في تاريخ10 مايو 2019، نشرت صحيفة المورنينغ ستار البريطانية تحقيقا صحفيا للصحفي الاستقصائي فيل ميلر بالتعاون مع ناشط عماني مقيم في لندن مهتم بالعلاقة التاريخية العمانية – البريطانية. ركز الاستقصاء على الدعم المالي المتتالي المقدم من سلطان عمان لبناء وتطوير متحف الجيش الوطني في أحد أرقى أحياء لندن، وسبب غياب ذكر عمان في المتحف أو علاقة الجيش البريطاني بعمان عدا اسم السلطان قابوس المنقوش على حائطين وذلك مقابل نصف مليون جنيه إسترليني. تنشر مواطن الاستقصاء مترجما إلى العربية.
ترجمة: خلفان البدواوي
من الاحتجاجات ضد رعاية شركة النفط البريطانية (بريتش بتروليوم) للمتحف البريطاني إلى المظاهرات ضد رعاية شركة شل لمعرض الصور الوطني، ما زال الجدل مستمرا حول من ينبغي له أن يمول مؤسساتنا الثقافية. الآن معلم آخر من معالم لندن تطاله أسهم الانتقاد وهذه المرة بسبب صلته بديكتاتور خليجي.
متحف الجيش الوطني، المجاور لمستشفى تشيلسي للمتقاعدين، هو هيئة عامة تصف نفسها بأنها “سلطة رائدة في الجيش البريطاني وتأثيره في المجتمع في الماضي والحاضر.” ولكن عندما قام لاجئ من عمان بجولة في المتحف مؤخراً، فوجئ بعدم رؤية أي ذكر تقريبا لما قامت به القوات البريطانية في وطنه الأم.
في آخر إحصاء، كان هناك ما يقارب من ٢٠٠ من الأفراد العسكريين البريطانيين متمركزون في عمان، أكثر من أي مكان آخر في الخليج، ومع ذلك فإن إحدى العلامات الوحيدة في متحف الجيش الوطني التي تشير إلى وجود صلة بين الجيش البريطاني وعمان هي لوحة شفافة تعلن “المتحف ممتن لما يلي لدعمهم السخي لمشروع التطوير الرئيسي في عام ٢٠١٧… الداعمين الرئيسيين… جلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد.”
ما لا يقوله المتحف هو أن السلطان قابوس هو الديكتاتور الأطول حكما في الشرق الأوسط، وتطاله اتهامات بقتل وتعذيب خصومه. ويعلق العماني ناشط الربيع العربي خلفان البداوي من منفاه: “لا يوجد شيء يعرض في متحف الجيش الوطني يذكر من هو السلطان وما هي أفعاله“.
ويضيف: “في أوائل سبعينات القرن الماضي، قامت القوات البريطانية بسحق تمرد يساري في عمان ونصبوا السلطان قابوس في السلطة منذ أكثر من نصف قرن تقريبا، لكنك لن تتعلم ذلك هنا“. كان الثوار العمانيون في أوائل السبعينات يشبهون إلى حد كبير فكريا وأيدولوجيا الثوار المقاومون الأكراد في سوريا اليوم، في تركيزهم بشدة على مبادئ الحكم الذاتي والنسوية.
إذن ربما ليس من المفاجئ أن يكون متحف الجيش الوطني صامتا إلى حد كبير حول تاريخ دعم الجيش البريطاني للديكتاتور العماني، خاصة عندما يستكشف المرء موارد المتحف المالية. تبرع قابوس بأكثر من نصف مليون جنيه إسترليني للمتحف في لحظتين حاسمتين خلال مراحل تطوير المتحف، وفقا لما توصل إليه بحث مشترك بين جريدة المورنينغ ستار والسيد البدواوي.
كان آخر تبرع قبل عقد من الزمن، عندما كتب رئيس مجلس أمناء المتحف آنذاك الجنرال السير جاك دفيريل إلى السلطان يطلب فيه دعما ماليا لبناء المرحلة ‘سي‘. كان هذا امتدادا طموحاً لموقع تشيلسي حيث تضم منطقة استقلال رائعة بجدران زجاجية ومرافق جديدة للزوار، تم الانتهاء منها في نهاية عام ٢٠١٧.
لتأمين الدعم المالي، دُعِيَ دفيريل ومدير المتحف إلى سفارة عمان في لندن لشرح أسباب ودرجة التمويل، وفقا للوثائق التي حصل عليها من خلال طلب حرية الحصول على المعلومات. بمجرد وصولهم للسفارة، أخبروا السفير أن أموال السلطان ستغطي قاعة اجتماعات “أرقى غرفة في المتحف، حيث تُتَّخذ القرارات الرئيسية وترفيه الأشخاص المهمين.”
كان الثنائي من متحف الجيش الوطني واثقين تماما من أن العمانيين سيشهقون فرحا عندما يعلمون أن السلطان “قد أعطي النظرة الأولى لمقترحات التطوير.” لم يكن حكمهم في غير محله، بحلول مايو ٢٠١٧ وبعد جولة في المتحف كتب السفير إلى دفيريل يبلغه أن منحة بقيمة ٤٠٠ ألف جنيه إسترليني كانت في طريقها.
