أصبحت الصحافة جزءًا لا يتجزأ من الكيان السياسي والاجتماعي في أي مكان من المعمورة، والصحافة لما لها من خصائص ومميزات أصبحت تحتل مكانا مرموقًا ومتميزًا عن سائر وسائل الإعلام الأخرى، فهي تستطيع أن تتوجه إلى جماهير متنوعة في أنحاء شتى، وتستطيع الصحافة أن تكون رأيًا عامًا حول قضية معينة، وهي بذلك تضع الجدول اليومي للحياة الاجتماعية للشعوب، لتكون أداة رئيسة في تشكيل الرأي العام في أي مجتمع.
وتلعب الصحافة ولا سيما المستقلة منها دورًا بارزًا في الحياة السياسية من خلال خلق مجتمعات ديمقراطية معاصرة، والتي بلغت من التأثير إلى حد تسميتها السلطة الرابعة بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. والصحافة المستقلة هي تلك التي لا تتبع أي جهة سياسية سواء كانت هذه الجهة أحزاب أو حكومة، وفي الوقت نفسه لا تتبنى أيديولوجية بعينها، وإنما تُفرد صفحاتها لمختلف الآراء والأفكار في شتى الاتجاهات السياسية والمذاهب الفكرية، حتى وإن كانت تتناقض مع بعضها البعض، وتحاول الصحف المستقلة أن تتحرى الموضوعية والحيادية فيما تقدمه من مواد للقارئ.
لاقت الصحف المستقلة انتشارًا واسعًا نظرا لما تقدمه من مادة تحترم القارئ، ومحاولتها تحري الدقة والموضوعية في الأخبار، وتحقيقاتها التي تعكف على كشف ملفات الفساد، وجدت بعض أنظمة الحكم المختلفة لا سيما المستبدة منها، أن هذا النوع من الصحف يهدد مستقبلهم لا سيما كبار المسؤولين، فما كان منهم إلا عرقلة مسيرة هذه الصحف بطرق مختلفة منها ما كان عبر القضاء من خلال رفع دعاوى قضائية ضد هذه الصحف بتهم مختلفة، أو عبر تحالف الحكومات والشركات التابع لها هذه الصحف في محاولة لتكميم الأفواه وإسكات الألسنة الحرة المستقلة.
وفي هذا الصدد تقول رنا صباغ وهي المديرة التنفيذية لمنظمة “صحفيون من أجل صحافة استقصائية عربية” (ARIJ)، في مقال سابق لها إن “الأمن ، وليس الديموقراطية ، هو الآن أولوية قصوى لبعض العرب، لقد ولت الشعارات الشعبية في السنوات الماضية مثل: العدالة الاجتماعية، حكم القانون، إنهاء الفساد المستشري، القيم الديمقراطية، الحق في المعلومات ووسائل الإعلام المهنية”، مضيفة أنه “من المثير للقلق، أن تحالف الحكومات وشركات الإعلام الخاصة ، فضلاً عن الجمهور العادي ، قد وضع نفسه في مواجهة الأصوات المعارضة التي يتم تصويرها على نحو متزايد كتهديد لأمن الدولة، ويواجه الصحفيون والكتاب والأكاديميون، الرقابة والمحاكمات التعسفية والعنف، ولقد تخلى العديد من الصحفيين عن النضال من أجل مزيج من الأسباب منها: الخوف، أو رغبة انتهازية لإرضاء الحكام الجدد مقابل الحصول على مكاسب شخصية”.
“مواطن” تلقي الضوء في السطور التالية على موقف بعض الحكومات العربية من الصحافة المستقلة في كل من البلدان التالية: عمان باعتبارها إحدى دول الخليج العربي، مصر كنموذج بلدان الربيع العربي التي ثار شعبها من أجل الحرية وضد تكميم الأفواه، وأخيرا المغرب التي كانت بمنأى عن الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة قبل 7 سنوات.
