قبل الحديث عن توتر العلاقات بين عمان والإمارات والسعودية يجب أن نشير إلى أن مواقف سلطنة عمان الحيادية، أو الحيادية “شكليا” كما يصفها بعض المنتقدين، تثير في علاقاتها الخارجية، وتجاه الأزمات الإقليمية في محاولة منها لكسب كافة الأطراف، تثير حالة من التكهنات والتساؤلات حول توتر العلاقة بين السعودية والإمارات من جهة، وعُمان من جهة أخرى، نظرًا لاعتماد السلطنة مواقف سياسية لا تتماشى وسياسات المنطقة. إذ تجلت مواقف عمان الحيادية منذ بداية الأزمة الخليجية الأولى عام 1980 حين اندلعت الحرب بين العراق وإيران، ثم أزمة الخليج الثانية حين غزت العراق دولة الكويت عام 1991، وصولا إلى حيادها حاليا تجاه عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن منذ عام 2015. وأيضا حيادها تجاه إيران ومقاطعة الرباعي العربي “السعودية والإمارات والبحرين ومصر” لدولة قطر على خلفية اتهامها بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الصراع بين الإمارات والسعودية وعمان
القضية الأبرز على الساحة هي الصراع بين الإمارات والسعودية وعمان على الحدود مع دولة اليمن، التي تشهد نزاعا داميا منذ 2014 بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين الذين يسيطرون منذ نحو أربع سنوات على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى؛ ما أسفر عن وقوع الآلاف من القتلى والمصابين وانتشار الأمراض والفقر في العديد من المناطق.
وبحسب تقرير نشره مركز “كارنيغي للشرق الأوسط في أبريل 2019” نقلا عن “موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI). فإنه يبلغ طول الشريط الحدودي بين المهرة ومحافظة ظفار العُمانية 288 كيلومترًا، حيث يبدأ من ساحل مديرية حوف وينتهي في قلب الصحراء على المثلث الحدودي بين اليمن وعُمان والسعودية، وعزّزت عُمان أواصر علاقاتها مع مجتمع المهرة، ومنحت العديد من الشخصيات في المنطقة الجنسية العُمانية، ولاسيما بعد توقيع اتفاقية الحدود مع اليمن في العام 1992.
وتابع الموقع: رغم الاضطرابات التي عصفت باليمن منذ العام 2011، لم تتأثر محافظة المهرة اقتصادياً، لأنها اعتمدت على الأسواق العُمانية للحصول على الوقود والمواد الغذائية، وعوّلت بشكل خاص على الأسواق العُمانيّة، بما في ذلك سوق المزيونة، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن معبر شحن اليمني الحدودي، ما يفسّر نجاح محافظة المهرة في الحفاظ على استقلاليتها الاقتصادية عن باقي المحافظات.
وأضاف الموقع: امتدت تبعات الحرب إلى حدود محافظة المهرة منذ منتصف العام 2015. حيث خفض الحوثيون مخصصات موظفي المهرة المالية إلى ربع الاحتياج المالي للمحافظة، ما أدّى إلى عدم دفع رواتب العديد من الموظفين المدنييّن والعسكرييّن، فاضطّر الكثير منهم، ولاسيما من غير سكان المهرة، إلى المغادرة والعودة إلى مناطقهم.وزوّدت عُمان مرافق الخدمات بالوقود الضروري، ووزعت مساعدات غذائية بشكل منتظم على السكان.فيما بدأ التدخل الإماراتي العسكري في المهرة في العام 2015، وتولّت الإمارات تدريب نحو 2500 مجند جديد من سكان المحافظة، ووفّرت الكثير من المساعدات لإعادة تأهيل الشرطة المحلية والخدمات الأمنية القائمة. كما وزّعت سلال غذائية ومساعدات إنسانية لسكان مديريات المهرة من خلال الهلال الأحمر. فيما اعتبرت السلطنة أن الوجود الإماراتي على حدودها مع اليمن غير مبرر؛ فالبلدان منقسمان حول عدة مسائل، أهمها الحدود.
