عقب الثورة السودانية يتجه السودان نحو مرحلة جديدة بالتزامن مع إعلان رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك، مساء 5 سبتمبر 2019، أسماء 20 وزيرا، يمثلون التشكيل الرئيسي لأول حكومة انتقالية بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير. ولقي تشكيل الحكومة ردود فعل دولية إيجابية ما بين الإشادة ووصف ذلك بـ”الإنجاز الكبير” وفي أول رد أفريقي لصالح السودان أعلنت سفارة السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في 6 سبتمبر 2019، أن مجلس الأمن والسلم الإفريقي رفع تعليق عضوية السودان بالاتحاد الإفريقي.
الحكومة التي أتت في مرحلة صعبة من تاريخ السودان تواجه عدة تحديات أبرزها التدهور الاقتصادي والديون الخارجية واستمرار إدراج اسم السودان على قائمة الإرهاب والنزاعات المسلحة. فهل ستنجح الحكومة في القيام بمهامها؟ هل سيشهد السودان تغييرات حقيقية في الإستراتيجيات السابقة التي اتبعت طيلة السنوات الماضية؟ هل سيشهد السودان بداية عهد جديد بعد الفترة الانتقالية وتنجح الثورة السودانية في تحقيق أهدافها؟
آخر تطورات الثورة السودانية
ستعمل الحكومة السودانية الجديدة، بموجب اتفاق لتقاسم السلطة مدته 3 سنوات، وقعه نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو وممثل تحالف قوى الحرية والتغيير أحمد الربيع في السودان في أغسطس 2019 إذ توصل إليه الطرفان بعد أشهر من المفاوضات والذي من شأنه أن يضمن الانتقال إلى حكم مدني في البلاد، واتفق الطرفان على جدول زمني لمرحلة انتقالية من 39 شهرا، يتقاسمان خلالها السلطة، وتنتهي بالانتخابات. وذلك بعد 8 أشهر من الحراك الشعبي ضد نظام البشير الذي تم عزله وتجري محاكمته حاليا بتهم تتعلق بالفساد.
وكان من المقرر إعلان تشكيل الحكومة في 28 أغسطس 2019، حسب اتفاق تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، غير أنه أجل عدة أيام لإجراء مزيد من التشاور، بعد أن سلمت قوى الحرية والتغيير يوم 27 أغسطس رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، قائمة مرشحيها للمناصب الوزارية، لكن التزام حمدوك بـ30 معيارًا تم الاتفاق عليها، وضع المرشحين في خانة الإبعاد، ما اضطر قوى التغيير للدفع بترشيحات جديدة لرئيس الوزراء، قبل أن يعلن حمدوك عن تشكيل الحكومة.
تضم الحكومة الجديدة20 وزيرا، وقد حظيت المرأة في هذه الحكومة بـ4 وزارات، وعينت أسماء عبدالله كأول وزيرة خارجية للسودان. كما عين الفريق أول جمال عمر، عضو المجلس العسكري، وزيرا للدفاع، فيما عين الطرفي إدريس دفع الله، الذي كان يشغل منصبا رفيعا في الشرطة، وزيرا للداخلية، وعين إبراهيم البدوي، الاقتصادي والخبير السابق في البنك الدولي وزيرا للمالية، ومدني عباس مدني، القيادي في تحالف الحرية والتغيير، وزيرا للصناعة والتجارة.
وفور الإعلان عن تشكيل الحكومة قال رئيس الوزراء حمدوك، في مؤتمر صحفي إن “أهم أولوياته إحلال السلام في بلد عانى سنوات من التمرد وشهورا من الاضطرابات السياسية”. وتابع “الفصائل المسلحة جزء لا يتجزأ من الثورة السودانية ، والمناخ السياسي الحالي يمثل البيئة المناسبة للوصول إلى تفاهمات حول السلام”.
وأشار إلى أن الحكومة تواجه الكثير من التحديات، من بينها توفير النقد الأجنبي لتمويل وتغطية فاتورة استيراد السلع الأساسية مثل الوقود والدقيق. وأضاف أن الحكومة ستعمل أيضا على التفاوض لإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية “للإرهاب”، وتخفيض الإنفاق العسكري للبلاد الذي يمثل ما يصل إلى70%من الميزانية العامة.
