تتكرر مشاهد الغرق المأساوي لمهاجرين عرب في وسائل الإعلام لحدٍ أصبحت رقماً لا يشكل فارقاً عاطفياً في مشاعر المشاهدين، فيما يحلم الأغلبية من الشباب بالهجرة فراراً من واقعهم المؤلم ثقافياً واقتصادياً، لكن المثير للأسى والسخرية في أنٍ معاً هو أن هنالك الكثير من المهاجرين الذين يصلون لدول اللجوء ويحاولون استنساخ ذات الأنماط التي كانت سبباً في دمار بلدانهم، الأمر الذي ينتهي غالباً لأنشطةٍ إرهابية تزعزع أمن البلدان التي احتضنتهم.
ماجدة الحداد، سيدة يمنية هاجرت أواخر العام 2014م من اليمن للولايات المتحدة أملاً في الوصول لمكانٍ تحصل فيه على ظروف مواطنةٍ أفضل مما كانت عليه في بلدها وما لحق بها من مشاكل بسبب نشاطها الحقوقي والسياسي هناك، إلا أنها وللأسف رأت شبح الإرهاب الذي فرت منه يطاردها في بيت الحرية العالمي ووطنها الجديد، الولايات المتحدة.
شن مجموعة من مشاهير التواصل الإجتماعي اليمنيين المقيمين في الولايات المتحدة هجوماً على الحركة النسوية ونادوا بحرمان الفتيات المسلمات المقيمات في البلدان الغربية من التعليم وإبقائهن في المنازل أو إعادتهن لبلدانهن ومنعهن من اقتناء الهواتف أو خروجهن من المنزل، للحفاظ على الشرف حسبما عبروا عنه والدفاع عن الإسلام.
رياض الزنم، ناشطٌ يمنيٌ أمريكي على وسائل التواصل الإجتماعي، في بثٍ مباشرٍ له على صفحته في فيسبوك وجه تهديداته لليمنيين والعرب في الولايات المتحدة بالتدخل في ضبط وتربية نسائهم إذا لم يستمعوا له وعصبته، مُنَصِباً نفسه ومجموعةٍ من زملائه من مشاهير وسائل التواصل كأوصياء على ما أسموه الشرف، وأوصوا الرجال بضرب نسائهم ولطمهن وسلب هواتفهن قائلاً ” صبح بنتك بملطام وأمها بعشرة”، كان هذا الكلام حديثاً له على خلفية إعلان الشرطة فقدان فتاةٍ يمنية كانت قد فرت مع صديقٍ لها كما اتهم “الزنم” قبل أن تعود بعد يومين من إعلان الشرطة على صفحتها.
مجموعةٌ من النسويات اليمنيات والعرب وقفن في وجه حملة الزنم ورفاقه، واتهمنهم بالتحريض للعنف ضد المرأة وتقييد حرياتهن، الأمر الذي قوبل بالتهديدات التي وصلت حد التشهير بهن ودعوات الزنم لإعادة النساء لبلدانهن الإسلامية خوفاً من تدنيس شرفهم القابع في مهابل النساء، حيث قال أن بقاء الفتيات المسلمات في الولايات المتحدة ودخولهن المدارس يعني أنهن سيتعلمن الثقافة الأمريكية ويمارسن الجنس مع الشباب الأمريكيين خارج إطار الزواج التقليدي الذي تدبره الأسر العربية في الجاليات المقيمة بالولايات المتحدة.
رابعة الذيباني، ناشطةٌ سياسيةٌ ونسويةٌ أمريكيةٌ في الحزب الديمقراطي يمنية الأصل وواحدةٌ من النسوة التي نالها التشهير والانتهاك، عبرت في صفحتها على فيسبوك في منشوراتٍ متكررة عن أسفها البالغ إزاء تجاهل الكثير من الوجوه البارزة في الجالية اليمنية والعربية للإنتهاكات التي طالت المرأة العربية الأمريكية، بالإضافة لدعم الكثير من هذه الشخصيات لهذه الحملة ودعمهم للأراء التي تبناها الزنم ومحمد المسمري، احد مشاهير وسائل التواصل الأمريكيين اليمنيين، والذين يريدون استنساخ الظروف ذاتها التي حولت بلدانهم الأم إلى مستنقعات صراعاتٍ طائفية وإرهابية تحتقر المرأة وترى منها مخلوقاً ناقصاً.
