“إن التحديق هو استراتيجية ذكورية لتثبيت المرأة في رمزها التاريخي/الممثل، أي تثبيتها كرمز ثقافي وهوية. هو استراتيجية لتثبيتها كآخر، فهي ليست رجلاً” – رجائي موسى
تظل صورة المرأة في الحياة اليومية عبارة عن صورة لنساء مستعدات لوضعية التقاط بعدسات ذكورية، تضع شروط الجمال والعفة ونموذجا لكيف يجب على النساء أن يكنّ، أو كما أخبرتنا سيمون دو بوفوار “لا تولد المرأة امرأة بل تصبح كذلك”.
لقد كان السيد كولن ولسن شديد النباهة والذكاء في كتابه أصول الدافع الجنسي، حيث نوه إلى أن تلك النظرة الجنسية بين طيات الكتاب هي نظرة ذكورية لرجل، ولكي نفهم النساء جنسيا فعلينا أن نسمع النساء يتحدثن في الجنس.
دارت آراء النساء “النسويات” في العصر الحديث عن امرأة فاعلة جنسيا بعيدا عن تلك النظرة القديمة عن سلبية المرأة الجنسية والتي استمرت لحقب طويلة من التاريخ، وقد أخذت تلك الرؤية نساء العصر الحديث إلى مساحات قيادة وتأثير أكبر على مستويات السياسة والأسرة، وأصبحت المرأة تلعب أدوارا قيادية بعيدة تماما عن التبعية، وقد امتدت بعض الأصوات عبر التاريخ الغربي لرفع الهيمنة الذكورية المعيشية والنفسية والجسدية عن النساء، وهو الأمر الذى بقيت له أصداء صوتية بالعالم العربي حتى اليوم، إذا كيف تنظر النساء إلى عملية الجنس وأحقية التصرف بالجسد. في “مواطن” نحاول الحصول على إجابة عبر تطور كتابات النساء من ستينات القرن الماضي إلي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
جنس بلا متعة
بحسب نوال السعداوي، فقد تم استخدام المرأة وظيفيا عبر التاريخ كأداة للإنجاب والإمتاع، مع إهمال الجانب الإنساني فيها، وقد شاع بين الرجال أن المهبل أكثر أعضاء المرأة إثارة وتم التعامل مع البظر على أنه زائدة دودية في المرأة، ولكن واقع الأمر مختلف تماما حيث إن المهبل يسيطر عليه الوظيفة الإنجابية، بينما البظر هو عضو الإمتاع الذي لا يختلف في تكوينه عن عضو الرجل، واعتبر أن ما يمتع الرجل ذاته هو مصدر متعة المرأة، واختزلت الوظيفة الجنسية للمرأة في الإنجاب، وقد ماتت الكثير من النساء، بعد حياة أنجبن فيها عشرات الأطفال، ولا يعرفن شيئا عن لذة الجنس، فقد استمر الجهل عبر السنين واقتصارُ تصورات الرجال الخاطئة حول أن فتحة الرحم والمهبل أعضاء جنسية، مع أن الطبيعة نفسها حرمت المرأة من الإحساس العالي بتلك المناطق حتى يتم تحمل آلام الولادة وحسب، وقد ارتبط عقل الرجل أيضا بأن الوصول للقذف يعني وصول المرأة معه لقمة المتعة، مع أن ذلك ليس حقيقيا وأن للمرأة متعة منفصلة عن الرجل، وبحسب الإحصائيات أن غالبية النساء لا تعرفن الأورجازم قبل الزواج على عكس غالبية الرجال، كما أن غالبية النساء لا يصلن إلى الأورجازم إلى بعد عمر35 سنة بسبب الخبرة والتصالح من العقد النفسية حيال الجسد، أو أسباب بيولوجية تتعلق بمدى تدفق الدم بالمناطق الجنسية الحساسة بعد عمليات الولادة.