ترحيب دولي بتشكيل الحكومة
ووفقا لـ “سبوتنيك” قالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آنييس فون دير مول، في بيان لها: “ترحب فرنسا بالإعلان عن تشكيل حكومة جديدة في السودان برئاسة عبدالله حمدوك، وتعتبر أنها تشكل مرحلة مهمة ضمن العملية الانتقالية”. وأضافت “فرنسا لاحظت برضا علامات الانفتاح غير المسبوقة التي تمثّلت بتسمية عدد من النساء على رأس وزارات مهمة بالإضافة لتواجد العنصر الشبابي وعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية داخل الفريق الحكومي”.
وقالت وزارة الخارجية القطرية، في بيان رسمي لها: “دولة قطر تعرب عن سعادتها بتغليب الأطراف السودانية روح الحوار والتوافق والمصلحة الوطنية ما مهد الطريق لتشكيل حكومة معبرة عن أشواق الشعب السوداني الكريم ورغبته في التمثيل المتوازن للشباب والنساء ومناطق البلاد المختلفة”. وحسب وكالة الأنباء السعودية “رحب مصدر مسؤول بوزارة الخارجية بتشكيل الحكومة الانتقالية وبارك المصدر للشعب السوداني هذه الخطوة المهمة التي تؤكد إرادة السودانيين وحرصهم على تحقيق مصلحة السودان والحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره وتحقيق تطلعات أبنائه”.
ووفقا لبيانات تناقلتها “وسائل إعلام” أعربت وزارة الخارجية البحرينية عن تهانيها للشعب السوداني بهذا الإنجاز وخالص أمنياتها للحكومة السودانية بالتوفيق والسداد، مشددة على أن مملكة البحرين ستظل داعمة لجمهورية السودان ومساندة لكل الخطوات والإجراءات التي من شأنها تحقيق التنمية والازدهار وتعزيز الأمن والاستقرار فيها. كما هنأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشعب السوداني، بالخطوات المهمة التي تم اتخاذها مؤخرًا، وأسفرت عن توافق على تشكيل الحكومة. كما أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، أن مصر تعتبر هذا الاتفاق يمثل خطوة هامة على طريق تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في البلاد، معربةً عن دعمها الكامل لخيارات الشعب السوداني الشقيق بكامل أطيافه من أجل تحقيق آماله في الأمن والاستقرار والرخاء.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان، “جميع أصحاب المصلحة، على ضمان تنفيذ الاتفاق في الوقت المناسب وبشكل شامل وشفاف، وحل أي قضايا عالقة من خلال الحوار”. وقال وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، في تغريدة بموقع “تويتر”، إن الاتفاق يمهد الطريق إلى الحكم المدني، مؤكدا استعداد بلاده لتقديم المساعدة للسودانيين في المرحلة المقبلة.
أول ردود فعل أفريقي إيجابي بعد تشكيل الحكومة
أعلنت وزارة الخارجية السودانية عن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رفع تعليق عضوية السودان بالاتحاد الأفريقي، ورفع تجميد أنشطته فيه.وحسب “سكاي نيوز” أكدت وزارة الخارجية السودانية، في بيان 6 سبتمبر 2019، التزام السودان بأهداف ومقاصد الاتحاد الأفريقي الجامعة، باعتباره دولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية. مضيفة أن “السودان يعبر عن قناعته التامة بالعمل الجماعي الأفريقي، طريقًا لتحقيق أهداف شعوب القارة في الرفاه الاقتصادي والنمو الاجتماعي وتعزيز قيم الديموقراطية والتمسك بها والعمل على إعلائها. وعبرت وزارة الخارجية عن كامل رضاها الآن بتوفر الأسباب الكفيلة بفعل وفضل هذا القرار، لانخراط واندماج السودان الكامل بالأسرة الدولية، واستئناف دوره الرائد في منظمة الأمم المتحدة بالمشاركة والمساهمة في صيانة السلم والأمن الإقليمي والدولي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وترقية حقوق الإنسان.