التبرع الأول
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن هذه المرة الأولى التي لم يتخلَّ فيها السلطان قابوس عن مساعدة المتحف في تشيلسي. في الواقع، أشار إفصاح لطلب حرية الحصول على المعلومات إلى “العلاقة التاريخية بين عمان والمتحف وكرم السلطان في ١٩٧٨/١٩٧٩.” بعد طلب آخر لحرية الحصول على المعلومات، وُفِّرت مجموعة للفحص من الأوراق الصفراء المنقوش عليها الشعارات الرسمية للملك العماني.قام خلفان البدواوي بمعاينة المراسلات والوثائق التي بدأت في عام ١٩٧٧ بعد عام من هزيمة الانتفاضة اليسارية في عمان.
آنذاك، كان المتحف تحت إدارة المسؤول الاستعماري المخضرم، المارشال السير جيرالد تيمبلر. احتاج متحف الجيش الوطني إلى جمع ٦٠٠ ألف جنيه إسترليني لتمويل مرحلته الثانية من التطوير، “مساحة إضافية تبلغ ٢٦ ألف قدم مربع للمعرض ومكاتب إدارية.”
“المعرض الدائم سيستمر في عرض قصة الجيش البريطاني، الإمبريالية والاستعمارية من عام ١٩١٤ وحتى اليوم“، كما وأعدت خطة بناء التطوير.تحقيقا لهذه الغاية، التقى تمبلر مع تيم لاندون، ما يسمى بسلطان عمان الأبيض.كان لاندون جنديا بريطانيا سابقا ويعتبر من أكثر مساعدي السلطان قابوس ولاء وقربا، ويعتبر القوة الحقيقية خلف العرش في مسقط.
انضم إلى لاندون في الاجتماع العديد من الضباط القدامى للقوة المظلية الخاصة (SAS)، وكان واحد منهم على الأقل قد لعب دورا رئيسيا في قمع المتمردين العمانيين قبل الاجتماع ببضع سنوات.
لقد اقترحوا أن يقوم تيمبلربرحلة إلى عمان ستكون “موضع تقدير كبير من السلطان“وقد تساعد في تأمين دعم مالي. وحرصا على الإرضاء، توجهت إدارة المتحف إلى عمان في رحلة على متن الطيران السلطاني لمدة خمسة أيام، مع زوجاتهم، في بداية إبريل ١٩٧٨.
قام السلطان بإعطاء تيمبلر جولة خاصة في الإسطبلات السلطانية، والتي تفاخر بها تيمبلر لاحقا: “أنا، يا صاحب الجلالة، مدين جدا لك حقا.” لقد قامت الزيارة بالخدعة، وفي ذلك الشهر تعهد السلطان بتقديم ١٥٠ ألف جنيه إسترليني لخطة البناء.
غطت الأموال من مسقط ربع تكاليف المتحف وجعلت قابوس أكبر مانح فردي لخطة التطوير.
“يرغب صاحب الجلالة في تقديم هذه الهدية تقديرا للدور الذي لعبه الجيش البريطاني في العمليات العسكرية الأخيرة في بلاده،“، كما أوضح مسؤول عماني.
لم يكن التبرع سرا في ذلك الوقت، على الرغم من أنه نُسِيَ منذ فترة طويلة. قام مدير العلاقات العامة بوزارة الدفاع البريطانية ووزارة الخارجية البريطانية بإصدار بيانات صحفية حول هذا التبرع. أكدت البيانات أن تبرع السلطان كان محوريا في السماح لخطة البناء في المضي قدما وكان اعترافا بالدعم البريطاني المحوري لنظام قابوس.
صرح البيان الصحفي: “في تقديم هذه الهدية الكبيرة لمتحف الجيش الوطني، أعرب جلالته عن أمله في أن يؤكد على قوة العلاقة بين الجيش العماني ورجالات الجيش البريطاني الذين ساعدوا في تدريبهم وشاركوهم المعارك ضد عدو ماهر وحازم.”
كما أرسلت قائمة بجنود أوروبيين حصلوا على ميداليات أثناء القتال من أجل السلطان لعرضها في متحف الجيش الوطني. ومع ذلك، لم تعد تلك القائمة تظهر ضمن المعروضات الدائمة للمتحف.
حاليا، الإشارة الوحيدة إلى عمان في المتحف التي لاحظناها –بصرف النظر عن اسم السلطان قابوس المنقوش في حائطين– هي لوحة تحمل سنوات القتال في عمان.
اللوحة جزء صغير من عرض أكبر بكثير يسرد عشرات المعارك الأخرى التي خاضتها بريطانيا في جميع أنحاء العالم، دون ذكر أي تفاصيل عن الصراعات. الأموال العمانية قامت بالتمهيد وبناء المتحف، ولكن هو ليس المكان الذي يمكن للزائر العادي أن يتعلم فيه عن علاقة بريطانيا الخاصة بأحد أقدم الديكتاتوريات في العالم.