في ظل استمرار جائحة كوفيد 19 العالمية لأكثر من ستة أشهر، ومع ضبابية الوصول لنهاية تلك الأزمة العالمية، تطرح المخاوف الاقتصادية العديد من التساؤلات، كيف نتجاوز تلك المحنة، وما مصير العالم بعد انتهاء تلك الأزمة؟ ما هي تداعيات تباطؤ الاقتصاد العالمي؟ هل تتأثر المستويات المعيشية للمواطن الخليجي؟ ما الآثار المترتبة عن تلك الأزمة في سياسات دول الخليج العربي الاقتصادية؟ هل تتجه الحكومات الخليجية إلى اليسار في سياساتها الاقتصادية مستقبلا؟
للوقوف على تصور مستقبلي لما يمكن أن تكون عليه حالة بلادنا وأوضاعنا الاقتصادية، ولمحاولة توقع الآثار المترتبة على الاقتصاد والمواطن الخليجي، التقت مواطن كلا من المؤلف والباحث وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د. محمد الرميحي، الباحث والمفكر أحمد سعد زايد، والكاتب الصحافي عبدالعزيز القناعي.
متابعة: محمد هلال
- د. محمد الرميحي: هيكلية التركيبة السكانية هي مشكلة قديمة ومتجددة في دول الخليج العربي.
- د. محمد الرميحي: المواطن الخليجي سيواجه الكثير من العوز بأشكال مختلفة.
- عبد العزيز القناعي: أصبح المواطن الخليجي يشعر بأهمية الأعمال المهنية والفنية التي لم يكن يمارسها في السابق.
- عبد العزيز القناعي: الدول الخليجية لم تخرج عن الإطار العام الاقتصادي الذي قامت به الدول الغربية الأخرى.
- أحمد سعد زايد: المستقبل سيرسم صورته على شكل العمالة في العالم كله، ليس فقط العمالة الوافدة إلى دول الخليج.
- أثر انكماش الاقتصاد العالمي في حياة المواطن الخليجي بعد أزمة كورونا
يرى د. محمد الرميحي أن البرامج الاقتصادية الخليجية سوف تتأثر كثيرا بهذه الجائحة، وأن ميزانيات الدول الخليجية تصدت للمشكلة بأشكال مختلفة، فمثلا لجأت بعض الدول للضرائب غير المباشرة وأخرى لتخفيض في ميزانيات الوظائف والأجور، إضافة لتسريح بعض العمالة. هذه الجائحة ستؤثر في اقتصاديات العالم ككل، ولأن الدول الخليجية تعتمد في أساس اقتصادها على بيع الغاز والنفط، وهاتان السلعتان كمدخلات إنتاج سوف تتأثران بشكل كبير في الطلب عليهما، وتحتاج لمرحلة طويلة من التعافي حتى ترجع أسعارها لما كانت قبل الجائحة، أيضا ستتنافس الدول المنتجة فيما بينها في تخفيض الأسعار بحثا عن توسيع حصتها السوقية، كل تلك العوامل ستؤثر بشكل كبير في الاقتصاد الخليجي، وبالتبعية حياة المواطن الخليجي.
من جانبه يعتقد عبدالعزيز القناعي أن المواطن الخليجي، بعد اكتشاف النفط في المشيخات الخليجية المتناثرة، يعيش في حالة من البحبوحة والكسل والدعة والرفاه المادي، بعد سنوات طويلة من شظف العيش وصعوبة الحياة وتقشف الحالة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية على نمط السلوك والأخلاق والتعايش المجتمعي، قبل اكتشاف النفط وتواجد الشركات النفطية والصناعات الغربية في منطقة الخليج اليوم، وبعد التقشف الاقتصادي وذهاب عدد لا يستهان به من الوافدين إلى ديارهم، أصبح المواطن الخليجي يشعر بأهمية الأعمال المهنية والفنية التي لم يكن يمارسها في السابق، وأيضا اهتم جيل الشباب بالأعمال التطوعية وبذل الجهود الجماعية لمواجهة جائحة كورونا بعد أن استشعرت الغالبية من الشعوب الخليجية أن هذا الفيروس يشكل تهديدا فعليا على أنفسهم ومجتمعاتهم وأصدقائهم وعوائلهم؛ لهذا أصبح الوعي الصحي مرتفعا والتضامن الاجتماعي عاليا. إلا أننا نأمل ألا يذهب هذا الوعي وتلك الثقافة عندما تنتهي جائحة كورونا. فالتأصيل لقيم التعاون والتطوع والتقشف، أمور مهمة جدا للشعوب المتقدمة ونأمل أن يتم غرسها في المناهج ووسائل الإعلام حتى تكون ثقافة مجتمعية مستمرة.
