تُعد حقوق الإنسان حقوقًا متأصلة في البشر جميعًا وقد كفلتها قوانين ومعايير دولية إلا أن غيابَ حقوقٍ مثل الديمقراطية، وتقييد الحريات في عمان مثل التعبير والصحافة في تعد من أبرز الأسباب التي دفعت عددًا من الناشطين العمانيين للهجرة إلى خارج البلاد بعدما شعروا أنهم يعيشون تحت نوع من السلطوية وتكميم الأفواه وصولا إلى الاعتقالات وصدور أحكام بالحبس بحق العديد من الناشطين والإصلاحيين، خاصة بعد أن شن النظام حملة قمعٍ متزايدة ضد الناشطين منذ الاحتجاحات التي اندلعت في السلطنة في يناير 2011.كما رأى المركز العماني لحقوق الإنسان أنقانون الجزاء العماني الجديد الصادر في 14 يناير 2018 يغتال حقوق الإنسان وأن الحريّات الشخصية ليس لها أيّة حماية في القانون، مما يضع الفردانية في المجتمع في خطر، وأن القانون أوجد المواد لعقابهم وليس لحمايتهم مما يُصّعد من مشكلة الهجرة؛فعلى سبيل المثال ليست هناك أيّة ضمانات لحماية “المثليين” و“اللادينيين“.
رغبة الشباب في التعبير عن رأيهم في صنع القرار
شهدت السنوات الماضية في عمان بدء ظهور عدد من الشباب العُمانيين الذين أرادوا التعبير عن رأيهم في صنع القرار، وافتُتِحَت منتديات الإنترنت، واستخدم بعض المشاركين أسماءهم الحقيقية، بهدف تشجيع النقاشات الاجتماعية والسياسية الجديدة في المجتمع العُماني، ما ساعد على تبلور أول أشكال الحراك المدني والمجتمعي. وفي عام 2010، استغلّ المثقفون والناشطون في مجال حقوق الإنسان فرصة الذكرى الأربعين لاعتلاء قابوس العرش كي يقدّموا التماساً على الإنترنت إلى السلطان يدعو إلى إجراء إصلاحات واسعة، مثل وضع دستور جديد من شأنه أن يؤدّي إلى نظام ملكي برلماني واتّخاذ إجراءات ضد الفساد بين كبار المسؤولين. وفي عام 2011شهدت عمان العديد من الاحتجاجات وسادت شعارات “الشعب يريد إصلاح النظام” و“الشعب يريد إسقاط الفساد” و“نعم لعُمان جديدة“، و“نريد الحرية“، وتمحورت الإضرابات والتظاهرات حول المطالبة بالمزيد من فرص العمل، واتّخاذ تدابير للحدّ من ارتفاع الأسعار والتفاوت الاجتماعي. أما الاعتصام الذي قاده مثقفون وناشطون في مجال حقوق الإنسان أمام مجلس الشورى فكان تعبيرا لرفض تأييد هيئة مُنتخَبة لا تمتلك سلطة حقيقية في البلاد، حسب“مركز كارنيغي للشرق الأوسط“.
حقوق مشروعة يقابلها القمع والاعتقالات
قوبلت الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية بالقمع، وانتشرت على شبكة الإنترنت روايات عن المضايقات وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية التي تقوم بها قوات الأمن، ولقي ذلك إدانات واستنكارات واسعة ووصف بعض المنتقدين السلطنة بـ “دولة الأمن والبوليس“. وبسبب استراتيجية القمع فقد قُتِل متظاهران اثنان في اشتباكات مع الشرطة في صحار وأخلت شرطة مكافحة الشغب التجمّعات السلمية والدوّارات. كما أُلقي القبض على مئات المحتجين والصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.وفي يونيو ويوليو 2011، أصدر القضاء العماني أحكامًا ضد عدد كبير من المتظاهرين وصل بعضها إلى خمس سنوات، بتُهَم مثل “حيازة مواد بقصد صنع متفجرات لنشر الرعب“، و“التجمّع غير القانوني“، و“تخريب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة“، وفقا لـ “كارنيغي للشرق الأوسط“.