أبرز تحديات
الصحافي في إذاعة مونت كارلو الدولية عاطف علي صالح، رأى أن التحديات التي سيواجهها السودان في الفترة القادمة تتمثل “الحرب والسلام والنزاعات المسلحة والنازحين واللاجئين في السودان خاصة في دارفور والنوبة والنيل الأزرق”، ثم معضلة “اقتصاد دولة منهار”وأيضا “تفكيك مؤسسات النظام السابق وإزالة إرث دولة التمكين التي ظلت على مدى 3 عقود حتى الآن”. واتفق معه محمد عديلة عضو حزب الأمة السوداني، مشيرا إلى أن هناك 3 تحديات رئيسية أمام حكومة حمدوك في السودان، تتمثل في ضرورة الشروع في تكوين المفوضيات وإكمال الرافعة الثالثة من شعار الثورة السودانية وهو السلام وإيقاف الحرب.وأضاف، التحدي الآخر هو الدولة العميقة وتمكنها من أركان الدولة ونقل السودان لمرحلة جديدة في المحيط الدولي والعربي وتقديم عرابين للدول التي تضررت من سياسات النظام السابق، والتحدي الثالث هو الانتصار لمشكلات الناس ومعالجة حالة التردي الاقتصادي في البلاد.
التحدي الاقتصادي
قال رئيس الوزراء السوداني المُكلّف عبدالله حمدوك، إن بلاده تواجه تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، ولكن يمكن معالجته. وتابع، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في السودان يوم 3 سبتمبر 2019: “نحن بحاجة إلى معالجة تدهور سعر الصرف ووقف التضخم وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي”. وأضاف: “نهدف على المدى الطويل إلى زيادة الإنتاج في البلاد لتعزيز الاقتصاد وخلق بيئة ملائمة للاستثمار”. وحسب “الحرة” قال رئيس الوزراء السوداني إن السودان يحتاج ثمانية مليارات دولار مساعدة أجنبية خلال العامين المقبلين لتغطية الواردات وللمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد بعد الاضطرابات السياسية المستمرة منذ شهور.
وذكر حمدوك في تصريحات لـ “رويترز” في 25 أغسطس 2019 أنه بدأ محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمناقشة إعادة هيكلة ديون السودان، وتواصل مع الدول الصديقة وهيئات التمويل بشأن المساعدات. وأضاف:”السودان يحتاج بصورة عاجلة من مليار إلى ملياري دولار لا بد أن تتوفر كاحتياطي من النقد في البنك المركزي للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه السوداني”.
وقال حمدوك: “سنعمل على توحيد سعر صرف الجنيه وأن يدار سعر الصرف عن طريق سعر الصرف المرن المدار… تعدد سعر الصرف للجنيه هو المدخل للتشوهات في الاقتصاد السوداني”.
وحسب صحيفة “الشرق الأوسط” كشف تقرير أداء وزارة المالية والاقتصاد الوطني للربع الثاني من العام 2019، عن عجز في الموازنة بلغ 16 مليار جنيه سوداني (355 مليون دولار)، بإيرادات قدرها 61.8 مليار جنيه (1.37 مليار دولار)، ومنصرفات 77.8 مليار جنيه (1.37 مليار دولار)، وتراجع معدل النمو إلى سالب 2.1 في المائة.وقال وكيل وزارة المالية عبد المنعم الطيب إن موازنة العام 2019 واجهت تحديات أبرزها ضعف الإيرادات، وعدم توفر السلع الاستراتيجية وكيفية الإيفاء بتعويضات العاملين (الرواتب). مضيفا أن المنصرفات البالغة 77.8 مليار جنيه خصصت للسلع الاستراتيجية، وتوفير النقد لدفع المرتبات، لمواجهة أزمة السيولة التي تجتاح البلاد منذ أكثر من عام.ورغم ترشيح السودان من قبل عدة مؤسسات بأن يبلغ نموًا يصل إلى 5 في المائة خلال هذا العام. أكد تقرير «آفاق الاقتصاد العربي» الصادر عن صندوق النقد العربي، تراجع النسبة في أبريل (نيسان) الماضي سلبًا إلى 2.1 في المائة.
رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب
قال حمدوك، في 25 أغسطس 2019، إنه يجري محادثات مع الولايات المتحدة لرفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وتوقع حمدوك أن “يحدث في هذه المسألة تبدل كبير ويمكن أن يحدث تفاهم حول هذا الأمر”. وتعهد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال زيارته إلى الخرطوم، برفقة وفد يضم 30 مسؤولا، بهدف تعزيز علاقات التعاون الثنائي بين البلدين. أن تطرح بلاده مسألة استبعاد السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.وقال في مؤتمر صحفي: “سنطرح مسألة إزالة السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب على المستوى الدولي”، مؤكدا مواصلة “دعم السودان وزيادة المساعدات الإنسانية للسودانيين”، وفقا لـ “روسيا اليوم”.
وقال وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل في مؤتمر صحافي عقده بالخرطوم 8 أغسطس 2019، إن توقيع الإعلانين الدستوري والسياسي يمثلان لحظة تاريخية مهمة بالنسبة للسودانيين، ودعا للعمل المشترك من أجل صناعة المستقبل. مشيرا إلى أن حكومة بلاده ترهن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بتحقيق التحول لحكومة مدنية، والاستجابة للانشغالات الأميركية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.وأضاف هيل: “الحقيقة السودان ما يزال ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونحن ننتظر ما ستفعله الحكومة المدنية، بشأن كفالة الحريات وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، والانشغالات الأميركية الأخرى، وتتضمن تحقيق الاستقرار السياسي وتصحيح مسار الاقتصاد”.
وكانت واشنطن قد أدرجت السودان على قائمتها للدول الراعية للإرهاب في 1993. وقالت حينها إن نظام الحكم السوداني يقود حربا دينية في الجنوب وله علاقات مشبوهة بإيران وليبيا، وإنه متورط في أعمال إرهابية. وفي عام 1997، زادت واشنطن من الضغوط على الخرطوم؛ حيث فرضت عقوبات أوقفت الشركات الأمريكية عن التجارة مع السودان وجعلتها معقدة لأي شركة أجنبية للتعامل مع البلاد، وقد تم رفع هذه العقوبات في العام الماضي، لكن السودان ظل مدرجًا على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وجددت الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2010، تصنيف “السودان” على أنها إحدى الدول التي تدعم الإرهاب في العالم، ضمن التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، عن وضع الإرهاب في دول العالم، هذا إلى جانب كل من سوريا وإيران وكوبا. وتصنيف السودان بلدًا راعيًا للإرهاب يجعله غير مؤهّل لتخفيف الديون، كما يحُدّ من حصوله على تمويل من مُقرضين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلًا عن حد قدرته في جذب الاستثمارات الأجنبية، وفق صحيفة “الشرق الأوسط”.
تاريخ النزاع المسلح
اندلع النزاع المسلح في دارفور عام 2003 إذ بدأت مجموعتان متمردتان، هما حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، بقتال الحكومة السودانية لاتهامها باضطهاد سكان دارفور من غير العرب وردت الحكومة على الهجمات ما أسفر عنه مقتل مئات الآلاف واتهم البشير بارتكاب إبادة جماعية، ووقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة اتفاقا لوقف إطلاق النار في فبراير 2010، وفي شهر يوليو وأغسطس 2006 تجدد القتال، وتركت المنظمات تقديم المساعدات بسبب الهجمات ضد موظفيها. وفي مارس 2009 أعلن البشير عن طرد ما بين ست إلى عشر من منظمات تقدم العون والإغاثة للنازحين من الحرب في إقليم دارفور، وبررت السلطات السودانية قرارها بدعوى تعامل المنظمات مع محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد عمر البشير.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية لحقوق الإنسان خلال تقريرها الصادر في عام 2019 عن الأحداث في السودان خلال عام 2018 لم يطرأ تغيير كبير على سجل السودان الحقوقي في 2018، فقد استمرت النزاعات في دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق. كما استخدم “جهاز الأمن والمخابرات الوطني” القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات، واحتجز عشرات النشطاء وأعضاء أحزاب المعارضة تعسفا، وفرضت السلطات رقابة على وسائل الإعلام، وصادرت الجرائد واحتجزت المنتقدين ومنعت أبرز وجوه المعارضة من السفر إلى الخارج. وأوضحت أنه على الرغم أن السودان مدّد في يوليو وقف إطلاق النار المُعلن من جانب واحد في مناطق النزاع إلى نهاية العام، فإن قواته، بما فيها “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، هاجمت أكثر من 10 قرى في منطقة جبل مرّة في دارفور بين مارس ومايو. وقتل المهاجمون 23 مدنيا على الأقل، ودمروا ونهبوا الممتلكات الخاصة، وتسببوا في فرار الآلاف من منازلهم. وأضافت: منعت القوات السودانية أيضا وصول “قوات حفظ السلام المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور ومراقبي حفظ السلام ومنظمات الإغاثة إلى النازحين والمناطق المتضررة من النزاع في عديد من المناسبات. وما زال أكثر من مليوني شخص مهجرين بسبب النزاع بين المعارضة المسلحة والقوات الحكومية الذي بدأ في 2003.
