الإسلام التقليدي يستحضر تفسيرات تاريخية من المدونات التراثية وهو تيار موائم للسلطة غالبا. هناك عدة تيارات سنية على رأسها الإسلام الأشعري الذي يمثل إسلام الأزهر الشريف، والإسلام الحنبلي الذي كان الأب الشرعي للحركة الوهابية والحركات والسلفية بخلاف المذاهب الأخرى، وبالقطع هناك الإسلام الشيعي وعلى رأس تلك المذاهب الشيعية الشيعة الاثنا عشرية، وما بين التشيع والتسنن، يقف التصوف، الذي له باع في عالم الإسلام السني، وأثر وتأثر أيضا في الإسلام الشيعي وأوجد ما عرف لنا تراثيا بالشيعة العرفانيين.
ما بعد الإسلام التقليدي
مع حملة نابليون، شعر المسلمون في مصر بالصدمة الحضارية، مع تولي محمد علي للسلطة، ورغبة الدولة في التحديث الإداري، كلها أمور قادت للاطلاع على الحياة الغربية والتطور العلمي، وبدأت تظهر مفاهيم إسلامية جديدة، مع الشيخ جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا، وقد تولد عن تلك الحركة التي أسس لها من قبل رفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي، كل ما هو موجود اليوم من تيارات تدور في فلك الإسلام والبلدان العربية الإسلامية، من إسلام سياسي، إلى إسلام حداثي، إلى جانب تيارات القطيعة المعرفية.
الجذور التراثية للتيارات الإسلامية الحديثة “ما بعد مرحلة النهضة”
- الإسلام السياسي: يبدأ من الدعوة والتبليغ إلى التوجيه للطريق الصحيح بالسلاسل، وهدفه الوصول للإسلام المثالي أيام الصحابة والرسول الكريم. تلك الحركات السياسية لم تكن جديدة وإن لم تكن أصيلة في التراث إلا أن هناك أمثلة على جماعات إيديولوجية تسعى للحكم كالفاطميين والحشاشيين.
- الإسلام الحداثي: هو تطوير الفكر الديني لمواءمة القيم العصرية وتوظيف القيم العصرية بشكل ممنهج من أجل مصلحة الدين أو المجتمع، وقد تكون تلك الجماعة امتدادا بشكل ما لجماعة تراثية مثل المعتزلة.
- تيارات القطيعة مع التراث: تحاول تلك التيارات العلمانية أن تدير ظهرها للتراث الديني، ومحاولة توليد شيء جديد، بتياراتها الناعمة والخشنة. ويعد أبو العلاء المعري من بدايات ممثلي تيار القطيعة في التراث العربي الإسلامي.
هل يوجد إسلام واحد في التاريخ؟
ربما نعم، ولكن فقط في لحظة التأسيس، اليوم مثلا التنظيمات السلفية فقط أكثر من 80 حركة ما بين مؤيد ومعارض للنظم السياسية ومن يحمل السلاح ضد الأنظمة السياسية في البلدان العربية الإسلامية، هناك دائما، ومن بعد موت الرسول الكريم، إسلاموات بين العديد من المذاهب والتيارات الممتدة عبر التاريخ.
وحدة النشأة بين تيارات ما بعد الإسلام التقليدي
بذرة الإسلام ما بعد التقليدي بدأت من مثلث الشيخ جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام محمد عبده، والسيد رشيد رضا، فنجد أن الشيخ أمين الخولي أحد رواد الإسلام الحداثي تلميذ محمد عبده، والشيخ أحمد أبو زيد ابن مدرسة الإسلام الحداثي تلميذ رشيد رضا، كما إنه من تلامذة الحداثيين أحمد أمين وأحمد خلف الله، هناك تمحور لممثلي تيار الإسلام الحداثي حول ثالوث إسلام النهضة الأفغاني وعبده ورضا، كما أن الشيخ محمد حامد الأب الأول للتيار السلفي تلميذ السيد رشيد رضا، والشيخ حسن البنا تلميذ لرشيد رضا، وبالنهاية يبقى السيد رشيد، تلميذا للأستاذ الإمام محمد عبده الذي هو نفسه تلميذا للشيخ جمال الدين الأفغاني، وحتى داخل تيارات القطيعة المعرفية نجد أحمد لطفي السيد وسعد زغلول من المتأثرين جدا بالأستاذ الإمام محمد عبده.
الاختلاف بين الإسلام الحداثي والإسلام التقليدي
- الإسلام الحداثي: دين عصري أو تفسير عصري يخدم الإنسان، نشأ حرا متخلصا من تراث الفقه بلا مرجعية أصيلة من متون كتب التراث وبلا تواصل جماهيري. الإسلام الحداثي ما هو إلا إحدى صور تجليات للتيارات الإسلامية الحديثة من بعد الإسلام الفقهي المذاهبي التقليدي، عبرة قنطرة إسلام القرن التاسع عشر إسلام العقل الراغب في نهضة البلدان.
- الإسلام السياسي: فهم صحيح للإسلام يخدم الله والقيم العليا الإسلامية من وجهة نظر أصحابه، عبارة عن تشكيلات حزبية وجماعات حركية.
- الإسلام التقليدي: يعتمد على كتب المتون وأمهات الكتب التراثية المذهبية، فالأزهر الشريف شافعي المذهب، أشعري العقيدة، صوفي الطرق مثلا.
