مازال أبناء العمانيات يعانون من قوانين السلطنة التي ترفض مساواتهم بأقرانهم في السلطنة، وفي مقدمتها تلك التي ترفض حصولهم على الجنسية، في الوقت الذي يسمح فيه القانون منح الجنسية لأبناء العماني من أجنبية، على الرغم من أن النظام الأساسي ينص على المساواة بين الرجل والمرأة، بالإضافة إلى توقيع السلطنة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في 2 فبراير 2006. فيما تصاعدت المطالبات بتشريعات عادلة تجاه زواج العمانيات من أجانب بما يتيح لأبناء هذه الأسر العيش والدراسة وفرص العمل التي تساويهم مع غيرهم في المجتمع.
وأكد العديد من النشطاء الحقوقيين والعمانيات المتضررات من عدم حصول أبنائهن على الجنسية، أن غياب التشريعات العادلة واستمرار تشدد القوانين التي تضيق على عوائل الأسر ولا تمنحهم وضعًا يكفل لهم حياة طبيعية، أدى إلى معاناة الأسر من ظروف معيشية صعبة؛ بداية من عدم حصول الأبناء على فرص عادلة في مجال التعليم والابتعاث وفرص العمل والرواتب، وصولًا إلى اضطرار المواطنة وأبنائها للبحث عن بلد آخر يعيشون فيه.
الابن يعامل كأجنبي في وطن أمه
تقول حبيبة الهنائي، تزوجت بتصريح من وزارة الداخلية عام 1996 من رجل عربي يحمل الجنسية الألمانية، وتم الزواج في السلطنة وأثمر عن ولادة ابني الوحيد حافظ، وذلك عام 1998، وبعد الولادة وجدت في القانون تمييزًا كبيرًا وانتهاكًا لحقوقي وحقوق ابني؛ فلا يحق لي كأم استخراج كفالة ابني، فاستخراج الإقامة لا يكون إلا في حالة الطلاق أو الترمل، وتجدد كل سنتين، ولا يحق له تملك ميراث أي شيء أمتلكه، كما لا يحق له العمل أو الإقامة بعد سن الثامنة عشرة؛ فالابن يعامل كأجنبي في وطن أمه.
وتابعت الناشطة الحقوقية: لأن ابني لا يحمل الجنسية العُمانية؛ فقد كانت كل مصاريف حياته من الرعاية الصحية والتعليم على نفقتي الخاصة، وبعد إثارتي المشكلة والتأكيد على ضرورة أن يكون العلاج والتعليم مجانيًا؛ تم تعديل القوانين لإعطاء الأبناء حق المجانية في العلاج والتعليم. ولكن بالنسبة للتعليم العالي الآن، يمكن للطالب أن يدرس في جامعات محدودة داخل عمان، ولا يحق له التنافس للبعثات الخارجية، وعندما حاولت تسجيل ابني في مركز القبول الموحد التابع لوزارة التعليم العالي لإتمام دراسته الجامعية؛ خاصة أنه من المتفوقين في دراسته وحاصل على نسبة 95.5%، في الدبلوم العام، فوجئت بالرفض من جانب المركز وتم حرمانه من حق الابتعاث؛ على الرغم أن ترتيبه كان الأول على زملائه، فيما تم السماح بالابتعاث لطلاب درجاتهم العلمية أقل منه بكثير وسافروا إلى أمريكا ودول أخرى.
وأضافت: اضطررت وابني لمغادرة عمان في يونيو 2016 حين بلغ السن القانونية، ووفقًا للقانون العماني لا يحق له الإقامة بعد 18 عامًا رغم أنه عاش طوال هذه السنوات على أرضها وغرست بداخله قيم الانتماء والولاء والمحبة لبلدي، وتركنا خلفنا ذكريات سنوات طويلة وحلم الاستقرار وتوجهنا إلى ألمانيا وأعاد دراسة الثانوية العامة بالنظام الألماني مرة أخرى، ثم التحق بالجامعة. لافتة إلى أنها تتولى مسؤولية الإنفاق على ابنها خاصة بعد انفصالها عن زوجها عام 2005.
