أثارت تصريحات المفتي العماني أحمد الخليلي المؤيدة لـ ختان الإناث ، رغم تجريم القانون العماني له، ردود فعل واسعة في سلطنة عمان ودول الخليج العربي. تلك الجريمة التي تمارس ضد الكثير من الفتيات العربيات وغير العربيات في العالم، من تشويه لأعضائهن التناسلية تارة باسم الدين أو العادات والتقاليد أو للحد من شهوة ومتعة تلك الفتيات الجنسية توهما أنهن بهذا الختان صرن عفيفات حاضرا ومستقبلا.
في هذا الصدد وبحثا عن تساؤلات حول تلك القضية، في أي البلدان العربية تنتشر تلك الجريمة؟ من أين جاء مرجعها الديني الإسلامي ؟ ما دور الدولة والمجتمع للحد من ختان الإناث؟ وهل تؤثر تلك الجريمة علي صحة وسلامة المرأة بشكل عام أم ينحصر التأثير في صحتها الجنسية؟ التقت مواطن كلا من شيماء حسن، الرئيس المؤسس لمنظمة موجه سلام ومقرها لندن المهتمة في نشر الثقافة الحقوقية ، ليال خروبي، صحافية لبنانية، وللامرود ناشطة نسوية ومؤسسة حساب تويتر “نسويات عمانيات”، والكاتبة والناشطة النسوية داليا وصفي.
متابعة : محمد هلال
– شيماء حسن: تعاني 200 مليون امرأة وفتاة حول العالم من جريمة ختان الإناث
– شيماء حسن: لا يمكننا أن نعالج مشكلة ختان الإناث بمعزلٍ عن غيرها من أشكال العنف الأخرى ضد النساء
– ليال خروبي: كل قانون لا يكون منبثقاً من ثقافة مجتمعية تدعمه، يجدُ فيه المواطن ألف طريقة للتحايل عليه.
– ليال خروبي: الختان جزء من الاستلاب الجنسي للمرأة واختزال جسدها في بعده الجنسي.
– للامرود: إن جريمة الختان تؤثر في صحة وسلامة المرأة في عدة جوانب.
– للامرود: المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية لا تملك جسدها.
– داليا وصفي: إذا ما تخطت المرأة المحنة الجسدية اللحظية لعملية الختان وتعافت منها، فإنها تكمل حياتها تعاني مابعد الصدمة
-داليا وصفي: المجتمع المدني مُحجَّم تماماً في المجتمعات العربية ومُهدَّد دائماً
ترى شيماء حسن أن قضية ختان الإناث ينظر لها ويتم التعامل معها على أنها قضية إفريقية فقط، ويُنكر وجودها في الدول الآسيوية باستثناء اليمن بسبب قربه من القارة الإفريقية. لكن ختان الإناث مشكلة عالمية؛ وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، تعاني 200 مليون امرأة وفتاة حول العالم من جريمة ختان الإناث، فمثلا تتم ممارسة جريمة ختان الإناث في البلدان العربية الآسيوية كالعراق والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان.
وتعتقد للا مرود أن الدول العربية الآسيوية وبعض الدول الآسيوية غير العربية تعاني أيضا من ختان الإناث لكن بصورة أقل من الدول الإفريقية، فعملية الختان درجات، تختلف كل درجة عن الأخرى بحجم الجزء المقتطع من العضو التناسلي للأنثى، وتتواجد الصور الأبشع من تلك الممارسة في البلدان الإفريقية. وتضيف، أنه بسبب حساسية تلك القضية هناك نقص واضح في الإحصائيات حول هذا الأمر خاصة في دول الخليج العربي.
وعن مرجعها الديني، تقول ليال خروبي: بحسب الأبحاث فإن أصل هذه الجريمة هي العادات والتقاليد الاجتماعية، ويعزز بعض علماء الدين تلك العادات والتقاليد فمثلا يرى يوسف القرضاوي وجاد الحق أن ختان الإناث محمود شرعا. وتضيف، بكل الأحوال فالختان أزمة مجتمعية في بلداننا العربية وهو جزء من الاستلاب الجنسي للمرأة واختزال جسدها في بعده الجنسي وفقط، والنظرة الدينية الإسلامية منبثقة من هذا الاختزال.
