تشهد منطقة الخليج العربي تحولات اجتماعية كبرى، تلك التحولات التي يمكن وصفها بالأكثر راديكالية منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن. تلك التحولات تجري وسط تحولات عاصفة في المنطقة العربية والعالم ككل، فبين أزمات دول الربيع العربي وتعثر انتفاضتها، وبين انتفاضات تحولت لحروب أهلية، وبين مجتمعات غربية تتساءل عن جدوى النيوليبرالية وهل باتت الديمقراطية النيابية ديمقراطية حقيقية أم احتكرت القلة السلطة خلف ستار ديمقراطية شكلية. وسط هذا العالم وسيولته، تقطع دول الخليج خطوات كبرى في مشروع التحديث اجتماعي جديد، حول هذا المشروع، و للوقوف على إمكانياته ومعوقاته التقينا كلا من أنور الرشيد رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني، والكاتب الصحفي والباحث فاخر السلطان، والكاتب الصحفي الكويتي صالح الشايجي، والكاتب والطبيب السعودي د. شاهر النهاري. وكان معهم هذا التحقيق.
متابعة : محمد هلال
- فاخر السلطان: لم تكن مشاريع العلمانية والتحديث معرفية ثقافية مفاهيمية ساعية إلى الحفر من أجل البناء
- فاخر السلطان: لا تعارض بين الإيمان الديني والعلمانية إلا حين يتحول الإيمان إلى مشروع دولة أو سلطة أو حياة
- أنور الرشيد: المجتمع مسلم نعم ولكن الدولة يجب أن لا يكون لها دين لأنها تظل كل مواطنيها من – مختلف الديانات والمذاهب
- أنور الرشيد: الحداثة تقترن بالحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودولة قانون
- صالح الشايجي: السعودية مجهولة لدى الكثيرين من المجتمعات أو الشعوب العربية
- صالح الشايجي: المواطن الخليجي مؤهل جدا للجوانب السياسية من العلمانية
- شاهر النهاري: العلمانية تعتبر مفهوما صارما، لا يضع للأيديولوجيات الدينية أي اعتبار، إلا بحصرها في مناطق العبادة
- شاهر النهاري: هل حسمت الديمقراطية الإشكالات حيال حرية الرأي، والعنصرية، وحقوق الإنسان!
معوقات فشل المشروعات العلمانية الحداثية العربية في القرنين الماضيين
يعتقد أنور الرشيد أن: مجتمعاتنا ومنذ قرون طويلة وهي ترزح تحت ضغط أنظمة مُستبدة ترفض كل أنواع الحداثة والابتكار والإبداع خشيةً من أن تعي الشعوب حقوقها المشروعة في الحرية والديمقراطية، لذلك سطر لنا التاريخ قتل العلماء والمفكرين والفلاسفة بتهمة الزندقة والتكفير وغيرها من تهم تكشف جهل واستبداد الأنظمة المتعاقبة ولن يكون المفكر فرج فودة آخرهم وهو ضمن سلسلة من قتل المفكرين الحداثيين تم قتلهم ناهيك عن مطاردة الأحياء منهم وتلبيسهم تهمًا ما أنزل الله بها من سلطان.
أما بشأن تاريخنا الحديث الذي جاء بعد تحرر مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط من الاستعمار وتجارب الحكم التي ادعت بعلمانية الأنظمة أو ليبرايتها فلم تكن أنظمة علمانية ولا ليبرالية وإنما كانت أنظمة مُستبدة لم تختلف عمن سبقها من أنظمة إلا في قشور الحداثة وبالتالي لا يمكننا أن نصفها بأنظمة حداثية، يكفي أن نعرف بأن الحكام فصلوا دساتير وقوانين بنية بقائهم في الحكم وتوريثه لأبنائهم من بعدهم وهذا هو من أهم المعوقات التي منعت مجتمعاتنا من أن تتطور بشكل طبيعي دون الحاجة لجراحات عسكرية أدت لمزيد من الكوارث على شعوب المنطقة ناهيك عن تحالف تلك الأنظمة مع تجار الدين الذين فتحوا لهم خزائنهم ليسيطروا على الشعوب وها نحن الآن كشعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط نعيش بنتيجة سياسات الأنظمة المتعاقبة على حكم الشعوب ونرى القتل والتدمير والحروب واستحضار الماضي وإلقاءه على حاضرنا، فداعش وفكرها وطالبان وبوكو حرام وغيرها من تنظيمات إرهابية لم تتخرج من السربون أو هارفرد جميع منتسبيها هم خريجي جامعات وكليات ومعاهد دينية وهذه حقيقة ومن لم يتخرج من تلك المدارس فقد تخرج من ثقافة القتل والموت للآخرين المناهضين لفكرة.