عُمان.. تضييق واسع
جاءت سلطنة عُمان في المركز 127 ضمن الترتيب العالمي لحرية الصحافة لعام 2018،الصادر عن “مراسلون بلا حدود”، وفي تقرير له أفاد مركز “الخليج لحقوق الإنسان” أن سنوات حكم السلطان قابوس بن سعيد تميزت بسعي القوات الأمنية الدؤوب وفي مقدمتها جهاز الأمن الداخلي من أجل مصادرة الحريات العامة ومن ضمنها حرية الصحافة والزج بمدافعي حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين والمدونين وغيرهم من الناشطين في السجون وتعذيبهم وترهيبهم كي يتركوا نشاطهم السلمي والشرعي في مجال حقوق الإنسان أو التعبير عن آرائهم بحرية حول الشؤون العامة لبلدهم أو التحدث عن الفساد المستشري في الأجهزة والمؤسسات الحكومية.
وهو ما أكده مديرالمركز العماني لحقوق الإنسان، الناشط الحقوقي نبهان الحنشي في مقال سابق له بعنوان ” الصحافة في عمان: قوانين تكرّس التضييق على الحريات” نشر على موقع “رابطة الصحافة البحرينية” ، بقوله إن سلطنة عمان شهدت في عام 2011 احتجاجات واسعة في أكبر المدن، مثل العاصمة مسقط، وصحار وصلالة وصور. إلا أن الحراك الاحتجاجي على أرض الواقع لم يكن هو ما ينقله الإعلام أو الصحافة، وتابع “رغم أن سقف حرية العمل الصحفي المحدود معروفة للجميع قبل أحداث 2011، إلا أن هذه الأحداث أعطت تأكيدًا على وجود خلل في العمل الصحفي وضرورة إيجاد البديل عن الإعلان الرسمي، أو حتى الخاص الذي تتحكم بسياسة تحريره أجهزة الدولة الأمنية”.
ويرى الكاتب الصحفي رشيد خشانة في مقال له بعنوان “سلطنة عمان : الإعلام المُستقل ضحية لتضييق مجال المشاركة”، نشر على موقع “المرصد العربي للصحافة” أن الإعلام في سلطنة عُمان يخضع لسيطرة السلطات، التي تُراقب أيضا مختلف مظاهر العمل الأهلي ولا تسمح بانتقاد المسؤولين”، مضيفا “ويدلُ التعاطي المتشدد مع الإعلام المستقل في عُمان على مخاوف السلطات من تطوُر احتجاجات جديدة تعيد البلد إلى أجواء المظاهرات التي اندلعت في ولاية صُحار (شمال) غير بعيد عن الحدود المشتركة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في سياق الربيع العربي بين يومي 17 يناير و 6 مايو 2011، ثم انتقلت إلى صلالة عاصمة ولاية ظفار، حيث احتل المتظاهرون ساحة الولاية على مدى أشهر، وصولا إلى العاصمة مسقط”.
ولعل أبرز انتهاكات الدولة ضد الصحافة المستقلة في عُمان ما قامت به السلطات في التاسع من أغسطس 2016 من إغلاق جريدة “الزمن”، وهي من الصحف المستقلة في عمان التي تميزت بالجرأة في الطرح أحيانا، بسبب تغطية قضية فساد في السلطنة، وتعــرض رئيــس التحريــر ومديــر التحريــر وأبــرز صحفيــي الجريــدة للتحقيق والســجن لفتــرات وأحــكام متفاوتـة.
وتعقيبا على إغلاق جريدة “الزمن”، نقلت وكالة الأنباء العمانية الرسمية عن الحكومة قولها إن “ما نشر لم يضرب بعرض الحائط أبجديات حرية التعبير فحسب بل دخل بها في مزالق الإضرار بأحد أهم المرافق التي يتأسس عليها كيان الدول وهو مرفق القضاء”.