بينما ترى داليا وصفي أن أصل المسألة ليس في البعد الديني لها وفقط، بل تتعدي الأزمة إلى ما يغذي تلك الرؤى الدينية المنغلقة من ثقافة أكثر تجذرا في تلك المجتمعات وأشد وطأة وهي الثقافة الذكورية، فتنتشر تلك الجريمة في المجتمعات المسيطر عليها الثقافة الذكورية أكثر من غيرها. وبالتأكيد تأثرت الثقافة الدينية بتلك النظرة المجتمعية الذكورية وهو ما نلحظه في الأديان الإبراهيمية الثلاثة من يهودية ومسيحية وإسلام والتي تعامل المرأة كأحد ممتلكات الرجل الوصي عليها.
من جانبها تعتقد شيماء حسن أن مبررات جريمة الختان هي تفسيرات دينية ومعتقدات ثقافيه مغلوطة مستشهدة ببيان صادر من المجلس الأعلى للأبحاث الإسلامية بالأزهر الشريف يقر بأن ختان الإناث ليس له أي أساس ديني. وتعتقد للا مرود أن خلطا بين ختان الذكور وختان الإناث قد حدث لدى فقهاء الإسلام، وأن المراجع الدينية في بعض البلدان الإسلامية تنحاز للآراء الفقية التي تقول بوجوب الختان وتتجاهل آراء فقهية أخرى ترى عدم وجوبه. وتتساءل، تعليقا على تصريح المفتي العماني أحمد الخليلي بأن ختان الإناث ليس انتهاكا لحرمتهن، وتقول: إن لم يكن تشويه الأعضاء الجنسية للطفلة انتهاكا فما هو تعريف الانتهاك ؟
وعن أي المناطق في سلطنة عمان تشهد انتشارا أكبر لتلك الظاهرة تشير شيماء حسن إلى الدراسة التي أجرتها حبيبة الهنائي في العام 2013، والتي أظهرت أن تلك الظاهره تنتشر بنسبة 78% في المناطق الشمالية، كانت نتائج تلك الدراسة صادمة حيث كان الاعتقاد بأن انتشار تلك الممارسة فقط في جنوب السلطنة. كما تشير لدراسة أخرى أجرتها د. هدى ثابت فى العام 2018، بأن تلك الممارسة الوحشية تعرضت لها ما يقرب من 100% من النساء من الداخلية. كما أفادت خمس نساء من أصل مائتي امرأة بأنهن لم يقطعن، منهن أربعة من أصل غير عماني أو ذوي أصول زنجبارية، من العمانيين الذين استوطنوا زنجبار وتم طردهم بعد ثورة زنجبار في العام 1964.
وعن تأثير الختان على صحة المرأة، تقول للا مرود إن جريمة الختان تؤثر في صحة وسلامة المرأة في عدة جوانب، فالصحة الجنسية تتأثر سلبا من تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة، أيضا أثناء ممارسة جريمة الختان تتعرض الأنثى إلى آلام ومخاطر جسمانية كبيرة، كما تؤثر في الصحة النفسية وتترك أثرا سلبيا، أيضا قد تحدث مضاعفات للمرأة أو الطفل المولود أثناء الولادة نتيجة الختان. وتشير داليا وصفي إلى حالة ما بعد الصدمة، تقول: إذا ما تخطت المرأة المحنة الجسدية اللحظية لعملية الختان وتعافت منها دون نزيف يودي بحياتها في التو واللحظة أو خلال الساعات والأيام التالية، فإنها تكمل حياتها وهي مصابة بما بعد الصدمة جراء ذبحها على يد أقرب أقربائها.. فالأم والجدة والخالة والعمة يتكاتفن سوياً مع امرأة غريبة لتكبيلها وفتح أرجلها واقتلاع جزء من جسدها بدعوى العفة والطهارة!! هذا الحدث وحده كفيل بأن يدمر نفسية المرأة للأبد ويفقدها الثقة بنفسها وبكل من حولها بجانب التسبب في الارتباك النفسي غير العادي فهي قد تم اقتطاع جزء من جسدها بدعوى العفة وهي مأمورة بالتصرف وفق العادات والتقاليد بالمجتمع الملزمة بتتبع أسلوب محدد من التصرفات والتعاملات المغلقة ثم وفجأة يتم أمرها أن تكون مشبعة لزوجها جنسياً دون أن تتخلى عن الآداب المصطنعة التي وضعها المجتمع وهي المعضلة التي تواجهها جميع النساء بالمجتمعات العربية، وخاصة المرأة المختونة لأنها يتم نعتها بالباردة وغير المتجاوبة جنسياً مع زوجها وهو العرض الناتج عن عملية الختان.