وأردفت: بدأت الاهتمام بقضية حقوق أبناء العمانيات في حق الحصول على الجنسية منذ سنوات طويلة، وكانت البداية عندما كنت متجهة وابني إلى دولة الإمارات وبرفقتنا عاملة المنزل، وسمحت الجهات المختصة للعاملة بالعبور، بينما منعت ابنى رغم أنه كان رضيعًا، وكان يتطلب مني تقديم رسالة “لا مانع” من الأب لكي أسافر مع ابنه، وهذه الحادثة جعلتني أبحث عن القوانين وأكتشف أن زواجي بتصريح لا يعفيني من العقوبة التي تطال المتزوجات بدون تصريح؛ ففي النهاية نجد الجميع في سلة واحدة.
وأشارت إلى أن هناك تخوفًا من قبل العديد من العمانيات اللاتي يعانين من هذه المشكلة، ولذلك لم تظهر من قبل أصوات تطالب بتعديل القوانين. وتابعت: عام 2007 قررت التقدم بطلب للجهات المختصة لتعديل قانون منح الجنسية، وتواصلت معي أكثر من 500 امرأة، وكانت هناك تخوفات وقلق لدى غالبيتهن، وطالبن عدم ذكر أسمائهن، بينما قمت بجمع عينة تتألف من بيانات تخص مائة حالة وقدمتها إلى وزارة التنمية الاجتماعية. وفي عام 2016 قبل مغادرتي وابني للسلطنة، نشرت عريضة للمطالبة بتعديل القانون دون جدوى. لافتة إلى أنه لا توجد إحصائية رسمية معلنة بعدد العمانيات المتزوجات من أجانب.
وأضافت: عمان مثل غيرها من الدول العربية التي تحرم أبناء المواطنات من الجنسية، رغم أن هذه الدول تنادي بالمواطنة والمساواة بين الجنسين، إلا أن التمييز فاضح لهذه الأنظمة، لأنها لا تحترم المرأة ولا حقوقها ولا أبناءها، وتعاملها كمواطنة من الدرجة الثانية، وهناك الكثير من القوانين التي تعد تمييزًا ضد المرأة؛ مثل الولاية، كما نجد أن الرجل يحظى بدعم الدولة بشكل يفوق الدعم الذي تحصل عليه المرأة، حتى في الحياة السياسية ومواقع اتخاذ القرار. لا نجد سوى عدد قليل من النساء يمكن أن تتولى مناصب مهمة، وتكون أداة للتنفيذ وليس للتشريع وسن القوانين، فهذا أمر يسيطر عليه الرجال، لذلك نجد القوانين تتفق وأهواءهم الذكورية.
دور مجلس الشورى والجمعيات النسائية
وحول دور الجمعيات النسائية العمانية ومجلس الشورى في تبني قضية أبناء العمانيات والعمل على حل مشكلاتهم، قالت حبيبة: “الجمعيات النسائية تنطوي تحت مظلة الحكومة، ولذلك نجد دورها شكليًا وترويجيًا، ولا تقوم بأي دور فعلي، أما مجلس الشورى فلا يملك أي سلطة أو صلاحية لتعديل أي قانون، وفي اعتقادي أن الأعضاء لا يمثلون الشعب ولا يعبرون عن رغباتهم، ومعظمهم يتلقون الأوامر فقط ويعملون على تنفيذها، وأرى أنه لا توجد عملية ديمقراطية من الأساس، وفوز الأعضاء بعضوية المجلس لم يكن نتيجة لاختيار الشعب؛ وإنما تم اختيارهم من قبل السلطة وفقًا للولاء.