وفي ٢٠١٢، اعتقل ١١ مواطن من المثقفين وناشطي الإنترنت على خلفية مشاركتهم في وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن عدد من الناشطين، وعرفت القضية إعلاميا بـ“قضية التجمهر“. كما صاحب القضية المذكورة حملة اعتقالات واسعة زاد عدد ضحاياها عن ٤٠ مواطنا وعرفت القضية إعلاميا بـ“قضية الإعابة“. وتفاوتت الأحكام في القضيتين بين نصف سنة إلى سنة ونصف. وعلى الرغم من إصدار قابوس عفوا – في الذكرى الـ 43 لاعتلائه العرش –عن المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن في قضايا سياسية على خلفية احتجاجات 2011 و2012إلا أن حملات الاعتقالات تجددت وطالت حتى المفرج عنهم.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، أنه تم سحق الحقوق الأساسية بصورة روتينية بعد احتجاجات 2011 – 2012. مشيرة إلى أن مسؤولين عمانيين اعتمدوا على قوانين تجرم “التجمعات غير المشروعة” و“إهانة“السلطان قابوس” وذلك لفرض إدانة المتظاهرين الذين دعوا إلى إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية، ووجهت لهم تهم مثل“التقليل من هيبة الدولة“، و“الاتصال مع هيئات حقوق إنسان أجنبية” و“التجمّع بصورة غير قانونية” بالإضافة إلى نشر بيانات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد النظام السياسي.
ولفتت المنظمة –التي دعت في وقت سابق إلى إجراء إصلاحات تشريعية تتطابق مع المعايير الدولية في السلطنة–، أن كثيرًا من المواطنين الذين تم اعتقالهم جرى احتجازهم في الحبس الانفرادي وصدرت أحكام قضائية ضد عدد منهم حيث حكم على ناشطين بالسجن لمدد تراوحت ما بين عام وثلاثة أعوام أو أكثر.
وحسب المركز العماني لحقوق الإنسان، اضطر كثير من الناشطين للهجرة وطلب اللجوء السياسي إلى المملكة المتحدة بعدما تعرضوا للاعتقالات والحبس أكثر من مرة وسحب بطاقات هويتهم وجواز سفرهم. وأشار المركز أن ما دفعهم للهجرة الخوف من تلفيق تهم كيدية لهم ولضمان سلامتهم الشخصية وحريتهم وعدم تعرضهم للاعتقال والسجن مجددا.
وأكدت مصادر لـ “مواطن” أن عدد اللاجئين العمانيين في تزايد مستمر، لكن الغالبية العظمى من اللاجئين لا يرغبون في التصريح عن ذلك والظهور في العلن خوفًا وتحسبًا من مغبة التداعيات التي قد تسببها السلطة على أسرهم ومصالحهم.
وفاة حسن البشام
شهد عام 2018وفاة الناشط العماني حسن البشام (52 عاما)داخل السجن ما شكل صدمة لعدد كبير من المواطنين والسياسيين والحقوقيين. وقال “التحالف العُماني لحقوق الإنسان” المؤلف من أربع منظمات حقوقية إن البشّام توفي في 28 أبريل 2018في سجن سمائل المركزي بعد تدهورٍ مفاجئ في صحته بسبب انخفاض حاد بمستوى السكر في الدم.
واتهم “التحالف“السلطات في سجن سمائل المركزي بتسبب في وفاة البشام بسبب عدم تقديم الخدمة الصحية اللازمة له. وأضاف خلال البيان أن: “السلطات في سجن سمائل المركزي فشلت في توفير العلاج للبشّام أثناء احتجازه وتسببت في وفاته بعدم التصرف بشكلٍ عاجل بعد التدهور المفاجئ في صحته“. وطالب بفتح “تحقيق فوري ومستقل في الواقعة“، حسب وكالة الصحافة الفرنسية و“DW”.
وأشار “التحالف“إلى أن البشام شارك في احتجاجات 2011 وكان ناشطًا على الإنترنت وبعد اعتقاله وجهت له تهم “استخدام الشبكة المعلوماتية فيما من شأنه المساس بالقيم الدينية“، وبتهمة “إهانة السلطان” قابوس بن سعيد، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات إلا أنالمنية وافته داخل السجن.
قانون الجزاء العماني وانتهاك حقوق الإنسان
في السياق نفسه ذكر المركز العماني لحقوق الإنسان بعض المواد المتعلقة بحرية الرأي والتعبير في قانون الجزاء العماني الجديد الصادر في 14 يناير 2018والتي عدَّها انتهاكا لحقوق الإنسان منها المادة 97والتي تنص على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7سنوات كل من ارتكب علانية أو بالنشر طعنا في حقوق السلطان وسلطته أو أعابه في ذاته. مشيرا إلى أن هذه المدة تقمع أصحاب الرأي المخالف للتوجه الحكومي، أو الذين ينتقدون الأداء الحكومي والسلطان قابوس رأس السلطة والذي يتولى عددًا من الوزارات أيضا.