وذكر الموقع أن: انهيار مؤسسات الدولة في اليمن والتدخّل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، أدى لحدوث مخاوف لدى مسقط تحوّلت إلى واقع. ففي يناير من العام 2016، أقفلت السلطات العُمانية -بشكل مؤقت- منافذها الواصلة لمنطقتي شحن وصرفيت. ودفع النفوذ العُماني في أوساط قبائل المهرة السعودية إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة. ففي نوفمبر من العام 2017، دخلت القوات السعودية المحافظة واستولت على مرافقها الحيوية، بما فيها مطار الغيضة وميناء نشطون ومنفذي صرفيت وشحن على الحدود مع عُمان. كما نشرت السعودية قواتها في أكثر من 12 موقعاً على طول ساحل المهرة وسرحت موظفي المطار. وأصبحت السعودية مؤخراً هي المسيطرة على إدارة شؤون المهرة.
تبرير النشاط السعودي على الحدود العمانية
في السياق نفسه قال المحلل السياسي الأمريكي “سيغرد نيبور”خلال تقرير نشر في مجلة “ناشيونال إنترست”إن السعودية تبرر نشاطاتها على الحدود العُمانية لمنع تهريب السلاح عبر الأراضي العُمانية إلى الحوثيين، لكن هذا التبرير ليس سوى “حيلة لها بعد جيوسياسي”. مضيفا أن عملية محاصرة عُمان اكتملت في أبريل 2018 عندما قامت القوات الخاصة الإماراتية بالسيطرة على ميناء جزيرة سقطرى.
توقع بانتهاء حياد عمان
وأشار الكاتب إلى أن ما يفاقم الوضع في المهرة إغلاق السعودية المعبرين الوحيدين بين عُمان واليمن والذين ينقل عبرهما الجرحى اليمنيون لتلقي العلاج في مستشفى السلطان قابوس بمدينة صلالة. متوقعا أن ينتهي حياد سلطنة عُمان إزاء تطورات الأوضاع في اليمن، إثر محاصرة السعودية والإمارات لها حيث تمتد حدودها مع اليمن.
وذكر تقرير نشرته “واشنطن بوست” في عام 2017 أن هناك مخاوف عمانية من الآثار الجانبية للنزاع، وأول هذه المخاوف هو الدور المتزايد لدولة الإمارات في الأجزاء الجنوبية من اليمن كما يفسّر بعض العمانيين مساعي الإمارات إلى السيطرة على الأراضي والنفوذ في الجنوب كمحاولة لمنافسة الاستثمارات التي تمولها الصين في مشروع الميناء العماني بالدقم، أو بشكل عام لتطويق السلطنة بشكل استراتيجي خاصة في ظل العديد من الخلافات بين الدولتين.
خلافات سابقة بين عمان والإمارات
في يناير 2018 سادت حالة من الجدل بعد أن عرضت الإمارات، خريطة في متحف اللوفر في أبوظبي تُظهر محافظة “مسندم” العُمانية ضمن حدود الإمارات، ما أثار غضب السلطنة وجاء أول رد رسمي عندما أعلن حساب “مركز الأخبار” التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون العماني في تدوينة عبر موقعي التواصل الاجتماعي “تويتر” و”يوتيوب” أنه سيتم بث “سلسةُ تقارير من مسندم لمطالعة شواهد أول محطة اتصالات في الخليج العربي تربط بين الشرق والغرب”. وبثت أول حلقة من جزيرة التلغراف بمحافظة مسندم والتي تعتبر أول محطة للاتصالات الحديثة بالخليج العربي”.
خلية تجسس
في أول تعليق رسمي من سلطنة عمان، على ضبط خلية تجسس تابعة لدولة مجاورة، قال يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في عمان، إن السلطنة تتعامل مع كل جيرانها بلطف.وأضاف ابن علوي خلال جلسة بعنوان “أثر العلاقات الخارجية العمانية في ظل المتغيرات”: “هذه أمور تحصل بين الجيران، نحن نتعامل مع كل جيراننا بشيء من اللطف” حسب موقع “سبوتنيك”.
