في صدد الحديث عن النساء في الثورة السودانية ، برز دور المرأة في الثورات بالدول العربية على مدار السنوات الماضية بعدما أصبحت هتافاتها مصدرا يحمل رسالة قوية لكل من أصابه اليأس أو الوهن، فتشتعل الميادين وتتواصل المطالب لتحقيق الأهداف الثورية، وفي كثير من الأحيان واجهت المرأة نفس مصير الثوار الرجال من قتل واعتقال واختطاف بالإضافة لتعرضها لأساليب تعذيب أخرى، مثل الاغتصاب والتحرش، التي استُعملت دائمًا كأدوات عقابية للنساء لكي ترغمهن على مغادرة الميادين والتخلي عن النشاط السياسي والحقوقي.
دور النساء في احتجاجات السودان
تعد السودان واحدة من أشهر الدول التي فرضت فيها المتظاهرات والناشطات وجودهن طيلة أحداث الثورة السودانية وتحدين منع العائلات لهن من الخروج للتظاهر وهتفن للثورة وشجعن باقي المتظاهرين من خلال الزغاريد والأهازيج وبرز دورهن بشكل قوي من خلال تدشين الخطابات التوعوية وحرصهن على تقديم الدعم للثوار من خِلال إسعاف الجرحى ونقل المصابين، وتعدى دورهن أكثر من ذلك إذ شاركت الشابات السودانيات في التصدي لعناصر قوات الأمن ومنعتهم من التقدم في أحيانٍ كثيرة. وفق ما أظهرته مقاطع فيديو وثقت أحداث الثورة.
آلاء صلاح أيقونة الثورة
آلاء صلاح،هي طالبة سودانية وإحدى أشهر الفتيات اللاتي شاركن في تظاهرات السودان وتحولت إلى أيقونة للثورة بعدما التطقت لانا هارون صورة لها في أبريل عام 2019 إذ ظهرت وهي ترتدي الثوب الأبيض السوداني وتقف على سيارة تتحدث للجماهير الحاشدة من الرجال والنساء وسرعان ما رددوا خلفها ما تقوله من هتافات، رغبة في إسقاط النظام.
كنداكة
وجذبت الفتاة التي تبلغ من العمر نحو 22 عاما انتباه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وأشاد العديد بدور المرأة وقدرتها على إحداث التغيير في المجتمع فيما طالب البعض بصنع تمثال للفتاة يكون رمزا للثورة مشيرين إلى أنها أعادت للأذهان صورة المتظاهرات السودانيات ضد الديكتاتوريات السابقة، وكذلك الطالبات المتظاهرات اللوات أشير إليهن باسم “كنداكة“. ويشير هذا اللقب إلى زوجات الملوك في العصور القديمة، وإلى الملكة نفسها، إذ إن المرأة حكمت في فترات عديدة من تاريخ السودان في الممالك النوبية شمال البلاد.
تعرض النساء للاعتداءات والاغتصاب
وعلى عكس المشهد السابق برزت صورة قاتمة لمشاركة الفتيات في ثورة السودان إذ تعرضن للاعتداءات والاعتقالات بالضرب والعصي وأثناء التظاهرات شنت قوات النظام حملة اعتقالات طالت عددًا من الرموز أمثال آمال جبر الله عضو الحزب الشيوعي، وإحسان فقيري رئيسة مبادرة «لا لقهر النساء» كما انتشرت الكثير من المزاعم حول تعرض العديد من الفتيات والناشطات للاعتداءات والاغتصاب من قبل قوات فض الاعتصام في الخرطوم يونيو 2019 .
قمع المتظاهرين في يونيو 2019
اتهم المتظاهرون ولجنة أطباء السودان المركزية وجماعات حقوق الإنسان قوات الدعم السريع، وهي وحدات شبه عسكرية، بشن حملة قمع ضد المتظاهرين في يونيو 2019 أودت بحياة العشرات وكذلك شن هجمات على المستشفيات واغتصاب نساء قرب مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
فيما أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها بشأن تقارير تفيد بأن ميليشيات سودانية، وقوات الدعم السريع، أثناء حملة قمع المتظاهرين قاموا بارتكاب جرائم اغتصاب بحق متظاهرات وممرضات وطبيبات.كما وصف العديد من الشهود حالات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي.
