أثار قرار البرلمان البحريني بالموافقة على مرسوم بقانون يقضي بتعديل لائحته الداخلية فيما يخص صلاحياته في توجيه الأسئلة إلى أعضاء مجلس الوزراء انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لما رآه المراقبون والمغردون أن التعديلات أدت إلى تقييد صلاحيات النواب في استخدام أداة سؤال البرلمان البحريني ، هذا وبالإضافة إلى أن موافقة المجلس تأتي مخالفة لرأي لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس التي أوصت برفض المرسوم بقانون، مما دفع بعض النواب لتبرير قرارهم بالتركيز على كون التعديلات قد وسعت دائرة المساءلة لجميع أعضاء مجلس الوزراء (ما عدا ولي العهد وهذا سنناقشه لاحقاً) على الرغم من أن تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية تضمن إشارات واضحة وصريحة إلى العيوب الكثيرة التي تضمنها المرسوم بقانون.
الجدل حول التعديلات يكشف عيوبًا خطيرة في طريقة تعاطي كل من الحكومة وأعضاء البرلمان البحريني مع أدواتهما القانونية والدستورية، فمن جانب تخلط الحكومة أوراق القواعد الدستورية حتى تصبح بلا معنى، ومن جانب آخر يتعاطى النواب مع أدواتهم التشريعية بطريقة تعكس غيابًا تامًّا للثقافة القانونية والسياسية، وسنبين ذلك عبر تحليل نصوص المرسوم بقانون بالإضافة إلى التعديل الدستوري الذي أتى المرسوم بناءً عليه.
كما أشرنا أعلاه فإن المرسوم بقانون رقم (49) والمرسوم بقانون رقم (50) لسنة 2018 بشأن تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لمجلسي النواب والشورى جاءا تفعيلاً للتعديل الدستوري الذي أُقر بأواخر العام 2018 للمادة (91) من الدستور الذي أعاد منح مجلس الشورى حق توجيه الأسئلة إلى الوزراء بعد أن سُحبت منه على إثر التعديلات الدستورية للعام 2012 التي أتت في ظل حراك الربيع العربي بالبحرين عام 2011. وقتها قالت الحكومة إن التعديل يهدف إلى جعل الرقابة السياسية والمساءلة من اختصاصات مجلس النواب منفرداً دون مجلس الشورى، أما اليوم فهي ترى أن أداة السؤال البرلماني من الأدوات المهمة التي تمكن عضو مجلس الشورى من أداء مهامه بالحصول على البيانات والمعلومات!
وزير عادي ووزير غير عادي
قبل الخوض في المسائل المحيطة بالتعديلات سنناقش التعديلات نفسها. أدخل المرسوم بقانون 8 تعديلات أساسية (أنظر: “تعليقات عامة على التعديلات“آخر المقال) على مواد اللائحة الداخلية لمجلس النواب المتعلقة بأداة السؤال البرلماني، أبرزها كان تعديلاً لنص المادة (133) من اللائحة الداخلية الذي وسع من دائرة المشمولين بإمكانية توجيه الأسئلة إليهم لتشمل جميع أعضاء مجلس الوزراء بعد أن كانت تشمل الوزراء فقط، أي أنها الآن تشمل رئيس مجلس الوزراء ونوابه إلى جانب الوزراء، وهذا ما تقصده العبارة “الوزراء أو غيرهم من أعضاء مجلس الوزراء“.
ويبدو ظاهراً أن التعديل يمثل توسيعاً لصلاحيات النواب في استخدام أداة السؤال إلا أن المواد الأخرى بالمرسوم بقانون حددت إجراءات مختلفة لتوجيه السؤال لرئيس مجلس الوزراء ونوابه أدت إلى خلق، من الناحية القانونية، فئتين من الوزراء – الأولى هم الوزراء “العاديون” الذين يمكن توجيه الأسئلة إليهم كتابةً وطلب حضورهم إلى المجلس في حال عدم إجابتهم كتابةً لمناقشة موضوع السؤال مع النائب صاحب السؤال، والثاني هم “أعضاء مجلس الوزراء – من غير الوزراء“الذين لا يحق للنواب أن يطلبوا حضورهم إلى المجلس للإجابة على السؤال ومناقشته، إذ حدد أن “لا تكون الإجابة… في هذه الحالة إلا مكتوبة“، كما منح هذه الفئة الثانية حق تأجيل الإجابة لعشرة أيام بينما منح الوزراء العاديين حق التأجيل لمدة سبعة أيام فقط، كل ذلك نظراً “للمسؤوليات الكبيرة التي يختص بها المشمولين بالتعديل“.
