما كان مخيبا. وفي الحالة العمانية، السلطان قابوس يمتلك كل السلطات في عمان ويدير كل مؤسسات الدولة العليا، ولهذا من الأفضل ألا تنتقد إطلاقا وانس ما تعلمته حول معنى الصحافة بشكل عام والصحافة الاستقصائية بشكل خاص، وأحرص على تمجيد كل ما يقوم به هو وحكومته.
الهوامش:
- منذ انطلاقة مواطن من لندن في يوم حرية الصحافة الثالث من مايو ٢٠١٧ حتى الان، تم شراء واستخدام أكثر من دمين Domain للموقع كأحد الحلول التي اتبعتها مواطن لتجاوز الحجب. كذلك قدمت منظمة مراسلون بلا حدود نفس الآلية تقريبا لقراء مواطن لتمكنهم من تجاوز الحجب.
- معظم ما نشر في هذه المقال، تمت ترجمته إلى العربية من المادة الأصلية التي نشرت باللغة الإنجليزية لمتطلب أكاديمي في مرحلة الماجستير.