لا أتوقع أن هنالك خيارا آخر عند المسلمين بخصوص حقيقة الإسلام و صورته النمطية اليوم، فأما أن يتمسكوا بمواقفهم بأن الإسلام دين محبة وسلام وتسامح وهذا يوجب عليهم منطقيا وعمليا تنقية السيرة المحمدية من كل ماهو مخالف لطبيعة هذا الإعتقاد، وتوقيف العمل بالنصوص المقدسة التي تدعو لغير ذلك سواءا كانت في السنة أو القرآن بحجة أنها أحكام توقيفية كانت صالحة لزمن وظروف معينة فقط، ولم تعد كذلك؛ وإما أن يعترفوا أن الإسلام مثله مثل المسيحية واليهودية في جوهره، ومثلما توجد هنالك نصوص متناقضة في العهد القديم والجديد بعضها يدعو إلى التسامح المحبة فكذلك هناك نصوص أخرى تحرض على كراهية الآخر المختلف وتدعو أحيانا إلى قتله. وهنا يتوجب عليهم فعل ما فعله مصلحوا وفلاسفة التنوير من دفع هذه النصوص إلى التأويل بما يتوافق مع تطور منظومة الأخلاق العالمية.
و ردة الفعل، التي أصبحت مشمئزة بعد كل حادثة إرهابية يقوم بها شخص مرتبط بالإسلام سواءا كان تنظيميا أو دينيا عن طريق ترديد عبارة مبتذلة وفيها تهرب عن الواقع وعدم مبالاة بدم الإنسان وأعني عبارة: “هذا الإرهابي أو هذا الفعل الإرهابي لا يمثلنا”، لم تعد كافية ولن تقدم حلولا جذرية بل مجرد تهرب غير واع عن أصل المشكلة وبها سقوط أخلاقي لاسيما لو تم تبرير الخطأ بخطأ آخر؛ فمن العار أن يبرر الدم البريء بدم بريء آخر! ومن العار أن يبرر الظلم بظلم آخر، أليس هذا هو منطق الإرهاب؟! ولأن الأخلاق مطلقة، ولأن المباديء لا تتجزأ؛ وجب رفض كل أشكال الإرهاب مهما أختلف المكان، وتعددت الأسباب، وتنوعت الأهداف، وتباينت المنطلقات والآديولوجيات، يبقى الإرهاب واحدا و النتيجة واحدة.
لا أنكر أن هناك أسبابا أخرى للإرهاب، وهناك أنواع كثيرة للإرهاب، وهناك كذلك استغلال من قوى كبرى عن طريق أجهزتها الاستخبارية لتأويلات الإسلام المتطرفة الراديكالية لصالح أجندتها الإمبريالية، بيد لو افترضنا جدلا وتجاوزا، أن كل تنظيم إرهابي خلفه مخطط استخباراتي، لا بد من وجود مفاتيح خاصة تستخدم لفتح أبواب تلك الأجندة وإحدى هذه المفاتيح الموروث المقدس. وأرى أن جميع التنظيمات الإسلاموية التي ظهرت بعد الصحوة الإسلاموية تشترك في المكون نفسه.جميع منابعها متشابه والتي يمكن حصرها في أربعة أسباب رئيسة: استبداد حكام العرب، و استبداد الغرب على الشرق، و طموحات عودة الخلافة الإسلامية المزعومة، و الموروثة المقدس الدموي، و طبيعة هذه الأسباب المكونة للعقل الجمعي الإرهابي متداخلة مع بع ضها البعض يصعب فصلها سواء على مستوى التشخيص أو العلاج.
و بعيدا عن التنظيرات اليوتيوبية التي تم طرحها منذ عدة عقود ولم تستطع حتى الآن أن تجمع بين واقعية الحياة وحقيقة الإسلام، و بعضها ساهم في مضاعفة الفجوة بينهما، هل هناك خيار آخر؟! واقعيا استمرار الإسلام بشكله القديم الذي مضى عليه أكثر من 14 قرن لن يودي بنا إلا إلى طرق نحن لا نريدها ولن يقبلها العالم منا، سواء على مستوى علاقتنا بالآخر او حتى على مستوى نظرتنا لأنفسنا بين الأمم.