ودعت حبيبة إلى حل المشكلات التي تواجه أبناء العمانيات من خلال احترام النظام الأساسي الذي ينص على أنه لا تفرقة بين الجنسين، واحترام الاتفاقيات والتشريعات الدولية التي سبق أن وقعت عليها السلطنة مثل السيداو، والتي تضمن حق المرأة في تقرير مصيرها وحريتها في الزواج واختيار من تشاء؛ سواء كان عمانيًا أو غير عماني.
وقالت سيدة عمانية رفضت ذكر اسمها: “إن الحصول على تصريح للزواج من غير العماني أصبح أسهل من ذي قبل ولكن ما زالنا نواجه العديد من المشكلات طبقًا للقانون العماني؛ منها عدم حق الزوجة العمانية في أن تكفل زوجها غير العُماني وأبناءها، ولا يحق لها نقل جنسيتها لأبنائها، كما لا يحق للزوج غير العُماني العمل بالسلطنة عند حصوله على كفالة مستثناة باسم زوجته، ولا يحق له متابعة الإجراءات القانونية للزوجة العُمانية أو أبنائها، ويتم ترحيل الزوج غير العُماني وأبنائه من السلطنة مباشرة بعد إلغاء عقد العمل الخاص بالزوج.
المشكلة الكبرى أنه يتم ترحيل أبناء الأم من السلطنة عند بلوغهم سن الثامنة عشرة حتى في حال كان عقد عمل الأب غير العُماني ساري المفعول، كما لا يحق للأبناء تملك الميراث عند وفاة الأم العُمانية المتزوجة من غير العُماني.
وأشارت إلى أن السلطنة عندما صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) تحفظت على المواد التي “تمنح المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، والمادة الخاصة بالولاية والقِوامة والوصاية على الأولاد”.
الحق في الجنسية
وفي نفس الإطار؛ قال نبهان الحنشي، ناشط حقوقي ومدير المركز العماني لحقوق الإنسان، إن: “مسألة الزواج أو الارتباط بأي شخص من أي جنسية؛ هي مسألة إنسانية أولاً وأخيرًا، حتى وإن وُجدت أسباب اجتماعية أو اقتصادية كمحرك أساسي تدفع لمثل هذه الأمور، يبقى الأمر إنسانيًا بالدرجة الأولى، ولا أعتقد أنه من المنصف مناقشة خيارات أخرى أو تحليلها لمجرد محاولة الوصول لإجابة”.
وتابع: المرأة تنتمي للأرض التي ولدت فيها، ويجب على أي قانون في أي مكان في العالم احترام اختيار المرأة، ونسب أبنائها للجنسية التي تنتمي الأم لها. واضطرار كثير من الأبناء لمغادرة السلطنة بعد بلوغهم الــ 18 عام يترتب عليه آثار سلبية عميقة ومؤثرة على المدى البعيد، لأنها تتمثل في احتقار الأبناء والتقليل من شأنهم اجتماعيًا وقانونيًا، لأن التمييز ليس من المجتمع فقط؛ بل وحتى من القانون.
مسألة الزواج أو الارتباط بأي شخص من أي جنسية؛ هي مسألة إنسانية أولاً وأخيرًا، حتى وإن وُجدت أسباب اجتماعية أو اقتصادية كمحرك أساسي تدفع لمثل هذه الأمور، يبقى الأمر إنسانيًا
وأشار إلى أن القانون العماني يميز بين المرأة والرجل؛ إذ إنه يمنح أبناء العمانيين المتزوجين من أجنبيات الجنسية ويحرم النساء من ذلك، وبذلك فإنه ينتقص حقها في نيل حقوق متساوية مع الرجل، كما أن الرجل يمر بمراحل معينة ويخضع لشروط معينة لنيل الموافقة من أجل الزواج من أجنبية، لكن هذه الشروط أقل شدة مما تعرض له المرأة، ناهيك عن موضع نقل الجنسية الذي تواجه فيه المرأة شروطًا عسيرة؛ بل مستحيلة، مثل عدد سنوات انفصالها عن الزوج -أب الأبناء- أو وفاته..إلخ.
