قبل الحديث عن الهوية الأمازيغية نشير إلى أن بلغ النضال من أجل الهوية في بلدان شمال أفريقيا شوطا متقدما، على مستوى المجتمع كتحرير الوعي، وعلى مستوى التنظيم في الدولة وقوانينها، وتعتبر كل من الجزائر والمغرب من بين الدول الأكثر نضجا بين دول شمال افريقيا، حيث تستعد الجزائر للاحتفال برأس السنة الأمازغية، بعد أن تم ترسيم اللغة الأمازغية كلغة رسمية للدولة، وكذا إعلان رأس السنة الأمازغية كعطلة وطنية مدفوعة الأجر.
تعد رأس السنة الأمازغية وترسيم اللغة الأمازغية من بين الخطوات القليلة والمحتشمة من أجل إبراز الهوية الأمازغية على الصعيد الثقافي والسياسي كونها أحد الرموز المؤسسة للهوية والتي يستوجب على الدولة أن تحميها وتثمنها من خلال أجهزتها الحكومية وغير الحكومية فيما يخص المؤسسات الوسيطة على غرار منظمات المجتمع المدني.
ولطالما تطرح قضية التعارض ما بين الهويات في شمال أفريقيا على أساس كونها حجر أساس قد تدفع الدولة ناحية الانشقاق والشرخ المجتمعي، كون مفهوم الدولة لا زال مرتبطا لدى العديد من المثقفين وشرائح واسعة من المجتمع؛ على أنها تعبر عن رقعة جغرافية ذات سيادة يعيش فيها مجتمع منسجم من حيث العرق والدين والعادات والتقاليد، وهذا راجع لكون المجتمعات لا زالت في مرحلة الشعوب والأمم، ولم ترتقِ بعد لمفاهيم المواطنة.
وعلى هذا الأساس، جاء هذا المقال ليحدد موقع الهوية في دولة المواطنة من خلال الإجابة على التساؤلات التالية: ما الهوية؟ ما أقسامها؟ ما موقع الهوية في دولة المواطنة؟
في البحث عن مفهوم الهوية، يطرح التساؤل الفلسفي التالي: من أنا؟ من نحن؟
وهي كتعريف أكاديمي تعبر عن شعور (وعي) فردي أو جماعي بالنفس، وغالبا ما يرتبط الوعي في الفكر الفلسفي بالوجود، إذ إن الوعي هو الوجه الظاهر للوجود، سواء كان وعي الإنسان بذاته أو وعي الجماعة بذاتها ككيانات موجودة، مستقلة، يتميز الفرد عن الأفراد الأخرى، وتتميز الجماعة عن غيرها من الجماعات.
وهنا يبرز للعيان مفهومان مرتبطان بالهوية ألا وهما (الوعي، التميز)، إذ نلاحظ أن جميع الحركات التي تناضل من أجل هوياتها تعد نضالها نضال وجود حيث إن الهوية التي تتسم بالتميز هي التي تفضي عليها صفة الوجود، وهنا يجدر علينا أن نميز بين (التميز والتمييز) حيث يعبر الأول عن اعتزاز بالذات المختلفة كأفراد وجماعات وتواجدهم ضمن نسيج اجتماعي يتسم بالاختلاف تربطه بهم أواصر التقبل والاحترام، في حين أن التمييز يمثل النزعة التي على أساسها يعتبر الفرد أو الجماعة بناء على مكونات الهوية على أنهم أفضل من بقية عناصر النسيج المجتمعي الذين يتواجدون فيه.
الهوية
ولكون مفهوم الهوية مفهوما شاملا مختلفا غير مستقر، نظرا لتشعباته كهوية الفرد، هوية الجماعة، هوية القوم.. وغيرها، في حين أن السياق الموضوعي للمقال يفرض علينا التركيز على مفهم الهوية القومية نظرا لكونه يتباحث حول موقع الهوية الأمازغية في دولة المواطنة في شمال أفريقيا ولتقريب المفهوم وجب تفكيك عناصر الهوية والتي تتمثل في (الأرض: شمال افريقيا، الثقافة الممتدة: الثقافة الأمازغية (اختيارية)، الاعتزاز الحضاري: الإبراز الحضاري للرموز والنضال من أجلها، اللغة: اللغة الأمازغية، العرق والسمات والعادات).
في حين أن سبيل تشكل الهوية يعود الى الأثر الموثق (تاريخ مدون، معالم جغرافية، آثار ومسيحات..)، النظام التعليمي، الإعلام، التدوين والنشر العلمي والثقافي، القانون والدستور، الموسيقى والفنون والإبداع، المؤسسات الوسيطة، الإبراز الرمزي للحضارة.