الخبرة الجنسية الأولى
تعتقد سيمون دي بوفوار أن سلوك ومستقبل الفتاة معلق على الطريقة التي تستقبل بها خبرتها الجنسية، بينما يرى الرجل في تلك العملية فرصة لتأكيد الذات وفرض الهيمنة، بينما تذهب المرأة إلى لعب دور الفريسة الخاضعة، والحياة الجنسية للمرأة أكثر تقييدا بسبب وضعها الاجتماعي، حيث أزمة التعارض بين عضوين من أعضائها التناسلية، البظر والمهبل. ففي مرحلة الطفولة يكون البظر مركز الإحساس الجنسي، ويستمر إلى فترة ما بعد البلوغ دون لعب دور في عملية الجماع التقليدية، ويكتسب المهبل أهميته بعد سن البلوغ فيصبح أداة التوالد، ولا يكتسب حساسيته الجنسية إلا بتدخل الرجل. كما أن العادة جرت على أحقية الرجل في طلب المرأة في جميع الأوقات بينما لا تستطيع المرأة العكس ولا يمكنها طلب الرجل إذا لم يكن في حالة انتصاب، وعلى العكس فالرجل لا يفكر في مدى رغبة المرأة في الجنس في العملية الجنسية، كما أن للمرأة سلبية جنسية تكفي لإقامة علاقة كاملة وعملية إنجاب دون أي شعور بالمتعة.
الرجل ورغبة المرأة
ترى فاطمة مرنيسي أن هناك طبيعة عدوانية تجاه رغبة المرأة الجنسية في المجتمعات المسلمة، وأن المرأة التي بإمكانها ممارسة عملية الجنس تتعرض لقدر أكبر من القيود وهو ما يحدث في حالات الزواج والطلاق، والرجل لا يمكنه مقاومة جاذبية المرأة فهو دائم الانقياد لها، ولذلك تعد المرأة في العقلية المسلمة مصدر فتنة وخطورة، وقد روي في صحيح مسلم أن النبي رأى امرأة، فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج وقال: “إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها”. وبالنهاية تعد المرأة قوة هدامة اجتماعيا كتجسيد للفوضى والفتنة. حيث إن الرجل المكبوت جنسيا ينشغل بالطهارة والعفة، حيث تعد تجربته الجنسية نجسة، وقد كان ربط كرامة الرجل بالسلوك الجنسي للنساء أمرا سهلا لما كانت النساء حبيسات الأمكنة الخاصة، ولكن بعد خروج النساء للمجال العام من باب العمل والتعليم والممارسات اليومية أصبح شرف الرجال مهددا دوما من أقل حديث لامرأة من محيط هيمنته تتواجد مع رجل غريب.
وبحسب سيمون دي بوفوار يبقى اللقاء الأول جنسيا للمرأة ليس بالأمر السهل؛ فالعذراء لا تنتظر كما يشاع أن يوقظ فيها رجل الرغبة، بقدر ما هي تبدو حائرة لا تعرف ماذا تريد، كما أنها قد تشعر بعدم الراحة الميل إلى قوة وخشونة الرجال، كما أن هناك بعض التجارب من الطفولة والمراهقة قد تخلق بداخل المرأة مقاومة شديدة تجاه كل ما هو جنسي، بينما أيضا حياة الكبت والتربية المنغلقة تولد الشعور بالذنب والإثم داخل بعض الفتيات تجاه عمليات الجنس، في النهاية ومع التشديد على أهمية العذرية والاحتفاظ بالبكارة، تجد المرأة نفسها في أول ليلة بين يد رجل غريب تكتشف من خلاله نفسها، حقا إنها تجربة مخيفة، بعد الحياة على عالم من الأحلام أثناء الخطوبة أو بدايات التعارف، كان زوجا أم عشيقا يبقى الأمر ذاته في أول مرة تقع فيها تحت يد رجل بشكل حقيقي، تحت نظرة تبتلعها تماما، كما ألّا مفر من التبعية حيث لا يمكن أن تكتشف جسمها إلا من خلاله، ويبقى الرجل يلعب دور الحكم تجاه تلك المرأة مهما بلغت من الجمال تبقى وتنتظر تعليقه، وحين يبدي لها الحماسة والرقة تدب في نفسها الثقة ومشاعر الأمان حتى لو بلغت الثمانين من العمر، وعلى العكس إذا أساء الزوج والعشيق رد الفعل فسوف يؤدي إلى زيادة الشعور بالنقص في نفس المرأة.
المرأة وفعالية الجنس
وعلى عكس الرؤية الغربية ترى فاطمة مرنيسي أن هناك صورة عميقة في العقلية المسلمة حول كيد المرأة، واعتبار أنها الفاعل والصائد جنسيا لا الفريسة التي يوقع الرجل بها، وحين نراجع آراء قامة إسلامية تراثية كأبي حامد الغزالي، نجده عكس فرويد لا يمنح المرأة دورا سلبيا جنسيا وإنجابيا، بل يرى أن هناك فروقا شكلية طفيفة بين طبيعة الأداء الجنسي للرجل والمرأة، وأنه ربما يتأخر قذف المرأة عن الرجل، ويوصي الغزالي بأهمية اللحظات الممهدة في اللحظات الجنسية ويذكر عن النبي محمد أنه قال: “لا يقع أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول”، قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال: “القبلة والكلام”.