وتابع: عدم احترام خيار المرأة في اختيار شريك حياتها الذي تريد بمحض إرادتها وإجبارها على الخضوع لعادات وتقاليد بالية لا تقدم ولا تؤخر، هو انتهاك لحقوقها، ناهيك أن هكذا تصرف؛ سواء من المجتمع أو المشرع هو عنصرية واحتقار وتمييز؛ ليس ضد المرأة فقط؛ بل ضد شريكها وضد أبنائها. من الغريب جدًا أن يدّعي مجتمعٌ ما أنه مجتمع مسلم ومؤمن بتعاليم ديانته، ولكنه في أمور كهذه يُغلب القبلية والطبقية والعرق على الدين!
ورأى أن الحكومة في تناول هذه المشكلة تحديدًا هي مرآة عاكسة لوجهة نظر المجتمع؛ بل وللأسف؛ فالقائمون على صناعة القرار يفتقدون للعوامل الإنسانية والحقوقية، ويُغلّبون المصلحة القبلية والاجتماعية على الإنسان، بالإضافة إلى أنهم يفتقدون اتصالهم بالواقع ومتغيرات الوقت، وتجدهم يمشون في اتجاه السلطة الذكورية وفرضها على المجتمع والدولة.
وأضاف: إن منظمات حقوق الإنسان الدولية أو حتى المحلية ولكن المستقلة، غير قادرة بصورة مباشرة على إحداث تأثير في هذه القضية، ما لم يكن هناك إصرار من أفراد داخل المجتمع على محاربة المشكلة والمطالبة بالعدالة والإنصاف والمساواة. للأسف؛ -ولربما قد نجد عذرًا- فضحايا هكذا مواضيع يلزمون الصمت أغلب الأحيان رغبة في تجنب المشكلات للزوج أو الأبناء، وأملًا في إيجاد حل عبر تسوية ما. لكن أنت لا تتحدث عن حالة أو مجموعة حالات؛ بل عن حالة عامة لمجموعة ليست قليلة من النساء. هكذا هي قوانين تحرم المرأة من حق طبيعي في اختيار شريك حياتها، وحصر هذا الخيار على مجتمعها أو مواطني دولتها أو حتى المجتمع الخليجي. وهذا أمر عنصري مرفوض وغير إنساني.
قوانين غير مرنة
وقال خالد إبراهيم رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان: عدم منح الجنسية لأبناء المواطنات مشكلة تعاني منها العمانيات، وبعضهن دفع ثمنًا قاسيًا؛ فالقانون قاسٍ جدًا، ليس به أي مجال أو مرونة؛ الأمر الذي يترتب عليه العديد من الإجراءات التعسفية التي يكون لها تأثيرات قاسية؛ فبعد بلوغ أبناء بعض العمانيات سن 18 عامًا رفضت السلطات أن تعطيهم صفة قانونية، واضطروا للذهاب إلى بلدان أزواجهم أو أي بلد أخرى، وهذه مأساة؛ إذ إنها تدفع بالأم بأن تترك خلفها كل شيء وتذهب إلى المجهول لتبدأ من الصفر في مكان جديد وغريب بالنسبة لها.
وأضاف خالد: الحكومات ما زالت لا تشعر بآلام المواطنين أو مشكلاتهم، ولا تهتم بوضع القوانين التي تحقق مصالحهم، ولذلك أدعو الحكومة العمانية لمنح الجنسية لأبناء العمانيات لأنه حق طبيعي للمواطنة ويؤمن قيام أسرة ناجحة.
وأردف: المنظمات الحقوقية ومراكز حقوق الإنسان طالبت كثيرًا بمنح المرأة حقوقها كاملة، وترصد الانتهاكات في كل مكان، وتطالب بالقضاء عليها، والاستجابة من الحكومات ضعيفة، ولكننا لن نتوقف ولن نصاب باليأس، وسيظل صوتنا عاليًا؛ فالتغيير قادم لا محالة.
Thanks for sharing. I read many of your blog posts, cool, your blog is very good.