الاغتصاب كوسيلة حرب
وحسب “bbc” اغتصبت وحدة ذات نفوذ في قوات الأمن السودانية النساء أثناء فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش منذ 3يونيو. وتقول سليمى إسحق شريف، التي ترأس مركز الصدمات في جامعة الأحفاد: “إنها وزملاءها يعالجون 12 امرأة تعرضن للاغتصاب يوم 3يونيو، ويقومون بزيارتهن في المنزل أو يتحدثون إليهن في الهاتف، وتعتقد أن عدد الضحايا قد يكون أكبر من ذلك لأنه لم يتم الإبلاغ عن الكثير من عمليات الاغتصاب بسبب العار المرتبط بالاغتصاب والخوف منه“.
وتابعت:”كان كل شيء مدمرا. الحال ذاته عندما تمر بقرية اجتاحها الجنجويد في دارفور، حيث كانوا يقتلون الناس وينهبون الممتلكات. إنها الصورة ذاتها“.وأضافت: “الأمر يتعلق بالتحقير والإذلال وسحق الروح.هذا جزء مما كانوا يفعلونه في دارفور، كانوا يستخدمون الاغتصاب كوسيلة، كسلاح حرب“.
ووفقا لـ “فرانس برس“: قالت “براميلا باتن“كبيرة مسؤولي الأمم المتحدة الكلفة بمكافحة العنف الجنسي، إنه ينبغي إرسال فريق لحقوق الإنسان تابع للأمم المتحدة إلى السودان “لتحري الوضع على الأرض، بما في ذلك حالات العنف الجنسي المزعومة“.
مقتل 100 شخص و70 حالة اغتصاب
وأفادت صحيفة “الغارديان” البريطانية في 11 يونيو 2019 أن قوات الدعم السريع التي يقودها نائب المجلس العسكري الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي” قد فضت اعتصام الخرطوم، الإثنين الماضي، ونفذت حملة قمع، أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح ما يصل إلى 700 وإنه تم تسجيل أكثر من 70 حالة اغتصاب خلال فض الاعتصام.
ونقلت “الصحيفة” عن طبيب في مستشفى “رويال كير“قوله: ”إنه عالج ثمانية ضحايا اغتصاب–خمس نساء وثلاثة رجال. فيما قال مصدر طبي إنه تم معالجة حالتي اغتصاب في مستشفى في جنوب الخرطوم، بما في ذلك حالة تعرضت للهجوم من قبل أربعة عناصر تابعين لقوات الدعم السريع. ووصف العديد من الشهود حالات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي“.
اعتداءات سابقة
لم تكن عمليات الاغتصاب التي ارتكتب في فض اعتصام الخرطوم الوحيدة، التي تتهم بها ميليشيات الجنجويد؛ فحسب “هيومن رايتس ووتش“ تم توثيق العديد من وقائع الاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي الذي يرتكبه جنود الحكومة السودانية وعناصر ميليشيا “الجنجويد”، في شتى أنحاء دارفور منذ أوائل عام 2007.إذ استخدم الاعتداء الجنسي من النظام السوداني كسلاح حرب في دارفور أيضا، فقد كان يأمر جنود الجنجويد بشكل مباشر باغتصاب أي امرأة أو فتاة وجدوها في القرى قبل أن يُبيدوها بأكملها.
فزاعة تعرض الفتيات للتعذيب والاعتداء
ويرى “مراقبون“: أن “فزاعة تعرض الفتيات للتعذيب والاعتداء كانت كفيلة بجعل عائلات كثيرة تمنع بناتها من الخروج والمشاركة في الأنشطة السياسية والثورية حتى لا تواجه مصير”السمعة والشرف”. مشيرين إلى أن الجهاز العسكري يتعمد الاستناد للمنظومة الأبوية ونظرة المجتمع للنساء الناجيات من العنف والاعتداء الجنسي بالكثير من النبذ والوصم الاجتماعي بالإضافة لاعتبار المغتصبات مسؤولاتٍ عما حدث لهن.
أحدث الثورة في السودان
بدأت أحداث الثورة في السودان في ديسمبر عام 2018، إذ اندلعت سلسلة من الاحتجاجات ضد الرئيس السابق عمر البشير، مطالبة بالإصلاحات الاقتصادية واستقالة الرئيس الذي استمر حكمه لثلاثة عقود وتواصلت الاحتجاجات التي قوبلت برد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ.