كذلك توقف صحيفة البلد الإلكترونية في 30 أكتوبر 2016 عن النشر، بالإضافة إلى استدعاء رئيس التحرير والتحقيق معه، وحسبما أفاد المركز العماني لحقوق الإنسان فإن سبب توقف الصحيفة عن النشر جاء بسبب ضغوطات مورست عليها بعد تقرير نشرته الصحيفة نقلا عن وكالة “رويترز” أشار إلى أن عُمان إحدى الدول التي تم تهريب السلاح منها إلى اليمن.
وذكر مركز “الخليج لحقوق الإنسان” أن السلطات العُمانية أوقفت مشاريع أخرى تنتقد الحكومة، من بينها حجب الموقع الإلكتروني ل “مواطن”، المستقلة في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى ما صرحت به منظمة “هيومان رايتس ووتش” أن السلطات العمانية منعت أسرة رئيس تحرير “مواطن” ومؤسسها محمد الفزاري -المقيم حاليا في المملكة المتحدة- من السفر خارج عمان.
ويؤكد رئيس تحرير “مواطن”الكاتب والصحافي محمد الفزاري في مقال نُشر على مواطن “إن العمـل فـي المجـال الصحفـي فـي عُمان والخليج العربي بشـكل عام، مجال آمن وغير محفوف بالمخاطـر مـا دام الصحفـي أو المؤسسـة الصحفيـة لـم تخـرج عـن الإطـار العـام الـذي رسـمته الســلطة عــن طريــق أجهزتهــا الأمنيــة، وهــذا يســري علــى كل المؤسســات الصحفيــة ســواء كانت حكومية أو خاصة، وكل أشـكال الإنتاج الصحفي سـواء كان مرئيًا أو مسـموعًا أو مقروءًا”، مضيفًا “وهـذا الإطـار العـام يتلخـص فـي الآتـي: لا تنتقـد بشـكل مباشـر وغيـر مباشـر الحاكـم وأسـرته وأجهزتـه الأمنيـة، لا تنتقـد أداءه الإداري فـي كل مؤسسـات الدولـة التـي يديرهـا مهمـا كان مخيبــا”.
وتابع “فــي الحالــة العمانيــة، الســلطان قابــوس يمتلــك كل الســلطات فــي عمــان ويديــر كل مؤسسـات الدولـة العليـا، ولهـذا مـن الأفضـل ألا تنتقـد إطلاقـا وانـس مـا تعلمتـه حـول معنـى الصحافـة بشـكل عـام والصحافـة الاسـتقصائية بشـكل خـاص، وأحـرص علـى تمجيـد كل مـا يقـوم بـه هـو وحكومتـه”.
الصحافة المستقلة في مصر.. حجب عشرات المواقع
قبل نحو عام حجبت السلطات المصرية عشرات المواقع الإلكترونية الإخبارية مثل “مصر العربية” و”مصريون” و”البورصة”، ومواقع تابعة لمنظمات حقوقية مثل “هيومان رايتس ووتش” و”مراسلون بلا حدود”، وذلك في خطوة اُعتبرت انتكاسة للازدهار الذي شهده الإعلام الخاص الذي أسهم في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وكذلك تعد هذه الإجراءات خطوة لسد المجال أمام وسائل الإعلام المستقلة باستثناء تلك المؤيدة للحكومة.
وقد حذرت منظمات المجتمع المدني من تسييس الصحف المستقلة في مصر لصالح الدولة، ما يعد اعتداءً على حرية الرأي والتعبير، ففي تقرير لها قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي إحدى منظمات المجتمع في مصر، إن الصحافة المصرية باتت أسيرة أجهزة الدولة المعادية لحرية الصحافة وحرية التعبير، معتبرة أن ممارسة الصحفيين لدورهم بشكل مهني أصبح محفوفًا بالمخاطر، مع تزايد الحصار والحجب والمصادرة.
