تصاعد الحملات ضد حقوق الإنسان وتزايد الانتهاكات في دول الخليج العربي أو البلدان العربية على وجه العموم، حالة تدعونا دائما إلى الأخذ في الاعتبار ليس فقط نوع الأنظمة السياسية، بل وكذلك القوانين التي يتم وضعها وتطبيقها. ذلك أن نوع الأنظمة السياسية لم يعد وصفا يُقدم تباينا في الحالة السياسية أو طريقة إدارة الحكم داخل البلاد، ذلك أن القمع واحد والاستبداد متشابه لدرجة النسخ واللصق، حتى وإن اختلف وصف الأنظمة. هذه المقالة القصيرة التي ستخصص النقاش حول عُمان، ستتطرق إلى الحديث عن أسباب وجود الانتهاكات أو القوانين التي تمثل انتهاكا للحقوق والحريات العامة بحدّ ذاتها النتائج المترتبة من ذلك. كما ستناقش البدائل التي من الممكن طرحها وكذلك تطبيقها والمأمول أو النتائج المنتظرة من استبدال القديمة بها وتفعيلها.
السبب = النتيجة
في تقريره المنشور في 2018، تناول المركز العماني ل حقوق الإنسان النسخة المحدّثة من قانون الجزاء العماني الصادرة في يناير 2018، وألقى الضوء على مجموعة من المواد التي، ونتيجةً لتطبيقها، فإنها تُشكل انتهاكا صارخا للحقوق والحريات. هذه القوانين لا زال تطبيقها إلى اليوم ينتج عنه المزيد من الانتهاكات. أحدث هذه الأمثلة حالات الاعتقالات والأحكام التي صدرت حديثا ضدّ مواطنين بسبب تغريدات في تويتر. مثل عوض الصوّافي وسالم العوفي. ما يزيد من الانتهاك سوءًا هو التهم التي من الممكن أن تضاف على التهمة الأساسية، على سبيل المثال، لو اعتُقِل شخص تحت بند المادة 97، والمعنية بإعابة سلطان البلاد أو النيل من هيبة الدولة، فالتهمة التي تتبعها ستكون طبقا للمادة 19 من قانون جرائم تقنية المعلومات.
مثال آخر في قانون الجزاء العماني، وهو المادة 44، والتي نوعا ما تعتبر تشريعا للعنف المنزلي ضد النساء والأطفال. المادة تبيح لولي الأمر أو الآباء تأديب أولاده القصّر بما يكون في حدود الشرع أو القانون. المادة 116 هي المادة التي تستند عليها المشرع في عمان إلى منع تنظيم أو إنشاء أي عمل مدني ذي غرض حقوقي أو سياسي. ما يعني أن أي شخص يباشر أي نشاط سياسي أو حقوقي حتى وإن كان إلكترونيا، فإنه معرض للسجن بما لا يقل عن 3 سنوات ولا يزيد عن عشر سنوات.
المزيد من الأمثلة هو المادة 121 المعنية بحرية التجمع والتظاهر السلمي. المادة نتيجتها المعاقبة بالسجن بما لا يقل عن 3 أشهر ولا يزيد عن سنة لكل من اشترك في أي تجمهر سلمي! من الفكاهة حول هذه المادة، أنها لا تتعامل مع التجمهر المعني بمظاهرات تأييد السلطة أو الاحتفالات الوطنية، ولم تكن هناك حالة اعتقال واحدة لأشخاص شاركوا في هكذا نوع من المظاهرات أو التجمعات –القائمين بأي أعمال شغب ليسوا المعنيين هنا– ولا حتى استدعاء. المادة 123 تتبع أي شخص دعا إلى أي نوع من التجمهر الذي قد تُفسره السلطة بأن فيه إخلالًا بالنظام العام أو النيل من هيبة الدولة.
لعلّ توثيق الانتهاكات ضد حقوق الإنسان والحريات مهم لتأريخ النضال حقوق الإنسان للأفراد وكذلك شراسة الأنظمة السياسية في التعامل مع هكذا نشاط، إلا أن عدم العمل على الدفع بهذه الأنظمة إلى ضرورة تغيير القوانين هو مؤشر لاستمرار هذه الانتهاكات. حتى وإن شكّل النضال الحقوقي والإدانة للانتهاكات نوعا من المعارضة لهذه القوانين، إلا أن إنشاء عمل قانوني مستقل قائم على نظرة حقوقية أو إنسانية خطوة مهمة وبالتأكيد ستكون فاعلة في تغيير أو استبدال هذه القوانين.