وتذكر نوال السعداوي أهم نتائج أبحاث ماسترز وجونسون الجنسية حول تشابه بلوغ قمة اللذة عند الجنسين من حيث رد الفعل واستجابة العضلات وتدفق الدم، وأن العضلات نفسها المسؤولة عن قمة اللذة في الرجال نفسها في الإناث، كما لا يمكن بلوغ قمة اللذة عند المرأة عن طريق المهبل وحده بل يجب بلوغ قمة اللذة في البظر أيضا، وإن المرأة شديدة الحساسية النفسية وعليها التخلص من خوفها وعقدها وخجلها إذ يقف كل ذلك عائقا أمام الانفعالات الحسية. وقد أضافت أبحاث شيرفي بعدا هاما حول أهمية البظر كمصدر أول وأساسي مسؤول عن اللذة الجنسية عند النساء، إذ إن المهبل في ثلث الجزء العلوي منه مكان غير حساس للجنس، بينما وفي الثلث الثاني والثالث السفلي منه حساس جنسيا، ولكن بقدر أقل من الشفرتين من حيث الحساسية الجنسية.
وتعتقد سيمون دو بوفوار أن الرجال يشتكون من كثرة الطلب الجنسي عند السيدات، ولا شك أن ذلك يعود إلى كون عملية الجنس عند الرجل لها نهاية معينة، التفريغ والقذف، أما المرأة تريد الحصول على الانفعال واللذة بصورة عامة كما أن جسمها لا يمنح استجابة لنهاية معينة مثل الرجل، والمرأة عكس الرجل فلا يحد من قدرتها الجنسية إلا التعب القلبي أو العصبي أو مشاعر الإشباع الجنسية.
المرأة بين حرية الجنس وتقييده
ترى الكاتبة اللبنانية جمانة حداد أن الجنس ليس وصمة أخلاقية، وأن رفض الجنس خارج إطار الزواج يعود إلى حالة من النفاق الاجتماعي بين الناس، وأن الجنس حاجة وحق يجب أن تمارس بوعي مع ضرورة القدرة على حماية جسد المرأة، كما تدعو إلى حرية ملكية الأجساد للنساء كراشدات لهن حرية التصرف فيها، وتعتبر أن هناك معايير مزدوجة تمجد الرجل متعدد العلاقات الجنسية، وفي المقابل تحقر من المرأة التي لها علاقات جنسية.
من جهة أخرى خرجت الناشطة النسوية دارين حسن تعلن ممارستها علاقة جنسية خارج إطار الزواج، واعتبرت أن العار هو ممارستها العملية الجنسية باسم الشرع مع رجل لا تحبه، وتساءلت لماذا يعد الجنس حرية للرجال بينما هو طلقة أخيرة موجهة في رأس النساء.
بينما ترى د. هبة قطب أستاذة الطب الشرعي والباحثة في علوم الجنس أن العلاقات خارج إطار الزواج مناطحة للقوانين الربانية مما يجعل الخسارة قاطعة، وأن العلاقات داخل إطار الزواج هي ما يفرق بين الإنسان والحيوان، حيث لم يخلق الله البشر هائمين مثل الحيوانات بلا قوانين أخلاقية.
خاتمة
يبقى الجنس وسيلة هامة للاستقرار النفسي، كما يتسم بالتشاركية، وكلما كانت مساحة الفهم أكبر بين طرفي عملية الممارسة الجنسية تحقق مستوى رضى وسعادة أكبر، كما تطورت مفاهيم المرأة الجنسية، عبر التاريخ، عن نفسها وفي وعي الرجل.
كما كشف العلم الحديث الفعالية الجنسية لدى النساء، مما جعل من المرأة شريكا كاملا للرجل، شريكا سياسيا ينافس على السلطة، وشريكا داخل البيت والسرير، فعملية الذهاب للسرير أصبحت من أجل متعة طرفين كل منهما قادر على التعبير عن الرغبة، وطالما للمرأة رغبة سريرية فعالة، فهي شريكة بالمنزل والمجال العام مع الرجال، مما دغدغ الصورة النمطية عن الخضوع الجنسي للنساء ولعب دور التلقي والتبعية.