وأضافت المذكرة التفسيرية للتعديل الدستوري لعام 2018 أن استخدام أداة سؤال البرلمان البحريني في حالة توجيهه إلى رئيس الوزراء ونوابه “لا يتطور إلى أي شكل من أشكال المساءلة” ويجب أن لا يتضمن “أي شكل من أشكال النقد أو اللوم“، على الرغم من أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب ربطت بين أداة السؤال وأداة الاستجواب فيما يخص الوزراء العاديين في المادة (142) بالعبارة“لا يجوز تحويل السؤال إلى استجواب في ذات الجلسة“، وكذلك في المادة (146) بالاعتبار أن مقدم طلب الاستجواب قد تنازل عن “أية أسئلة يكون قد سبق له أن تقدم بها في ذات موضوع الاستجواب“. فالإجراءات الخاصة التي حددها التعديل بالنسبة إلى توجيه الأسئلة لرئيس مجلس الوزراء ونوابه خلقت مفهومين لأداة السؤال البرلمان البحريني – الأول يحمل معنى المساءلة حين يوجه للوزراء العاديين والثاني يحمل معنى الاستعلام البحت حين يوجه لرئيس الوزراء ونوابه، والهدف من ذلك هو تحصين رئيس الوزراء ونوابه من المساءلة والانتقاد.
وما يدعم هذا التحليل هو تطبيق شرط الرد على الأسئلة كتابة فقط دون مناقشتها في الجلسة إذ نصت المادة (91) من الدستور المعدلة أن “لا تكون الإجابة على أسئلة أعضاء مجلس الشورى إلا مكتوبة“، وهذا يمنع إثارة النقاش بين السائل والوزير أثناء الجلسة، وعليه لا يتضمن السؤال في هذه الحالة معنى النقد أو المحاسبة وإنما الاستعلام وطلب البيانات فقط، حسب ما جاء في المذكرة التفسيرية.
ولي العهد: نائب الملك أم نائب رئيس الوزراء
وهذا ما يدخلنا إلى موضوع شائك آخر وهو موقع ولي العهد كعضو في مجلس الوزراء –النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء– والذييحتفظ اليوم بصلاحيات تنفيذية بتعيين موظفي درجة المدراء في جميع وزارات الدولة وكذلك يترأس مجلس إدارة مجلس التنمية الاقتصادية. فهل يمكن توجيه الأسئلة إليه أم أنه خارج دائرة المشمولين بالتعديل الجديد؟
أشارت الصحافة إلى أن ولي العهد غير مشمول في دائرة المشمولين بالتعديل “لكونه نائباً عن جلالة الملك“، وهذا الوصف يثير الاستغراب لأن منصب ولي العهد كعضو مجلس الوزراء هو “النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء” وليس نائباً عن الملك. وتقول المذكرة التفسيرية في هذا الشأن أن الدستور أفرد “أحكاماً خاصة” لولي العهد كونه نائباً عن الملك “في حال غيابه“.ونصوص الدستور واضحة جداً في هذه المسألة إذإن نيابة ولي العهد للملك وممارسة صلاحياته تكون في حالة محددة وهي غياب الملك عن البلاد في الخارج، إلا أن المذكرة التفسيرية فسرت هذا النص بطريقة لا أساس قانونيًّا لها، إذ أوضحت أن التعديل لا ينبغي أن يشمل ولي العهد “حال توليه الوزارة أو كونه أحد نواب رئيس مجلس الوزراء وذلك للمكانة الخاصة التي يتبوؤها والتي لا تسمح بتوجيه أية أسئلة إليه إذا كان عضواً بمجلس الوزراء“لأن فترة عضويته بمجلس الوزراء قد تتقاطع مع فترة توليه صلاحيات الملك وقت غيابه.
وأرى أن هذا ليس مبرراً مقنعاً لإخراج ولي العهد من دائرة المشمولين بالتعديل لأن المرسوم بقانون حدد وبشكل واضح الشروط الشكلية والموضوعية لتويجه الأسئلة بشكل محدد ومفصل أكثر من السابق، إذ نصت المادة (134) من اللائحة الداخلية المعدلة: “ألا يكون متعلقاً بأمر من الأمور التي لا تدخل في اختصاص الوزير أو غيره من أعضاء مجلس الوزراء الموجه إليه السؤال“، أي أن التعديل حدد أنه ينبغي توجيه الأسئلة لأعضاء مجلس الوزراء على أساس اختصاصاتهم ومسؤولياتهم كأعضاء مجلس الوزراء، وعليه لا يشمل ذلك اختصاصات ولي العهد في نيابة الملك وقت غيابه، وإنما فقط الاختصاصات التي يباشرها كالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وهذا النص كافٍ لتحصين الذات الملكية من المساءلة إن كان ذلك هو الغاية من منع توجيه الأسئلة لولي العهد.
التدخل في أعمال السلطة التشريعية
المسألة الأبرز في القضية هي تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية بإصدارها التعديل على اللائحتين الداخليتين لمجلسي النواب والشورى عن طريق مرسوم بقانون، بدلاً من إفساح المجال للسلطة التشريعية لتعديل لائحتها الداخلية عن طريق قانون حسب ما تراها مناسباً لها. المشكلة في ذلك هي أن أداة المرسوم بقانون وفق المادة (38) للدستور، والمادة (123) و (124) للائحة الداخلية لمجلس النواب (الصادرة أساساً عن طريق مرسوم بقانون)لا تسمح للمجلس تعديل نصوص المرسوم بقانون المعروض عليه وإنما عليه إصدار قرار بالموافقة أو الرفض بالمجمل، وهي أداة تشريعية وضعت في يد السلطة التنفيذية كصلاحية احتياطية لاستخدامها في حالات ولأغراض معينة.
