من بين كل أساطير الإسلام ليس ثمة معتقد أكثر إثارة -سواء من ناحية أصوله أو نوعيته- من معتقد القرين أو القرينة. وتعود أصوله على الأغلب إلى مصر القديمة، أو إلى المعتقدات الأرواحية الشائعة في الجزيرة العربية كما هو الحال في مصر أيام محمد. يعتقد المسلمون بالقرين أو القرينة باعتبارها نظيراً للإنسان، رفيقته، قرينته، شيطانه الملازم له. في حالة الذّكَر فإن قرينته أنثى، أما الأنثى فقرينها ذكر. ويسود الاعتقاد أن هذا القرين هو شيطان أو جِنّي، يولد مع ولادة المرء، ويرافقه مدى حياته. وبذلك فإن القرينة هي من ذرية الشيطان.
الاعتقاد بأن الظل هو روح ثانية، أو شبه روح، هو فكرة أرواحية. والشيء ذاته نجده في الإسلام بالاعتقاد أن ظل الكلب ينجّس المصليّ تماماً كما ينجسّه الكلب نفسه. يعتقد الجاويون بإندونيسيا أن الدجاجة السوداء والقط الأسود لا يملكون ظلاً لأنهم كائنات قادمة من العالم السفلي. عندما يطالع أحدنا ذلك لا يمكنه ألا أن يقابله بمعتقد المسلمين بالقرينة.
توجد الكثير من الآيات القرآنية التي تعرض هذه العقيدة، وبقراءة تفسيراتها، فإننا نلج عالماً من الخرافة في منتهى العجب، نجد في سورة الكهف: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ. والشاهد هنا هو الحديث عن إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتَهُ، أنظر تفسيرها وخاصة عند الرازي.
وفي سياق الحديث عن يوم القيامة أنظر سورة ق: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.
وفي سورة النساء: وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا.
وفي سورة فصلت: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ.
وفي سورة الزخرف: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ.
وفي سورة الصافات: قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ.
وللحديث عن أحد هذه الآيات، نأخذ مثالاً واحداً، حيث نجد المفسر البيضاوي يكتب تفسيراً لآية الصافات الأخيرة لا يبقى معه شك أن القرينة، التي رافقت المؤمن على مدى حياته، قد هوت في الجحيم يوم القيامة، وأن هذه الروح الشيطانية، التي تولد مع الإنسان كانت تسعى لإغوائه، ولكن رحمة الله تعصم المؤمن، وأن الاطلاع على مصيرها وهي تتعذب في الجحيم الأبدي هو من مميزات أهل الجنة.
وقبل أن أمضي مع تفسير تلك الآيات، فإنني أفترض أصلاً محتملاً لهذه العقيدة، في “كتاب الموتى” في مصر القديمة. حيث كتب عالم المصريات واليس بودج E. A. Wallis Budge في كتاب الموتى الجزء الأول صفحة 73: “يملك المرء روحاً مجردة تتمتع بجميع سماته الشخصية”. هذه الروح المجردة لها وجود مستقل تماماً. تستطيع الحراك بحرية من مكان إلى آخر، تتحد أو تنفصل عن جسد الإنسان، وبإمكانها حتى الاستمتاع بالحياة برفقة الآلهة في السماوات. واسمها (كا)، كلمة يمكن مقارنتها بما يعادلها في القبطية ⲔⲰ، صورة، عفريت، نظير، شخصية، أو سمة عقلية. لم يتفق علماء المصريات بعدُ عن معنى الـ كا بالتحديد. يعتقد السيد جريفث Griffith أنه كان يُنظر إليها -من ناحية من النواحي- كمصدر للحركة البدنية والقوة، في مقابل الـ (با) أي الروح، التي تمنحها الحركة.
في سبتمبر من عام 1878 شرح السيد ماسبيرو لأعضاء كونغرس ليون الآراء التي تناولها بشأن هذه الكلمة، والتي كان يُدرّسها في السنوات الخمس الماضية في كلية فرنسا، وقال:
الـ “كا” هي نظير مُطابق لشخص الإنسان، ولكن في مادة أقل صلابة من المادة التي يتكون منها الجسد، وهي بحاجة للغذاء والحماية مثل الجسد؛ عاش هذا النظير في أضرحة القرابين التي قُدِّمَت في الأعياد الدينية، وحتى اليوم عدد كبير من [الشخصيات الأسطورية] في التراث الشعبي المصري هم مجرد نوع من هذه الروح، لكن هذه الشخصيات أصبحت شياطين مع اعتناق المصريين للمسيحية، ثم الإسلام.