“المسمري” وفي عدة ردودٍ له أيضاً دعم حملة صديقه الزنم وحاول تجييش الرأي العام لصالحه متفاخراً بمحافظته على هذه العادات و التقاليد في بلدٍ مثل الولايات المتحدة.
للمسمري نشاطٌ حافلٌ من الهجوم اللاأخلاقي و التشهير بشخصياتٍ سياسية ويمنية على خلفية معتقداتها، وصلت لحد الإساءة الشخصية والتهديد، حيث أساء قبلها مراراً للسياسي اللاديني اليمني علي البخيتي وأسرته وهدده مراراً بأن لا مكان له وفكره في اليمن، فيما هاجم سابقاً المثليين وناشطات الحركات النسوية، وأساء في قصائد شعريةٍ كثيرة لشعوب الخليج بلهجةٍ عرقيةٍ عنصريةٍ مقيتة.
الجدير بالذكر أيضاً أن المسمري يحمل الجنسية الأمريكية التي أقسم فيها بالدفاع عن حقوق الإنسان والحرية والقيم الأمريكية، والتي منها القضايا التي يعمل ضدها ويحرض على ارتكاب العنف تجاه أصحاب هذه القضايا من الأقليات والناشطات النسويات.
ماجدة الحداد، والتي وصلتها كما قالت الكثير من التهديدات التي أصبحت تشكل قلقاً لها ولأسرتها، وخصوصاً بعد أن طالتها إتهامات بالتحريض على خلع الحجاب والإساءة للإٍسلام، الأمر الذي يشكل قلقاً من تحريض المتطرفين المسلمين في الولايات المتحدة على إلحاق الأذى بها وبأفراد أسرتها بعد نشر مجموعة من الناشطين لعناوينها هي وصديقاتها، فيما البعض أعلن عن رغبته في استئجار قتلةٍ لحماية الشرف العربي.
الشرطة حسب ما أعلنت السيدة ماجدة طمنتهن ووعدت بحمايتهن واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الإنتهاكات التي طالتهن ومواجهة دعوات التحريض على العنف ضد المرأة، حيث أكدت هي وصديقاتها أنهن ماضياتٍ في أخذ حقوقهن عبر القضاء الأمريكي والدفاع عن أي امرأةٍ يطالها العنف أو الحرمان من حقوقها المدنية على خلفية النوع.
اللافت في الأمر هو أن هذه القضية تعتبر جزءاً من مشكلةٍ إجتماعيةٍ ,أمنيةٍ حقيقية في المجتمعات الغربية المحتضنة للمهاجرين، وهو الأمر الذي يشكل خطراً أمنيا من حيث عدم رغبة غالب المهاجرين في الإندماج في مجتمعات أوطانهم الجديدة وتحول علاقتهم معها لسلبية الطابع وتكريس مشاعر الكراهية تجاه المجتمعات الحاضنة، الأمر الذي يساهم في دعم اليمين المتطرف في هذه البلدان ووصله لرأس هرم السلطة، بالإضافة لردود الفعل العنيفة التي قد تمارس ضد هذه المجتمعات المهاجرة كنتيجة طبيعية لانعزالها ومعاداتها للشعوب المضيفة.
البعض يرى أن بإمكان برامج الدمج الإجتماعي الممولة حكومياً رأب هذا الصدع وإدماجهم، حيث أنفقت ألمانيا ما يقارب الثمانين مليار يورو على برامج الدمج الإجتماعي حسب قناة DW الألمانية، فيما يرى البعض ذلك عبثاً وإهداراً لأموال دافعي الضرائب في الدول الغربية، فمعظم المنتمين لمجتمعات المهاجرين لا يرغبون أصلاً في الإندماج ويمنعون أسرهم وأطفالهم من ذلك، الأمر الذي ينتهي بهم كتهديدٍ أمنيٍ محتمل مستقبلاً.
ويرى ناشطون أن سبب تغيرات سياسة اللجوء في الدول الغربية، والولايات المتحدة خصوصاً، سببه هذه المشكلة، حيث وقد منعت الولايات المتحدة مواطني مجموعةٍ من البلدان العربية والإسلامية من دخول أراضيها على خلفية تهديد وافديها للأمن القومي.
وبين الهجرة والفرار تبقى أحلام شباب المنطقة العربية معلقةً على فهمهم لأسباب مشاكلهم الوطنية قبل الهجرة حاملينها معهم لأوطانهم الجديدة التي أحتضنتهم ووفرت لهم حقوق المواطنة التي لا يسمعون عنها شيئاً في بلدانهم.