لم ينتظر الشعب العُماني انتهاء فترة الحداد ليعلن عما يؤرقه وما يطمح إليه وما يرجو أن يحققه السلطان هيثم بن طارق، إذ زخرت منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” برغبات الكثيرون ومبادراتهم والإصلاحات التي يطمحون إليها عبر عدة هاشتاجات، كما صاغ بعض الناشطين عدة مبادرات تحمل في طياتها رغبة حثيثة في الإصلاح والتغيير.
لم تزد الكثير من المبادرات، أو بالأحرى “المطالبات” عن كونها عدة تغريدات، طالب فيها المغردون بإصلاحات عدة أهمها إيجاد حلول لقضيتي المسرحين والعاطلين، أو اقتلاع الفساد المستشري في المصالح الحكومية أو حتى تفعيل المشاركة السياسية واستحداث منصب رئيس الوزراء أو ولي العهد. لكن كانت أبرزها وأكثرها وضوحًا هي “عريضة الإصلاح والتغيير 2020” التي نشرها الكاتب والصحفي العُماني المقيم في لندن، ورئيس تحرير “مواطن”، محمد الفزاري، ووجهها للسلطان هيثم بعد أن هنأه على منصبه وشملت في طياتها جميع المبادرات السابقة، وجاء نصها كالتالي:
إلى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان
تحية طيبة، أما بعد
بادئ ذي بدء، نبارك لكم تنصيبكم سلطانًا على عُمان، متمنين لكم كل التوفيق لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
إكمالًا لمسيرة دولة المؤسسات الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة التي شرع فيها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وإيمانا بأهمية الشراكة والتعاون في العمل والنقد البناء بين الشعب وحكومته وسلطانه لمصلحة عُمان ورفعتها، وبصفتكم سلطان عمان، ورئيس لجنة الرؤية المستقبلية (عُمان 2040، (نتقدم إليكم، نحن المواطنين العمانيين، الموقعين أدناه، بهذه العريضة، مقترحين مجموعة من التغييرات والإصلاحات التي نؤمن بأن من شأنها أن تؤدي إلى ترسيخ دولة المواطنة والمؤسسات.
1– دستور توافقي: إننا نأمل الدعوة إلى حوار وطني صادق ومخلص، يفضي إلى تشكيل جمعية تأسيسية مكونة من نخبة من الخبراء الدستوريين، والاقتصاديين، والأكاديميين، والحقوقيين، والمثقفين تناط بهم صلاحية إعداد دستور يؤسس عقدا اجتماعيا راسخا ومؤصلًا لمفهوم المواطنة الحديثة، التي تكفل الدولة حقوقها ويَعرف الفرد التزاماته تجاهها بوضوحٍ يشعره بالانتماء النابع من المسؤولية وليس من الخوف. إن الدستور أسمى وأعلى قانون يحمي حاضر البلاد ومستقبلها، ويحدد طبيعة السلطات وحدودها وحقوق مواطنيها، وهو الحل الأنجع والضمان للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في أوقات الأزمات والاحتقانات السياسية. ونأمل بعد أن يُنتهى من صياغة هذا الدستور التوافقي أن يُصار إلى الاستفتاء الشعبي، انطلاقا من كون المواطنين هم مصدر الشرعية الحقيقية، وأن الإجماع الوطني السياسي هو الواقي والحصانة للحاكم والمحكوم.
- ونقترح أن ينص الدستور بكل وضوح على المبادئ التالية:
- ترسيخ فكرة “الاستفتاء العام” من أجل تأمين المشاركة السياسية للمواطنين العمانيين في القرارات المصيرية.
- أن جميع المواطنين يتمتعون بحقوق أصيلة مثل: العقيدة، واللغة، والتنظيم، والمعيشة، منذ ولادتهم، وأن جميع الأفراد باختلافاتهم لهم حق الحياة كما يعتقدون، والتعبير عما يفكرون. وأن حق وسلطة الإعلان والدعاية عن الاعتقاد والفكر ملك للأفراد ومؤسسات المجتمع المدني، وأن لكل فرد نفس الحقوق المتساوية والمشتركة في كل مؤسسة وفي كل مجالات الحياة.