يظهر الاعتقاد بالقرين في حديث العامة. إذ إن المصريين إذا أرادوا صرف أحدهم يقولون “روح انت وهوَ” في إشارة إلى قرين الإنسان.
هناك باحثون آخرون يقتبس السيد بودج عنهم الاعتقاد أن الـكا هي نوع من الروح الشيطانية وليست نظيرا للإنسان. يعتقد السيد بريستد Breasted أن الـكا هي عفريت خارق يقود قدر الإنسان إلى الآخرة. ولكن السيد بودج يمضي للقول: إن العلاقة بين الكا والعروض الجنائزية نوقشت باقتدار من قبل فريدريك بيسنج Fr. W. V. Bissing ويبدو أن الحل الصحيح لهذه الأسطورة يمكن أن يوجد باستكمال خط دراسته، وربما بمقارنة وجهات النظر حول فكرة “النظير” عند الأفارقة في السودان.
كان يتم تقديم اللحم والكعك والنبيذ والجعة وغير ذلك، في الطقوس الجنائزية، من أجل الكا، كما يتم اشعال المباخر على شرفها، وتسكن كا الميت في تمثال الميت، تماماً كما تسكن الكا الخاصة بالآلهة في تماثيل الآلهة. في الأزمنة السحيقة كانت التوابيت توضع في حجرات خاصة حيث تُعبد الكا وتتلقى القرابين. يرقم كاهن وسط جسد الميت تسلسلا للرجال الذين يحملوا تسمية “كهنة الكا” والذين يقدمون الخدمات على شرف الكا في “معبد الكا”. وعلى الرغم من عدم تخصصي في المصريات، أعتقد أنه من المفيد إلقاء المزيد من الضوء على حقيقة مفهوم الكا، من خلال تعاليم الإسلام في عصرنا الحالي.
أياً تكن دلالة الكا في علم المصريات، فإننا لا نشك مطلقاً حول ما اعتقده محمد بشأن الكا الخاصة به أو القرينة. أحد أشهر المجلدات بشأن عقيدة الجن عند المسلمين، كتاب آكام المرجان في أحكام الجان لعبد الله الشبلي، نقرأ في الفصل الخامس التالي:
روى مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله ﷺ خرج من عِنْدهَا لَيْلًا قَالَت فغرت عَلَيْهِ قَالَ فجَاء فَرَأى مَا أصنع فَقَالَ مَالك يَا عَائِشَة أغرت فَقلت وَمَالِي لَا يغار مثلي على مثلك فَقَالَ رَسُول الله ﷺ أفأخذك شَيْطَانك فَقلت يَا رَسُول الله أَو معي شَيْطَان قَالَ نعم وَمَعَ كل إِنْسَان قلت ومعك يَا رَسُول الله قَالَ نعم وَلَكِن رَبِّي عز وَجل أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم.
رواية أخرى تحمل نفس الفكرة مروية من طرف ابن حنبل: قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ مَا من أحد مِنْكُم حد الا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة قَالُوا وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ وإياي وَلَكِن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِحَق. وترد هذه الرواية في صياغات شتى في نفس الفصل، بحيث لا يبقى شك في كونها رواية معروفة جيداً وثابتة بين المسلمين. لدينا هنا رواية أخرى مثيرة لنفس الفكرة. “قَالَ رَسُول الله ﷺ فضلت على آدم بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَكن أزواجي عونا لي وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عونا على خطيئته”. كذلك نجد دعاء المساء المنسوب لمحمد على النحو التالي: أَن رَسُول الله ﷺ كَانَ إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل قَالَ بِسم الله وضعت جَنْبي اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ من واجس شيطاني وَفك رهاني وَثقل ميزاني واجعلني فِي الندى الْأَعْلَى.
أما فيما يتعلق بعدد هؤلاء الشياطين الملازمين وأصلهم، فإن الروايات لم تغفل عن ذكر ذلك. “وقيل: إن الشياطين فيهم الذكور والإناث، فيتوالدون من ذلك، وأما ابليس فإن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا وفي اليسرى فرجا فهو ينكح هذا بهذا فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة” (حياة الحيوان للدميري)
ونجد في روايات أخرى أن ابليس وضع ثلاثين بيضة “عشر في المغرب وعشر في المشرق وعشر في وسط الأرض وأنه خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالغيلان والعقارب والقطارب والجان وأسماء أخرى مختلفة. ثم كلهم عدو لبني آدم لقوله تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وهم لكم عدوّ إلا من آمن منهم”.
