لا يمكن الحديث عن مقاطعة إسرائيل كمفهوم ورؤية بمعزل عن حركة مقاطعة إسرائيل “BDS” التي قولبت وأطّرت مفهوم المقاطعة. هذه الحركة التي تأسست عام 2005، وسرعان ما أصبح لها امتدادها العالمي، وحققت نجاحات واضحة في بداية عزل النظام الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى درجة ما اقتصادياً كذلك، حتى باتت “إسرائيل” نفسها تعتبر هذه الحركة اليوم من أكبر “الأخطار الاستراتيجية” التي تهددها.
وبالرغم من النجاحات التي حققتها حركة المقاطعة، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أنها كانت تصطدم دوماً بجدار الاتفاقيات الاقتصادية الفلسطينية – الإسرائيلية، وعدم تبني المقاطعة من قبل المستوى الرسمي الفلسطيني بشكل واضح وعلني. من الطبيعي أن نقول بأن الوضع تغيّر الآن مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتاريخ 19 أيار/ مايو 2020 التحلّل من كافة الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بما فيها الأمنية، إضافة إلى رؤية الحكومة الفلسطينيةبرئاسة الدكتور محمد اشتية فيما يخص الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال. حيث لا يوجد أي موانع دبلوماسية كانت أم غيرها تحول دون نشر ثقافة المقاطعة وتبنيها شعبياً ورسمياً.
أطلق نشطاء فلسطينيون بتاريخ 29 أيار/ مايو 2020 حملة إلكترونية بعنوان “يا عندي يا عند المنسق” لإلغاء الإعجاب بصفحة منسق حكومة الاحتلال ..حملة لاقت استجابة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي .. حملة على بساطتها إلا أنها تحمل في طيّاتها الكثير، وتستدعي البناء عليها وتطوير أفكار أخرى تصب في نفس الاتجاه والتوجّه، ونشر ثقافة المقاطعة في أوساط المجتمع المحلي، وتستوجب عدم الاستهانة بأي فكرة بسيطة، إذ كم من حصاة صغيرة حطّمت زجاجاً كبيراً. في الوقت الذي تُمعن فيه بعض الأنظمة الخليجية في التطبيع مع “إسرائيل”، هدّد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على “إسرائيل” ومقاطعتها حال قامت بتنفيذ خطة الضم لمنطقة الأغوار وشمال البحر الميت. وبالطبع لا يمكن تفسير الموقف الأوروبي المتقدّم، بمعزل عن معركته مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتبارها عدوة العولمة الاقتصادية. إذ أن سياسات الولايات المتحدة باتت تشكّل خطراً على المصالح الأوروبية، وخير من عبّر عن ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقولها: “علينا نحن الأوروبيين أن نقرر مصيرنا بأنفسنا”.
تعتبر الساحة الأوروبية من أهم الساحات التي يجب التغوّل فيها على الإطلاق، والتي تخشاها “إسرائيل”، وفي مقابلة أجرتها صحيفة كالكاليست الإسرائيلية بتاريخ 15 نيسان/ أبريل 2018 مع أستاذ الاقتصاد بجامعة تل أبيب عساف رازين قال فيها: “نحن لا نجد طريقة لتهدئة النزاع، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عزلة دبلوماسية، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى عزلة اقتصادية.كما يمكن أن تتوسع المقاطعة الأوروبية الحالية للبضائع المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكذلك مقاطعة إسرائيل الأكاديمية. وإذا ما انفصلت عنا أوروبا التي تمثل ثلث صادرات إسرائيل، فقد تكون هذه ضربة حاسمة”. من جهةٍ أخرى، فإن موجة الاحتجاجات المتصاعدة في الولايات المتحدة إثر جرائم القتل العنصرية الأخيرة التي ارتكبتها الشرطة الأميركية بحق الأميركيين السود، بمن فيهم جورج فلويد وتوني مكديد وبريونا تايلور، تُشكّل مدخلاً مهماً لحركات المقاطعة في الساحة الأميركية، وقد أصدرت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة “إسرائيل” بتاريخ 1 حزيران/يونيو 2020 بياناً جاء فيه : (لن نستطيع التنفس إلا بالحرية! كلّ التضامن من فلسطين مع الأمريكيين السود).
لعلّ إلغاء كافة الاتفاقيات الفلسطينية – الإسرائيلية، والموقف الأوروبي المتقدّم وما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية، يشكل فرصة ذهبية لتوسيع رقعة المقاطعة محلياً وعالمياً، لا بدّ من استثمارها خير استثمار. في ظلّ المخطط الأمريكي-الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وما نشهده من خيانة عربية رسمية بحق القضية الفلسطينية من قبل بعض الأنظمة العربية الاستبدادية، لا بدّ من تصعيد مقاطعتنا للعدوّ الإسرائيلي ومناهضة التطبيع معه حمايةً لنضال شعبنا والشعوب العربية الشقيقة من أجل حقّ العودة والتحرّر وتقرير المصير لشعب فلسطين، لا سيّما في ظل إلغاء الرئيس عباس كافة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، والذي ينقلنا إلى مرحلة جديدة وتبعاته حاسمة.