ووصف “المركز“هذه المادة بالفضفاضة إذ تُترك عادة لتقدير الجهة الأمنية (الادعاء العام)في تفصيل التُّهم وتكييفها بما يوافق مزاج الجهة الأمنية، ويقمع حرية الرأي والتعبير، ويدخل في إطار حملة القمع الممنهجة والمستمرة التي يديرها جهاز الأمن الداخلي بالاشتراك مع الادعاء العام وشرطة عُمان السلطانية ابتداء من عام 2011.
وتابع المركز: المادة 108 ” تستغل لمنع المقالات والدراسات الأكاديمية التي تعتمد على الاستشهاد بالحوادث التاريخية وتنقدها. وأن هذه المادة تُضيِّق الآفاق على أي دراسة أكاديمية أو بحث أكاديمي في ظل غياب أساس للبحث العلمي المستقل أو العمل الأكاديمي الحر الذي يضع في الاعتبار الأمانة العلمية ومعايير تقييمها ومناهجها النقدية“.
وأوضح أن المادة تنص على أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد عن(10) عشر سنوات كل من روج لما يثير النعرات أو الفتن الدينية أو المذهبية، أو أثار ما من شأنه الشعور بالكراهية أو البغضاء أو الفرقة بين سكان البلاد، أو حرض على ذلك. ويعاقب بذات العقوبة كل من عقد اجتماعا أو ندوة أو مؤتمرا له علاقة بالأغراض المبينة في الفقرة السابقة، أو شارك في أي منها مع علمه بذلك. ويعتبر ظرفا مشددا إذا وقعت الجريمة في إحدى دور العبادة، أو المنشآت الرسمية، أو في المجالس والأماكن العامة، أو من موظف عام أثناء أو بمناسبة تأدية عمله، أو من شخص ذي صفة دينية أو مكلف بها“.
وأضاف أن المادة 115 تستخدم لاستهداف المدوّنين والناشطين والكتّاب في حالة كتابة أي شيء يفضح أي فساد في الحكومة.مشيرا إلى استغلال محتوى هذا القانون نفسه(المادة 19من قانون جرائم تقنية المعلومات) في 2016لإغلاق جريدة الزمن، واستُغل للتضييق على جريدة البلد الإلكترونية حتى قرر فريق تحريرها إغلاقها خوفاً من أي إجراءات عقابية قد تطال أعضاءه.كما استغلته السلطات الأمنية في 2017 لسحب رخصة صحفية بسبب خبر نشرته وكالة رويترز، كما استُغل أيضاً لحظر موقع مجلة مواطن الإلكترونية.
وحول التضييق على الأعمال المدنية السلمية سواء حقوقية أو سياسية أو فكرية، قال “المركز” إن المادة 116 “تُستغل للقضاء على أي عمل مدني سلمي“مشيرا إلى أن القانون ساعد الجهات الأمنية في السابق في القضاء على العديد من الحركات والمبادرات الثقافية، وتهديد وملاحقة واحتجاز مؤسسيها.كما تسهل المادة 118 للجهات الأمنية الاعتقال حتى وإن كان نشاط أي مبادرة ثقافية أو فكرية قائمًا على الفضاء الإلكتروني.
ورأى المركز أن المادتين 119 و120 سوف تُستغلان لاستهداف أي كاتب أو ناشط ينشر كتاباته أو تقاريره في مؤسسات صحفية أو منظمات حقوقية خارجية أو حتى داخلية. ولفت إلى تخوفه من أن يتم استغلال المادة في ترصد أي تواصل لأي ناشط أو كاتب مع مؤسسات حقوقية أو إعلامية خارج السلطنة. وأضاف “المركز“أن المادتين 261 و262 تحاربان حقوق المثليين وتثبتان أن لا مكان لهم في عُمان، وهذا ما سيؤزم وجودهم ليس مع القانون العماني فقط، ولكن حتى في المجتمع“.
ويرى “مراقبون“أن استمرار العمل بقانون تقييد الحريات والتعبير عن الرأي يعني أن السلطنة ماضية في مسار يؤدي إلى المزيد من الاحتقان خاصة بين الشباب، مشيرين إلى ضرورة أنْ تراجع السلطنة مواقفها من قضية الحريات بشكل عام من أجل دعم الاستقرار خاصة أن ما يحقق الاصطفاف الحقيقي في مواجهة أي تحديات هو تعدد الآراء والسماح بمساءلة الحكومة والمشاركة في صنع القرار.