ويقول الطبري في تفسيره العظيم، إن القرين هو شيطان الإنسان “هو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا” ثم يؤكد على عبارته بسلسلة من الروايات المشابهة للاقتباس السابق “هو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا” أو في قول آخر “قرينه من الجنّ”.
بحسب التراث الإسلام، فإن محمداً ليس الوحيد الذي كان له قرين، كذلك النبي عيسى له قرين. إذ إنه كان طاهراً، وبحسب الرواية الثابتة أن الشيطان كان عاجزاً عن المساس به منذ ولادته، وبذلك فإن قرينه كان مثل قرين محمد، أي صالحاً. “ قال السدي وكعب روح القدس جبريل وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام هو أنه كان قرينه ورفيقه يعينه ويسير معه حيثما سار إلى أن صعد به إلى السماء” (الثعلبي، قصص الأنبياء، ص442).
وحين كان لمحمد وعيسى قرين صالح، وغالباً كان بقية الأنبياء كذلك، فإن قرناء البشر الآخرين وبحسب التعاليم عامةً كانوا قرناء أشرار سواء عند المسلمين أو الكافرين، فالقرين يظهر دائماً حسوداً، خبيثاً، ومسبباً للمتاعب البدنية والأخلاقية، ما لم يتم ردعه بواسطة السحر أو الدين. وهنا يظهر الدور الجوهري الذي يلعبه هذا الاعتقاد في الإسلام الشعبي. لذلك يرتدي الأطفال أنواعاً من الخرز والتمائم والطلاسم، الخ، لردع هذه الروح الحاسدة القرينة لنفس الإنسان. ومن خلال هذا القرين، يجد الحاسدين والكارهين طريقهم لمنع الحب بين الزوج وزوجه، والتسبب بالعقم والجراح والإجهاض، والتسبب بالمعاناة للكبار والصغار على حد سواء. غالباً ما تعزى أشكال الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب إلى معتقد القرينة، وينتشر الاعتقاد أن القرينة تسكن في أجساد القطط في الليل، لذلك لا يجرؤ المسلمون ولا الأقباط على إيذاء أو جرح القطط بعد الظلام، وهناك الكثير من القصص المتداولة تحكي المصير المريع الذي أصاب أشخاصاً آذوا قططاً، وتشيع هذه القصص حتى بين الفئات المتعلمة.
وتؤخذ الكثير من الاحتياطات لحماية الجنين ضد القرين الخاص به، أو حتى ضد قرين والدته الذي قد يكون غيوراً من الطفل القادم.
لقد قام الرائد تريميرن Tremearne بدراسة هذا الموضوع في شمال أفريقيا وذكر في كتاب (The Ban of the Bori) أن القرين “لا يظهر قبل ولادة الجنين، لأن جنس الجنين لا يكون معلوماً قبل ذلك” جميع البشر والحيوانات والنباتات والصخور الكبيرة، تملك روحاً دائمة تسمى قُرُوا quruwa)) وقرين من نفس جنسها يسمى بوري Bori، بالإضافة إلى أن الشباب لهم بوري من الجنس الآخر، بينما جميع الكائنات الحية لديها ملكان. الحصى الصغيرة ليس لها روح، وكذلك الصخور الكبيرة التي في أعماق الأرض، وذلك لأنهم موتى بوضوح، وإلا لما كانوا قد دُفنوا. الروح لها شكل شبيه بجسد صاحبها، وتسكن في القلب، ولكن موعد دخولها وخروجها من الجسد غير معلوم. وهي ليست الظل (ennuua) لأن الروح لا يمكن رؤيتها، وفي الواقع إن الـennuua هو ظل الجسد والروح معاً. ومع ذلك فإن كلمة quruwa تستخدم أحياناً بمعنى “ظل”، وهناك علاقة واضحة بينهما، حيث بإمكان المشعوذ استخراج الروح من خلال الـ quruwa. لكنه لا يستطيع فعل ذلك من خلال النَفَس، لأن الشخص عندنا ينام فإن روحه تتجول، في الواقع روحه تفعل ذلك حتى أثناء أحلام اليقظة).