وأكدت المنظمة في تقريرها يوم 23 أغسطس 2019 إنه ينبغي للحكومة الانتقالية الجديدة في السودان اتخاذ خطوات ملموسة لضمان المساءلة عن الانتهاكات الحقوقية السابقة. يشمل ذلك فيها الهجمات على المتظاهرين منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019 ، مشيرة إلى ضرورة وضع معايير واضحة للتقدم في مجال العدالة، ومجموعة من الإصلاحات الأخرى التي يجب إنجازها خلال المرحلة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات. ودعت المنظمات الدولية بما فيها “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأفريقي” و”الاتحاد الأوروبي” ودول أخرى لمراقبة تنفيذ الاتفاق والتقدم في الإصلاحات الحقوقية الرئيسية.
القوى السياسية في السودان ومفاوضات السلام
وفقا لـ”روسيا اليوم”، أعلن رئيس تجمع قوى تحرير السودان، الطاهر حجر، ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي، الهادي إدريس يحيى، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، وجميعهم مقيمون في جوبا، عاصمة جنوب السودان وجميعهم حركات مسلحة سودانية تقود تمردا في إقليم دارفور “اتفاقها على الشروع بمفاوضات مع الحكومة السودانية المقبلة والالتزام بإعلان وقف العدائيات مع القوات الحكومية، لإتاحة الفرصة للسلام.”وأكدت الحركات الأربع، في بيان لها، تمسكها “بالسلام العادل الشامل، الذي يخاطب جذور المشكلة السودانية ويعالج آثار الحرب وبواعث التهميش، مع بذل كل الجهود لإحلال السلام متى ما توفرت إرادة السلام لدى السلطات الانتقالية.”
وكان حزب الأمة القومي السوداني، أصدر في الأول من سبتمبر 2019 بزعامة الصادق المهدي، بيانا بشأن الطريقة التي تم بموجبها ترشيح وزراء الحكومة الانتقالية، من قوى الحرية والتغيير.وقال خلال البيان إن الترشيحات تمت عبر محاصصات حزبية دون إعطاء أي اعتبار لمعاني التنوع والتمييز الإيجابي، والتمثيل المتوازن للأقاليم الذي تطلبه ضرورات مرحلة صناعة السلام الشامل والمستدام ومواجهة تحديات المرحلة، مضيفا أن “كل هذه الملاحظات وغيرها، جعلت تلك الترشيحات تأتي بشكل لا يلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني”.
حول الثورة السودانية
بدأت أحداث الثورة في السودان في ديسمبر عام 2018، إذ اندلعت سلسلة من الاحتجاجات ضد الرئيس السابق عمر البشير، مطالبة بالإصلاحات الاقتصادية واستقالة الرئيس الذي استمر حكمه لثلاثة عقود وتواصلت الاحتجاجات التي قوبلت برد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ.وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد وأدت الاحتجاجات إلى قيام الجيش بخلع البشير من السلطة، وتم تكوين مجلس انتقالي بقيادة أحمد عوض بن عوف، ولكن المتظاهرين، رأوا أنه كان مجرد تغيير للقيادة مع الإبقاء على النظام نفسه وطالبوا بتشكيل مجلس انتقالي مدني.