- استعداد دول الخليج لتقديم حلول بديلة في حال توقف الكثير من قطاعات الأعمال
يعتقد د. محمد الرميحي أن دول الخليج لم تكن جاهزة لمثل تلك الأوضاع، هناك بعض الخطط التي وضعت جزئيا في الإمارات والسعودية منذ سنوات قلائل للاستغناء عن الاعتماد على النفط بالتأكيد تلك الخطط تحتاج إلى وقت طويل، فوجئت الدولة الخليجية بالجائحة ولم تكن مستعدة لها، لا من حيث الوضع الاقتصادي ولا من حيث هيكل السكان ولا من الطواقم الطبية، لذلك استعانت بعض الدول بأطقم طبية من الباكستان وكوبا وأكثر من دولة. نحن الآن تقريبا في منتصف تأثير تلك الجائحة ونحتاج لأشهر لنرى ما هي الخطوات التي اتخذت حتى تخرج الدول من هذه الجائحة بشكل أفضل.
أما عبد العزيز القناعي فلا يرى أن الدول الخليجية لم تخرج عن الإطار العام الاقتصادي الذي قامت به الدول الغربية الاخرى. فقد قدمت المشيخات الخليجية حزمًا اقتصادية وقرارات اقتصادية لمساعدة الشركات المتعثرة والمشاريع الصغيرة، كما قامت أيضا بتأجيل سداد القروض الاستهلاكية والعائلية للأفراد والشركات. بينما ما يجب على الدول الخليجية الآن وبشكل جاد، هو التفكير خارج الصندوق كما يقال؛ إذ عليهم بناء الثقة بالمواطن والاستغناء بقدر الإمكان من خدمات الوافدين. كما أن عليهم توطين الوظائف الإدارية بالمواطنين وتسهيل تعليمهم وتثقيفهم وإتاحة الفرصة لهم للتعلم وبناء تجاربهم الإبداعية. إن الحلول البديلة عن توقف العديد من قطاعات الأعمال بسبب أزمة كورونا هي مسؤولية سياسية واجتماعية في المقام الأول. فلا يمكن بناء الفضاء العام للحلول البديلة إلا اذا قامت الحكومات الخليجية بدعم الاستثمار الوطني وتشجيع الصناعات الوطنية وإزالة العراقيل البيروقراطية من الوزارات الحكومية والاتجاه إلى الحكومة الإلكترونية. بالإضافة إلى الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية من أجل التدريب وليس من أجل القيام بالوكالة عن المواطن الخليجي. بينما على الجانب الآخر، ومن الناحية الاجتماعية، فعلى الحكومات الخليجية أيضا دعم ثقافة الانفتاح والتعاون والتطوع من خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني وتشريع القوانين الداعمة للتعليم والتثقيف والتوطين. ربما وما أراه اليوم بعد جائحة كورونا، فإن المشيخات الخليجية تعي هذا الأمر وقد فهمت درس كورونا بشكل جيد، لكن ما نخشاه أن تعود حليمة لعادتها القديمة، فالتجارب الحكومية الخليجية منذ القدم، تتصرف وفق ردات الفعل فقط، ولا تبني الهياكل والبنى الفكرية والسياسية والاقتصادية لإدامة الحكم الرشيد والحكومات الفاعلة والمجتمعات المدنية الحية.
- مدى احتمال المواطن الخليجي لسياسات التحمل الاقتصادي
يرى أحمد سعد زايد أن المواطن الخليجي يستطيع التغلب على تبعات أزمة كورونا الاقتصادية، إذ إن نسبة كبيرة من المواطنين لديهم بعض المدخرات الخاصة، كما أن أغلب الدول الخليجية لديها احتياطات نقدية كبيرة، بالتأكيد مستوى الرفاه سيتأثر، لكن في ظل تلك الأزمات ما يهم هو توفير الاحتياجات الأساسية حتى يتعافى الاقتصاد من جديد.
من جانبه يعتقد د. محمد الرميحي أن المواطن الخليجي سيواجه الكثير من العوز بأشكال مختلفة، وستختلف درجة التأثير في المواطن من دولة لأخرى، فلن يعاني المواطن في الدول ذات الاقتصاديات الأقوى مثل المواطن في الدول ذات الاقتصاديات الأضعف. لكن بشكل عام سيكون التأثير متعدد الجوانب. من ناحية، نقص العمالة الوافدة التي بدأت تخرج أو تُخرّج، ستؤثر على زيادة ثمن السلع والخدمات المقدمة للمواطن الخليجي كما سيتأثر المؤجر من أصحاب العقارات لأن الكثير منهم سيفقد المستأجرين. فكما نلاحظ تباطؤ السوق المحلي بدليل التنافس وتقديم تخفيضات كبيرة في السلع المعمرة، كل هذا سيظهر بوضوح في الشهور الستة القادمة.
