يقول جورج برنارد شو بلهجة استعلائية وقاسية: “إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل؛ لأن أغلبية من الحمير ستحدد مصيرك”. كلما قرأت هذه العبارة تعود بي الذاكرة مباشرة إلى عدة حوارات حدثت معي شخصيا في غرف التحقيق الرسمية و”الودية” مع أجهزة الأمن العمانية حول صلاحيات مجلس الشورى، وأزعم أن الحوار ذاته حدث مع آخرين كان لهم نفس الهم أيضا، ورغم أنه في كل مرة يتغير شخص الطرف الآخر في الحوار إلا أن سير الحوار يكاد أن يكون متطابقا.
“الشعب غير قادر على إدارة نفسه” هو التعليق الدائم الذي يتكئ عليه صاحب القرار وأجهزته الأمنية أمام أي مطلب إصلاحي في فصل السلطات بشكل حقيقي، وتقويض مركزية السلطة، ومنح مجلس الشورى الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة. دائما ما يلقون على طاولة كل حوار وتحقيق سؤالا إنكاريا توبيخيا: “انظر إلى أعضاء مجلس الشورى.. هل تثق في إمكانياتهم في إدارة شؤون البلد؟”. بديهيا كان الجواب “لا” في كل مرة، وفي هذه اللحظة من الحوار دائما ما كان يبتسم المحاور مزهوا بانتصاره فقد توقع أنه صوب اللكمة القاضية التي ستخرس محاوره إلى الأبد.
ورغم واقعية الحجة إلا أنها ليست لكمة قاضية؛ فنضج الوعي السياسي لدى الشعب واستعداده وجاهزيته لأي استحقاق سياسي ديمقراطي في إيصال الناخب الكفء ما هو سوى نتيجة لفشل السلطة الشمولية المركزية لعقود طويلة في ترسيخ فكرة المواطنة وإعلائها على المحسوبية والقبلية والمال السياسي في غياب مطلق للممارسة السياسية وتداول السلطة.
هل هناك من يستطيع أن ينكر أن السلطة العمانية هي سلطة شمولية مركزية، ولعقود طويلة فرضت سيطرتها ومازالت على الفضاء العام وجميع أنشطة المجتمع المدني، هذا إن وجد أصلا، وتهيمن على التعليم والإعلام المقروء والمرئي والمسموع بشقيه الحكومي والخاص، وتغذي مفهوم القبلية السياسية وتراعي مصالح طبقة التجار عن طريق تقديم خدمات استثنائية لهم.
كل هذا أسهم في تشكيل الوعي وبناء منظومة الأفكار والقيم لدى المواطن العماني، والتحكم بنوعية تفكيره وطريقته ؛ لذا فإن أي خطاب من هذه السلطة “الشمولية المركزية” حول ضعف أو عدم قدرة الشعب على إدارة نفسه وعدم نضوجه أمام أي استحقاق سياسي، لا يعد سببا مقبولا يجب التسليم والاستسلام له، وفي الحقيقة ما هو إلا اعتراف ضمني بفشل تلك المنظومة الشمولية التي أنتجت هذا النوع من الوعي في المجتمع.
لست مع منح أعضاء مجلس الشورى الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة “الآن”، بيد أني مع منحه تلك الصلاحيات في أسرع وقت “ممكن”. هنالك من سيختلف معي بحجة أن التجربة هي أفضل وسيلة للتعلم وبناء الوعي السياسي المتراكم الصلب لدى المجتمع، والخطأ جزء أصيل من التجربة، بل هو أساس التعلم. لا أختلف مع هذا القول إلا في دعوتي إلى التقليل من نسبة الخطأ عن طريق رغبة حقيقة من قبل السلطة بمنح تلك الصلاحيات كاملة غير ناقصة لأعضاء مجلس الشورى في موعد محدد، يسبقها برنامج استراتيجي معلن واضح المعالم تدرس وتفصل فيه كل ما يحتاجه الناخب والعضو للوصول لمرحلة الحد الأدنى من الوعي.
بعد مضي أربع سنوات على كتابة هذا المقال
هل تغيير شيء ما. في المعادلة الديمقراطية/الجهل
العقلية السائدة لفهم مجلس الشعب البرلمان /الشورى وجاهة و تمثيل قبلي حتى في النظم الجمهورية سوريا مصر و الأكثر فظاعة تجربة اليمن الجنوبي الاشتراكي الديمقراطي سابقاً.
فهم آلية عمل الديمقراطية اليوم و في ظل التطور الهائل لوسائل الإتصال و إدارة عملية التواصل الجماهيري. يمكن عرض البرامج الاقتصادية أولا و السياسية. و الأهم التأكيد على قضية الإدارة. يبدأ من تلتكنوقراط / العلم و شهادات التخصص في الاقتصاد وعلوم السياسة و الاجتماع و ليس- فقط- فقه و شرعية