وحكم السودان مجلس عسكري منذ الإطاحة بعمر البشير فيما تواصلت التظاهرات للمطالبة بحكم مدني. وحسب “وسائل إعلام عربية ودولية”، بعد فشل المحادثات بين المجلس العسكري والمعارضة حول تشكيل حكومة انتقالية في السودان، قام الجيش في يونيو 2019 بفض الاعتصام بالقوة ما أسفر عن وقوع قتلى ومصابين.وأفادت صحيفة “الغارديان” البريطانية في 11 يونيو 2019 أن قوات الدعم السريع التي يقودها نائب المجلس العسكري الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي” آنذاك قد فضت اعتصام الخرطوم، ونفذت حملة قمع، أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح ما يصل إلى 700 وأنه تم تسجيل أكثر من70 حالة اغتصاب خلال فض الاعتصام.ونقلت “الصحيفة” عن طبيب في مستشفى “رويال كير” قوله: ”إنه عالج ثمانية ضحايا اغتصاب، خمس نساء وثلاثة رجال. فيما قال مصدر طبي إنه تم معالجة حالتي اغتصاب في مستشفى في جنوب الخرطوم، بما في ذلك حالة تعرضت للهجوم من قبل أربعة عناصر تابعين لقوات الدعم السريع.
ووصف العديد من الشهود حالات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي“.في 14 يونيو 2109 قال الفريق أول شمس الدين كباشي المتحدّث باسم المجلس العسكري الحاكم في السودان إنّ “المجلس العسكري هو من اتّخذ قرار فض الاعتصام ووضعت الخطة لذلك، ولكن بعض الأخطاء والانحرافات حدثت“. وجاء ذلك بعد موافقة المحتجّين على إنهاء عصيانهم المدني وموافقتهم على عقد مباحثات جديدة مع المجلس العسكري الحاكم في أعقاب وساطة قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حسب “فرانس برس“.
في 14 يونيو 2019 أعلن نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، محمد حمدان دقلو، أن المجلس وافق على تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، تدير البلاد خلال الفترة المقبلة إلى حين إجراء انتخابات. وتابع خلال لقاء جماهيري: “نريد حكومة سريعًا، ونريد حلًّا سودانيًّا–سودانيًّا، لأن البلاد لا تتحمل تأخيرًا للحل بعد الآن“، حسب العربية.
في 20 يونيو 2019 قال رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي: “وصلنا للشخص الذي يقف وراء فض الاعتصام ولن نكشف عنه الآن، كي لا نؤثر في لجنة التحقيق“. وكشف أن هناك مندسين بين قوات الدعم السريع. مشيرا إلى اعتقال 9 أشخاص منهم. وأضاف: “مهما طالت الفترة الانتقالية فإننا موافقون عليها شرط أن تأتي بحل شامل. وتابع “التوافق هو الأساس وبالتالي يمكن سريعًا تشكيل حكومة“.
وذكرت “رويترز” بأنه تظاهر مئات السودانيين في عدد من عواصم الولايات في 21 يونيو 2019 حيث احتشدوا في مدن “ود مدني” و“الأبيض” و“بورتسودان“، لمطالبة المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة، بالإضافة إلى تظاهر العشرات في العاصمة الخرطوم وسط هتافات تنادي بالسلطة المدنية. وأفادت بانهيار المحادثات التي كانت تجرى بين المجلس العسكري الحاكم وتحالف قوى المعارضة عقب فض قوات الأمن الاعتصام ولم تعقد محادثات مباشرة بين الجانبين منذ فض الاعتصام.
في أغسطس 2019 وقع نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو وممثل تحالف قوى الحرية والتغيير أحمد الربيع في السودان على وثيقة الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان بعد أشهر من المفاوضات والذي من شأنه أن يضمن الانتقال إلى حكم مدني في البلاد. ثم أعلن رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” عن تشكيل الحكومة، مساء 5 سبتمبر 2019.