وأشار “الموقع” إلى أن الحكومة العمانية أعلنت في العام 2011، ضبط خلية تجسس إماراتية، تستهدف نظام الحكم في السلطنة، وتتجسس على الحكومة والجيش العماني، وهو ما نفته الإمارات.
كاتب عماني يتحدث عن توتر العلاقات
وحسب صحيفة “الخليح أون لاين” قال الأكاديمي والسياسي العُماني عبدالله الغيلاني في تصريحات صحفية في فبراير 2019 إن “علاقة الإمارات وعمان تشهد توتراً غير مسبوق يوشك أن يتحول إلى مهدد استراتيجي تتجاوز تبعاته عُمان والإمارات، لتصل شظاياه إلى المشهد الإقليمي”.
ووصف ما يحدث في المحافظة اليمنية الحدودية مع عمان بـ”صراع نفوذ”، وأضاف: “محافظة المهرة تمثّل أحد مفاصل الأمن القومي العُماني، ومن ثم فإن الدفاع عن هذا الثغر ينبغي أن يحتل موقعاً استثنائياً في الرؤية القائدة لإدارة المصالح العمانية العليا”. ويرى أن الإمارات تعمل حالياً على التواجد سياسياً وبقواتها العسكرية في محافظة المهرة (شرق اليمن)، في وقت تعمل فيه عُمان على الحضور في هذه المحافظة، والتي تعتبرها “ضمن امتداداتها الجيوسياسة التي تستثمر فيها تنموياً وسياسياً”.
موقف عمان من مقاطعة الدوحة
أزمة الدوحة زادت أيضا من توتر العلاقات؛ فحسب ما نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية فيما أسمته وثائق “سرية” ترى الإمارات أن مسقط تصطفّ عملياً إلى جانب الدوحة في الأزمة المحتدمة بين قطر والرياض وأبوظبي، وإن كانت تحرص في العلن على البقاء في منطقة الحياد. وأضافت: أن هذا الاصطفاف، الذي لا يروق السعودية والإمارات، يُفترض بقائدتَي المقاطعة ثني مسقط عنه بـ”الترغيب أو الترهيب” وفي استخدام مصطلح “الترهيب” إشارة إلى خيارات متعددة، تبدأ من الابتزاز الاقتصادي مثلما حصل للأردن أخيراً، وتمرّ بالتحريض الدبلوماسي الذي شرع فيه بالفعل (كما تفيد به بعض المعلومات) السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة بدعوى دعم عُمان لـ”الحوثيين”.
وكانت الأزمة الدبلوماسية مع قطر بدأت عام 2017 وأعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر بسبب اتهامها بالإرهاب ودعم المنظمات الإرهابية وتمويل وسائل إعلامية لزعزعة الاستقرار في المنطقة. ورفضت سلطنة عمان الانضمام إلى دول المقاطعة وعندما احتفلت قطر في 18 ديسمبر 2018، بالعيد الوطني لتأسيس الدولة، بادرت عُمان بمشاركة قطر احتفالاتها، وهنأ السلطان قابوس الأمير القطري تميم آل ثاني وبعث إليه برقية تضمنت “أطيب تهاني جلالته وصادق تمنياته الأخوية” بحسب وسائل الإعلام العمانية، كما ترددت أنباء عن بحث الجانبين القطري والعماني مشاركة عمان في تأمين استضافة قطر لكأس العالم بالإضافة إلى توفير قطر آلاف الوظائف للعمانيين.