- أن الاختلاف ليس سبب فرقة بل هو غنى معزز للثقافة، وأن على الدولة حماية هذا الاختلاف وعدم اتخاذ موقف إلى جانب أو ضد أي اعتقاد أو فكر قط، ويجب رفض كل أشكال التمييز التي لا تتوافق وأسس المجتمع الديمقراطي في علاقات الفرد بالدولة. وإن مبادئ المساواة أمام القانون وعلمانية الدستور تشكل ضمانا لهذا المفهوم.
- أن الصحافة الحرة والمجتمع المدني ركائز أساسية لا تتجزأ من الركائز الأساسية الأخرى التي تقوم عليها منظومة الدولة، وأنها دعائم أساسية للنهوض بالدولة والمواطنين.
- أن الثروات الوطنية في البلاد ملك العمانيين قاطبة، وعلى الدولة إدارة هذه الثروات بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وأن استغلال هذه الثروات من قبل أفراد أو مؤسسات بما يخالف مبدأ العدالة يعد تجاوزا لسلطة الدستور وخيانة للوطن.
- ونقترح أن ينص الدستور على الإصلاحات التالية:
- برلمان تشريعي ورقابي: تأسيس برلمان منتخب بوسائل ديمقراطية غير قابلة للشك، بكامل صلاحياته التشريعية والرقابية التي تؤهله لممارسة دوره الفعلي كممثل حقيقي لكل شرائح المجتمع وأطيافه، يناقش تطلعاته وآماله ومطالباته الإصلاحية، ويُشرِّع القوانين التي تخدم مصلحته، ومراقبا لكل الأداء الحكومي، ويكون له سلطة مطلقة فيما يتعلق بإصدار القوانين والتشريعات وتعديلها أو إلغائها، وأن تكون له صلاحية التصديق على الاتفاقيات الخارجية التي تبرمها السلطة التنفيذية. على أن يتم تغيير آلية الانتخاب عن طريق توسيع الدائرة الانتخابية لتشمل جميع محافظات الدولة ليضمن وصول أفضل أهل الكفاءات على مستوى عمان، وكحل أنجع للقضاء على تأثير القبيلة والمذهب والعرق على كفاءة نتائج الانتخابات.
- حكومة منتخبة: تكرس لمبدأ تداول السلطة، ويكون منحها الثقة أو سحبها عنها مرهونا بالبرلمان الذي يُفعِّل آليات مراقبة أدائها وكفاءتها وفق مخرجات الحوار الوطني والإصلاح السياسي المبتغى، ومن نافل القول إن الفصل في اختيار وزراء الحكومة يجب أن يكون كفاءتهم وصلاحيتهم وسجل أدائهم الوطني وليس أي امتياز قبلي أو أمني.
- محكمة دستورية: تضمن فصل السلطات الثلاث وتوافق القرارات والقوانين والأحكام القضائية مع الدستور، وتكون مصدر التشريع الأعلى في البلاد، وتراقب القوانين وتقوم بإلغاء ما يتعارض منها مع الدستور والعهود والمواثيق الدولية، وتتولى تحريك القضايا لمحاسبة المسؤولين المتهمين بالتقصير، وتكون أحكامها ملزمة للحكومة.
- حكم محلي موسع: منح صلاحيات أوسع لجميع المحافظات ينص عليها الدستور للتقليل من المركزية وتسريع وتيرة التطوير والبناء، على أن يتم اختيار المحافظ حسب آلية انتخابية محددة
2. قانون جزاء جديد: صياغة قانون جزاء جديد يتوافق ومبادئ الدستور التوافقي، ويحترم مبادئ حقوق الإنسان ولا يصادر حريات الناس المكفولة عبر المواثيق والعهود الدولية.
يُذكر أنه منذ إعلان وفاة السلطان قابوس وإعلان الحداد لـ 40 يومًا لم يخرج السلطان هيثم ليُحدّث الشعب عما ينتوي فعله في فترة حكمه ولا يعلم أحد ما إن كانت هذه المبادرات ستلقى آذانًا صاغية في العهد الجديد أم لا.