ويرى فاخر السلطان أننا نحتاج إلى أرضية معرفية تحدد عناصر هذا الفشل ومنطلقات إحيائه سعيا إلى تفعيله وإنجاحه مجددا. فالفشل القديم لا يزال مستمرا إلى حد ليس بقليل، على الرغم من أن حياتنا اليومية، الفردية، والاجتماعية، يغلب عليها الطابع العلماني والحداثي الوسائلي. أي أننا لا يمكن أن نتنفس الحياة إلا في ظل وسائل الحداثة، لكن من دون أن نكون ملمّين بمفاهيم الحداثة التي أنتجت هذه الوسائل. لذا فإن الثقافة الحداثية التي يجب أن تغرس في المجتمع هي من الضرورة بمكان قبل الحديث عن أي فشل. بعبارة أخرى، لم تكن مشاريع العلمانية والتحديث معرفية ثقافية مفاهيمية ساعية إلى الحفر من أجل البناء، بقدر أنها كانت مشاريع استيراد ونقل للثقافة من مجتمع حداثي إلى آخر عربي، أي أن التحديث لم يكن عملية غرس الوعي الثقافي والمعرفي والمفاهيمي، بل كان عملية “صب الكونكريت” مباشرة فيما الأساسات لم تكن جاهزة وهي ليست جاهزة حتى اليوم، فرأينا كيف ينهار المشروع لمجرد وجود منافس فكري آخر، ديني مثلا، أو لمجرد دخول الأنظمة الشمولية على الخط. إذن، فالسلاح الأبرز -إن صح التعبير- لإنجاح مشروع العلمانية والحداثة في العالم العربي، هو سلاح المعرفة القائم على حفر الأساس الثقافي المفاهيمي للبناء.
من جانب آخر يرى صالح الشايجي أنه لم يكن هناك فشل أو معوق للمشروعات العلمانية والحداثية العربية، فلو سلمنا بوجود فشل لما وصلنا إلى ما مانحن عليه الآن، ولو رجعنا لعصر محمد علي باشا في مصر وما أسفر عنه من تحديث في البنية الثقافية والاجتماعية والسياسية الاقتصادية المصرية والتطور الذي حدث في مصر حتى أصبحت بؤرة إشعاع للثقافة العربية وحاضنة لكل المثقفين العرب ومنارة من منارات العالم ثقافية لا ينكر دورها، هذا نتيجة نجاح المشروع وليس فشل المشروع التحديثي العلماني.
التعارض بين الإيمان الديني والعلمانية
يرى فاخر السلطان أن لا تعارض بين الإيمان الديني والعلمانية إلا حين يتحول الإيمان إلى مشروع دولة أو سلطة أو حياة. غير ذلك، فالإيمان قادر على التعايش مع العلمانية. نرى ذلك بوضوح مع أديان بمجتمعات يمكن وصفها بالمؤمنة، كالمجتمع الهندي. بعبارة أخرى، أرى أن الدين السياسي أو التشريعي الماضوي، يتعارض مع العلمانية، من ناحية تدخله في تفاصيل الحياة. أي أن العقل الديني المهيمن على المجتمعات العربية يسعى بقوة ليحل محل العقل الطبيعي. لكن يجب توضيح أمر هنا بشأن العقل الديني والعقل الطبيعي، فغير صحيح أن نقول أن للعقل رأيًا في الزلازل، و للوحي رأيًا آخر في الزلازل، وأن هناك خطابين اثنين، بل الصحيح هو أن العقل له رأيان أحدهما حول الوحي والآخر حول الطبيعة. فحينما يرفض عقل المؤمن أن يهيمن على فهم الطبيعة، هنا نستطيع أن نقول بعدم وجود تعارض بين الإيمان والعلمانية، لكن حينما يجاهد العقل الديني أو عقل المؤمن لفهم الطبيعة بصورة دينية وحياتية، هنا نكون أمام معضلة، وبالتالي هذا التشابك هو الذي يجب أن يتم تفكيكه لبدء بناء مشروع العلمانية والحداثة.
ويعتقد صالح الشايجي أن لا تعارض بين الإيمان الديني والعلمانية، وأن الراعي الأكبر للإيمان الديني هي العلمانية، فهي التي تحقق للدين أمنه وسلامته وكينونته الخاصة وتحميه من الاعتداء عليه وحتى تحميه من محاولات تشويه.