كل هذا الوصف للمعتقدات التي يؤمن بها مسلمو الهوسا في شمال أفريقيا، تشبه إلى حد بعيد تلك التي في مصر، الجن من الجنس الآخر، والتي هي القرينة، تعيش عادةً تحت الأرض، ولا يروقها أن يقدم قرينها على الزواج. لذلك فأنا أقتبس مرة أخرى عن الرائد تريميرن قوله: “إنها تنام مع الإنسان وتمارس معه علاقة في الأحلام”. هذا الرفيق غير المرئي من الجنس الآخر شائع في الأحاديث اليومية في مصر باسم “الأخت” أو “الأخ”. ومسكنهم في أماكن ظليلة وهادئة في المنزل، وخاصة أسفل عتبة الباب. إن موت طفل أو عدد من الأطفال من العائلة الواحدة غالباً ما يعزى إلى قرين والدتهم، ولذلك فإن الأمهات يقمن بحماية الأطفال من قرينهن بواسطة خلاخيل يضعنها على الأطفال، لردع هذا الخطر.
يؤمن معظم الناس أن القرين يموت بموت الإنسان، وأنه يدخل معه إلى قبره. وعلى الرغم من كونه غير مرئي، إلا أن هناك أفراداً يتمتعون ببصيرة خاصة تمكنهم من رؤية القرين. وقد يتجول القرين في الليل في هيئة قطة.
أخذت مؤخراً شهادة من الشيخ أحمد مُحَرَّم الداغستاني ولاحقاً أخذت من مدينة سميرنا تسجيلاً للمعتقدات الشعبية. وقال إن كلامه يمثل معتقد جميع الأتراك والروس المسلمين. يأتي القرناء إلى عالمنا من عالم البرزخ عندما يبدأ حمل الجنين. ولذلك فإن المسلمين قبل الجِماع يلفظون “باسم الله” كما وصّاهم نبيهم. وذلك يصون الصبي من أن يكون عرضة للشيطان أو أن يصبح كافراً أو عاصياً. يوجد القرين بوجود الجنين في الرحم. وعندما يولد الطفل فإن الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى يحميه من القرين. ومن بين التعاويذ المستخدمة ضد القرين كتابة الآيات القرآنية على أوانٍ بها تصاوير سمك أو أوانٍ من الرصاص، والقرين لا يظهر لأحد باستثناء المخبولين والأنبياء، فهؤلاء يتمتعون ببصيرة خاصة. لا ينتهي وجود القرين مع موت الإنسان، ولكنه يتواجد في القبر إلى قيام الساعة، إذ يتم الحساب لصالح أو ضد الإنسان. ولهذا فإن موت الأطفال يكون سببه أن أم الصبيان حسدت والدتهم، واستخدمت قرين الطفل لإنهاء حياته. يقول أحمد محرم “إن الطريقة التي أصد بها قريني هي قيامي بالصلاة والصيام” وعندما يغلب النوم على أحدهم فإن ذلك بسبب القرينة، يقول: “عندما تفوتني صلاة إهمالاً أو نسياناً، فإن قرينتي هي السبب ولست أنا. القرينة ليست مجرد روح بل لديها جسد روحاني كذلك، وجميع أجسادهم تختلف عن بعضها البعض، وهم مخفيون عنّا. ولا يتغير حجم القرينة، ولا تنمو مثل الأطفال”
ويظهر أن الشيخ متشكك في جنس قرينته. في البداية لم يعترف أن العلاقة الجنسية هي كما شرحت، اعتقاداً منه أنه من غير اللائق أن تكون له قرينة أنثى، ولكن بعد النقاش اعترف بأنه كان على خطأ. واعترف أيضاً أن كل هذه المعقدات الشعبية مبنية على القرآن والحديث، وأن الممارسات الخارقة قد تسللت إلى عقول العامة.
تعرفت على شيخ في قرية قليوب بقرب القاهرة له معرفة بالموضوع. في البداية حاول أن يشرح لي الفكرة الشائعة أن الإسلام يرى أن القرينة تشير إلى الشيطان فحسب، أو إلى الطبيعة الشريرة في الإنسان. ولكن بعد بضعة أسئلة أصبح الشيخ ثرثاراً ومدّني بهذه التفاصيل: عندما تخاف الأم الحامل من القرينة فإنها تذهب لزيارة الشيخة قبل ثلاثة أيام من موعد الوضع، وتنفذ كل ما توصيها به على سبيل العلاج. وتتمتع الشيخة بتأثير كبير على هؤلاء النسوة، وتستغل معتقداتهم الخرافية لانتحال شخصية القرين لتخيف الجهلاء. غالباً ما تنكر الأمهات المسلمات التصريح بجنس ولدها الحقيقي خلال السبع الأيام الأولى بعد ولادته، وذلك لحمايته من القرين. خلال هذا الأيام السبع يجب عليها ألا تعتدي على قط وإلا عرضت نفسها وطفلها للموت. تضاء الشموع في اليوم السابع وتوضع في إبريق ماء بقرب رأس الطفل، لحمايته من القرين. وقبل ولادة الطفل يتم تحضير طلسم خاص يحتوي سبع أنواع من الحبوب المختلفة، تتم خياطتها في كيس، ويرتديها الرضيع عند ولادته. أما الأم فلها آيات قرآنية محددة تتم كتابتها بالحبر داخل صحن أبيض اللون. ويملأ الصحن بالماء فيزال الحبر ويُجمع الخليط باعتباره ترياق. وقد أخبرني الشيخ أن آخر سورتين في القرآن وكذلك سورة المجادلة يجري استخدامهم بشكل واسع لهذا الغرض. وأحد أشهر الطلاسم المخصصة لردع القرين أو أم الصبيان تلك المسماة (العهود السليمانية السبعة).
