“الحوار والشفافية أعتقد أنهما أفضل الطرق للوصول إلى خلاصة وخارطة طريق… لا يمكن أن تدرس المطالب من جانب واحد؛ فيجب إشراك كل الأطياف. الحوار يمهد للدراسة لأنك تستقي الأفكار من كل أطياف المجتمع. فأنا أعتقد أن الحوار والشفافية يجب أن تكونا هما المدخل في عملية الإصلاح. يجب ألا يتفرد أحد، لا الشارع ولا المثقف ولا الأكاديمي ولا رجل الدين ولا الجهات الرسمية في إطروحاته“.
هذا هو حسن البشام وهذه كلماته ما زالت تنبض بالحياة. هذا ما أكده في حواره مع د. سليمان الهتلان في برنامج حديث الخليج عبر قناة الحرة في سبتمبر من العام ٢٠١٢، يعني بعد قرابة أكثر من سنة ونصف منذ اندلاع الحراك الشعبي في عمان. تلك الدعوة، وتوقيتها الزمني لها عدة مؤشرات ومدلولات أهمها أن حسن البشام استمر مرابطا على موقفه محافظا على مبادئه رغم انتهاء الحراك منذ فترة طويلة واستفاد من استفاد، وسجن من سجن؛ وكان هو أحد من اعتقل وضيق عليه.
كذلك تعطينا مؤشرا واضحا لمستوى الوعي الذي كان يملكه هذا الإنسان الوطني الصادق على مستوى أطروحاته. ولهذا عندما قدمه المعتصمون كأحد المتحدثين باسم ساحة التغيير “دوار صحار سابقا” لم يأت ذلك من فراغ؛ فلم يكن حسن البشام أحد المعتصمين الذي دفعهم العوز أو البحث عن الوظيفة للمشاركة والاعتصام بحثا عن أهداف شخصية؛ بل إحساسه بالأهمية التاريخة لمثل هكذا حراك شعبي ونوعي في كسر تابوت الخوف والصوت الواحد، وخلق ساحة من الحوار الوطني بين الشعب والسلطة.
عاش البشام مرفوع الرأس ومات بشرف وهو خلف قضبان سجن الدولة الشمولية التي رفضت كل صوت مختلف ولو كان يدعو للحوار. فلا حوار مع سلطة مستبدة سواء كان على مستوى دولة الفرد أم دولة الأوليغارش. لكن البشام أصرألا يفهم هذه الحقيقة أملا منه أن يرى يوما عمان الجديدة التي طالما حلم بها. ولعله كان يؤمن في قرارة نفسه أنه لا يوجد أمل أن تتنازل السلطة ليس فقط عن صلاحياتها، بل حتى على مستوى الموافقة لتلبية دعوة الحوار مفتوح الذي هدفه الأول المضي نحو دولة المواطنة؛ لكنه أراد أن يكون الشمعة التي تحترق لتنير طريق الأجيال القادمة. مات جسد البشام لكن روحه ما زالت حاضرة بين جميع المواطنين الأحرار الصادقين الغيورين على عمان.. الماضي والحاضر والمستقبل.
اليوم نحن نجدد تلك الدعوة التي نادى بها حسن البشام والعديد من الإصلاحيين قبل ٢٠١١ وبعده. لا نرى أمام السلطة خيارا آخر إلا أن تلبي تلك الدعوة لو كانت فعلا يهمها أمر وسلامة الشعب العماني، قبل أن تدفعه الظروف مجبرا للخروج إلى الشارع. وستكون خطوة تحسب للسلطة كفعل مخطط له، وليس كما عودتنا دائما في الوصول متأخرة لتتعامل مع القضايا بردات فعل مستعجلة وغير مدروسة. حان الوقت للحوار الجاد الذي تكون أهم محدداته وكذلك نتائجه هو دولة المواطنة وليست دولة الوطنية. هذا المفهوم الذي تم إفراغه من مضمونه الحقيقي وتم استبداله من قبل السلطة بمضمون خاوٍ ومؤدلج يكرس لدولة المساكنة بدل المواطنة. لا نريد وطنية مفصلة على مقاسات السلطة..لا نريد أن ينظر لنا من قبل فئة منتفعة بأننا لم نعد مواطنين لأننا قررنا أن نطالب بحقوقنا. نحن نقولها بأعلى صوت، نحن مواطنون ولسنا ساكنين. لقد بلغنا ونستطيع أن ندير شؤوننا في دولة المواطنة.