مقدمة
لعل أول ما يتبادر إلى ذهنك عند سماع اسم هذا البلد، عدة أشياء ارتبطت به ارتباطًا وثيقًا على مر العقود الماضية، كالحرب، والدمار، وطالبان، واضطهاد المرأة، والأفيون.. إلخ، ولكن ما الذي أوصل ذلك البلد إلى تلك الحالة المأساوية؟ وما دور البلدان الإقليمية والقوى العظمى في تدميره؟
الخشخاش الأفغاني
في منتصف أربعينات القرن الماضي قام ملك أفغانستان زاهير شاه، باستدعاء أكبر شركة أميركية للبناء والتشييد بهدف بناء مجتمع جديد، ويتضمن هذا المشروع بناء سدود وقنوات وطرق ومدينة على الطراز الحديث، كان الملك يأمل باستغلال نهر هيلماند بهدف إنتاج الطاقة الكهرومائية وبناء السدود للزراعة.
وبغضون عشر سنوات أكمل الأمريكان عملهم، ولكن بعد الانتهاء من بناء أكبر السدود واجهتهم مشكلة لم تكن في الحسبان، إذ إن تراكم المياه زاد من مستوى المياه الجوفية، وبدورها ازدادت ملوحة التربة، وهو ما أدى إلى ظهور نبات الخشخاش الذي يتلاءم جيدًا مع تلك النوعية من التربة.
هنا طالب بعض القائمين على المشروع الأميركي بالتوقف، ولكن الإدارة الأميركية وجهت بضرورة استكمال المشروع كونه سيكون مفيدًا في الصراع الأيديولوجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، فيما كان يعرف بالحرب الباردة.
رئيس الوزراء الطموح محمد داوود استغل الصراع السوفييتي الأميركي لبناء أفغانستان، إذ إن كلا الطرفين كان يقدم عروضا مجزية لتعمير البلاد، بدت نواياهم طيبة، ولكن بما إن كل شيء بحسابه فإن هذا الأمر ستظهر نتائجه العكسية مستقبلًا.
داوود كان من البشتون – أكبر قبائل أفغانستان – وقام بتقوية نفوذهم داخل الدولة لكي يستأثر بالسلطة، ولكن هذا الأمر خلق بداية الصراع المرير بين القبائل الأفغانية، فأفغانستان في تلك الفترة ظهرت بوجه جديد ومغاير، والمدنية شقت طريقها في هذا البلد القبلي المحافظ، ومن يشاهد صور لأفغانستان قبل وصول الإسلاميين للحكم، سيتعجب حقًا من هذا البلد الذي كان يشبه إيران إلى حد ما قبل الثورة الإسلامية، وسيتعجب للحالة المزرية التي أصبح عليها اليوم.
بواكير الوهابية
في المملكة العربية السعودية تم تنحية الملك سعود بن عبدالعزيز، وفي المقابل صعدَ فيصل بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم وحدث هذا عام 1964. فيصل بملامحه الحادة التي تشبه ملامح الصقر، رأى أن هناك عدة مخاطر داخلية وخارجية تهدد وتعيق بناء السعودية الحديثة. الخطر الداخلي كان متمثلاً في رجال الدين الأصوليين الذين يعارضون فكرة الحداثة لاعتبارها تنافي قيم الإسلام النقي. أما الخطر الخارجي فجاء من ثورة اليمن على الملكية عام 1962، وكذلك اتساع المد الشيوعي والقومي الذي كان في أزهى حالاته في العالم العربي في ستينات القرن العشرين، وهو الأمر الذي يشكل خطرًا على المملكة برمتها.
ولمواجهة الخطر الشيوعي قام فيصل بحل بسيط وفعّال، وهو استغلال المؤسسة الدينية المحافظة، والتي لم تقصَر في هذا الجانب كعادتها من خلال شن حملة منظمة لشيطنة وتشويه الشيوعية والفكر القومي. بطبيعة الحال كان الملك فيصل منتشيًا بأموال النفط التي بدأت تتدفق بكثرة على السعودية في الستينات، وقام باستثمار هذه الأموال في تغذية الصراع اليمني ودعم الملكيين ضد الجمهوريين، ولم يكتف بذلك بل قام بإنشاء معاهد ومدارس دينية في كافة أرجاء العالم الإسلامي تقوم بتدريس المذهب الوهابي، ومن بين البلدان المستهدفة باكستان وأفغانستان لقربهما من الاتحاد السوفييتي، الداعم الرئيسي لكل الحركات القومية المعادية للأنظمة الملكية الخليجية.