وفي خطوة أخرى تدل على التضييق على الصحف المستقلة، تعرض موقع صحيفة “المصري اليوم” للحجب وهي من الصحف المستقلة، وأيضا إحالة رئيس تحريرها ومحرر بالجريدة للتحقيق، بالإضافة إلى إلزام الجريدة نشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات بنفس المكان ونفس المساحة، وكذا توقيع عقوبة مالية قدرها 150 ألف جنيه على الصحيفة، وذلك على خلفية نشر خبر على موقع الصحيفة يتعلق بحشد الدولة للناخبين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الجنرال عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية، واستخدام الدولة عبر مؤسساتها وأجهزتها ومصالحها الحكومية لسياسة الترهيب لحث المواطنين على النزول والمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعد مخالفة صريحة لمواد الدستور الذي ينص على عدم استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية.
وفي نفس السياق فرضت لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى للإعلام غرامة مالية قدرها 50 ألف جنيه على موقع “مصر العربية” –أحد المواقع الصحفية المستقلة في مصر- وكذلك اعتقلت قوات الأمن رئيس تحرير الموقع الكاتب الصحفي عادل صبري مطلع أبريل الماضي حتى إخلاء سبيله في التاسع من يوليو 2018 بكفالة مالية، بعد نشره تقريرا صدر في 29 مارس الماضي، بعنوان “نيويورك تايمز.. المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”، بزعم مخالفته للقواعد المهنية، وذلك بالرغم من اتباع الموقع للمهنية ونسبه للخبر إلى صحيفة نيويورك تايمز، ولكن اللجنة اعتبرته مسؤولا عن نشر خبر كاذب من دون تدقيق أو تحقق من صدقه أو التعليق عليه برأي.
وفي سياق متصل صرح الكاتب الصحفي حسام السكري عبر صفحته على موقع “فيسبوك”، أن جريدة الشروق “المستقلة” منعت نشر مقال له بالجريدة للمرة الثانية في أقل من شهر، وهو ما يعد موقفا معاديًا لحرية الرأي والتعبير الذي تفرضه الدولة على الصحافة المستقلة.
وقالت الشبكة العربية في تقريرها السابق إن “الانتهاكات والاعتداءات الصارخة المتكررة ضد حرية الصحافة وحرية التعبير كإطار أساسي تقوم عليه دعائم الدولة الديمقراطية باتت شيئًا من الماضي، وفضلا عن إخراس الأصوات المختلفة أو المهنية وتجاوز القانون بشكل منهجي، بتنا نشهد توقيع عقوبات قبل إجراء التحقيق، مثل غرامة (المصري اليوم)، قبل التحقيق مع مسؤوليها في مزاعم تجاوزهم، لتصبح مصر خالية من الصحافة المستقلة وحرية التعبير”.
ودانت الشبكة سلوك السلطات المصرية في استعمال سياسة التعتيم والتضييق على حرية الصحافة وتداول المعلومات، بدءًا من منع الظهور الإعلامي والنشر الصحفي، إلى حجب المواقع الإلكترونية لتتزايد الوتيرة مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى سياسة إحالة الصحفيين إلى التحقيق وتغريم الصحف بعقوبات مالية بالمخالفة للدستور الذي ينص في مادته الخامسة والتسعين على عدم جواز تطبيق عقوبة إلا بناء على حكم قضائي صادر من محكمة مختصة، كما تؤكد أيضًا أن حجب المعلومات ومنعها من قبل أجهزة الدولة، لن يمنع الحقائق والأفكار من الوصول إلى متلقيها.
وطالبت الشبكة سلطات الدولة بوقف كافة السياسات المقوّضة لحرية الرأي والتعبير، واحترام حرية تداول المعلومات، مع كفّ يدها عن المواقع والمنصات الإعلامية من الحجب، وإطلاق يد الصحافة الحرة دونما قيد أو شرط وفقًا للأطر الدستورية والقانونية وبالتوازي مع العهود والمواثيق الدولية.