وإصدار التعديل على اللائحة الداخلية عن طريق مرسوم بقانون كان من نقاط الانتقاد في تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس التي أوصت برفض المرسوم بقانون لعدم وجود شرط “ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير” وفق المادة (38)للدستور، لا سيما لأنه يمثل أيضاً نوعاً من تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية التي من المفترض أن تكون صاحبة الشأن في صياغة لائحتها الداخلية. هذا وبالإضافة إلى العيوب البنيوية في النظام الدستوري التي توجب رفع جميع التشريعات التي يوافق عليها مجلس النواب إلى مجلس الشورى، وعليه يكون لمجلس الشورى أيضاً حق في إبداء الموافقة أو الرفض على تعديل في اللائحة الداخلية لمجلس النواب والعكس كذلك!
إذا كان لا مانع من “إعادة النظر فيما وضعه الدستور من تنظيم لهذين المجلسين“، حسب المذكرة التفسيرية للتعديل الدستوري، فلما لا توضع شروط وضوابط معينة تحفظ لمجلسي النواب والشورى الصلاحية المنفردة في تعديل لائحتهما الداخلية، سواءً كان ذلك على نحو متكافئ أو بترجيح الكفة لمجلس النواب في تعديل لائحة مجلس الشورى تشريعياً أو دستورياً.
تعليقات عامة على التعديلات
أبرز التعديلات كان بطبيعة الحال توسيع دائرة المشمولين بالسؤال البرلماني، إلا أن المرسوم بقانون تضمن تعديلات أخرى في بالغ الأهمية وهي:
المادة (134)منحت حق الرفض النهائي للسؤال المقدم لعدم توافر الشروط الشكلية والموضوعية فيه لهيئة مكتب المجلس (الذي يتكون من رئيس المجلس ونائبيه ورؤساء اللجان الدائمة)، بعد أن كان حق الرفض النهائي في يد المجلس بقرار الأغلبية. كما أضافت هذه المادة شروطاً إضافية لصحة السؤال مثل عدم الإضرار بالنظام العام أو المصلحة الوطنية أو السلم الأهلي، أو تثير الكراهية أو التمييز والطائفية، وهي عبارات غير واضحة حدودها.
كما أُضيف للمادة (134) شرطاٌ تقييديٌّ خطيرٌ وهو عدم السماح للنواب بتوجيه الأسئلة في الأمور السابقة للفصل التشريعي، إلا في حال كانت من الأمور المستمرة خلال الفصل التشريعي الحالي، وهذا ما يعني أن رصيد الأسئلة قد يصفّر مع بداية كل فصل تشريعي جديد ولا يحق للنواب مساءلة الوزراء عن أمور حصلت في السابق ولا الحصول على بيانات حولها.
وكما وضحنا في المقال أن من ضمن الإجراءات الخاصة بتوجيه الأسئلة لرئيس الوزراء ونوابه هو اشتراط إجابتهم أن تكون مكتوبة فقط، ولا يحق للمجلس طلب حضورهم للمناقشة لما يحمل ذلك الأمر من دلالات عن المحاسبة والرقابة السياسية، حسب المادة(136).
إلى جانب ذلك، حددت المادة (137) أنه لا يجوز توجيه الأسئلة إلى الوزراء في “موضوعات محالة إلى اللجان قبل أن تقدم اللجنة تقريرها إلى المجلس” ولا قبل إقرار برنامج عمل الحكومة وذلك بشكلٍ مطلق، بعد أن كان يمكن توجيه الأسئلة للوزراء في حال تأخرت اللجنة عن تقديم تقريرها في موعد المحدد، أو توجيه الأسئلة قبل إقرار برنامج الحكومة في حالات الأهمية العاجلة بعد أخذ موافقة رئيس المجلس.وفي الشق الثاني الثاني للتعديل جوانب إيجابية وسلبية في آن واحد، إذإن منع توجيه الأسئلة قبل إقرار برنامج الحكومة يضع آلية المحاسبة على أسس علمية بربطها ببرنامج الحكومة المعلن. ولكن حين ننظر إلى التعديلات كوحدة واحدة فهذا التعديل له تأثيرات سلبية لا سيما أن المادة (134)منعت النواب من توجيه الأسئلة حول أمور سابقة للفصل التشريعي ما يعني حصر استخدام أداة السؤال في فترة زمنية محدوة، وما يصعب على النواب تطبيق الخطط المدروسة مسبقاً لحصرهم بمساءلة الحكومة عما ستقوم به في المستقبل القريب دون النظر إلى أعمال قامت بها سابقاً.
وأخيراً، عدّلت المادة (137) أيضاً لزيادة عدد الأسئلة المسوحة لكل نائب بتقديمها في الشهر الواحد من سؤال واحد إلى ثلاثة أسئلة، وقد يكون هذا التعديل الإيجابي الوحيد الذي لا غبار عليه ضمن جملة من تعديلات ركيكة ومنتقصة لصلاحيات النواب.