من جانبه يرى د. شاهر النهاري أن: العلمانية تعتبر مفهوما صارما، لا يضع للأيديولوجيات الدينية أي اعتبار، إلا بحصرها في مناطق العبادة، وإبعادها كثيرا، بل ورفضها في السياسة، بينما نعلم أن كل الفرق الأيديولوجية في الشرق، حتى من يكون شعاره علمانيًا، لا يصدق كليا، ويظل يميل بعض الميل، أو كل الميل، لإيدلوجيا معينة، حتى ولو كانت أيدولوجيا اللادينيين، أو الملحدين، لذلك ومع كثرة الحركات، المتخذة من العلمانية سلما لها، فلم تكن أغلبها صادقة، ولا تختلف عن أي حركة أيدلوجية، تسعى لكسب الهيمنة، والسياسة، والمال، وبالتالي العودة من باب الفساد، والانحراف والسيطرة السياسية عن براءة بداياتها.
ويردف النهاري: الدين قد لا يتعارض مع مفهوم العلمانية بشكل نظري، ولكنه عمليا يختلف، بل ويتعادى معها من خلال مفهوم عدة قرون، ولا بد أن يجد نفسه متعاركا، مع من يطبقون الأيديولوجيات السياسية، والدينية، لذلك أعتقد أن الشرق الأوسط، لا، ولن يكون مهيئا لمثل تطبيق العلمانية، قبل مرور عدة قرون أخرى، وقد نجد العلمانية بعدها، متلبسة بعدة أيدلوجيات أخرى، تجعلها لا تمت لمفهومها الحقيقي بصلة.
المشروع التحديثي في دول الخليج العربي خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة
يتصور فاخر السلطان بأن السعودية والإمارات، وخارج إطار المنظومة الخليجية مجتمعة، تتبنيان حداثة اجتماعية/اقتصادية تراعي عادات وتقاليد وأعراف كل مجتمع، و المشروع التحديثي في كل دولة هو جزء من هذه الحداثة، لذلك تختلف بعض التفاصيل في التجربتين. لكن يجب الإشارة هنا إلى أن المشروعين تأثرا بعوامل سياسية عدة، يأتي على رأسها تفاصيل التغيير السياسي الذي سعت إليه الحِراكات العربية. فالدولتان تأثرتا بمشروع الإخوان المسلمين الذي سعى إلى بسط هيمنته على مجتمعات الحراكات والنفوذ إليها محاولا أن يستثمرها ويفرض وجوده السياسي/الديني عليها. لذا برزت الحداثة الاجتماعية والاقتصادية في السعودية والإمارات وهي منعزلة عن الحداثة السياسية، أو بعبارة أخرى، كانت الحِراكات سببا، حتى الآن، في رفض الدولتين لأي تغيير في أنظمة الحكم أو في آلية وتراتبية تنظيم القرار السياسي. وهذا أظهر الدولتين وكأنهما في مواجهة ليس مع مشروع الإخوان المسلمين وإنما مع مشروع الحداثة السياسية. غير أن هناك أصواتا تتحدث عن بروز قناعة داخل قيادتي الدولتين تطالب بفتح ملف الحداثة السياسية والبدء، تدريجيا، بأنشطة تمثل عناوين لها، وقد تتعلق بتبني إصلاحات سياسية متواضعة لكنها ستتدرج إلى أخرى تتطلّبها الحداثة الاجتماعية/الاقتصادية.
من جانبه يعتقد شاهر النهري أن: المشروع التحديثي في دول الخليج العربي يحدث ولا يحدث، وهو ما يزال متذبذبا بين العلمانية بنفس صورها ومواصفاتها، وبين نسخ معدلة، أو محرفة من العلمانية، لذلك لا أعتقد بوجود مثل هذا المشروع، الذي يعتمد على هدوء ورخاء المنطقة، ولكنه قد لا يقف أمام أي هزة سياسية أو اقتصادية عنيفة.
ويعلق أنور الرشيد عن رؤيته للمشروع التحديثي في الدولتين قائلا: في نقاش لي مع وزير خليجي سابق حول التطورات الحداثية التي تجري في دول الخليج قال: ليكن على الأقل هناك انفتاح اجتماعي فليس من المعقول ألا يكون هناك انفتاح اقتصادي ويعني هنا سيطرة النخب الحاكمة على المفاصل التجارية أما السياسي فهو أمر محرم بطبيعة الحال في دول الخليج وعليه وعلى الأقل ليكن هناك انفتاح اجتماعي حيث لا يُلاحق المرء على ملبسه ومأكله. هكذا عبر عن الحدود الدنيا لشعوب الخليج، وعليه فالحداثة ليست أبراجا زجاجية يمكن انهيارها برمية حجر، الحداثة تقاس بمدى الحرية والديمقراطية التي تتمتع بها الشعوب وليس بالطرق والسيارات والطائرات ولا حتى بأبنية الجامعات ذات البرامج التعليمية التي تخرج كتبة لامفكرين، لذلك لا حداثة في دول الخليج مطلقا أن أردنا الحقيقة لننطلق منها لآفاق المستقبل.