وتشير شيماء حسن إلى أن هناك أربعة أنواع من الختان طبقا لتصنيف منظمة الصحة العالمية، وتشير إلى أن الأضرار لا تنحصر في الصحة الجنسية وفقط ولكن تسبب أضرارا جسدية ونفسية واجتماعية غالبا ما يستمر تأثيرها في الأنثى لبقية حياتها وقد تشمل الأضرار مشاكل في عملية التبول أو أثناء الدورة الشهرية وزيادة خطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة إضافة لمشكلات نفسية كالاكتئاب والقلق وانخفاض تقدير الذات.
وبالحديث عن دور الدولة تعتقد ليال خروبي أن دور الدولة بالدرجة الأولى هو تجريم هذه العادة، ولكن كل قانون لا يكون منبثقاً من ثقافة مجتمعية تدعمه، يجدُ فيه المواطن ألف طريقة للتحايل عليه. وترى أيضا للا مرود أن القوانين وحدها لا تكفي فلابد من حركة توعوية داخل المجتمع، فمثلا في سلطنة عمان تم إقرار قانون يمنع ختان الإناث. لكن الممارسة تتم بسرية خارج المؤسسات الصحية للدولة، ويجب أن تراجع المنظومة الدينية آراءها وتقر فتوى تجرم الجتان لما يمثله من ضرر على المرأة وصحتها العامة.
من جانبها شيماء حسن تعتقد أننا لا يمكننا أن نعالج مشكلة ختان الإناث بمعزلٍ عن غيرها من أشكال العنف الأخرى ضد النساء والفتيات، والممارسات المؤذية مثل الزواج المبكر والقسري لذا يتعين على الدولة وموسساتها معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة بين الجنسين والعمل من أجل تمكين المرأة اجتماعيًا واقتصاديًا، كما ترى أننا في حاجة إلى تشريعات جديدة تحمي حقوق الفتيات والنساء من العنف والتمييز. وينبغي على الحكومات في البلدان التي ينتشر فيها ختان الإناث أن تضع خطط عمل وطنية لإنهائه والعمل على تمكين المجتمع المدني وتعزيز دوره.
أما عن دور المجتمع المدني في محاربة جريمة الختان تعتقد شيماء حسن أن على مؤسسات المجتمع المدني نشر الوعي لجميع الفئات من رجال وسيدات وشبان وفتيات وأطفال حول ختان الإناث وأضراره والمغزى من منع وتجريم الختان. وتمكين الفتيات والنساء من ممارسة حقوقهن الصحية. والاستمرار في الاحتفال بيوم 6 شباط/فبراير بوصفه اليوم الدولي لعدم التسامح مطلقا إزاء تشويه الأعضاء التناسيلة للإناث، واستغلال هذا اليوم في حملات لرفع الوعي بهذه الممارسة واتخاذ إجراءات ملموسة للحد من تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
أما ليال خروبي فترى أن العاتق الأكبر في تلك القضية يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني التي عليها أن تنظم الحملات اﻹعلامية والندوات والمنشورات والمؤتمرات، لأن التقاليد هي المرجعية رقم واحد في مجتمعاتنا العربية، والمرأة بكونها الحلقة الأضعف تضطر دائما للخضوع لها وتكرارها وتوريثها للأجيال، ما يجعل التوعية هي السلاح الأول في مواجهة هذه الجريمة.
بينما ترى داليا وصفي أن المجتمع المدني مُحجَّم تماماً في المجتمعات العربية ومُهدَّد دائماً، ولكنه قادر “في حالة وجوده الفعلي” على الوصول لأكثر الأماكن جهلاً وفقراً لنشر الوعي بطرق مختلفة كمسرح الشارع والقهوة والطفل ونشر الكتيبات القادرة على توصيل المعلومة بشكل مبسط والتواصل مع النساء والفتيات بجميع الأعمار وتوعيتهن بمضار الختان.
أما للا مرود فترى أن على المجتمع المدني دورًا في غاية الأهمية لكنها لا تلحظ أي دور لمؤسساته حتى الآن فمثلا منذ صدور قانون تجريم الختان في سلطنة عمان لم تقم تلك المؤسسات بنشر التوعية المجتمعية بين النساء. من المهم أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدور الراصد لأي انتهاك وتشجيع المجتمع على الإبلاغ عن ممارسي تلك الجريمة، ومن المهم أيضا أن نقوم بكسر تابوه التحدث في تلك القضية وهنا يأتي دور الإعلام كقوة وسلطة توعوية. ومن المهم وجود مؤسسات تعني بنشر الثقافة الحنسية وبالأخص الصحة الجنسية للمرأة. وأن نعيد للمرأة ملكيتها لجسدها، فالمرأة في المجتمعات العربية الإسلامية لا تملك جسدها.