وفي ظل هكذا سياسات استطاع الملك فيصل أن يحتوي بعض الشيء الخطر الداخلي المتأصل في المجتمع السعودي، وتوجيهه إلى خارج البلاد، هي سياسة قاسية، ولكن الملفت هنا ذكاء آل سعود وقدرتهم على تسيير الأمور وفقًا لما ترتضيه الإرادة الشعبية.
الانقلاب على الملكية
في العام 1973 قام رئيس الوزراء محمد داوود بالإطاحة بالملك زاهير شاه، وبذلك يستولي على السلطة ويحوّل أفغانستان إلى جمهورية وقام بنفي الملك.
الثورة والتحولات الخطيرة
في الستينات ذهب العديد من الطلاب الأفغان إلى أميركا لتلقي تعلميهم الجامعي في إطار خطة التطوير والنهوض، ولكن عند عودتهم إلى وطنهم الأم جلبوا الأفكار المتطرفة التي استقوها من بعض الطلاب الأميركيين اليساريين، ثم اختلطت تلك الأفكار بأفكار أخرى تعرفوا عليها من خلال ترجمة الكتب الروسية المختصة بالفكر الماركسي.
وفي العام 1978 قام هؤلاء الطلاب الشيوعيين بثورة وقاموا بمحاصرة الرئيس محمد داوود في القصر الرئاسي، ثم أطاحوا به بعد معركة شرسة مع الحرس الرئاسي، ومن ثم قام الثوار بعقد مؤتمر صحفي تم الإعلان فيه عن الشخصيات التي ستقود البلاد في المرحلة الانتقالية، إذ تم تعيين (حفظ الله أمين) كوزير للخارجية، فيما تم تعيين (محمد طاراقي) كرئيس للمجلس الثوري.
كان من أهداف هذه الثورة القضاء على النظام الإقطاعي والتوزيع العادل للأراضي الزراعية، وفي الحقيقة فإن هذه الإجراءات كانت أكثر سوءًا من تلك الإصلاحات التي قام بها الرئيس السابق محمد داوود، إذ إن توزيع الأراضي للفلاحين نثر بذور الخلافات المريرة والانقسامات بين القرويين الأفغان والذين كانوا يتهمون بعضهم البعض بسرقة أفضل الأراضي. كما دبت الأحقاد والخلافات بين الرفاق الثوار، فقرر حفظ الله أمين الاستيلاء على السلطة وقتل محمد طاراقي، وأعلن أن مصير أي معارض للنظام سيكون مثل مصير طاراقي.
هنا خشي القادة السوفييت من هذه التطورات الخطيرة التي طرأت على أفغانستان، فقرروا التدخل عسكريًا، ومع نهاية عام 1979 وصلت القوات السوفييتية للعاصمة كابول بهدف حماية الثورة وأمين، ولكن القوات الروسية وبعد عدة محاولات فاشلة قامت باغتيال أمين بإلقاء قنبلة على القصر الرئاسي.
التدخل الأميركي وولادة السلفية الجهادية
في العام 1980 أي بعد حوالي عام من الغزو السوفييتي لأفغانستان، تم انتخاب رونالد ريجان كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، بطبيعة الحال كانت أميركا تساعد المتمردين ضد الشيوعيين، ولكن عند مجيء ريجان تضاعفت هذه المساعدات بشكل كبير باسم الدفاع عن الحرية.
لكن الأميركان لم يكونوا على دراية بالعواقب الوخيمة المترتبة لهذا الدعم غير المحدود، لاسيما وأن الحليف الآخر لأميركا في دعم المتمردين كانت المملكة العربية السعودية، لكون الأخيرة ساندت الأفغان بشكل علني ورسمي باسم الدفاع عن إخوانهم في الدين.
المخابرات السعودية وبالتنسيق مع المخابرات الباكستانية، كانت ترسل السلاح والدعم المادي للأفغان، وكذلك أرسلت الكثير من المجاهدين المتحمسين لقتال الشيوعيين، وسهّلت الطريق للمجاهدين من جنسيات مختلفة كاليمن ومصر والسودان وفلسطين.
السعودية في تلك الفترة كانت بحاجة لتصدير المتطرفين إلى خارج بلادها والتخلص منهم، خصوصًا بعد بعد حادثة حصار الحرم المكي، وكان أحد هؤلاء الشباب المتحمسين للجهاد (أسامة بن لادن)، والذي تحول فيما بعد لأشهر إرهابي في العالم.