من جانبه صالح الشايجي يستبشر خيرا بتلك المشروعات التحديثية، ويقول: السعودية مجهولة لدى الكثيرين من المجتمعات أو الشعوب العربية حتى بالنسبة لنا في دول الخليج. لي تجربة شخصية مع السعودية في أواخر السبعينيات وقت أحداث جهيمان العتيبي واحتلاله الحرم المكي/ فقد شاركت كصحافي استقصائي، مبعوثا من الجريدة التي كنت أعمل بها وقتها، وتساءلت كيف سأذهب لمجتمع منغلق غير ودي، كانت تنتابني تلك الهواجس طوال استعدادي للرحلة، لكن وللمفاجأة حين وصلت المملكة وجدت عالما جديدا يعج بالمثقفين، حتى أنني فوجئت بكاتبات سعوديات صاحبات كتابات واعية جدا، ربما يفوق ما عهدناه في الكويت من جرأة ونحن نعتبر أنفسنا في الكويت متقدمين دستوريا وسياسيا ولدينا حريات صحافة. بالتأكيد بعد التحديثات الأخيرة في الثلاث سنوات الفائتات سيكون لهم أثر إيجابي وستتحول إلى بؤرة إشعاع منيرة ثقافيا وسنفاجأ بالتنوع والمخزون البشري السعودي. الإمارات أيضا واعدة جدا وبها مثقفون واسعو الثقافة يغنون واقعنا العربي بكتاباتهم ورؤيتهم العميقة، ويمكن أن ننظر إلى الإمارات ونقارنها قديما وحديثا حتى نتفاءل ونستبشر خيرا.
هل تتحول المشروعات التحديثية الخليجية إلى مشروعات حداثية علمانية؟
يعتقد فاخر السلطان بأن نعم، لكنها تحتاج إلى بعض المتطلبات والشروط، من بينها قناعة حكام الخليج بالحداثة بجميع صورها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية التنموية القائمة على احترام الحرية الفردية وحقوق الإنسان وفي ثنايا ذلك تمكين المرأة. ومن بينها توسع الجانب الثقافي في وعي الطبقة الوسطى، خاصة ما يتعلق بمفهوم الحداثة واشتراطاتها الثقافية/السياسية/الاقتصادية. ومن بينها تطور وعي مختلف قطاعات المجتمع، ثقافيا، على أن التحديث هو حاجة مجتمعية، ولا يتصادم مع روح الدين بل مع فهم الدين الذي هو بعهدة رجال الدين ويمكن تغييره ليناسب الواقع، وأنه -أي التحديث- ابن العلمانية والحداثة وليس منفصلا عنهما، فلا يمكن الحديث عن الحكومة الإلكترونية بمعزل عن مفهوم العقل العلمي الحديث، ولا يمكن الحديث عن علاج لجائحة كورونا من دون خوض تجارب علمية حديثة، فيجرنا هذا إلى عناوين أخرى مثل الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان التي هي ثمار شجرة الحداثة ومفاهيمها.
على الجانب الآخر لا يعتقد أنور الرشيد في ذلك ويعلق: الحداثة تقترن بالحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودولة قانون ودستور ودولة مدنية لا دولة دينية. كل دساتير دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومنها دول الخليج تنص دساتيرها وأنظمة الحكم بها على إسلامية الدولة، والحقيقة هي أن الدولة ليست كائنا حيا بشريا لكي يكون لها دين. المجتمع مسلم نعم ولكن الدولة يجب أن لا يكون لها دين لأنها تُظِلّ كل مواطنيها من مختلف الديانات والمذاهب وعليها أن تكفل حق كل مواطن فيها وتوفر له حق ممارسة شعائره ولا تكون تلك الحقوق لفئة من مواطنيها على حساب فئات أخرى.