- أزمة العمالة الوافدة
يرى د. محمد الرميحي أن هيكلية التركيبة السكانية هي مشكلة قديمة ومتجددة في دول الخليج العربي، هناك أشكال ودرجات مختلفة من العمالة، هامشية، غير فنية، منزلية، شبه فنية، وفنية. ولا يعتقد أن دول الخليج يمكنها الاعتماد على العمالة الفنية وشبه الفنية والمنزلية، لكن يمكن الاستغناء عن العمالة الهامشية وغير الفنية. هناك بالفعل عدد ممن فقدوا أعمالهم ووظائفهم بدأوا في المغادرة، هذا سيؤثر في شبكات توزيع البضائع وعلى شبكة العمالة في محلات البيع وربما بعض العمالة شبه الفنية. لكن فكرة استغناء دول الخليج عن العمالة الوافدة بشكل نهائي أمر شبه مستحيل، كل الدول في العالم تحتاج إلى العمالة الوافدة بأشكال مختلفة وصور مختلفة.
أما عبد العزيز القناعي فيرى أن أزمة العمالة الوافدة للكويت لاسيما العمالة المصرية بعد وصول فيروس كورونا أخذت حيزا كبيرا من النقاش والطرح دون أي رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية بديلة، علما بأن الحكومة الكويتية وبعض المواطنين الكويتيين من أصحاب النظرة السلبية للعمالة الوافدة يتحملان مسؤولية تلك الهجمة الشرسة على الوافدين. من الضروري أن نقول إن الوافد حين أصبح عبئا على الدولة الخليجية وخدماتها، وعلى المواطنين ورفاهيتهم، فهو بالضرورة نتاج خلل يطال الكثير من نمط المعيشة الخليجي وتراخي القوانين الخليجية وهيمنة بعض أصحاب النفوذ على حركة التأشيرات والإقامات التي تدر الملايين على أصحابها وعلى الشركات بشكل يشابه الاتجار بالبشر. معالجة هذه الأزمة لا تكون فقط بتقليص دور الوافدين أو الاستهزاء بهم أو محاولة طردهم، فهذا عبث وعمل غير أخلاقي، لأن الكثير من المواطنين لم يرتقِ إلى القيام بأعمال الوافدين، وخصوصاً الأعمال اليدوية المهنية. وهذا لا يتحمل وزره المواطن فقط، بل أيضاً نتاج فشل التعليم المهني وغياب الدور الحكومي في دعم وتأسيس الشباب الخليجي في مجال عمل الوافدين، وقبل هذا تتحمل الأسرة الخليجية هذا الخطأ باستدامة الاعتماد على الوافد العربي أو الآسيوي في المنزل للقيام بغالبية الأعمال وإهمال تربية أطفالهم وتدليلهم ونفخ “الإيغو” الخاص بالهوية الخليجية المتعالية التي لولا أموال النفط لما كانت كذلك.
- توطين العمالة واستخدام العمالة المحلية
يعتقد د. محمد الرميحي أن توطين العمل واستخدام العمالة المحلية يحتاج لخطة طويلة المدى، فهناك نقص في التدريب الفني كما أن الثقافة السائدة لا تستسيغ القيام بالكثير من الأعمال والمهن، تلك الثقافة ظهرت مع ظهور النفط. قبل النفط كانت الناس تعمل في الخليج مزارعين وغواصين ومنتجين للحرف الصغيرة والمرأة كانت تعمل في المنزل، الآن لم تعد الأمور كذلك. أيضا أصحاب الأعمال يميلون لاستخدام العمالة الوافدة لأنها أرخص وتعمل ساعات أطول ولا يترتب عليها الكثير من الإشكالات القانونية. لكل ذلك لا يعتقد د. محمد الرميحي أن الأمر سيكون سريعا أو مباشرا.
أما أحمد سعد زايد فيرى أن المستقبل سيرسم صورته على شكل العمالة في العالم كله، ليس فقط العمالة الوافدة إلى دول الخليج، فالتكنولوجيات الحديثة ستغير أشكال العمل ومفاهيمه، ستختفي أعمال وتظهر أخرى. تقديم الخدمات والأعمال عن بعد، المزيد من المكننة واستخدام الذكاء الصناعي ستشكل عالم جديد بالتأكيد سينعكس على شكل العمالة الخليجية وافدة وغير وافدة.