إعلان حالة الطوارئ
أعلنت حالة الطوارئ في البلاد وأدت الاحتجاجات إلى قيام الجيش بخلع البشير من السلطة، وتم تكوين مجلس انتقالي بقيادة أحمد عوض بن عوف، ولكن المتظاهرين، رأوا أنه كان مجرد تغيير للقيادة مع الإبقاء على النظام نفسه وطالبوا بتشكيل مجلس انتقالي مدني.
ويحكم السودان مجلس عسكري منذ الإطاحة بعمر البشير فيما تواصلت التظاهرات للمطالبة بحكم مدني. وحسب “وسائل إعلام عربية ودولية“بعد فشل المحادثات بين المجلس العسكري والمعارضة حول تشكيل حكومة انتقالية في السودان، قام الجيش بفض الاعتصام بالقوة ما أسفر عن وقوع قتلى ومصابين، ودعت بريطانيا وألمانيا إلى اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في السودان.وردا على ذلك تعهد رئيس المجلس العسكري، الفريق أول عبد الفتاح برهان، بالتحقيق فيما جرى.
الاعتراف بفض الاعتصام
في 14 يونيو 2109 قال الفريق أول شمس الدين كباشي المتحدّث باسم المجلس العسكري الحاكم في السودان أنّ “المجلس العسكري هو من اتّخذ قرار فض الاعتصام ووضعت الخطة لذلك، ولكن بعض الأخطاء والانحرافات حدثت“. وجاء ذلك بعد موافقة المحتجّين على إنهاء عصيانهم المدني وموافقتهم على عقد مباحثات جديدة مع المجلس العسكري الحاكم في أعقاب وساطة قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. حسب “فرانس برس“.
في 14 يونيو 2019 أعلن نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ“حميدتي” أن المجلس وافق على تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، تدير البلاد خلال الفترة المقبلة إلى حين إجراء انتخابات.وتابع خلال لقاء جماهيري: “نريد حكومة سريعاً، ونريد حلاً سودانياً–سودانياً، لأن البلاد لا تتحمل تأخيراً للحل بعد الآن“. حسب “العربية“
في 20 يونيو 2019 قال رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي : “وصلنا للشخص الذي يقف وراء فض الاعتصام ولن نكشف عنه الآن، كي لا نؤثر في لجنة التحقيق“. وكشف أن هناك مندسين بين قوات الدعم السريع. مشيرا إلى اعتقال 9 أشخاص منهم. وأضاف: “مهما طالت الفترة الانتقالية فإننا موافقون عليها شرط أن تأتي بحل شامل. وتابع “التوافق هو الأساس وبالتالي يمكن سريعاً تشكيل حكومة“.
استمرار التظاهرات لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة
ذكرت “رويترز” بإنه تظاهر مئات السودانيين في عدد من عواصم الولايات في 21 يونيو 2019 حيث احتشدوا في مدن “ود مدني” و“الأبيض” و“بورتسودان“، لمطالبة المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة، بالإضافة إلى تظاهر العشرات في العاصمة الخرطوم وسط هتافات تنادي بالسلطة المدنية. وأفادت بإنه انهارت المحادثات التي كانت تجرى بين المجلس العسكري الحاكم وتحالف قوى المعارضة عقب فض قوات الأمن الاعتصام ولم تعقد محادثات مباشرة بين الجانبين منذ فض الاعتصام.
وفي السياق ذاته نفت قوى“إعلان الحرية والتغيير“، قائدة الاحتجاجات في السودان، يوم 21 يونيو 2019 ، تسلمها مبادرة من سلفاكير ميارديت، لحل تعثر المفاوضات مع المجلس العسكري. وأضاف محمد يوسف أحمد المصطفى، القيادي في ”تجمع المهنيين السودانيين“، الذي يقود الاحتجاجات ضمن قوى الحرية والتغيير، أن ”مبعوث سلفاكير قال لهم إنه لا يحمل مبادرة ولا رؤى للوساطة، وإنما حضر لتقديم النصح للجميع“. وفقا لـ ” الأناضول“.
وتسود حالة من الجدل بشأن ما إذا كان العسكريون أم المدنيون هو الطرف الذي سيهيمن على مجلس سيادي جديد لقيادة البلاد.