في مصر العليا ترتدي العروس حجاباً خاصاً ضد القرين يُثبت على رأسها من الجهة الخلفية أو في أي مكان على جسدها. عبارة عن حقيبة مثلثة الشكل بحجم بوصة واحدة، مصنوعة من ملابس ملونة، وفيها بذور. كذلك لسان الحمار المجفف يعتبر من أقوى الأحجبة ضد القرين. ويستخدم كطلسم للمنزل أو للأفراد. النوع الثالث من التعاويذ المخصصة للقرين والتي لدي عينة منها من قرية Sirakna تتكون من خاتم برونزي مسطح بقطر يساوي ثلاثة أرباع البوصة، يربطون عليه خيوط حريرية صفراء وحمراء وزرقاء. ثم يُعلق على إبط الصبي لحمايته من القرين. كثيرة هي التعاويذ والطلاسم المخصصة للقرين. وهناك كتب حول هذا الموضوع طبعت منها آلاف النسخ. لا يمكن لأحد قراءة هذه الممارسات الخرافية والمعتقدات المستقاة من القرآن والأحاديث، دون أن يلاحظ أن الاعتقاد بالقرين هو رعب حقيقي جاثم على كواهل الأمهات المسلمات وأطفالهن ليل نهار، ونتيجة لهذا الخوف من القرين والشياطين فإنهم يقضون حياتهم تحت نير العبودية. لا تجرؤ الأم في مصر على ترك وليدها وحيداً خوف القرين. ولا يسمح للطفل أن يرمي بنفسه بقوة على الأرض حتى لا يجرح القرين الخاص به. ومن الخطر أن يصب الماء على النار خشية أن يؤذي القرين، ويجب ألا يسمح للطفل بالنوم أثناء البكاء. ويجب عليه أن يتجنب إثارة مخاوف القرين. وهناك اعتقاد راسخ في مصر أنه عندما تنجب الأم ولداً فإن القرين كذلك يتزوج وينجب بنتاً (من الجنس المقابل لجنس وليدها) وهذا الابن الشيطاني وأمه يحسدون الأم البشرية وابنها. ولتهدئة القرينة فإنهم يضحون بدجاجة، والتي يجب أن تكون سوداء بالكامل، ويضحى بها ضمن طقوس خاصة. ومن المستحيل رؤية القرينة إلا بطريقة واحدة، بحسب الخرافات اليهودية، فإن الرجل يمكن أن يرى شيطاناً بواسطة ذرّ رماد جنين قط أسود على عينيه، أو بنثر هذا الرماد حول مضجعه، بذلك يمكنه تتبع خطواتهم في الصباح.
عندما نتذكر أن ثلث نساء مصر فقط قادرات على القراءة، يكون بوسعنا أن نتخيل مدى تأثير هذه الممارسات الخرافية واستغلالها من قبل أرباب الخرافات، الذين يبيعون الأحجبة والوصفات العلاجية للنساء الحوامل وأطفالهن. تصلني قصص يرثى لها من قبل شهود عيان رأوا قصص الاحتيال التي تجري في كل قرية من قرى الدلتا. الغزالي نفسه في كتابه العظيم “إحياء علوم الدين” في حديثه عن علاج المرضى يقول “فَمَنْ غَفَلَ عن الله تعالى وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ فَلَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَرِينٌ إِلَّا الشَّيْطَانُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شيطاناً فهو له قرين}”.
تصحيح للآية الكريمة الواردة في المقال : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف : 50]
رابط القراءة والتفسير والتلاوة: http://quran.ksu.edu.sa/index.php?aya=18_50