معاناة الروس
غزو الروس لأفغانستان كان محاولة يائسة لإنقاذ الاتحاد السوفييتي الذي بدأ يتداعى مطلع الثمانينات بسبب الفساد، فقد ذهب الروس على أساس بناء مجتمع شيوعي متميز، ولكنه اصطدم بمقاومة صلبة من المجاهدين الذين حولوا الحلم الروسي لكابوس مزعج، فهؤلاء المجاهدون وبفضل التسليح السعودي الأميركي صاروا أكثر قوة، بل استطاعوا إلحاق خسائر فادحة بالروس من خلال نصب الكمائن وتفجير القوافل.
اشتدت وتيرة الحرب بشكل متوحش وزاد الروس من عنفهم، باستهداف الكثير من القرى وتدميرها تمامًا وقتل الكثير من المدنيين الأبرياء، فيما استمر المجاهدون بأسلوب حرب العصابات. وفي نهاية الثمانينات انسحب الروس من أفغانستان وهم يجرون أذيال الخيبة بعد أن باءت مشاريعهم بالفشل الذريع، وبعد سقوط الحكومة الأفغانية الشيوعية ظهر تنظيم القاعدة ليتصدر المشهد الأفغاني.
عندما تكتوي بنفس النار التي أضرمتها
بعد نهاية الحرب الأفغانية، عاد أسامة بن لادن إلى وطنه مزهوًا بالانتصارات التي حققها مع رفاقه المجاهدين. ومع اندلاع حرب الخليج الأولى صيف عام 1990 واجتياح القوات العراقية للكويت ومناطق من شمال السعودية، عرض ابن لادن خدماته على السلطات السعودية بجيش جرار، قوامه من المجاهدين الذين اكتسبوا خبرة من حرب أفغانستان وأصبحوا متمرسين في القتال، كما أنه أبدى استياءً وتذمرًا من قدوم قوات أميركية للدفاع عن البلاد، معتبرًا ذلك إهانة للإسلام والمسلمين.
القيادة السعودية رفضت عرض ابن لادن، وهو الأمر الذي جعل قناعة بن لادن حول المؤامرة الأجنبية تزداد رسوخًا. وبعد دحر القوات العراقية وانتهاء حرب الخليج الثانية، خطط الشباب السعودي المتطرف لاستهداف العديد من المناطق الحساسة، وكانت البداية بتفجير مركز الحرس الوطني عام 1995 وسقط خلاله حوالي عشرة أشخاص من جنسيات أجنبية، ثم بعد مرور 8 أشهر حدث انفجار آخر في أبراج الخبر السكنية بالقرب من مدينة الظهران، قتل 19 أميركيًا ووقع 372 جريحًا.
فيما اتخذ أسامة بن لادن من للسودان مقرًا لإقامته منذ عام 1992، ومن هناك أدار تفجيري السفارة الأميركية في نيروبي ودار السلام، عبر الجهاديين الذين تبنوا تلك الأعمال، الذين كانوا متأثرين به وبمنهجه. وفي منتصف التسعينات عاد ابن لادن إلى أفغانستان التي شهدت ولادة تنظيم طالبان، الذي استولى على السلطة، وقام بحكم البلاد بالمذهب الوهابي الأصولي الذي يطبَق تعاليم الإسلام النقي.
في تلك السنوات تم منع التلفاز وممارسة كرة القدم وتحريم الاستماع للأغاني، وتم تحويل استاد كابول الدولي لساحة إعدامات وتنفيذ القصاص والأحكام الشرعية، وتم تفجير تماثيل بوذا في مدينة باميان. أما أميركا فقد اكتوت بالنار هي الأخرى بحدث هز العالم بأسره، عندما تم تفجير برجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001، وكان تنظيم القاعدة بقيادة ابن لادن المسؤول عن هذا العمل الإجرامي، وفي العام نفسه شنَت أميركا وبريطانيا حربًا على أفغانستان بهدف إسقاط تنظيم طالبان والقبض على بن لادن.
النتائج
قوات طالبان استعادت بعد الحرب الأميركية قوتها، ولم تحقق هذه الحرب النجاح المتوقع والمطلوب، إذ لم يتم تحقيق الهدف الأهم بتدمير أو تقييد تحركات تنظيم القاعدة، ومنذ ذلك الوقت تشهد أفغانستان استقرارًا معدومًا، وهجمات متزايدة من حركات التمرد بقيادة طالبان.
وانتشر في أفغانستان إنتاج وترويج المخدرات بشكل كبير، وعلى الرغم من مواردها المعدنية الغنية، إلا أن أفغانستان واحدة من أفقر المناطق في العالم، وزراعة خشخاش الأفيون يكاد يكون المصدر الوحيد للدخل للسكان المحليين، كما أن الحكومة الجديدة ضعيفة وفاسدة جدًا، بالرغم من حجم المساعدات المالية الضخمة التي تلقتها، كما أن سيطرتها محدودة جدًا خارج العاصمة كابول.