البديل = المأمول
للتوضيح في البداية، فالقصد من البديل هو ليس فقط التخلّص من السابق بآخر مستحدث أو جديد، بل كذلك التعديل، إن كان ذلك ممكنا. على سبيل مثال، المادة 121 المتعلقة بتجريم التجمهر السلمي، من الممكن إبقاؤها مع التعديل عليها وذلك بالسماح بالتجمهر طالما كان سلميا. ولربما قد تُضاف عليها بعض التفاصيل التي تنظم هذا التجمهر، على سبيل المثال إذا كان التجمهر في مكان عام ولكن غير حيوي، حيث لا ينتج عنه أي توقف لحركة البشر أو المركبات…إلخ، فلا داعي لمنظمي هذا التجمهر إلى استخراج إذن من السلطات. لكن، إذا كان هذا التجمهر في مكان حيوي، وبالتأكيد سينتج عنه توقف لحركة المرور على سبيل المثال، فإن استخراج الإذن يُحبذ أن يكون متطلبا، ليس لإعطاء السلطات إمكانية التدخل في التجمهر ذاته، ولكن لإلزامها بضرورة تأمين التجمهر والقيام باللازم مثل إيجاد طرق بديلة للمركبات أو الإعلان المسبق عن إغلاق الطرق المحددة لهذا التجمهر.
في المقابل، المادة مثل 97 المعنية بإعابة الذات السلطانية، من الأفضل إلغاؤها جملة وتفصيلا، فهي ليست للاستبدال ولا للتعديل. ذلك أنّه وطالما السلطان هو نفسه على رأس المؤسسات التنفيذية/ القضائية/ التشريعية، فانتقاده واجب ومراقبته أمر لا بدّ منه. ذلك أن العمل السياسي من غير المشاركة والمراقبة الشعبية يكون عملًا استبداديًّا الغاية منه وضع قوانين بما يخدم السلطة فقط أو بما يحمي مصالح فئة معينة. كذلك، هكذا نوع من الأنظمة السياسية هو بحدّ ذاته يتضمن إهانة للشعوب إذ يقدّمها وكأنها شعوب غير قادرة على صنع القرار وغير مؤهلة للمشاركة في العمل السياسي.
الاستبدال/ التعديل/ التغيير يقود إلى اندحار حالة الانتهاكات المتعددة التي تحدث من قبل السلطة، بل وكذلك ستُسهِم في محاسبة السلطة قانونيا أو قضائيا حالة انتهاكها لهذه الحقوق، حتى وإن كان نظريا إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه عادة ما تكون السلطة في أغلب البلدان العربية متحكمة في السلطات الثلاث. أي أن المأمول وجود واقع فيه احترام للحقوق الحريات العامّة مهما كان اختلافها.
الطريق إلى التعديل والتغيير
السؤال الذي يجب طرحه هنا، هل توثيق ونشر الانتهاكات التي تمارسها السلطة، يعتبر أمرًا “غير أخلاقي”؟ بمعنى، هل يمكن إدراجه تحت تصنيف خيانة الدولة أو العمالة لأنظمة أخرى. من الواجب الأخلاقي لأي فرد مراقبة أداء حكومته، بل والتوقف عند أخطائها ومحاسبتها على أي تقصير. وليس من واجب الفرد التصفيق أو التهليل لقرارات الحكومة أو حتى إنجازاتها طالما أن ذلك من واجبها. تشكيل جبهة تحدٍّ أو مواجهة لتسلط الحكومة أمر صحّي تماما، واضطرار العديد من الناشطين إلى التعبير عن آرائهم أو المطالبة بالحقوق من خارج بلدانهم هو أمر اضطراري وليس اختياريًّا في غالب الأحيان نظرا لما قد يواجهه الناشط من تضييق قانوني وتداعيات أمنية لأي نشاط تفسره السلطة على أنه ضد قوانين البلد، التي وضعتها السلطة بنفسها.
الخلاصة
القوانين الداخلية لأي بلد مثل قانون الجزاء العماني في عمان عادة ما ينتج عن تطبيقه انتهاكٌ للحقوق والحريات، هذا الانتهاك قد يتمثل في الاعتقال والسجن والغرامة. توفير أو المطالبة بالبديل أمر صحّي ومطلوب لأنه حتما سيقود إلى تراجع حالة الانتهاكات التي ترتكبها السلطة. تقديم هذا انتقاد السلطة وقوانينها على أنه عمل فيه فتنة أو عداء للبلد ونظامه هو أمر مغلوط عادة ما تروّج له السلطات من أجل حماية مصالحها وبسط نفوذها أكثر.