هل المواطن الخليجي مؤهل للجوانب السياسية من العلمانية كالمشاركة السياسية الفاعلة والديمقراطية؟
يرى أنور الرشيد أن مثل هذا سؤال دائما ما يردده إعلام الأنظمة المُستبدة وغير الديمقراطية التي دائما ما تقول بأن شعوب المنطقة غير مُهيئة للديمقراطية وإن أعطيتهم حق الاختيار فسوف يختارون التيارات الدينية وفي الحقيقة هم من يدعمون تلك التيارات الدينية لكي ينكلوا في المجتمعات ولسان حال تلك الأنظمة يقول هاهم من انتخبتموهم، ولو انتظرت الشعوب لأن تتأهل لتمارس حقها المشروع في ظل أنظمة مستبدة متحالفين مع تجار دين فحتما لن تصل هذه الشعوب لحقها المشروع بانتخاب من يمثلها، مستحيل، ولكن لو أعطي المواطن الحق باختيار من يمثله دون تدخل ووفق قانون انتخابي وتشريع قانون يمنع الخلط ما بين الدين والسياسية لأنتجت الشعوب حكومات مدنية تسعى لتحقيق الرفاه وليس لإعادتهم إلى كهوف التاريخ.
كما يرى صالح الشايجي أن المواطن الخليجي مؤهل جدا للجوانب السياسية من العلمانية فللكويت والبحرين تجربتان قديمتان في التمثيل السياسي، رغم ما يواجهانه من عقبات. ويردف الشايجي: ما هي الأرضية الأساسية والملائمة للديمقراطية سوى النضح السياسي والفكري والانفتاح الثقافي ومثل تلك الأمور موجودة لدى المواطن الخليجي.
ويرى فاخر السلطان أنه من الضروري العمل على تقوية الجانب الثقافي المفاهيمي من هذه العملية والمتعلقة بثمار الحداثة، أي التركيز على الإصلاح الثقافي في الجانب المتعلق بالحداثة، ولا أعني من ذلك أنه يجب الانتظار إلى حين نضوج المواطن الخليجي سياسيا ومعرفيا وعلمانيةً ومن ثم ديمقراطيا، فلا تعني كلمة النضوج هنا أي معنى، بل معناها المهم يخرج من بطن التجربة في ظل معطى الحرية. فحينما يتنفس المواطن الخليجي الحرية بمختلف صورها، حينها يمكن الحديث عن إمكانية نضج وتأهيل سياسي وثقافي واجتماعي. أما حينما تكون الحرية مخنوقة فسيصبح النقد، الذي هو آلية تقويم وتعديل وتطوير ونضج في المفاهيم والأحاسيس والمطالبات، محرما وممنوعا.
من جانب آخر يرى شاهر النهاري صعوبة شديدة في ذلك، فكما رأينا في دولة الكويت، التي شرعت منذ نصف قرن لصنع ديمقراطية، وحرية رأي وصحافة، ومشاركة سياسية شعبية، ولكنها تثبت يوما بعد يوم أن ذلك لا يتكامل، ولا يستوي، في منطقة عرفت وتربت على النظام القبلي، بتسلسل الهرم والقيادات، ووجود أنظمة شعبية فرعية، ومفاهيم خاصة، تبلغ مساميرها العظم، ولكنها لا تثبت، ويسهل نزعها عن فكر العربي الخليجي، مهما تعلم، وترقى، لأنه جزء من جينات مجتمع قبلي لا يمكن أن يقفز قفزة ناشزة بعيدة إلى مصاف الديمقراطية، إلا بعد نزع جميع الترسبات، في الأنفس من أيدلوجيا الماضي، والحاضر، والتي ستفسد بقوة، لو تم تطبيقها، لعدم منطقيتها في نفوس الشعوب، التي لم تعرفها، ولم ترتح لها، رغم أنها تؤيدها، عندما تكون عند الغرب.
ويردف النهاري: أن الديمقراطية، حسب وصفه، مدرسة أصبحت قديمة، بعض الشيء، ولأن عوارها أصبح واضحا، حتى في أيقونات الدول المطبقة لها، فما يحدث في حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، من طغيان الخلاف والافتراء والكذب والخيانات، والتشكيك، وعدم الاحترام، وقلب المفاهيم، في معاني الديمقراطية، تجعل من لم يعرفها بعد، يكرهها، ولا يؤيد بلوغ، مفهومها، الذي أصبح مريضا، متهتكا في عدة أمكنة، تنذر بالعودة للصفر.
ويكمل: من الواجب التنويه أنني لست ضد الديمقراطية، ولكن هل حسمت الديمقراطية الإشكالات حيال حرية الرأي، والعنصرية، وحقوق الإنسان، وطغيان الأقليات بمختلف مفاهيمهم، التي نخرت في عظم الديمقراطية، وأصبح لا بد من نظرية أكثر متانة، وأكثر منطقية، وأكثر وعيا وحقوقا.