المواطنة
تعد المواطنة على أساس كونها أهم التجليات الفكرية للديموقراطية، حيث تعتبر الدولة الديموقراطية دولة تحكم من خلال الأغلبية في الصندوق، وهذا بدوره يشكل نوعا من الميز لهذا أصبح من بين المفاهيم المكونة للديموقراطية مفهوم المواطنة والذي يقوم على تساوي جميع أفراد وجماعات المجتمع أمام القانون الذي يحميهم من الميز على أساس الجنس، اللون، الدين، العرق، المكانة الاجتماعية، المنصب.
أما العدالة الاجتماعية والتقسيم الأمثل والعادل للموارد الطبيعية يشمل الجميع دون إقصاء، وكذلك تعني المواطنة: انسحاب الدولة من التدخل في اختيارات الأفراد والجماعات الثقافية والفلسفة والفكرية والسياسية والأخلاقية لديهم، حيث إن الدولة تقتصر على مهام تطبيق القانون الذي يحمي الأفراد في ممارسة أنشطتهم الحرة، وكذا عرقلة ومحاربة جميع النشاطات التي تعود بالضرر على فرد أو جماعة أو المجتمع حسب القوانين العادلة.
وحيث إن دولة المواطنة تتسم بالتنوع والاختلاف على جميع المستويات العرقية والدينية والجنسية والأخلاقية، وتتوحد في فكرة واحدة ألا وهي المساواة كمواطنين أمام القانون، وأن الجميع في خدمة الجميع.
موقع الهوية الأمازيغية في دولة المواطنة في شمال أفريقيا
لطالما أقصيت الهوية الأمازيغية في الساحة الثقافية والسياسية في بلدان شمال أفريقيا، ونظرا لتوجه هذه الدول بعد الاستقلال من الاستعمار الأوربي إلى محور الشرق الأوسط والاتحاد السوفياتي، وكذا من خلال تنامي القومية العربية كهوية ومحور للمقاومة في دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز.
وعلى إثر هذا التهميش، والعدوان سابق الذكر على الهوية الأمازيغية، تولدت مؤسسات وسيطة، أخذت على عاتقها مهمة النضال السلمي والقانوني من أجل الهوية الأمازيغية والتي أخذت الأهداف التالية كأولوية:
- الحفاظ على مكانة الهوية الأمازيغية في النسيج المجتمعي.
- حماية وتأهيل اللغة الأمازيغية على المستوى الأكاديمي، والدستوري.
- الحفاظ على المكانة السياسية لكل من الثقافة والمجتمع الأمازيغي.
- الاعتراف بكون دول شمال أفريقيا ذات جذور عرقية وثقافية أمازيغية أصيلة.
بحيث أخذ هذا المخاض العديد من الصدمات سواء على مستوى التهميش أو التعنيف أو الازدراء الممنهج، ولقد وصل في بعض مستوياته إلى التخوين.
ومن هنا اتسم النضال من أجل القضية الأمازيغية بالنضال على المستوى الضيق والذي ينحصر في الدفاع الوجودي من أجل الهوية الأمازيغية، وكذا في مستواها الثاني على النضال من أجل دولة المواطنة التي فيها يتم حماية جميع الثقافات والأعراق، والتي كذلك تجسد الإطار القانوني والتشريع لتأصيل مفاهيم التعايش، وكذا تضمن التوازن وعدم الغلو لأي مكون عرقي أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني عن أي مكون آخر.
خاتمة.
الهوية انتماء الفرد أو الجماعة للأرض من خلال تجليات الاعتزاز بالرموز والتميز باللغة والعادات والتقاليد، بينما المواطنة هي نسق سياسي يحدد العلاقة بين الفرد مهما كانت هويته بالدولة على أساس عقد اجتماعي بحيث تطور مفهوم المواطنة في الغرب إبان عصر النهضة والتنوير، على أيدي المفكرين الفرنسيين وبخاصة جان جاك روسو، مونتيسكيو ولامارت.
حيث إن موقع الهوية في دولة المواطنة هو موقع الجزء من الكل، أو العنصر من المادة، وبالتالي فإن المواطنة تقوم على دستور وقوانين وتشريعات مستمدة من الهويات الثقافات المختلفة والتاريخ المشترك والديانات المتباينة أو انعدامها لدى المجتمع، لحماية هذه الأطر الهوياتية، والحفاظ عليه، لضمان تمتع جميع المواطنين على حقوق متساوية في إطار النسيج الاجتماعي المكون للهوية باختلافاتها العرقية والمذهبية والدينية وما تحمله من أقليات لا يمكن أن تنفك عن المكون المجتمعي العام، وقد تخضع هذه الهوية لتغيرات وتحولات ومد وجذر على مدار السنوات.