المغرب.. ملاحقات قضائية وقطع الإعلانات عن الصحف المستقلة
حاز المغرب على المرتبة 135 من أصل 180 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة لسنة 2018، وذلك حسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، وقد دقت جمعيات ومنظمات حقوقية وإعلامية غير حكومية مغربية، ناقوس الخطر بخصوص ما يمكن وصفه بالمساس بحرية الصحافة والتضييق على الصحفيين.
وذكرت وسائل إعلام مغربية مختلفة فضلا عن تقارير لمنظمات دولية ومحلية أن السلطات تضيق الخناق على الصحفيين سواء بالسجن أو فرض غرامات أو الملاحقات الأمنية، ووصلت إلى حد الاعتداء خلال تغطيتهم لأحداث احتجاجية، ووُجهت لهم تهم عديدة منها المساس بأمن الدولة والسب والقذف ونشر أخبار كاذبة، نعرض أبرزها فيما يلي:
تعرض الصحفي رشيد البلغيتي للاعتقال بتهمة حيازة شيك بدون رصيد، وهو ما نفاه في ندوة صحفية عقب إطلاق سراحه، حيث أعلن أن الملف الذي تسبب في اعتقاله والتحقيق معه تقف وراءه جهة غير معروفة، عبثت بالملف على عدة مستويات، من المسؤولية الإدارية المحلية في مدينة طاطا وكذا الإقليمية وصولا إلى البنك الذي عرض حسابه لعملية قرصنة متوالية.
كذلك قرر القضاء المغربي فرض غرامة مالية على الكاتب الصحفي توفيق بوعشرين مدير جريدة “أخبار اليوم”، قدرها 30 ألف درهم، وتعويض قدره 450 ألف درهم لصالح وزيري الفلاحة والمالية، وذلك على خلفية دعوى قضائية رفعها الوزيران ضد بوعشرين بتهم نشر خبر زائف والسب والقذف، وتعود الواقعة إلى نشر الجريدة تحقيقًا صحفيًا حول سحب صلاحية الآمر بالصرف في صندوق تنمية العالم القروي، وهو صندوق يضم ميزانية مهمة (ستة مليارات دولار)، من يد رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، ووضعها في يد وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش.
ولم يتوقف الأمر عند حد القضاء، بل تعدى ذلك إلى قطع شركات تابعة لوزارة أخنوش للإعلانات عن الجريدة، وهو ما اعتبره بوعشرين سابقة من نوعها لاستعمال إعلانات الوزارة أداة لعقاب الجرائد التي لا يروق خط تحريرها سيادة الوزير. ويعد منهج قطع الإعلانات نوعا من العقاب المالي الذي قد يضع مواقع صحفية أو جرائد على حافة الإفلاس، وهو كابوس يكتم أنفاس حلم صحافة مستقلة.
ويرى الكاتب الصحفي علي أنوزلا في مقال له أن المغرب تميز عن باقي بلدان المشرق الذي شهد ثورات الربيع العربي، وما جنّبه تلك الأعاصير، بسبب هامش الحرية الذي ظل مرنًا، حتى في أحلك فترات القمع التي عاشها المغرب ويقصد هنا “سنوات الجمر والرصاص”، إذ ظلت صحف المعارضة آنذاك، في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وثمانيناته تصدر بعناوين على صفحاتها الأولى بالبنط العريض، تعارض وتنتقد وتحتج، ونادرًا ما كان الصحفيون يُقتادون إلى السجون، وأغلبهم آنذاك كانوا مناضلين في أحزابهم يمارسون السياسة أكثر مما يمارسون الصحافة، ومع ذلك، وحتى في حالات محاكماتهم، كانوا يُتابعون بقانون الصحافة، وليس بقانون آخر.
وانتقد أنوزلا قانون الصحافة الجديد في المغرب، معتبرًا إياه أنه تميز بالتراجعات الكبيرة التي شهدتها حرية الرأي والتعبير، ليس في المغرب فقط، وإنما في المنطقة برمتها، إثر نجاح “الثورات المضادّة” التي أفرغت شعارات ثورات “الربيع العربي” التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من كل محتوى.