ونقلت صحيفة “إيلاف” عن الكاتب السعودي محمد العصيمي قوله إن “مواقف سلطنة عمان باتت معروفة في أكثر من أزمة خليجية حتى أنها لا تزال إلى الآن تدافع وتبرر مواقفها من غزو العراق للكويت في عام ١٩٩٠، وبأنها وقفت مع الحق الكويتي وطالبت بانسحاب القوات العراقية”. وتابع: “كان من المفترض أن يكون للسلطنة دور أكبر وأعمق من أن تكتفي بالتصريحات والمطالبات في الأزمات باعتبارها عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ولو كانت باقي دول الخليج اتخذت نفس الموقف الذي اتخذته السلطنة لما تحررت الكويت ولما استرد الكويتيون بلادهم”.
وأضاف: السلطنة ستحتاج يوما وقوف الأشقاء كما احتاج الأشقاء منها اليوم موقفا ثابتا وواضحا، مشيرا الى أنّ الهدف الذي تأسس عليه مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو الوحدة والتعاون والإيمان بالمصير المشترك، وهو السبب الرئيسي لتواجد السلطنة في المجلس، على حدّ تعبيره.
كما نقلت صحيفة إيلاف عن الكاتب الدكتور وحيد هاشم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز قوله “أن علاقة سلطنة عمان بإيران تمتد منذ عام 1987 إذ كانت تربطهما علاقة وثيقة، الأمر الذي جعل سياسة السلطنة سلبية تجاه دول الخليج العربي عكس سياستها الايجابية تجاه إيران في سلبيتها تلك. وأضاف: “عمان تعتقد أنها تقف على الحياد بينما في الحقيقة تمارس التسويف والمماطلة، متجاهلة حجم خطر المخطط الإيراني الفارسي الصفوي ورغبته في التمدد والهيمنة على المنطقة العربية”، منوها الى أن السلطنة “لا تدرك خطر هذا التمدد وأنها يوما ما سيحين دورها وستدفع ثمن التقارب مع ايران”.
قابوس وسياسة الحياد
وتتجلى سياسة الحياد العمانية خلال تصريحات السلطان قابوس بن سعيد لصحيفة السياسة الكويتية في 11 ديسمبر 1985 حيث قال: “نحن لا نصب الزيت على النار في أي اختلاف في وجهات النظر مع أحد” و”ليس لنا أي منغصات مع أحد: لا في الإقليم أو خارجه، نحن دولة سلام وحتى إذا ما غضبنا فإننا نغضب في صمت والزمن كفيل بحل المشكلات وكلام ربنا يقول ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.
وتابع: “عمان بلد محب للسلام نبني علاقاتنا عبر المصالح المشتركة مع الجميع من دون أن نَغبن أو نُغبَن وهذا ما وضع دبلوماسية الدولة العمانية على الطريق الهادئ الصائب فليست لدينا أي خصومة مع أي دولة في المنطقة نعرف أن البعض لديه مصالح يريدنا أن نحترمها وندرك أيضا أن لنا مصالح يجب على الآخرين احترامها وعند هذا تتلاشى الخلافات.. كل ما أتمناه ألا يطل شبح الحرب على هذه المنطقة”.
وأضاف: “قمنا بوساطات كثيرة وأخمدنا خلافات كثيرة وتحركنا دبلوماسيا لأشياء كثيرة أيضا وكلها تمت من دون إعلان أو إشهار ولكننا يقينا نعرف أن الذين سعينا لهم ونجحنا في مساعينا لأجلهم يعرفون ذلك ويقدرونه وهذا جل ما نريده ونتوخاه.. ولندع التاريخ يحفظ لنا ذلك عندما يكتب”.
ما بعد رحيل قابوس
صحيفة لوفيغارو الفرنسية نشرت تقريرا في مارس 2019 قالت خلاله إن السلطان قابوس له علاقات جيدة مع جميع الدول ويُعتبر صديقاً للإيرانيين والأمريكيين، إلا أنه لا يبدو حذراً من جيرانه “السعوديين والإماراتيين” وتابعت: “الدولتان الخليجيتان تطمعان في إيجاد موطئ قدم في السلطنة ما بعد رحيل قابوس”.