محمد عبده الأب الروحي لتيار الإسلام الحداثي
نجد في تفسيرات الأستاذ الإمام محمد عبده، الكثير من محاولات فرض المنطق والعقل في التفاسير الدينية، نجده يفسر الطير الأبابيل بأنها مرض التيفود، وتأتي من بعده محاولات فكرية تكذب قصصا دينية، كقصة فيل أبرهة، على نفس نمط المحاولة النقدية التي قام بها هيغل وفيورباخ في عقلنة الديانة المسيحية.
رفض الشيخ محمد عبده قصة عودة المهدي والمسيخ الدجال، وقال إن فتنة المسيخ الدجال قوية جدا، وتعجب وكيف لا تؤمن به الناس، وحلل قصة المهدي بإنها ابنة فشل تيارات الإسلام “السياسي” قديما في التراث” بعد انهيار دولة الخلافة الراشدة مما خلق حلم التخليص في المستقبل. يعترض محمد عبده على قصة المهدي المنتظر ومعه السيد رشيد رضا مع إنه كان أكثر التزاما وتسلفا، يقول لك تخيل بعد 1400 يأتي حاكم عادل لمدة 7 سنوات هذا يناسب 30 سنة ظلم وعصر كتابة أحاديث المهدي في نهاية الفتنة الكبرى، كحروب الردة والفتوحات وحروب أهلية قائمة بين أول جيل في المسلمين، لكن بعد موت 20 أو 40 جيل تقول إن هناك 7 سنين عدل سيعم، هذا يبدو غير منطقي تماما وفاقد المعنى.
أحمد أبو زيد
وهو شيخ أزهري وصاحب كتاب الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن، وقد تم خلع الرجل من مناصبه الأزهرية وتكفيره وحرق كتابه، الذي كان عبارة عن تفسير في مجلد واحد لا يوجد منه نسخة واحدة حتى، كل المعروف هنا اقتباسات داخل كتب الآخرين، ويفسر فيه القرآن تفسيرا عقليا بما فيها المعجزات، والحقيقة أن كل التيار -أي الإسلامي الحداثي- بكل توجهاته يرفضون العلاج بالقرآن واللبس والمس والطب النبوي، بما فيهم الأستاذ الإمام محمد عبده و السيد رشيد رضا، وكانوا يصفون تلك الأشياء بإنها شعبذة وجدل، قد يكون اللفظ المعروف في أيامنا شعوذة. وقد سار الشيخ أبو زيد على الخط نفسه عامة، ولكنه صاحب إضافات وقد رفض المعجزات، رفض قصة عصا موسى، ونجد لهذا امتدادا عند محمد أحمد خلف، وهناك آراء ترفض عذاب أصحاب الفيل وقوم لوط، على أساس عدم عدالة مبدأ عقاب قوم كامل بسبب خمسة أفراد، أو في قصة لوط فما ذنب النساء والأطفال، إذا كان الرجال يمارسون “اللواط” ، وإذا كانت القرية كلها مثليين كيف استمر بقاؤها!، وقصة فرعون أيضا كان فيها الكثير من العنف على كل القوم أي الشعب المصري، بسبب فرد واحد أيضا وهو فرعون، يتعرض المصريون العاديون لأعمال غضب ربانية مثل موت الأبكار من الأطفال والحيوانات وانتشار الضفادع والقمل ونهر كامل من الدماء.
فالشيخ أبو زيد يعد رائد مدرسة تأويل المعجزات، وهو صاحب تأويل أن المسجد الأقصى في يثرب، وفسر الإسراء بمعنى الهرب ليلا للمسجد البعيد في يثرب، وقد رفض مسألة ملك اليمين، ورأى أن رسالة الإسلام تحرير العبيد من الأساس، وفسر كلمة الفرج بثغرات النفس وأن إخفاء الذنوب واجب على المسلم، إلا أنه مسموح بإظهار العيوب بين البيت والخدم أي ملك اليمين. ورفض أيضا مسألة تعدد الزوجات وكان ضد الجلد والرجم، واقترح تقديم نصيحة بدل العقاب البدني، على أن يكون الجلد للعاهرات والعاهرين للمجاهرة بالمعصية، وقطع اليد للسارق المعتاد الذي أخذها حرفة، تطور ذلك وقيل بعده عقاب قطع اليد أي بمنع اليد عن السرقة، وكان من آرائه أن الطلاق لابد أن يكون ورقيا قانونيا وعند الاختلاف يكون عن طريق القاضي.
تطور تيار الإسلام الحداثي وأبرز عيوبه
من بعد ذلك ظهر على الساحة الفكرية مفكرون أمثال جمال البنا الذي اعتبر القُبلة من الصغائر، ودعم رأيه بحديث، وقد رفض حد السرقة أيضا، وأيضا هناك نصر حامد أبو زيد القائل بتاريخية النص، وأن أول من طبق حد السرقة مثلا كان قصي بن كلاب، وأن تلك الأشياء كانت سمات عصر لا تمثل روح الإسلام كدين، بل عادات تمت ممارستها في التاريخ. وقد رفض التيار عموما فكر حد الردة وكان ينادي بليبرالية الإسلام، ولكن عدم وجود مرجعية فكرية ولا تنظيمات حركية وحزبية، جعل انتشار تلك الأفكار صعبا جدا بين العوام؛ فالأفكار والمذاهب، تنشر بالسلطة العسكرية أو السياسية والاقتصادية.